"غزة جديدة".. كيف تحول مخيم جنين إلى رمز للمقاومة بالضفة الغربية؟
عاد مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين إلى واجهة العمل العسكري بعد 20 سنة على أكبر هجوم إسرائيلي عليه لاجتثاث جذوة المقاومة المشتعلة فيه منذ انتفاضة الأقصى عام 2000.
فمن 3 حتى 18 أبريل/ نيسان 2002، اجتاح الجيش الإسرائيلي بالدبابات والجرافات والطائرات، المخيم ودمر حوالي 100 مبنى بشكل كامل وأخرى مثلها تضررت جزئيا.
كما أن 800 أسرة يقدر عدد أفرادها بأكثر من 4 آلاف شخص، فقدت المأوى في العملية التي عرفت باسم "السور الواقي".
ووفق تقرير أصدرته الأمم المتحدة وقتها، ارتكبت قوات الاحتلال "عمليات تعذيب واعتقال تعسفية وأعمال قتل غير مشروعة ومنعت العلاج والمساعدة الطبية".
وقتل الجيش الإسرائيلي في الهجوم ما لا يقل عن 52 فلسطينيا، نصفهم تقريبا من المدنيين، لكنه خرج بـ23 جثة من جنوده، ومن وقتها بات يشار إلى مخيم جنين بأنه رمز للمقاومة في الضفة الغربية.
إرث قائم
جاءت عودة التوتر، بعد فرار ستة أسرى من سجن جلبوع الإسرائيلي، في سبتمبر/ أيلول 2021، حيث انتشر عشرات المقاومين وأعلنوا الاستعداد للمواجهة حماية للأسرى الفارين.
وشكلت الفصائل الفلسطينية ما سمته "غرفة العمليات المشتركة" في المخيم، وضمت للمرة الأولى ومنذ سنوات، الأجنحة العسكرية المحسوبة على حركات: التحرير الوطني "فتح"، والمقاومة الإسلامية "حماس"، و"الجهاد الإسلامي".
لكن بعد أسابيع أعيد اعتقال الأسرى الفارين، ثم بدأت حملة اعتقالات وتصفيات لمقاومين من المخيم مستمرة حتى اليوم.
وفي 9 أبريل 2022، قال نادي الأسير الفلسطيني، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي، اعتقلت منذ مطلع 2022 نحو 200 مواطن من محافظة جنين، نصفهم في مارس/آذار.
وعدد معتقلي محافظة جنين القابعين حاليا في سجون الاحتلال يبلغ نحو 500، من أصل 4500 أسير، وفق ذات المصدر.
وانتفضت جنين مجددا عقب عملية نفذها الشاب المنحدر من المخيم رعد حازم في "تل أبيب" مساء 7 أبريل، وأدت إلى مقتل 3 إسرائيليين وإصابة أكثر من 10 آخرين.
ورفض فتحي حازم والد الشهيد الامتثال لأوامر ضباط الاحتلال الإسرائيلي بتسليم نفسه في معسكر سالم غربي المدينة عبر اتصال هاتفي في 9 أبريل، للمرة الثانية.
وبعدها، اجتاحت قوات الاحتلال مخيم جنين لاعتقاله هو وأفرادا من العائلة بذريعة مساعدته ابنه بتنفيذ العملية، لكن محاولة الإمساك بهم باءت بالفشل جراء اشتباكات مسلحة عنيفة جرت في المنطقة.
وحاول الاحتلال اقتحام مخيم جنين أكثر من مرة خلال أبريل لكنه واجه مقاومة شرسة تخللها استشهاد عدد من الفلسطينيين.
وأمام فشل المحاولات المستمرة، أصدر وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي بيني غانتس مساء 9 أبريل رزمة من القرارات بعد انعقاد جلسة على إثر التوتر الأمني، أبرزها منع دخول وخروج فلسطينيي الـ48 من وإلى جنين، سواء كان الدخول مشيا على الأقدام أو من خلال المركبات.
ووفقا للقرارات الصادرة، سيُمنع تجار جنين أيضا من الدخول إلى أراضي الداخل المحتلة عام 1948.
ويعني القرار الإسرائيلي حرمان 5 آلاف فلسطيني من لقاء ذويهم وعائلتهم على جانبي أراضي الـ48 بين سكان محافظة جنين والداخل.
كما منعت إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلي أهالي جنين من زيارة ذويهم في المعتقلات لدواع أمنية.
غزة مصغرة
تشكل مخيمات اللاجئين منذ إقامتها مصدر قلق لإسرائيل، خاصة مخيم جنين الذي تحوّل بالنسبة للفلسطينيين إلى رمز للمقاومة.
وتقول صحيفة يديعوت أحرونوت: "مخيم جنين لا يسبب حرجا فقط لإسرائيل بل للسلطة الفلسطينية نفسها التي لم تستطع حتى الآن فرض سيطرتها عليه".
وتشير في تقرير نشرته في 11 أبريل، إلى أن "تعاظم قوة المسلحين في مخيم جنين كان سببه اتساع رقعة الاتجار بالسلاح من إسرائيل إلى الضفة الغربية من خلال ثغرات في جدار الفصل"، وزعمت أن غالبية السلاح دخل إليه من مدينة أم الفحم.
ووصفت الصحيفة المخيم بأنه "قنبلة موقوتة" و"غزة جديدة"، بعد أن فهم المسلحون فيه آليات العمل الإسرائيلية واستنسخوا تجارب القطاع المحاصر.
وبينت أن "الفصائل الفلسطينية وخاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي تجري في المخيم تدريبات عسكرية لعناصرها، كما تواجه قوات الجيش الإسرائيلي التي تحاول دخوله مقاومة من خلال إطلاق النار ونصب العبوات المتفجرة، وهو ما لا يجرى بمثل هذا الشكل في أي مخيم آخر بالضفة الغربية".
وترى وسائل إعلام عبرية أن "الصحوة الوطنية" في مخيم جنين هي الأشد منذ أكثر من عقدين، لكنها لم تكن مفاجئة خاصة أن المخيم يعد بيئة خصبة للعمل العسكري.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، قال الكاتب إليور ليفي إن مدينة جنين هي "غزة المصغرة التي تؤدي استعراضات عسكرية تهدف إلى ترهيب إسرائيل".
وأضاف في مقال بصحيفة يديعوت أحرونوت أنه، ليس من المؤكد إن كانت الأحزمة الناسفة التي ارتداها المسلحون في الاستعراض الأخير (بنفس الشهر) معُبأة بالمتفجرات، لكن في هذه الحالة كانت الرسالة مهمة.
إذ أعلن الملثمون وقتها بالقول “نحذر العدو الصهيوني من القيام بعمل غبي ودخول المخيم لأننا جاهزون”.
وعادت التهديدات بتنفيذ العمليات الفدائية إلى مخيم جنين للاجئين، الذي أصبح من أعظم رموز الانتفاضة الثانية.
ويزعم الكاتب أن الهالة المحلية للمسلحين عند الجمهور الفلسطيني قد تلاشت على مر السنين، لكن إرث المخيم لا يزال قائما.
إذ أدى تسلسل الأحداث في منطقة جنين على مدى الأشهر الماضية إلى إحساس السكان بأن المكان قد عاد عشرين سنة إلى الوراء.
لماذا جنين؟
مخيم جنين، واحد من 19 مخيما للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية، تديره وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
تأسس عام 1953 ضمن حدود بلدية جنين، وينحدر أغلب سكانه من منطقة الكرمل في حيفا وجبال الكرمل، داخل الأراضي المحتلة عام 1948.
تبلغ مساحته 473 دونمًا، ويقطنه 12 ألف لاجئ فلسطيني، معظمهم (8500) تحت سن 40، أي من فئة الشباب، في حين أن معدل البطالة بين شبان المخيم مرتفع فقد بلغت 35 بالمئة.
ويشير الكاتب إليور ليفي إلى أنه مع انتهاء الانتفاضة الثانية وإعادة تأهيل السلطة الفلسطينية، بدأ المسلحون في مخيمات اللاجئين يشعرون بأنه قد جرى تجاهلهم تماماً، وهو ما تعتقد إسرائيل أنه ساهم في الحالة الثورية لديهم.
لكن الفلسطينيين لا يربطون المقاومة النادرة في الضفة الغربية بالوضع الاقتصادي، بقدر ما يعتقدون أن الحالة الثورية التي تشكلت بالمخيم في معركة جنين عام 2002 هي ما تقف وراء ذلك.
وهذه الحالة تتعمق أكثر بسبب بعدها الوحدوي، فالغرفة المشتركة داخل المخيم تتكون من عناصر من الجهاد الإسلامي وحماس وفتح التي تطلق على نفسها "كتائب شهداء الأقصى"، رغم أن هذا الجناح العسكري لم يعد موجودا بالفعل.
وينبع الإصرار لدى عناصر فتح من تسمية أنفسهم بذلك من رغبتهم بإعادة حركة فتح الثورية قبل انغماس السلطة الفلسطينية في التنسيق الأمني والتعاون مع الاحتلال.
ويقول ليفي إن "القاسم المشترك بين تلك الفصائل هو كراهية السلطة الفلسطينية ومؤسساتها والرغبة في محاربة إسرائيل بكل الطرق".
وتوضح صحيفة يديعوت أحرونوت أن "أجهزة أمن السلطة حاولت جاهدة خلال الأشهر الماضية فرض السيطرة على مخيم جنين من خلال عملية واسعة وكبيرة جرى التخطيط لها لأشهر طويلة، لكنها فهمت بسرعة أيضاً أن المخيم أكبر من قدرتها، وجرى إنهاء العملية بنجاح ضئيل جداً".
ومن الأسباب على هذه الحالة الثورية وفق ما يقول موقع N12 العبري هو الكمية الكبيرة من الأسلحة التي يمكن العثور عليها في المخيم.
فوفقًا لبعض التقديرات التي نقلها الموقع من المخيم في أغسطس/آب 2021، يوجد فيه ما لا يقل عن 5000 قطعة سلاح، "وهذه كمية ضخمة غير مسبوقة من البنادق".
وخلص بالقول: "الهوية الموحدة حقًا للفصائل المسلحة هي هويتهم كأعضاء في مخيم جنين، المتوقع منهم هو الرد حتى بإطلاق النار على قوات الجيش الإسرائيلي عندما تدخل هناك".