قيس سعيد يوجه مدافع انقلابه إلى منظمات المجتمع المدني.. هل ينجح في إخضاعها؟

زياد المزغني | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد بسط سيطرته على السلطات الثلاث في تونس، التنفيذية والتشريعية والقضائية، دشن الرئيس قيس سعيد حملة جديدة تستهدف المجتمع المدني في البلاد.

وبنفس الطريقة التي اعتمدها سابقا مع البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء، وجه سعيد اتهامات إلى الجمعيات، فقال إنها "في الظاهر جمعيات، لكنهم امتداد لقوى خارجية، ولن نسمح بأن تأتي هذه الأموال للجمعيات للعبث بالدولة أو القيام بحملات انتخابية تحت غطاء تمويلات أجنبية"، على حد تعبيره.

في المقابل، دعت 12 جمعية مدنية وحقوقية بتونس، في بيان مشترك، إلى "تشكيل جبهة" للتصدي لأي محاولة من السلطة التنفيذية لـ"قمع العمل الجمعوي أو التضييق عليه"، معلنة رفضها لدعوة سعيد، في 10 مارس/آذار 2022، سن قانون يمنع تمويل الجمعيات غير الحكومية من الخارج.

كما عبرت قوى سياسية وناشطون عن الخشية من الانزلاق نحو مزيد من التضييق على الحريات والحقوق المدنية والسياسية، ومنها حق تكوين جمعيات وأحزاب سياسية، وذلك في منحى استبدادي يعيد تونس إلى مربع الدكتاتورية التي خرجت منه بفضل ثورة 2011.

تضييق جديد 

وتضاعفت مخاوف الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني في تونس، من ذهاب الرئيس سعيد نحو التضييق على عملها وقطع مصادر تمويلها خاصة تلك المتأتية من جهات أجنبية.

وفي كلمته خلال اجتماع مجلس الوزراء بقصر قرطاج، في 24 فبراير/شباط 2022، بحسب فيديو نشرته الرئاسة التونسية على صفحتها بموقع "فيسبوك"، قال سعيد: "لا بد من نص (قانون) يمنع تمويل الجمعيات (غير الحكومية) من الخارج".

وأضاف "هي في الظاهر جمعيات ولكنها امتداد للخارج"، مشددا على أنه "لن نسمح بأن تأتي هذه الأموال للجمعيات للعبث بالدولة التونسية أو القيام بحملات انتخابية".

وتابع: "لا مجال أيضا أن يتدخل في شؤوننا أحد لا بأمواله ولا بضغوطات، نحن شعب له سيادته وكرامته، ولا مجال للتلاعب بالقوانين حتى يتم شراء الذمم ويتم تهريب الأموال عن طريق هذه الجمعيات.

وأوضح أن "الجمعيات التي هي في الظاهر جمعيات، هي امتداد لأحزاب أو لقوى لفظها التاريخ"، في إشارة إلى معارضيه.

وبحسب مصادر خاصة للاستقلال، فإن "عددا من الجمعيات الناشطة في مجال العمل الخيري بلغتها مراسلات من السلط الجهوية (المحافظات)، من أجل التدقيق في نفقاتها ومصادر تمويلها، وإبلاغ البعض منها إلى تعليق نشاطها إلى حين الانتهاء من ذلك".

وعبرت مجموعة من المنظمات والنقابات عن رفضها لمشروع تنقيح المرسوم عدد 88 لسنة 2011 لما يحمل في طياته من تضييق على حرية تأسيس الجمعيات وحرية العمل الجمعياتي في تونس كما أقرها الدستور والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من الدولة التونسية.

وقالت في بيان مشترك صادر في 4 مارس/آذار 2022،  على أن النسخة المتداولة لتعديل المرسوم تمثل انتكاسة وضربا للحق في تكوين الجمعيات وإنشاء الفروع والشبكات والاندماج بينها، وتحد من حق الأفراد في الترشح إلى الهيئات التمثيلية المحلية والجهوية والوطنية، وتثقل كاهل الجمعيات بالالتزامات والإجراءات الإدارية غير المبررة".

وأضاف البيان "هذه التعديلات ستؤدي إلى تدخل الإدارة في السير الداخلي للجمعيات إلى تمكينها من حل الجمعيات دون اللجوء إلى القضاء مما يجعل المجتمع المدني رهينة في يد السلطة التنفيذية". 

واعتبر أن "المرسوم المنظم لعمل الجمعيات، أحد أول إنجازات ثورة الحرية والكرامة في تونس، حيث ناضلت أجيال من السياسيين والحقوقيين من أجل الدفاع عن الحق في التنظيم واستقلالية العمل الجمعياتي عن مؤسسات الدولة والأحزاب السياسية. 

عودة للاستبداد

هذا الموقف الداخلي يقابله تخوف أممي من الانهيار السريع للديمقراطية في تونس على يد سعيد، بعد سيطرته على السلطات الثلاث، حيث أكدت المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشال باشليت، أنه "يساورها قلق عميق إزاء استمرار تعليق عمل البرلمان والتآكل السريع للمؤسسات الرئيسة".

وانتقدت في تقريرها الشفوي الدوري حول أوضاع حقوق الإنسان في العالم، أمام الدورة 49 لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المجتمعة بقصر الأمم بجينيف في 8 مارس/آذار 2022، قرار حل مجلس القضاء الأعلى الذي اعتبرت أنه يهدد بشكل خطير سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء.

وقالت باشليت "إنني قلقة للغاية من إعلان سعيد مؤخرا عن خطط لمنع منظمات المجتمع المدني من تلقي أي تمويل من الخارج، وهو حكم يهدد بإلحاق ضرر عميق بالفضاء المدني والديمقراطي الأساسي".

ففي 24 سبتمبر/أيلول 2011، أصدرت الحكومة حينها هذا المرسوم باقتراح من الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي التي تشكلت مباشرة بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي، يضمن حرية تأسيس الجمعيات والانضمام إليها والنشاط في إطارها وتطويرها والحفاظ على استقلاليتها.

ويعتبر مراقبون أن هذا المرسوم "ثوري وتقدمي"، حيث قطع مع الإرث الاستبدادي للنظام التونسي في عهدي الرئيسين الحبيب بورقيبة وبن علي.

فبمقتضى القانون التونسي، كان تأسيس الجمعيات خاضعا لإجراءات صارمة تشرف عليها وزارة الداخلية، حيث يتطلب التأسيس الحصول على ترخيص قبل جعل الجمعيات الناشطة أو أغلبها جمعيات موالية للنظام أو غير ناشطة البتة في المجال السياسي، ولا تضم من بين منخرطيها سياسيين غير موالين للنظام.

سياسة عبثية

واعتبرت الناشطة السياسية، شيماء عيسى، أن "المرسوم عدد 88 لسنة 2011 الخاص بالجمعيات يعتبر نصا ثوريا وهو مكسب من مكتسبات الثورة، لأن المجتمع المدني اليوم يقوم بأدوار تعجز الدولة عن القيام بها، فعديد من الكفاءات الوطنية وظفت طاقاتها إيجابيا من خلال المنظمات والجمعيات في خدمة المواطنين والوطن" . 

وأضافت عيسى، في حديث للاستقلال، "لعل سعيد ليس له معرفة ودراية للشراكة بين المجتمع المدني ومؤسسات الدولة التونسية، ربما لا يعلم أن المجتمع المدني يحصل على تمويلات تقدم للدولة في إطار مشاريع وبرامج، وربما لا يعلم أن القوانين تنص على ضرورة وجود ممثلين للمجتمع المدني في الهيئات الدستورية وبعض مؤسسات الدولة.

وتابعت: "يعني كأن الرجل ليس له اطلاع على الأسس النظرية والقانونية التي تتحرك في إطارها المنظمات والجمعيات".

وفي ردها على اتهامات سعيد للجمعيات بتلقيها أموالا أجنبية لخدمة أجندات سياسية، قالت عضو الهيئة التنفيذية لـ"مبادرة مواطنون ضد الانقلاب" "لا يمكن أن ننسى الجمعيات التي تحركت وعملت للدعاية لسعيد، ومن أشرف على المناظرات في الانتخابات الرئاسية كانت جمعية مناظرة بتمويل أجنبي وقامت بهذه التجربة الرائدة في المنطقة العربية" . 

واعتبرت عيسى أن "ما يقوم به سعيد خطيرا جدا وهو بالإضافة لكونه ضربا للديمقراطية وحق التنظم، فهو ضرب أيضا لجمعيات تقوم بأدوار داعمة للمجتمع حيث تنشط مئات الجمعيات التنموية في المحليات وجمعيات أخرى تقدم قروضا صغرى للشباب والطبقات الضعيفة وجل مصادر تمويلها من قبل هيئات دولية أو منظمات أو دول صديقة".

ورغم أن كل الصراعات التي خاضها سعيد انتهت بتحقيق ما أراده، من تجميد لعمل البرلمان إلى تعليق العمل بالدستور ثم حل المجلس الأعلى للقضاء وتطويع أجهزة الدولة لخدمة أجندته، إلا أن خطوة التضييق على الجمعيات "قد تبدو أصعب من سابقيها".

وتجاوز عدد الجمعيات في تونس 23 ألفا حتى نهاية العام 2021، وتقوم هذه الجمعيات بتشغيل آلاف الشباب في أنشطتها ومشاريعها، بالإضافة إلى شراكتها مع منظمات دولية وإقليمية.

وهو ما قد يرجح أن ينتهج سعيد والمحيطون به "سياسة انتقائية" تستهدف الجمعيات على أساس أفكارها وأنشطتها ومواقف القائمين عليها من انقلاب 25 يوليو/تموز 2021 وما تلاها. 

وتعاني تونس أزمة سياسية حادة منذ 25 يوليو/ تموز 2021، حين بدأ الرئيس سعيد فرض "إجراءات استثنائية" منها تجميد اختصاصات البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة الحكومة وتعيين أخرى جديدة.

وترفض غالبية القوى السياسية والمدنية في تونس هذه الإجراءات، وتعتبرها "انقلابا على الدستور"، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها "تصحيحا لمسار ثورة 2011"، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي.