معاهدة "كويرينال" بين فرنسا وإيطاليا.. ما أهميتها للساحل الإفريقي؟

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قال السفير الإيطالي السابق بتونس والسعودية أرماندو سانغويني إن "معاهدة كويرينال بين فرنسا وإيطاليا مطالبة بأن تسهم في حل مسائل تتعلق بالبحر الأبيض المتوسط ​​بأكمله".

وأشار الخبير الإيطالي في مقاله الذي نشرته مجلة "فورميكي" إلى أن "معاهدة كويرينال" الموقعة في 22 يناير/كانون الثاني 1963 بين فرنسا وألمانيا تختلف عن ذات الاتفاقية بين باريس وروما التي جرى توقيعها في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 من حيث الزمن والعلاقات المختلفة. 

وبين أن الاتفاقية الجديدة "يمكنها حل الأزمات من ليبيا إلى منطقة الساحل الإفريقي والتوترات الإسرائيلية الفلسطينية أيضا".

قوة دافعة

ونوه بأن المعاهدة الجديدة تعد بمثابة قوة دافعة متوقعة على المستوى الأوروبي وعبر المحيط الأطلسي والعالمي وتشكل علامة قطع مع سوء التفاهم والاختلافات والتباعد في الرؤى والتصلب التي اتسمت بها العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة.

وأكد أن "هذا الأفق المستهدف يبدو واضحا تماما عند قراءة نص المعاهدة الذي يتراوح من التعاون في الدفاع إلى الأمن، ومن الاقتصاد إلى الصناعة، ومن الفضاء إلى الانتقال البيئي والرقمي، ومن الثقافة إلى الشباب". 

وتابع بأن اختيار تاريخ التوقيع لم يكن مصادفة وذلك لتزامنه مع انتقال السلطة في ألمانيا. 

ويعتقد أنه "ينبغي الترحيب بهذه المعاهدة ودعمها في تنفيذها التدريجي، أيضا لأن الوضع الجيوسياسي الحالي يتطلب تشغيلا مبكرا لهذا المحرك الأوروبي الجديد المحتمل بالاشتراك مع ألمانيا وربما يمتد إلى إسبانيا".

وأكد أن هذه "الشراكة يجب أن يجرى تعزيزها من خلال نمو اتحاد حقيقي سواء من حيث السياسة الداخلية أو الدفاع، من منظور التكامل مع حلف شمال الأطلسي- الناتو-".

وبين أنه يمكن تنفيذ ذلك "من خلال سياسة خارجية قادرة على التمييز بين العلاقات الخاصة مع روسيا والصين والاحترام الواضح للالتزامات عبر الناتو".

وأضاف أن "المعاهدة يجب أن تهدف إلى بناء سياسة هجرة لا يمكن ابتزازها وتلتزم بالقيم التي لا تزال تطالب بها حتى قبل بناء قوتها الاقتصادية، مما يجعلنا نتخطى المسائل الحرجة على غرار أزمة القناة الإنجليزية أو تلك المتعلقة بالحدود البيلاروسية البولندية وكذلك البحر الأبيض المتوسط البحر".

ونوه سانغويني بأن "هذا البحر يستحق صورة أخرى من الاهتمام والحماية والمسؤولية الاستباقية غير الحالية، وكذلك في ضوء المخاطر التي يمثلها تشابك الطموحات والمصالح الإقليمية والدولية".

وأشار في هذا الصدد إلى انعكاسات ما وصفه الجمود في ليبيا مذكرا على وجه التحديد برفض الاتحاد الأوروبي في 2019 طلب المساعدة التي تقدمت به حكومة الوفاق الليبية السابقة (كان معترفا بها دوليا) في الدفاع عن العاصمة طرابلس ضد هجوم مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

واعتبر أن هذه الفوضى أضفت شرعية على التدخل السياسي العسكري لتركيا (ضمن اتفاقية رسمية) ضد روسيا المنتشرة لدعم حفتر خلف ستار مليشيا فاغنر المرتزقة إلى جانب مصر والإمارات وأيضا فرنسا.

ويرى الدبلوماسي الإيطالي أن الملف الليبي يعد الاختبار الفوري لمعاهدة كويرينال خصوصا وأن البلد يقترب في الوقت الحالي، بعد فترة طويلة ومضطربة، من موعد الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021.

ولفت إلى أن هذا البلد، الذي كان دائما ساحة تنافس في كثير من الأحيان بين الفرنسيين والإيطاليين، أمام مصيرين متعارضين اليوم اعتمادا على هوية المرشح الفائز، وذلك إما بعودة البلاد إلى فوضى وتجدد الصراع الداخلي أو فتح أفق لطريق الاستقرار.

وحذر الخبير الإيطالي في مقاله من الانعكاسات المحتملة الناجمة عن استبعاد المفوضية العليا للانتخابات الليبية بعض المرشحين من السباق الرئاسي على غرار سيف الإسلام نجل العقيد الراحل معمر القذافي وذلك نتيجة جرائم ارتكبت في عام 2011. 

ترسيخ الاستقرار

وبحسب سانغويني، سيعتمد الكثير أيضا على المتابعة السياسية الدبلوماسية لمخرجات مؤتمر باريس حول ليبيا الذي جرى تنظيمه في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 برئاسة فرنسية إيطالية مشتركة من أجل إجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده المتفق عليه. 

بالإضافة إلى الدور الذي يمكن القيام به على حساب جهات خارجية أخرى (من تركيا إلى روسيا، ومن الإمارات إلى مصر).

وأردف أن "التفكير في ليبيا يعني أيضا النظر إلى منطقة الساحل الإفريقي، ذلك الشريط الطويل بين المحيط الأطلسي والبحر الأحمر الذي يربط الشمال بجنوب إفريقيا".

وهو حزام شبه صحراوي مليء بجماعات مسلحة وبالمتاجرين بالبشر، بأسلحة ومخدرات، ويعاني من الفقر والصراع بين القبائل.

وأوضح أن هذه العوامل لا تؤثر فقط على استقرار الدول التي تتكون منها كليا أو جزئيا (الجزائر، بوركينا فاسو، تشاد، مالي، النيجر، موريتانيا، غامبيا، السنغال، نيجيريا، الكاميرون، شمال وجنوب السودان وإريتريا) ولكن تمثل أيضا تهديدا كبيرا لأوروبا. 

وذكر أن خمسا من هذه الدول أسست ما يسمى مجموعة دول الساحل في عام 2014، بالقرب من وسط غرب شمال إفريقيا للتصدي بشكل أكثر فعالية لتلك التحديات.

وعلق بالقول إن هذا الهيكل لم يسفر في البداية على نتائج باهرة، لكن بمرور الوقت تمكن من حشد دعم مختلف اللاعبين الدوليين، من عملية برخان الفرنسية إلى بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، إلى مهمة تدريب الاتحاد الأوروبي في الصومال  EUTM.

وأضيف إلى هذه المهمات والعملية في مارس/آذار، مهمة تاكوبا العسكرية التي تضم 12 دولة أوروبية، بما في ذلك إيطاليا، وتهدف إلى تنظيم تدفقات الهجرة والسيطرة على الاتجار غير المشروع ومكافحة الجماعات المتطرفة.

وفي إطاره، تشارك إيطاليا مع بلجيكا وجمهورية التشيك والدنمارك وإستونيا وألمانيا وهولندا والنرويج والبرتغال والسويد والمملكة المتحدة واليونان في دعم دول مجموعة الساحل الخمس.

باختصار، تنفيذ المهام يتطلب جهود تنسيق وإستراتيجية إعادة تنظيم، يوصي الدبلوماسي الإيطالي. 

ونوه سانغويني "بأن الشراكة الإيطالية الفرنسية الجديدة توفر فرصة لا ينبغي إغفالها نظرا لأن منطقة الساحل أصبحت الآن مهمة لأمن الهجرة في أوروبا ومكافحة الإرهاب وأمن الطاقة جزئيا".

"علاوة على ذلك، يجب أن تعطي المعاهدة دفعة إضافية لبرنامج منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط الذي رحب بالاتحاد الأوروبي كمراقب دائم بحكم التزامه المستمر بتعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة من خلال التعاون الإيجابي والشامل، كما ورد في مذكرة المنتدى"، وفق قول الخبير الإيطالي. 

في ختام مقاله عبر الدبلوماسي الإيطالي السابق عن أمله في أن تسهم معاهدة كويرينال أيضا إيجابيا "فيما يتعلق بالمسائل الحساسة الأخرى التي تسبب تفاقم زعزعة الاستقرار في المتوسط في إشارة إلى توتر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والوضع اللبناني الكارثي وأيضا الأزمة السورية".