"تكتل الكونغرس لحقوق الإنسان بمصر".. شوكة في حلق السيسي يعجز عن انتزاعها

12

طباعة

مشاركة

سلط بيان أصدره "تكتل الكونغرس لحقوق الإنسان في مصر" مطلع ديسمبر/كانون الأول 2021، الضوء على قوة هذا اللوبي النيابي، لا سيما أنه طالب بالتحقيق في إساءة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي استخدام أسلحة أميركية.

وفي 25 يناير/كانون الثاني 2021، كشف عن هذا التكتل النائبان الديمقراطيان في الكونغرس، دون باير وتوم مالينوسكي، بالتزامن مع عشرية ثورة 25 يناير 2011 في مصر.

ومنذ تشكله أصدر التكتل ثمانية بيانات عن القمع والاعتقالات في مصر، وطالب بوقف المعونة العسكرية عن نظام السيسي لانتهاكه حقوق الإنسان، ليراه مراقبون بمثابة "أول جماعة ضغط أجنبية" تزعج النظام الانقلابي.

ونجحت ضغوط التكتل بالفعل في إطلاق معتقلين، وتجميد 130 مليون دولار من المعونة في سبتمبر/أيلول 2021.

قلق وضغوط

وقد أثارت أنشطة تكتل الكونغرس قلق نظام السيسي، لذا هاجمه إعلام السلطة ونوابها بالبرلمان، وزاد هذا القلق استغلال إدارة الرئيس جو بايدن "قمة الديمقراطية" المرتقبة في الضغط على القادة السلطويين ومنهم السيسي.

وتزامنت ضغوط "التكتل" مع هجوم صحف أمريكية على بايدن ومطالبته بعدم الاكتفاء بإبعاد دول ديكتاتورية، مثل مصر، عن قمته للديمقراطية التي تنطلق في 9 ديسمبر 2021 وإنما إجبارها على وقف القمع وإطلاق المعتقلين.

"فرانك بوزنر"، المؤسس والمدير التنفيذي لمنظمة "حقوق الإنسان أولا" الأميركية كتب في مجلة "فوربس" في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021: "تحتاج قمة الديمقراطية إلى معالجة حقوق الإنسان في مصر".

وأضاف أن "قمة الديمقراطية يجب ان تناقش سجل مصر السيئ في مجال حقوق الإنسان وينبغي على من يجتمعون فيها التركيز على كيفية معالجة الاستبداد والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في الشرق الأوسط".

وأشار إلى أن وعود بايدن بتحقيق الديمقراطية، مكانها الطبيعي هو مصر التي تسعى إلى إسكات المعارضة وتقويض سيادة القانون، وليس هناك مكان أكثر إلحاحًا من تطبيق هذه الوعود كما هو الحال في مصر.

لكن مجلة "ناشيونال انترست" كتبت في 4 ديسمبر 2021 تنبه لأن قمة بايدن من أجل الديمقراطية لن تجعل أميركا أكثر أمانا ما لم يكن هناك تحركات أخرى داعية للتركيز على المصالح الأميركية لا القيم.

ودعت بايدن لعدم ربط سياسة أميركا الخارجية بأسس أيدلوجية مؤكدة: "يجب أن تخدم السياسة الخارجية للولايات المتحدة دائما المصالح الفضلى للشعب الأميركي".

وأضافت: "من غير الحكمة أن تقيد أميركا نفسها من خلال التعاون فقط مع الدول التي تشاركنا قيمنا ونظام الحكم".

أسلحة أميركا للقتل

وطالب أحدث بيانات التكتل في مطلع ديسمبر 2021، ببدء تحقيقات فورية بشأن إساءة القوات الجوية المصرية استخدام المساعدات الأميركية المدعومة من أموال دافعي الضرائب لقتل مهربين غربي مصر.

على غرار ما حدث في فرنسا على خلفية فضيحة تسريبات موقع "ديسكلوز" الاستقصائي في 23 نوفمبر 2021.

وأكد التكتل أن إساءة استخدام معدات أمريكية مثل طائرات إف16 وسيسنا208 انتهاك للقانون الأميركي وللعقود الموقعة مع الولايات المتحدة، وتقويض لجهود الولايات المتحدة لدعم حقوق الإنسان في مصر.

وأشار إلى قتل الجيش المصري 12 سائحا وإصابة عشرة آخرين، بينهم مكسيكيون وأمريكيون ومرشدون سياحيون في قافلة سياحية بالصحراء الغربية المصرية في 2017، بعد استهدافهم بضربة جوية، وصفتها السلطات المصرية "عملية بالخطأ".

وقال إن قتل هؤلاء السياح وإصابة أمريكيين تم بهجوم من طائرة أباتشي قدمتها الولايات المتحدة لمصر في عام 2015.

والتزمت القاهرة الصمت ولم ترد على اتهامها سواء من قبل موقع "ديسكلوز" أو "تكتل الكونغرس" بإساءة استخدام أسلحة وطائرات فرنسية وأمريكية في قتل مدنيين.

ما هو تكتل الكونغرس؟

في 25 يناير 2021 أعلن النائبان الديمقراطيان في الكونغرس، دون باير وتوم مالينوسكي، تشكيل تكتل برلماني تحت عنوان «تكتل حقوق إنسان مصر»، بالتزامن مع عشرية ثورة 25 يناير، حسب قولهما.

وقالا في البيان التأسيسي إن الهدف من التكتل تحقيق نوع من "إعادة التوازن" بين علاقة الحكومة الأميركية مع مصر، وانتهاكات حقوق الإنسان فيها.

وأوضح البيان أن اختيار التوقيت (25 يناير) جاء للتذكير بالثورة التي ألهمت العالم وتحقيق آمال الشعب المصري في الحرية والعدالة الاجتماعية، التي لم يبددها القمع غير المسبوق والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

وأكد أن مصر لا تزال حليفا رئيسيا، لكن سجلها في مجال حقوق الإنسان لا يزال مصدر قلق كبير، ويجب علينا التوقف للمطالبة بحال أفضل لحلفائنا المقربين.

وفي السياق، لفت إلى أن "سياسة الدعم الأميركي غير المشروط للجيش المصري لم تخدم المصالح الأميركية، بل غطت على انتهاكات الحكومة لحقوق الإنسان والفساد وسوء معاملة المواطنين الأميركيين".

والأعضاء المؤسسون لهذا التكتل أربعة هم: النائب دون باير، والنائب توم مالينوسكي، والنائب رو خانا، والنائب آندي ليفين، وانضم لهم في بيانات أخرى نواب مثل إلهان عمر وتيد ليو.

والنائب "ماليناوسكي" كان مديرا لمنظمة هيومن رايتس واتش بواشنطن من 2001 إلى 2013، وانضم إلى وزارة الخارجية بإدارة الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، عام 2013 كمساعد لوزير الخارجية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان.

هجوم مضاد

وعقب إعلان "التكتل"، هاجمه إعلام السلطة في مصر واتهم المذيع أحمد موسى في 26 يناير 2021 على قناة "صدى البلد" الخاصة، جماعة الإخوان المسلمين بدعم مؤسسي تكتل الكونغرس.

وفي ذات اليوم، ناقش البرلمان المصري سبل التعامل مع انتقادات الكونغرس بشأن حقوق الإنسان، بحضور وزير الخارجية سامح شكري، الذي أكد أن "مصر لا تقبل التدخل في شؤونها الداخلية".

ثم انتقده محمد أبو العينين، وكيل مجلس النواب، داعيا "للتصدي للتدخل في الشأن المصري بمنتهى الحسم، وعدم اختزال ملف حقوق الإنسان في جزء التعبير".

وتحدث عن "الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية وجهود الدولة لتنفيذ حق المواطن في المأكل والمسكن وغيرها، مطالبا بتوجيه رسالة للكونغرس حول كيف تحترم مصر حقوق الإنسان، بحسب صحيفة "الأهرام" في 27 يناير 2021.

وفي 6 فبراير/شباط 2021، أعلنت لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب عن إطلاق سلسلة من المبادرات والحملات، بما في ذلك تنظيم رحلات إلى الكونغرس الأميركي ودعوة أعضاء منه لزيارة البرلمان المصري. 

وزعمت في بيان أن "التكتل يهدف إلى تمكين الجماعة الإسلامية العنيفة في مصر من إعادة نفس اللعبة القديمة لخداع الرأي العام وصناع القرار الأميركيين من خلال تقديم نفسها على أنها مجموعة سياسية أو مدنية". 

ودعا رئيس اللجنة طارق رضوان في تصريح لصحيفة "الشرق الأوسط" في 14 فبراير 2021 لـ "تحذير أعضاء الكونغرس من التعامل مع الإسلاميين والإخوان المسلمين بشكل خاص، خشية الإضرار بالأمن القومي لأميركا".

لكن جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان قال لموقع "المونيتور" الأميركي في 16 فبراير 2021: "أي زيارة إلى الولايات المتحدة ستكون بلا جدوى إذا لم يتم تعديل وضع حقوق الإنسان على أرض الواقع".

واعتبر "هذه الزيارات تهدف إلى تلميع صورة النظام المصري أمام الكونغرس، رغم أن مهمة لجنة حقوق الإنسان البرلمانية هي انتقاد ممارسات النظام عندما يتعلق الأمر بانتهاكات حقوق الإنسان وليس محاولة تحسين صورته".

ولفت إلى أن "البرلمان دائما ما يتهم الإخوان المسلمين والمعارضة بالوقوف وراء انتقادات بعض أعضاء الكونغرس لأوضاع حقوق الإنسان في مصر، لكن الانتهاكات وسوء معاملة السجناء السياسيين واضحة للجميع ".

وسبق أن زار وفد برلماني مصري الكونغرس الأميركي في يونيو/حزيران 2017، والتقى ببعض ممثلي الديمقراطيين والجمهوريين لدعوتهم لمراجعة مواقفهم تجاه حقوق الإنسان في مصر.

كما استقبل مجلس النواب المصري عددا من النواب الأميركيين، منهم السناتور إدوارد إسبينيت، عضو لجنة الاعتمادات بالكونغرس، في مايو/آيار 2019.

وعقب بيانه الأخير، هاجم موقع "سكاي نيوز" الموالي للإمارات في 5 ديسمبر 2021، طلب التكتل مراجعة استخدام جيش مصر أسلحة أميركية في أعمال غير مشروعة، وزعم أن "الإخوان تكثف نشاطها في أميركا".

بيانات التكتل 

تجدر الإشارة إلى أن بيان التكتل الذي طالب بالتحقيق في احتمالات استخدام مصر أسلحة أمريكية في عمليات قتل لمدنيين، هو ثامن بيان يصدره التكتل حول مصر منذ تشكيله.

وفي 19 فبراير 2021، أصدر التكتل بيانا حول مبيعات الأسلحة الأميركية الجديدة لمصر ينتقد فيه بيع 168 صاروخا للجيش المصري، بقيمة 197 مليون دولار، دون ربط ذلك بضغوط لتحسين حقوق الإنسان.

وقال إنه كان يجب أن يتم ربط عمليات بيع الأسلحة والمعونة العسكرية إلى الجيش المصري بمعالجة أزمة حقوق الإنسان التي تنتهكها أجهزة الأمن، واعتقال 60 ألف سجين سياسي في السجون المصرية.

ودعا البيان الإدارة الأميركية لتقييم ما إذا كانت الإجراءات التي تتخذها الحكومة المصرية "تشكل تخويف أو مضايقة ضد الأميركيين على النحو المحظور في قانون مراقبة تصدير الأسلحة ".

وفي 12 مارس/آذار 2021، أصدر التكتل بيانا يشيد فيه بتوقيع أميركا مع 30 دولة أوروبية بيان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي يدين القمع في مصر، وينتقد وضع حقوق الإنسان.

وقال فيه: "يجب على الولايات المتحدة، إلى جانب المجتمع الدولي، العمل على محاسبة الحكومة المصرية على عشرات الآلاف من ضحايا الاعتقال التعسفي والانتهاكات الأخرى".

وفي بيان آخر في 16 يونيو/حزيران 2021 حذر التكتل من اضطهاد الناشط الحقوقي حسام بهجت بعد تحويله للمحاكمة، وهو ما استجاب له قضاة السيسي بفرض غرامة رمزية وإطلاق سراحه.

وأعقبه بيان في 22 يونيو 2021 حول زيارة عباس كامل، مدير المخابرات العامة المصرية إلى واشنطن، يطالب إدارة بايدن بالضغط عليه لوقف القمع.

و"إبلاغه أن الإجراءات التي تتخذها الأجهزة الأمنية الخاضعة لسيطرته ستؤثر بشكل مباشر على قدرة الإدارة على الإفراج عن 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية في سبتمبر 2021، التي علقها الكونغرس مقابل تحسين حقوق الإنسان".

وفي 12 يوليو/تموز 2021 أصدر التكتل بيانا آخر ينتقد المحاولات المصرية لمطالبة أميركا باستكمال سجن المصري الأميركي محمد سلطان في السجون الأميركية.

وكان البيان يعلق على ما ذكرته صحيفة "بوليتيكو" في نفس اليوم حول مطالبة عباس كامل المسؤولين الأميركيين بسجن "سلطان"، بدعوى أن هذا ما تم الاتفاق عليه في بيان تسليمه لأمريكا.

وانتقد النواب "استغلال عباس كامل، اجتماعاته مع صانعي السياسة الأميركيين في واشنطن لمحاولة ترهيب مواطن أمريكي بسبب دفاعه عن حقوق الإنسان".

وتبع هذا بيان آخر للتكتل في 19 يوليو 2021 يطالب الحكومة المصرية بالإفراج عن "النساء والفتيات المسجونات بسبب قضايا تيك توك"، معتبرا ما يجرى معهن تكميما للأفواه واستغلالا للسلطة في تقييد حريات الإنترنت.

وفي 17 سبتمبر 2021 دعا "التكتل" لربط المعونة العسكرية لمصر بعدم انتهاك السيسي القانون وحقوق الإنسان، وحجب جزء منها، مشيرا لمطالبة الكونغرس في قانون الاعتمادات لعام 2020 حجب 300 مليون دولار من المعونة.

وانتقد تعريف الإدارة الأميركية إجمالي 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية لمصر على أنها "دعم لمكافحة الإرهاب وأمن الحدود"، بينما هي عقود للطائرات والدبابات وأنظمة الصواريخ. 

وشدد البيان على أن "انتهاكات الحكومة المصرية لحقوق الإنسان هي من بين الأسوأ في العالم، ومصالحنا الوطنية لا تبرر تجاهلها".

وأشار لاستمرار نظام السيسي في ممارسة التعذيب على نطاق واسع وقمع المعارضة وحتى اضطهاد المواطنين الأميركيين وعائلات المنتقدين للنظام الذين يعيشون في الولايات المتحدة.

مواقف أخرى

ولا تقتصر بيانات نواب الكونغرس حول انتهاكات حقوق الإنسان على هذا التكتل التابع للكونغرس، إذ صدرت بيانات من نواب آخرين تنتقد ملف حقوق الانسان في مصر.

أبرزها دعوة نواب أمريكيين ومنظمات حقوقية، السيسي لـ "تخفيف أحكام الإعدام بحق عشرات من أعضاء الإخوان المسلمين، الذين أدينوا مع مئات آخرين في محاكمة جماعية صورية".

ووصف نائب الكونغرس أندريه كارسون، حينذاك أحكام الإعدام النهائية التي صدرت بحق 12 من قيادات الإخوان بأنها "جائرة" وتنطوي على "انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان"، بحسب موقع "ميدل إيست أي" في 23 يونيو2021.

كما رفض نواب آخرون لقاء الوفد المصري الذي أرسلته مصر في أكتوبر 2021 برئاسة عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان محمد أنور السادات لتلميع نظام السيسي.

وأصدرت 12 منظمة أميركية ومصرية بيانا موسعا دعت فيه نواب الكونغرس لعدم لقاء الوفد.

وقالت المنظمات إن الوفد يزور الولايات المتحدة للترويج لسجل السيسي في مجال حقوق الإنسان وتلميع صورته، وما يفعلونه جهد منسق لتحسين صورة مصر في حقوق الإنسان، وليس تحسين معاملة مصر لحقوق الإنسان.

كما قاد النائبان توم مالينوفسكي وآدم شيف في نهاية إبريل/نيسان 2021، حملة توقيع مع ثمانية من زملائهم، على رسالة تدعو لجنة مخصصات مجلس النواب لإجراء تغييرات رئيسة على التمويل العسكري الخارجي لمصر.