بين 3 ملفات.. لماذا اتفق المغرب وألمانيا على اثنين "علنا" وتجاهلا سبب الأزمة؟

12

طباعة

مشاركة

برسالة غير متوقعة، وضع رئيس ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير، حدا لأزمة مع المغرب استمرت لنحو عام، بعد برقية إلى الملك محمد السادس، تتضمن دعوة لإجراء "زيارة دولة" إلى برلين، مع إشادته بسياسة المملكة في ملفي إقليم الصحراء وليبيا.

وتأتي الرسالة في 5 يناير/كانون الثاني 2022، بعد "غضب" الرباط من مواقف برلين في بعض الملفات، وفيما يرى طيف أن المغرب أخطأ منذ البداية في مواجهة دولة أوروبية قوية، يرى محللون أن المملكة "انتصرت" في معركة كسر العظام.

وبعيدا عن ملف إقليم الصحراء وليبيا، ثمة من يتحدث عن "نقطة غامضة" في أزمة المغرب وألمانيا، يتفادى الطرفان إبرازها في العلن ودارت نقاشاتها في كواليس صالونات المباحثات الدبلوماسية بعيدا عن عدسات الإعلام.

معاملة بالمثل

في مطلع مارس/آذار 2021، ومن دون ظهور سوء فهم على السطح، أعلن المغرب في بيان قطع علاقاته مع السفارة الألمانية في الرباط، جراء "خلافات عميقة تهم قضايا مصيرية".

لكن البيان لم يذكر تفاصيل الخلافات التي أدت إلى قطع العلاقات مع سفارة برلين.

لكن معظم المحللين قالوا إن قطع الرباط علاقاتها مع السفارة الألمانية، له علاقة بقضية "إقليم الصحراء".

وبعد نحو شهرين في 6 مايو/ أيار 2021، استدعى المغرب سفيرته لدى برلين زهور العلوي، للتشاور، جراء ما وصفه بموقف ألمانيا "السلبي" بشأن الصحراء و"محاولة استبعاد الرباط من الاجتماعات الإقليمية حول ليبيا (مؤتمر برلين الأول في يناير/ كانون الثاني 2020)".

ورفضت ألمانيا السير على خطى الولايات المتحدة بشأن قضية الصحراء بعد إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 11 ديسمبر/كانون الأول 2020 الاعتراف بسيادة المغرب على إقليم الصحراء المتنازع عليه مع جبهة البوليساريو.

وأيام بعد ذلك، أعاد الطرف الألماني التأكيد على تمسكه بضرورة "التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول للطرفين بوساطة الأمم المتحدة"، مؤكدا في بيان أصدره الممثل الألماني لدى الأمم المتحدة، كريستوف هيوسجين، النأي بموقفه عن المبادرة الأميركية.

لكن في 4 ديسمبر 2021، قال وزير الخارجية المغربي، في كلمة بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)، إن علاقة الرباط وبرلين "يجب أن تراعي الوضوح والمعاملة بالمثل".

وأمام التصعيد المغربي، وفي 8 ديسمبر، قالت السفارة الألمانية في الرباط عبر "فيسبوك" إن "من مصلحة البلدين، عودة العلاقات الدبلوماسية الجيدة والموسعة تقليديا".

وتابعت السفارة: "في الأيام القليلة الماضية، كما في الماضي، نشرت معلومات كاذبة حول العلاقات الألمانية المغربية بطرق مختلفة".

وبعد ذلك بأيام، أفاد بيان للخارجية الألمانية، في 14 ديسمبر، بأن مخطط الحكم الذاتي يشكل "مساهمة مهمة" للمغرب في تسوية النزاع حول إقليم الصحراء، وذلك عقب شهور من "التوتر" بين البلدين.

وفي 22 ديسمبر، رحبت الخارجية المغربية في بيان، بما قالت إنها "مواقف بناءة لألمانيا"، معتبرا أنها تتيح "استئناف التعاون الثنائي وعودة سفارتي البلدين للعمل بشكل طبيعي".

وأعربت عن أملها أن "تقترن هذه التصريحات بالأفعال، بما يعكس روحا جديدة ويعطي انطلاقة جديدة للعلاقة على أساس الوضوح والاحترام المتبادل".

تحرر من ضغط

ومع التطور الجديد برسالة رئيس ألمانيا في 5 يناير 2022، والحديث عن انفراجة في العلاقات الثنائية بين البلدين بعد فرض الرباط شروطه على برلين، قال الباحث في العلاقات الدولية، نوفل البعمري: "أظن أنه ليس هناك شروط مسبقة".

وأوضح الباحث المغربي لـ"الاستقلال" أن "في عهد (المستشارة السابقة أنغيلا) ميركل اختارت حكومتها أن تتبنى مواقف سياسية معادية للمغرب مست بأمنه وبوحدته الترابية (إقليم الصحراء)، ومصالحه الحيوية ما اضطر الرباط لتعلن عن مواقف تراها مناسبة وتتلائم مع حجم الضرر الذي لحق بها سياسيا ودبلوماسيا من مواقف برلين".

وأضاف: "أوقف المغرب كل مظاهر التعاون الأمني والقضائي في قرار سياسي ليعلن عن رفضه للتحركات الألمانية".

واعتبر البعمري أن "موقف المغرب الذي ظل ثابتا يبدو أنه وجد صدى آخر لدى الحكومة الألمانية الجديدة التي أبدت رغبتها في طي هذه الخلافات وأعلنت عن تعديل مواقفها التي كانت تمس بالمصلحة الوطنية".

وأشار إلى أن "الحكومة الألمانية الجديدة (بدأت أعمالها في 6 ديسمبر 2021) أكدت على كون المغرب هو محور العلاقة الألمانية الإفريقية، وأشادت بدوره في الملف الليبي ثم أعلنت عن دعم مبادرة الحكم الذاتي". 

وتابع: "لهذا وجدت هذه المواقف صدى إيجابيا لدى الدبلوماسية المغربية، خاصة بعد رسالة الرئيس الألماني لملك المغرب الذي لم يتردد في الرد عليه، ليتم التمهيد للطي النهائي للأزمة التي تسببت فيها حكومة ميركل". 

وعما أطلق عليه بـ"الانتصار الدبلوماسي" ونموذج للدول الأخرى في الوقوف بوجه الدول التي تعتبر نفسها كبرى، قال البعمري: "الأمر يتعلق باختيارات دبلوماسية وسياسية لكل بلد".

وأضاف "المغرب منذ 2015 كان له اختيار في بناء العلاقات الدولية، وهي اختيار نابع من كون القرار الدبلوماسي المغربي قرارا حرا، وسياسيا غير تابع ولا يمكن أن يتحكم فيه".

وشدد على أن "المغرب خارجيا تحرر من ضغط ملف الصحراء، إذ لم يعد هذا الملف يشكل ورقة للضغط عليه ولا لابتزازه، لأن بعض الدول لم تفهم بعد أن هذا النزاع قد تم حسمه لصالح الوحدة الوطنية المغربية ولصالح الحكم الذاتي، لذلك فأوراق الضغط على المغرب لم تعد كثيرة، إن لم تعد موجودة بالمرة".

واعتبر البعمري أن "الموقف المغربي قد يشكل نموذجا يحتذى به لدى الدول الصاعدة والنامية، الراغبة في تحرر بلدانها من أي تبعية".

ويتنازع المغرب وجبهة "البوليساريو" على السيادة على إقليم الصحراء، وتصر الرباط على أحقيتها في الإقليم وتقترح حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، فيما تدعو الجبهة إلى استفتاء لتقرير المصير وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

وعن الحديث أن هناك "نقطة غامضة" في أزمة البلدين، بعيدا عن ملفي الصحراء وليبيا، أكد البعمري ذلك بالقول: "طبعا، هناك ملفات عديدة مرتبطة بما هو أمني، وبتحويل ألمانيا لقاعدة خلفية للهجوم والمس بالمؤسسات الوطنية المغربية خاصة الأمنية".

واستطرد: "ما يتم نشره من بعض المطلوبين للعدالة في قضايا إرهابية لا يتعلق بحرية الرأي والتعبير بل بهجوم ممنهج على المغرب وعلى مسؤوليه بشكل لم يعد مقبولا، مما يستدعي تعاطيا ألمانيا مغايرا مع هذه الأصوات، يحترم القانون وفيه حماية لحقوق الآخرين".

ويشير البعمري إلى المعتقل المغربي السابق على خلفية الإرهاب، محمد حاجب، الحامل للجنسية الألمانية والمقيم في برلين حاليا، حيث ينتقد بشدة عبر مقاطع فيديو بشكل مستمر السلطات المغربية.

تفسير الجفاء

من جهته، قال المحلل السياسي يوسف الحيرش: "(رسالة شتاينماير) هي فقط مغازلة سياسية في حدود الصلاحيات، رئيس ألمانيا من المستحيل أن ينطق في ملف محمد حاجب المعروض على القضاء الألماني".

وأشار في تدوينة عبر فيسبوك إلى أن "رسالة وزارة الخارجية المغربية الأخيرة عند قطع العلاقات، كانت تتضمن ثلاث نقاط، ملف الصحراء المغربية، ملف محمد حاجب، ملف ليبيا، أي أن الملف الأساسي تم تغليفه بملفات سياسية".

ولفت إلى أن "الرئيس الألماني تكلم فقط على الصحراء وليبيا لأنها ملفات سياسية في الأصل".

واستدرك الحيرش متسائلا: "إذن أين الملف الثالث؟ ألم نقل لكم أن ألمانيا دولة مؤسسات مستقلة، اليوم تأكد لكم ما كنت أقوله، لن يتجرأ الرئيس الألماني على ملفات قضائية لا تعنيه من موقعه السياسي".

من جانبه، قال الباحث والصحفي يونس مسكين: "قبل أيام، وتحديدا منذ نشر موقع خارجية ألمانيا مقالا حول العلاقات مع المغرب في 13 ديسمبر 2021 ، عدت إلى قراءة عدد من الوثائق حول موقف برلين في قضية الصحراء، قبل وصول ميركل إلى السلطة وخلال ولاياتها".

وأيضا "ما تخلل فترة تولي هورست كوهلر منصب المبعوث الشخصي وتصريحات وزيري خارجية المغرب وألمانيا بمناسبة زيارة وزير الخارجية المغربي لبرلين قبل حوالي ست سنوات... ولم أستطع فهم ما الذي تغير في الموقف الألماني؟"، يضيف في تدوينة عبر "فيسبوك".

وشدد على أنه ليس "ضد الاحتفال والافتخار بالمنجزات، لكنني أتمنى أن يقوم أحد علماء أو فقهاء الزمن بمساعدتنا في الفهم والمعرفة، على افتراض أنهم على اطلاع ولا يرقصون تحت الطلب والتحكم عن بعد، حتى نرقص معهم على وحدة ونص".

وتابع مسكين: "من يجتهد ويلتقي بالمصادر (الحقيقية والأجنبية بالخصوص) يمكن أن نحترمه إن هو قدم ما يؤكد فرضية الكوبالت أو غيرها من الفرضيات المحتملة في تفسير الجفاء الذي مرت به أخيرا العلاقات المغربية الألمانية، لكن من يحب الرقص على جهالة لا يمكنه أن يطلب منا الرقص معه على جهالته".

وفي الاتجاه نفسه، لفت الموقع الألماني المهتم بالشأن المغربي "مغرب بوست" (مقره كولونيا) إلى أنه "رغم الرسالة الأخيرة، في الحقيقة لم يحدث شيء بعد، لا توجد خطوات ملموسة بصرف النظر عن التقارب اللفظي".

واعتبر بمقال نشره في 6 يناير 2022 أن "المغرب يرى نفسه قوة ناشئة في شمال إفريقيا والقارة السمراء عموما، لذلك قد يكون الإغراء بالنسبة للرباط عظيما لرؤية الإشارات من برلين ناجحة، لتأكيد موقف ضد الدولة الأكثر أهمية في الاتحاد الأوروبي".

فيما قالت صحيفة “إكسبريس” الألمانية في تقرير بتاريخ 6 يناير إن وزيرة الخارجية الجديدة أنالينا بيربوك، "لعبت دورا أساسيا في طي صفحة الخلافات التي كانت قائمة بين المغرب وألمانيا، وأحدثت ثورة دبلوماسية حقيقية".