باحث اقتصادي: "التاءات الثلاث" هي الطريق للنهوض بالاقتصاد السوري خلال 5 سنوات (خاص)

مصعب المجبل | منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

أكد الباحث والمستشار الاقتصادي، أسامة القاضي، أن هوية الاقتصاد السوري عقب سقوط نظام بشار الأسد، “يجب أن تكون حرة، بحيث تصبح آليات العرض والطلب فيه حرة”.

وأضاف القاضي في حوار مع “الاستقلال”، أن رفع العقوبات عن سوريا “ضروري في هذه المرحلة، خاصة عن البنك المركزي”.

ولفت إلى أنه “بحكومة تكنوقراط حقيقية، وبحد أدنى من الفساد، سنحتاج إلى 5 سنوات لنحدد الهوية الأساسية لسوريا”.

وشدد القاضي على أن "الخمس سنوات اللاحقة ستجعل من سوريا رقما صعبا في اقتصاديات الشرق الأوسط وآسيا، وتبدأ فعلا مرحلة النهوض الحقيقية".

وأوضح أن “المحددات الأساسية لإعادة الإعمار هي الأمن والأمان، وكذلك سن تشريعات تشجع على الاستثمار، وأن يكون هناك فصل بين السلطات”.

ودعا القاضي إلى “سن تشريعات وقوانين جاذبة للاستثمارات وقضاء مستقل لا يسمح لأحد بابتزاز رجال الأعمال والصناعيين”. 

والدكتور أسامة القاضي (57 عاما) هو مستشار اقتصادي وإداري ومالي دولي من مواليد حلب 1968، وحاصل على الجنسية الكندية كذلك، وقد غادر سوريا منذ عام 2005.

حصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد والتخطيط من جامعة حلب سنة 1989 وشهادة الماجستير في الاقتصاد والتجارة الدولية من جامعة ميشيغان الشرقية عام 1999.

وعمل كرئيس لمجموعة "عمل اقتصاد سوريا" وهي مجموعة اقتصادية استشارية مستقلة، كما عمل في "المركز السوري للدراسات السياسية والإستراتيجية" في واشنطن، وهو رئيس المجلس السوري الكندي ورئيس كلية كونكورديا للعلوم الصحية والتكنولوجية والأعمال في كندا.

درّس الاقتصاد في جامعة ميشيغان الأميركية، وجامعات أخرى. حاصل على جائزة الإبداع العلمي لدار سعاد الصباح عام 1994، وعمل في سوريا مستشارا اقتصاديا لهيئة مكافحة البطالة، وقدم مساهمة لحل مشكلة البطالة في البلاد قبل مغادرته البلاد عام 2005.

كما أسهم في دراسة استشرافية مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة "استشراف مستقبل سوريا 2025".

كان ممثل سوريا في مؤتمرات اقتصادية خاصة بأصدقاء الشعب السوري المعنية بإعمار سوريا وتنميتها.

له العديد من الدراسات والمؤلفات منها، “الجذر الاقتصادي للثورة السورية”، "الحوار والديمقراطية في الشرق الأوسط"، "من أجل أخلاق أفضل في القرن الحادي والعشرين"، و"أزمة النظام الرأسمالي"، بالإضافة إلى عشرات المقالات في الاقتصاد السياسي السوري.

اقتصاد حر

كيف كان شكل الاقتصاد السوري إبان حقبة نظام المخلوع بشار الأسد وكيف كان يدار آنذاك؟

لم تتبلور الهوية الاقتصادية للاقتصاد منذ تأسيس الكيان السوري؛ حيث جرى تشويه بقايا تلك الهوية عقب الوحدة بين سوريا ومصر (1958- 1961) وتم تدميرها عبر قرارات التأميم والعبث بمقدرات اقتصاد سوريا..

وأمعن في تشويه تلك الهوية الأسد الأب حافظ والابن بشار، بحيث لا يمكن تصنيف الاقتصاد السوري تحت أي مسمى اشتراكي أو ليبرالي أو رأسمالي ولا يوجد له أي هوية.. 

تم تشويه مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي؛ بحيث بدأت عمليات تفصيل القوانين على مقاس القصر الجمهوري ومن حوله.

لقد كان الاقتصاد السوري المشوه اقتصاد سوق لا علاقة له بالمجتمع، فلا هو اقتصاد سوق حر حقيقي؛ لأن ظاهرة الاحتكار كانت فاقعة جدا، ولا هو اجتماعي حيث كنا نخسر الطبقة الوسطى بمعدل 7 بالمئة منذ عام 2005 حتى وصلنا إلى عام 2011 حيث كان 50 بالمئة تحت خط الفقر.

على سبيل المثال، كان اقتصاد السوق الاجتماعي وراء المعجزة الاقتصادية الألمانية وهو عبارة عن حزمة مؤلفة من خمس ركائز أساسية، ثلاث منها لا علاقة لها مباشرة بالاقتصاد بل لها علاقة بالقضاء المستقل والمشاركة الشعبية والحرية الفردية.

أما ما كان سائدا خلال حقبة الأسدين، فهو عبارة عن قوانين عبثية وتعطيل للقوانين بسبب الفساد والإيرادات الأمنية المستحكمة في مفاصل الاقتصاد؛ وذلك بسبب المحسوبيات وتعطيل القضاء وابتزاز رجال الأعمال والمستثمرين.

وكذلك مشاركة الجيل الثاني والثالث من أبناء العسكريين الذين حكموا سوريا بالحديد والنار؛ حيث عمل هؤلاء على تشويه ما تبقى من الاقتصاد وهذا شكل ما أسميته "الجذر الاقتصادي للثورة السورية" في كتابي الذي وقعته عام 2022.

اليوم الجميع يتحدث عن دور الاقتصاد في سرعة نهوض سوريا.. ما شكل أو نموذج الاقتصاد الذي يناسب المرحلة الحالية؟

لا شك أن هوية الاقتصاد السوري هي هوية اقتصاد حر بحيث تكون آليات العرض والطلب فيه حرة ولا يوجد فيه احتكار على الإطلاق ولا فساد.

يجب أن تكون هناك قوانين جاذبة للاستثمارات وهناك قضاء مستقل لا يسمح لأحد بابتزاز رجال الأعمال والصناعيين. 

والحكومة لا تتدخل في النشاط الاقتصادي، بل مهمتها فقط سن التشريعات والقوانين التي تسمح للقطاع الخاص بإدارة النشاط الاقتصادي.

ويكتفي القطاع العام بالتوظيف الحقيقي للمواطنين وليس الوهمي كما تبين عقب سقوط الأسد من وجود أكثر من نصف مليون موظف وهميين فقط يسرقون خزينة الدولة بعقود وهمية.

بالمقابل، تكون نشاطات القطاع العام تشمل قطاعات الصحة والتعليم والشرطة والجيش.

وأن يكون هناك نظام صحي مختلط عام وخاص وهناك تعليم مجاني، ويجب عدم السماح لأي حكومة أن تترك أي جائع في سوريا.

إن مهمة الحكومة ليست أن تجعل المواطن غنيا بل أن تخلق له فرص عمل وألا تسمح بأن يجوع المواطن مع تقديم خدمات صحية مجانية.

إن مهمة الحكومة كذلك توسيع حجم الطبقة الوسطى في المجتمع السوري بحيث تكون نسبتها بين 70 - 80 بالمئة.

من المهم أيضا تأمين بنية تحتية حقيقية، خاصة أن البنية التحتية الحالية بدائية والتي ساءت عقب عام 2011، علاوة على تأمين خدمات الماء والكهرباء والزراعة، خاصة أن حكومات البعث الفاشلة لم تُولِ أي اهتمام لأي قطاع بعينه في الخطط الخمسية على مدار 50 عاما خلت.

فرصة النهوض

لماذا يجب أن ترفع العقوبات الغربية.. وما تأثير اتباع أسلوب الانتقائية في تعليق أو تخفيف العقوبات بهذه المرحلة على الاقتصاد السوري؟

رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا يجعل اقتصادها طبيعيا وينشأ في بيئة مناسبة للنهوض؛ إذ إنه لا يمكن لأي اقتصاد أن ينهض وتحاربه كل دول الأرض، بل يجب على دول العالم أن تساعد السوريين الذين مروا بستة عقود من التدمير الممنهج للاقتصاد.

لدرجة أن هناك ثلاث محافظات على مدى 50 عاما تسمى محافظات نامية (ديرالزور، الرقة، الحسكة) ولم تستطع حكومات البعث الفاشلة الفاسدة أن تنمي هذه المحافظات وهي سوريا المفيدة الحقيقية التي تحتوي على 95 بالمئة من النفط السوري و72 بالمئة من القمح و52 بالمئة من القطن فضلا عن مصادر المياه التي تأتي من هناك.

بالمقابل، كان هناك إهمال متعمد من قبل حكومات الأسد لمحافظات الجنوب السوري (درعا، القنيطرة، السويداء).

لم تكن هناك أي تنمية حقيقية في سوريا بل كانت دولة مهمتها هي ابتزاز دول العالم وتدار من قبل عصابة ومعبرا للمخدرات.

الهوية الجديدة لسوريا هي تصفير المشاكل مع العالم، وألا تكون في مكان ابتزاز كي تبدأ نهضة اقتصادية على مدار 50 سنة قادمة لتعويض طمس الهوية الاقتصادية.

ولذلك فإن رفع العقوبات ضروري في هذه المرحلة، خاصة عن البنك المركزي، لأن سوريا ما تزال خارج نظام "سويفت" (تحويل الأموال بين الدول) حتى يتمكن رجال الأعمال والصناعيون والمستثمرون من تحويل الأموال بطريقة آمنة.

يجب على المجتمع الدولي إعطاء سوريا فرصة للنهوض وخلق فرص عمل للسوريين.

هل يمكن تطبيق فكرة اقتصاد المحافظات في الوقت الراهن، بحيث يجرى تنشيط مقومات كل محافظة سواء زراعية أو سياحية أو صناعية؟

يجب أن يكون هناك اتفاق على أن تنتخب كل محافظة رئيس البلدية والمحافظ والنواب في البرلمان حسب دوائرها الانتخابية، وأن تحتفظ 30 - 40 بالمئة من الضرائب التي تحصلها وترسل ما تبقى للحكومة المركزية.

إذ إن ضرورة احتفاظ كل محافظة بنسبة مقبولة من الضرائب يهدف إلى أن تعود العوائد المالية من الضرائب على خدمات تلك المحافظة من البنية التحتية والارتقاء بالموارد البشرية وتحسين الخدمات.

كما أن المبلغ الذي يرسل إلى الحكومة المركزية من المحافظات يجب أن يصرف على المحافظات الأقل حظا من التنمية حتى تكون في نهاية المطاف كل المحافظات في ذات السَّويّة من الخدمات.

وهذا يتيح للمجتمع المحلي الحكم على أداء المجلس البلدي وممثليه مما يسهم في تطوير كل المحافظات.

"التاءات الثلاث"

بالنظر إلى تجربة الدول الأخرى.. ما الخطة الاقتصادية الأكثر ملائمة للنهوض بالاقتصاد السوري الحالي؟

رؤيتي التنموية هي "التاءات الثلاث"، التعليم والتصنيع والتكنولوجيا.

عندما أقول تعليم أقصد به إلى جانب التعليم المدرسي والجامعي والدراسات العليا، التعليم المهني والفني الذي قامت على أكتافه ألمانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية؛ لأن في أي مشروع تحتاج مثلا إلى مهندس وعشرات الفنيين.

والتعليم المهني لا يحتاج لوقت تعليم طويل وفيه تخصصات كثيرة ومتنوعة ويحصل فيها الطالب على خبرة عالمية ومتطورة وشهادة معترف بها تتيح في نهاية المطاف مجتمعا تحكمه منظومة ومعايير ثابتة تسهم في كفاءة العامل السوري.

لا سيما أنه عام 2011 لم يكن الفساد من أهم العوائق أمام المستثمر لم يكن الفساد بل عدم كفاءة العامل السوري ضمن المعايير العالمية، وحصوله على شهادات مهنية.

في التصنيع فإن هذا يشمل إلى جانب تصنيع الأدوات والأجهزة التصنيع الزراعي حيث إن القطاع الزراعي مهمل ولبعده عن التصنيع لم يكن مربحا للمزارع.

أما التكنولوجيا فهي مهمة في هذا العصر، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، وهذا ما يدعو لتطوير العمالة السورية في المجال التكنولوجي.

ما هي المحددات الأساسية لإعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي؟

المحددات الأساسية لإعادة الإعمار هي الأمن والأمان، وكذلك سن تشريعات تشجع على الاستثمار، وأن يكون هناك فصل بين السلطات؛ حتى يكون هناك قضاء حقيقي يمنع ابتزاز رجال الأعمال كما كان في حقبة الأسدين.

وأن تكون هناك خدمات وبنية مصرفية جيدة تشجع رجال الأعمال والمستثمرين على الاستثمار في سوريا، وأن يكون الائتمان المصرفي واضحا ومتوفرا كي يشجع المستثمرين للدخول في الاستثمار في سوريا.

وأن يكون هناك أقل حد من البيروقراطية في القوانين، مع تطبيق سياسة النافذة الواحدة للمستثمرين؛ بحيث يأتي المستثمر إلى جهة واحدة للبدء في استصدار التراخيص ولا يدخل في دهاليز البيروقراطية السابقة والمنفرة وضمن رسوم واضحة لمقدم طلب استصدار تراخيص لممارسة أي عمل والبدء بتوظيف العمالة السورية.

مع تأهيل العمالة ستكون الأرضية جاهزة للمستثمرين في إعادة الإعمار وفتح الحكومة الباب أمام المستثمرين بعقود معها بنظام “BOT” (بناء-تشغيل-تسليم).

كذلك يجب توضيح مفهوم الخصخصة في هذه المرحلة، بمعنى أن سوريا لا تبيع أصولها السيادية بل تدعو المستثمرين للشراكة مع القطاع الخاص في الأصول السيادية سواء كانت في الكهرباء أو الموانئ أو المطارات أو قطاعي النفط والغاز والطاقة بشكل عام؛ بحيث يدخل بنسب واضحة وبنسب تشغيل يد عاملة محلية واضحة وبنسب أرباح واضحة حسب سنوات كل عقد.

إلى أين يجب أن يصل الاقتصاد السوري في نهاية المطاف حتى نضمن عيشا مستقرا للمواطن مع منع عودة الاستبداد واحتكار كل مقدرات البلد في يد عائلة واحدة كما فعلت عائلة الأسد؟

بحكومة تكنوقراط حقيقية بناء على الكفاءات، وبحد أدنى من الفساد، وبفصل بين السلطات وبقوانين جاذبة للاستثمارات، نحتاج إلى خمس سنوات لنحدد الهوية الأساسية لسوريا.

إذ إن الخمس سنوات اللاحقة ستجعل من سوريا رقما صعبا في اقتصاديات الشرق الأوسط وآسيا وتكون على أبواب اقتصاديات الدول الصاعدة والناهضة وتدخل إلى خارطة العولمة من أبوابها الواسعة، وتبدأ فعلا مرحلة النهوض الحقيقية.

يجب أن يكون عام 2035 مفصليا حتى تكون سوريا واحدة من الدول التي تقترب إلى أن تكون مثل كوريا الجنوبية أو سنغافورة أو ماليزيا؛ لأن البلد بحاجة إلى عشر سنوات نصفها من أجل لملمة الجراح وعودة النازحين واللاجئين إلى مدنهم وأن تكون شركات التطوير العقاري قد أهَّلت المباني لعودة الناس.

وأن تكون هناك قوانين واضحة في سوريا والمؤسسات المصرفية كلها تعمل وجميع القطاعات تعمل.

إذا جرى خلال هذه العشر سنوات الاهتمام بـ"التاءات الثلاث"، التعليم والتصنيع والتكنولوجيا، إلى جانب الاهتمام بكفاءة عالم الأعمال والطرقات والكفاءة الحكومية وأن يكون بعقلية المخطط السوري فكرة التنمية المتوازنة والتي تكون في كل المحافظات وفي كل القطاعات، بمعنى لا يكون هناك أي قطاع مهملا.

سوريا أرض بكر، فهناك مناطق مهملة يمكن بدء الاستثمار فيها، وعلى سبيل المثال فإن ثلث الأراضي الصالحة للزراعة بسوريا فقط هي المزروعة ومحرومة من وسائل الإنتاج الزراعي عالية التكنولوجية.