إستراتيجية الخراب.. لماذا ترغب واشنطن بإغراق أفغانستان في وحل الفشل؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

قبل عقدين من الزمن، أسقط التحالف العسكري الدولي الذي قادته الولايات المتحدة عام 2001 حكم حركة "طالبان" بعد غزو شامل لأفغانستان، وفي أغسطس/آب 2021، اكتمل الانسحاب الأميركي من البلد الآسيوي الملقب بـ"مقبرة الإمبراطوريات".

ورغم وعود السلام والرخاء التي أطلقها البيت الأبيض تجاه كابول ومستقبلها الموعود، جاءت خطط الإدارة الأميركية وقراراتها الجديدة لتنسف كل هذا، وآخرها ما أعلنه الرئيس جو بايدن، بتجميد سبعة مليارات دولار من أصول الدولة الأفغانية مودعة لدى مؤسسات مالية أميركية حكومية. 

وهو القرار الذي سيزيد معاناة الأفغان ويدخلهم في دائرة الفوضى والاضطراب، ويسرع من وتيرة الانهيار. 

وبات السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا اتخذت الإدارة الأميركية القرار الصادم في هذا التوقيت؟ وما الأبعاد المستقبلية للإستراتيجية الأميركية في كابول؟ ومن المعني في الأساس بتحويل أفغانستان إلى دولة فاشلة؟ 

"إعدام جماعي"

في 11 فبراير/شباط 2021، وقع بايدن أمرا تنفيذيا يهدف إلى مصادرة سبعة مليارات دولار من أصول البنك المركزي الأفغاني.

وأرجعت الإدارة الأميركية سبب تلك الخطوة، إلى بند الدعاوى القضائية المستمرة التي يرفعها ضحايا الإرهاب الأميركيون، بما في ذلك هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وكذلك للمساعدات الإنسانية للشعب الأفغاني.

قرار بايدن تسبب في موجة غضب عارمة واستياء كبير بين الأفغان حكومة وشعبا، وسرعان ما أعلنت الحكومة الأفغانية التي تتزعمها طالبان أنه إذا لم تعد الولايات المتحدة النظر في قرارها فسيتعين على الحركة إعادة النظر في سياستها تجاه واشنطن.

ووصفت الحكومة الأفغانية عملية تجميد احتياطات البنك الوطني لبلادها، انتهاكا لجميع الأعراف الدولية.

أما الرئيس الأفغاني الأسبق حامد كرزاي ورئيس لجنة المصالحة السابق عبد الله عبد الله، فعبرا عن احتجاجهما وطالبا الرئيس الأميركي بمراجعة قراره.

وقال كرزاي في مؤتمر صحفي عقده في منزله بالعاصمة كابول، "إن الاحتياطات الإجمالية للبنك الوطني ليست ملكا لأي حكومة أو نظام، وإنما للشعب الأفغاني".

وأردف: "لن نقبل القرار الأميركي بالتصرف في أموالنا بهذه الطريقة، خاصة أن الشعب الأفغاني نفسه ضحية الإرهاب العالمي منذ عقدين". 

إستراتيجية الإفشال 

واعتبرت وسائل إعلام وتقارير دولية أن ما فعلته واشنطن جزء من منهجية إفشال الدولة الأفغانية، وأنه لن يزيد الشعب الكادح هناك إلا عناء. 

وفي 15 فبراير 2022، نشرت صحيفة "غلوبال تايمز" الأميركية، كاريكاتورا ينتقد قرار جو بايدن. 

ويظهر الرسم أن واشنطن أكلت نصف الطعام الموجود في الطبق (الأفغاني)، في إشارة إلى استخدامها نصف الأموال لمصلحتها.

وذكرت الصحيفة أنه "لا يحق للولايات المتحدة التصرف بصورة تعسفية، في الأصول الخارجية للدول الأخرى من خلال قانونها المحلي، سواء كان ذلك تجميدا أو توزيعا مباشرا"، مشددة أن "قرارت واشنطن تفتقر إلى الأساس القانوني والدافع الأخلاقي".

وفي 17 فبراير 2022، قال موقع "ذا إنترسبت" الأميركي "إن قرار بايدن تجميد سبعة مليارات دولار من الأموال الأفغانية في البنوك، عملية (قتل جماعي) لمزيد من الأفغان وأسوأ مما سببته الحرب التي استمرت 20 عاما".

ووصف الموقع الأميركي التبعات الكارثية للقرار على الدولة الأفغانية ككل، حيث أورد أن الأصول التي جمدت كانت ضرورية للسيولة المالية والوظائف الأساسية للاقتصاد.

وبين أنه بعد رفض الإدارة الأميركية القاطع إعادة الأصول إلى البنك المركزي، سيعتمد الشعب الأفغاني على المساعدات الإنسانية في المستقبل المنظور، وهي مساعدات غير  كافية لمنع التدهور السريع في الظروف المعيشية التي يواجهها الأفغان.

وذكر أن العواقب الرئيسة تمثلت في توقف مبدئي لجزء كبير من النشاط الاقتصادي، وفقد الناس إمكانية الوصول إلى الأموال في البنوك، وبات موظفو الحكومة والمعلمون بلا رواتب.

كما يعجز المستوردون عن الوصول إلى رأس المال لتلبية الاحتياجات، ولا يمكن للمصدرين أيضا الوصول إلى رأس المال للحفاظ على سير أعمالهم، وانهارت قيمة العملة الأفغانية، وأصبح التضخم أكثر حدة في أفغانستان مقارنة مع بقية العالم.

وهو الوضع الذي ينذر بعواقب وخيمة في المستقبل القريب، بحسب ما توقع "ذا إنترسبت" الأميركي. 

 

حروب الجغرافيا

ولا يعد اضطراب الأوضاع في كابول وضعا مثاليا لمحيطها الجغرافي، فأفغانستان الدولة الحبيسة التي تقع في آسيا الوسطى، تحدها مجموعة من الدول هي طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان من الشمال، وإيران من الغرب والصين من الشرق، فيما تحدها باكستان من الجنوب. 

وكانت تعتبر إحدى نقاط الاتصال القديمة لطريق الحرير والهجرات البشرية السابقة، لما تتمتع به من موقع جيو إستراتيجي يربط شرق وغرب وجنوب ووسط آسيا. 

كانت أفغانستان محورا أساسيا في الصراع الدائم بين الممالك والإمبراطوريات العظمى، لا سيما في القرن التاسع عشر، والنزاع الذي تم بين روسيا القيصرية وبريطانيا في هذه المنطقة. 

وهو النزاع الذي أطلق عليه اصطلاحا "اللعبة الكبرى"، عام 1840، خلال المراسلات بين الضابطين الإنجليزيين آرثر كونولي، وهنري رولينسون.

وتمركزت السياسة المتبعة حول أفغانستان كمحور أساسي، حيث كانت روسيا تخشى من الغارات التجارية والعسكرية البريطانية في آسيا الوسطى.

وكانت بريطانيا تخشى من إضافة روسيا جوهرة التاج، أي الهند، إلى الإمبراطورية الشاسعة التي كانت موسكو تبنيها في آسيا، وبدأت القوتان محاولة السيطرة الكاملة على بلاد الأفغان لتحقيق انتصار إستراتيجي، يمكنهم من إحكام السيطرة على المنطقة بأسرها. 

واليوم أفغانستان التي يعيش فيها قرابة 40 مليون نسمة، من طوائف وأعراق متعددة، تدخل في لعبة كبرى أخرى مستمرة منذ عقود طويلة بين الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، وهما القوتان المتحكمتان في آسيا الوسطى بشكل أساسي. 

الحزام والطريق

وفي 27 أغسطس 2021، نشرت "الاستقلال" ورقة بحثية بعنوان "طالبان تعود إلى كابول.. التأثير العالمي والإقليمي"، تطرقت فيها إلى منهجية واشنطن في الانسحاب من أفغانستان، وارتباط ذلك بالصراع مع القوى الكبرى في روسيا والصين. 

وذكرت أن هناك اتجاهات داخل الإدارة الأميركية ترى أن ثمة بدائل للحضور في أفغانستان، في مواجهة الدب الروسي الصاعد، وتميل الخيارات الواعدة لتجنب سياسة الاحتواء، التي اتبعت خلال الحرب الباردة.

وأيضا أن تستبدل بها إستراتيجية تقوم على تكبيد روسيا خسائر سياسية واقتصادية وعسكرية فادحة لا تستطيع موسكو تحملها على المدى الطويل، بسبب وجود منغصات أمنية وعسكرية على حدودها.

وأوردت الدراسة أن الحضور الأميركي في المحيط الهادئ وفي البحر المتوسط وغيرهما يمكن أن يشكل آلية مستقبلية لكبح خطة الحزام والطريق، وتحويل بنيتها التحتية إلى موارد إقليمية للدول التي بنيت بها، ومنع تحويلها إلى أداة هيمنة. 

وهو ما يفسر السبب الرئيس وراء ترك الولايات المتحدة الأسلحة التي أرسلتها إلى الحكومات الأفغانية المختلفة، وهي ترسانة ضخمة، أغلبها ذو طبيعة برية، لكنها تنطوي على 200 طائرة مقاتلة.

فرغم أن إدارة بايدن آثرت الانسحاب من أفغانستان، فإنها تركت أمر مواجهة طالبان لأحد مسارين، مستفيدة من هذا السلاح.

فمن جهة، سيقلق هذا السلاح دول الجوار، ما يدفعها لشرائه أو لتدميره، فإذا قبلت طالبان بيعه، فستصبح بلا قوة إستراتيجية، ويمكن مواجهتها عبر معارك الجيوش النظامية. 

وأما إذا رفضت بيعه، فإن هذا من شأنه أن يعقد المشهد الإقليمي في مواجهتها، ويؤدي إلى بناء أسس عدم ثقة بينها وبين دول الجوار (روسيا والصين).