رغم الخروج المبكر لمنتخبها من كأس العرب.. كيف فازت فلسطين بالبطولة؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

شهدت بطولة كأس العرب في قطر احتفاء كبيرا بفلسطين بعد عام شهد تطبيع أربع دول هي الإمارات والسودان والبحرين والمغرب مع إسرائيل.

وبعد غياب دام تسع سنوات عادت البطولة مجددا؛ بنسختها العاشرة بمشاركة 16 منتخبا عربيا في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، عبر الأراضي القطرية، وبمشاركة المنتخب الفلسطيني، وبرعاية الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا".

ومن الدول العربية الإفريقية شاركت ستة منتخبات هي مصر والسودان والمغرب والجزائر وتونس وموريتانيا، بينما تواجدت 10 منتخبات عربية آسيوية هي قطر والعراق والسعودية والإمارات والبحرين وعمان وفلسطين وسوريا ولبنان والأردن.

سباق العاشقين

وكان مثيرا للتفاؤل، تزيين كأس العرب بالقصيدة الشهيرة للشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، "موطني – موطني"، حيث حفرت تلك الكلمات بأحرف من ذهب على الكأس، كما حمل شعار البطولة ألوان الكوفية.

ومنذ اللحظة الأولى لانطلاق بطولة العرب في قطر هتفت الجماهير المحتشدة باسم فلسطين خلال غناء الأناشيد الوطنية لجميع الدول العربية المشاركة بالتزامن مع عرض أعلامها على أرض استاد "البيت"، مكان الافتتاح بالعاصمة القطرية الدوحة.

النشيد الوطني شهد تفاعلا كبيرا من الحضور، ما كشف عن الكثير من الحب والعشق لفلسطين رغم خسائرها في 2020 و2021 بسبب التطبيع العربي مع الكيان الإسرائيلي.

الاحتفاء الجماهيري بفلسطين لم ينته عند لقطة افتتاح البطولة، بل اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي تأكيدات على عمق القضية ومركزيتها.

المثير أن اللقطة الأولى تتابعت بأخريات غيرها، إذ حضر العلم الفلسطيني في مدرجات كل مباراة، بيد شباب وفتيات وأطفال معظم الدول المشاركة، ومع كل هدف لفريقهم، وبعد كل نهاية مباراة فرحوا بنتيجتها.

بل إن جماهير الدول العربية في المدرجات القطرية بدا أن بينها سباقا في ارتداء الكوفية ورفع علم فلسطين.

الإعلامية الفلسطينية إيمان عياد، وصفت تلك الحالة على تويتر بالقول: "كان سباقا على من يُحبها أكثر، من يرفع علم فلسطين أولا، من يهتف لها أكثر، تفوق العرب على أنفسهم، وأعادوا للحلم العربي بريقه".

وكتبت الإعلامية ديمة الخطيب: "يتسابقون على حب فلسطين، في الملاعب وخارجها، قبل المباراة وبعدها وأثناءها، جماهير ولاعبين"، مضيفة عبر "تويتر": "ولا عزاء لشلة التطبيع".

ذلك التفاعل الكبير الذي سرى بين آلاف المشجعين العرب في قطر، وبين ملايين المتابعين خلف الشاشات انتقل إلى نجوم الملعب، إذ تكرر مشهد رفع لاعبي الفرق المنتصرة في كل دور العلم الفلسطيني.

وبدا مثيرا لمشاعر ملايين المشاهدين للبطولة العربية الأهم في التاريخ رفع لاعبي المنتخب التونسي العلم الفلسطيني خلال ابتهاجهم بتأهلهم لنهائي كأس العرب.

وهو ما فعله منتخب الجزائر بعد فوزه على منتخب قطر في بطولة كأس العرب متأهلا إلى نهائي البطولة التي فاز بها بهدفين مقابل لا شيء للمنتخب التونسي في مباراة تبارى فيها جماهير ولاعبو الفريقين في رفع العلم الفلسطيني.

بل إنه كان لافتا انسحاب نجوم منتخب الجزائر السابقين رابح ماجر، ورفيق صايفي، ورفيق حليش، من مباراة منتخب نجوم العالم القدامى مع نظيره العربي التي أقيمت على هامش بطولة كأس العرب في قطر والتي يرعاها الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا".

 والسبب كان مشاركة الإسرائيلي أفرام غرانت في تدرسي منتخب نجوم العالم (2002 - 2006).

كما جاء الانسحاب الثلاثي أيضا، بسبب وضع علم إسرائيل على قميص الفريقين، ضمن أعلام جميع الدول الأعضاء الـ 211 في "فيفا".

نجوم الجزائر القدامى لم يكونوا وحدهم المتعاطفين مع فلسطين، بل انتشرت صور للاعب السعودي السابق نواف التمياط بقميص بدا فيه العلم الإسرائيلي مطموسا وذلك أثناء مشاركته في المباراة التي فاز بها أساطير العرب بركلات الجزاء الترجيحية.

صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" قالت في 18 ديسمبر/كانون الأول 2021، إن لاعبا سعوديا بدا وكأنه طمس علم إسرائيل من قميصه الذي شارك به في المباراة الاستعراضية على ملعب الثمامة، مشيرة إلى انسحاب ثلاثة لاعبين جزائريين من المباراة.

وأكدت الصحيفة العبرية أن موقع "فيفا" تجنب الإشارة إلى خطوة اللاعب السعودي أو مقاطعة المباراة من اللاعبين الجزائريين.

وفي مواقف جزائرية سابقة عام 2016، انسحب فريق كرة القدم الجزائري من مباراة ودية مع غانا كون مدربها هو الإسرائيلي غرانت.

وفي سبتمبر/أيلول 2021، انسحب لاعب الجودو الجزائري فتحي نورين من أولمبياد طوكيو لتجنب مواجهة محتملة ضد منافس إسرائيلي، وهو ما تسبب في عقابه من قبل الاتحاد الدولي للعبة بعدم اللعب لمدة 10 سنوات.

وفي أمسية كروية ليل 18 ديسمبر 2021، كان إهداء مدرب الجزائر فوز بلاده ببطولة كأس العرب للشعب الفلسطيني أكبر رسالة على فوز فلسطين المهم من خلال هذه البطولة وهزيمة محور التطبيع العربي مع الكيان المحتل.

وقال مدرب المنتخب الجزائري مجيد بوقرة للصحفيين عقب الفوز: "أهنئ نفسي بهذا الإنجاز، وأهنئ اللاعبين والشعب الجزائري والفلسطيني، وبالأخص أهلنا في قطاع غزة".

وفي المقابل هتفت جماهير فلسطين لكل من رفع علم بلادهم في البطولة وخاصة الجزائر بطلة العرب. 

رسائل للمطبعين

رفع علم فلسطين وظهور الكوفية في مدرجات مباريات كأس العرب والاحتفاء بها عبر مواقع التواصل الاجتماعي العربية ومشاركة العديد من اللاعبين في تلك المواقف رأى فيه متابعون فوزا للبلد المحتل بالبطولة العربية العاشرة إلى جانب الجزائر.

كما رأى فيه آخرون انتصارا كبيرا لفلسطين على محور التطبيع وهدما لجهود دولية وسياسية وإعلامية أميركية وإسرائيلية وإماراتية وبحرينية بُذلت وأموالا أنفقت ودعاية كبيرة للترويج للتطبيع مع الكيان.

الكاتب الفلسطيني فايز أبو شمالة، قال إن "رفع العلم بمباريات كأس العرب هو الرد الجماهيري على الأنظمة المطبعة مع العدو الإسرائيلي"، متسائلا: "فهل سيفهم الملوك والرؤساء رسالة الشعوب؟".

وعلق الكاتب والباحث حسام شاكر بالقول: "منتخب الجزائر يحمل روح شعبه وأمته، ويلقن القائمين على دعاية الهوَس التطبيعي درسا قاسيا في وعي الجماهير التي حاولوا تضليلها".

الأكاديمي العماني حيدر بن علي اللواتي، من جانبه أكد أنها "حركة رمزية قد يعتبرها البعض عادية ولكنها ثقيلة على الكيان الصهيوني، فأكثر شيء يقلقه هو تمسك الشعوب الحية بقضية فلسطين، هذا التعاطف يجعل شعلة الأمل لا تنطفئ".

واعتبر المحامي الدولي المصري محمود رفعت أن ذلك المشهد "يهدم عقودا من خدمة البعض لإسرائيل، ويرسم ملامح المستقبل رغم آلاف المليارات التي ينفقها العبيد بخدمتها فضلا عن أرض ودم الشعوب".

موقع "ميدل إيست آي" البريطاني أشار في 12 ديسمبر إلى أن التضامن مع فلسطين شائع في المسابقات الرياضية العربية، لكن لفتة الجزائر تحمل أهمية خاصة في سياق الموقف الذي اتخذته ضد تطبيع المغرب مع إسرائيل.

وقال موقع “the world News” في 18 ديسمبر: "على الرغم من أن المباراة النهائية في كأس العرب 2021، جمعت الجزائر وتونس معا، لكن فلسطين كانت القاسم المشترك المهيمن طوال المباراة".

وأضاف: "فازت الجزائر بنتيجة 2-0 في نهاية مثيرة، لكن الفلسطينيين في كل مكان شعروا أيضا بأنهم فائزون"، مشيرا إلى رفع علمهم من قبل مشجعي المنتخبين باستاد البيت في مدينة الخور القطرية، وهتاف كل الحشود لفلسطين.

وتابع الموقع الإنجليزي، "ظهرت روح التضامن مع فلسطين في جوانب أخرى من المباراة، واصطف لاعبون جزائريون لاستلام الكأس وهم يرتدون الأعلام الفلسطينية".

ونقل عن الصحفي الفلسطيني ومحرر صحيفة "فلسطين كرونيكل" رمزي بارود، قوله: "أوضح الشعب العربي على مر السنين أنه يرفض أي تطبيع مع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي".

وأردف: "كأس العرب كانت بمثابة منصة للعرب لإظهار حبهم لفلسطين كما لم يحدث من قبل".

وتابع: "بينما برزت روح الأخوة العربية كفائزة في نهاية هذا الحدث المذهل، كانت فلسطين هي التي حصدت المجد حقا في النهاية".

الباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية سعيد بشارات، أكد في حديثه لـ"الاستقلال"، بأن بطولة كأس العرب في قطر أهدت انتصارا قويا للشعب والقضية والمقاومة، وأن هتافات الجماهير العربية من المدرجات لفلسطين مثلت صفعة قوية لمحور التطبيع.

مدير مركز "الهدهد للشؤون الإسرائيلية"، قال إن "التفاعل الجماهيري كان كبيرا طوال البطولة مع فلسطين، ويظهر أن القاعدة الجماهيرية بكل العالم العربي الجزائر وغيرها لا يستهويها المطبعين ولا يستهويها الزمرة التي يستهويها التطبيع وتروج له".

وأضاف أن "الشعوب العربية تعشق فلسطين وتتفاعل مع قضاياها، وتفهم اللعبة جيدا، ولكنها تنتظر تغيير الظروف ليكون لها دور في التأثير على القضية ومنع التفرد فيها للمطبعين". 

ولفت إلى أن حضور التفاعل خلال مباريات كأس العرب يكشف حالة الاندماج الكبير بين الشعوب العربية والقضية الفلسطينية".

وفي رؤيته قال الخبير بالشؤون الإسرائيلية صلاح الدين العواودة، إن "الجزائر وشعبها سباقون دوما بإظهار الحب والتضامن وتبني القضية الفلسطينية، وهو المعهود عنهم بكل منصة وساحة ولا سيما بكرة القدم حيث تحتشد الملايين".

وأضاف لـ"الاستقلال": "ولكن هذه المرة صعدت فلسطين إلى قمة المنصة العربية في قطر لتكون نجمة هذه الاحتفالية الرياضية والثقافية على المستوى العربي كاملا".

"ولتعبر بعفوية مطلقة عما بداخل الجماهير العربية من المحيط للخليج من عشق لفلسطين، وأصالة التمسك بقضيتها كقضية العرب الأولى، بعد أن بدت وكأنها تراجعت أو غيبت على أيدي بعض الأنظمة المتساقطة المفتقرة للشعبية والتي لا تمثل شعوبها ولم تنبثق عنها".

الباحث في مركز "رؤية للتنمية السياسية" في اسطنبول، بين أن "هذا الحدث الرياضي والثقافي والاجتماعي العربي أظهر الصورة الحقيقية لمكانة فلسطين؛ مما يصفع المطبعين ومن خلفهم الصهيونية العالمية".

وأكد أن إظهار الجماهير العربي حب فلسطين، "يوصل رسالة واضحة صريحة، بأن "الكيان الغاصب زائل لا محالة فقد أنشئ في المكان الخطأ، وهذه الأنظمة المطبعة زائلة لأنها لا تمثل شعوبها ولا تعبر عن قناعاتها".

ويعتقد الباحث أن كل ما حدث في بطولة العرب "هي رسالة للشعب الفلسطيني أنك لست وحدك، وأن الأقصى ليس وحيدا، وأن المقاومة تمثل كل الجماهير العربية وليست الفلسطينية فقط".

وفي تعليقه قال الناقد الرياضي المصري حامد عزالدين: "هذه انتصارات معنوية طبعا لقضية العرب الأولى". وأشار لـ"الاستقلال"، إلى أن ذلك بالطبع مكسب كبير لفلسطيني وأيضا "للدوحة عبر التأكيد على جاهزيتها لكأس العالم للمرة الأولى في دولة عربية".