الموت جوعا وبردا.. قصص مأساوية للاجئين عرب علقوا بين بولندا وبيلاروسيا

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

أكدت إذاعة "فري يوروب" الأوروبية أن المهاجرين العالقين بين بيلاروسيا وبولندا يواجهون خطر الموت جوعا وبردا.

وأمضى "راقي سرور" أيامه في إجراء مكالمات هاتفية في فندق بالقرب من الحدود البولندية، فيما أمضت زوجته "صفا" ذلك الوقت مختبئة في غابة متجمدة على بعد 3 كيلومترات فقط.

وكان الزوجان يجريان محاولات "يائسة" للتهرب من دوريات الجيش البولندي، حيث يخاطر راقي إذا التقى بزوجته بتعريض حياتها لخطر أكبر.

قصص المعاناة

وراقي سرور هو ممرض يبلغ من العمر 25 عاما حصل على حق اللجوء في ألمانيا عام 2016، لكن زوجته وأباه وأخته وأخاه وعمه وابن عمه، الذين سافروا إلى بيلاروسيا من سوريا التي مزقتها الحرب وعبروا إلى بولندا بمساعدة حرس الحدود البيلاروسيين، فشلوا في ذلك.

وتجولت عائلته في البرية البولندية لمدة أسبوعين، دون أي طعام أو ماء، وناموا في المستنقعات لتجنب اكتشافهم. 

لكن وبعد أن اكتشفوا مرتين جرى دفعهم إلى بيلاروسيا من قبل حرس الحدود البولندي، وأجبروا على بدء الرحلة الشاقة من الصفر. 

ولكن مع اقتراب درجات الحرارة ليلا من البرودة الشديدة، أدرك سرور أنه يواجه خيارا سيئا. وقد يؤدي ترك "صفا" وأفراد أسرتها في الغابة لفترة أطول إلى وفاتهم. 

وكان ما لا يقل عن 10 مهاجرين قد لقوا حتفهم بالفعل أثناء محاولتهم المرور بنفس الطريقة.

ومن شأن تلك المحاولة أن تعرضهم للاعتقال في بولندا التي تحولت حدودها إلى منطقة عسكرية بسبب عدد المهاجرين الذين يعبرون من بيلاروسيا، "بتشجيع من النظام الاستبدادي لأليكسندر لوكاشينكا"، وفق الموقع.

وقال سرور باللغة الألمانية: "في بلدة هاجنوكا نفذ ناشطون محليون محاولة ليلية فاشلة أخرى لإحضار عائلتي إلى أحد المنازل الآمنة". وتابع: "أنا على استعداد لتحريك الجبال لضمان سلامتهم".

وتعتبر أزمة المهاجرين على طول حدود بولندا مع بيلاروسيا بمثابة قنبلة إنسانية موقوتة على الحافة الشرقية للاتحاد الأوروبي. 

وسافر الآلاف من طالبي اللجوء إلى بيلاروسيا في الأشهر الأخيرة، بعد الأعداد المتزايدة من الرحلات اليومية من دول مثل اليمن والعراق والصومال وأفغانستان والكاميرون. 

وعلى الرغم من استمرار الغالبية العظمى في اتجاه بولندا، سعى الكثيرون للدخول إلى لاتفيا وليتوانيا المجاورتين.

وتعد هذه الظاهرة جزءا من مخطط ترعاه الدولة وفق ما يؤكده المدافعون عن حقوق الإنسان ومسؤولو الاتحاد الأوروبي.

ويشير هؤلاء إلى أن ذلك يرقى إلى مستوى "الحرب المختلطة" التي شنها لوكاشينكا ردا على العقوبات الغربية المفروضة على حكومته بعد أن ادعى فوزا ساحقا في انتخابات أغسطس/آب 2020 التي اعتبرت مزورة على نطاق واسع وتم إطلاق قمع وحشي للاحتجاجات ضد استمرار حكمه. 

وقال المحلل السياسي البيلاروسي الذي يعيش في المنفى "ارتسيوم شرايبمان": "الهدف الرئيسي هو معاقبة ليتوانيا وبولندا على دعمهما للمعارضة.. لوكاشينكا يعتقد أنه ليس لديه ما يخسره".

وارتفعت أرقام المهاجرين عندما تصاعدت التوترات بين مينسك وأوروبا في مايو/أيار 2021، بعد أن أجبرت بيلاروسيا طائرة تجارية متجهة إلى ليتوانيا على الهبوط في عاصمتها حتى تتمكن السلطات من اعتقال مدون منشق على متنها.

وحتى مع اشتداد الظروف الصعبة، يستمر تدفق المهاجرين، حيث سجلت قوة الحدود البولندية أكثر من 30 ألف محاولة للعبور منذ أغسطس/آب 2021، بما في ذلك 17300 في أكتوبر/تشرين الأول وحده.

ويقول المسؤولون في برلين إن حوالي 7000 من هؤلاء الأشخاص حاولوا دخول ألمانيا.

وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول، دعت المستشارة الألمانية المنتهية ولايتها أنغيلا ميركل إلى فرض عقوبات جديدة على نظام لوكاشينكا المدعوم من روسيا، بسبب ما وصفته بـ "الاتجار بالبشر المدعوم من الدولة".

واستجابت بولندا بإعلان حالة الطوارئ على حدودها مع بيلاروسيا ونقل 10 آلاف جندي إلى المنطقة لمنع المهاجرين من الدخول والقبض على من يتسللون عبر هذه الشبكة. 

ووافقت حكومة حزب القانون والعدالة القومي على ميزانية قدرها 407 ملايين دولار لبناء جدار حدودي في الأسابيع المقبلة.

تصاعد حدة الخطاب

اتهمت وزارة الدفاع البولندية مرارا الجنود البيلاروسيين بالتهديد بإطلاق النار على القوات البولندية.

 وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول، ادعى لوكاشينكا أن بولندا تستخدم أزمة المهاجرين كذريعة لحشد قواتها على الحدود. 

وقوبل موقف الحكومة البولندية بشأن إبعاد المهاجرين بتأييد شديد من اليمين المتطرف ورد فعل عنيف من الليبراليين. 

وسار المتظاهرون في وارسو ومدن أخرى وهم يهتفون: "أوقفوا التعذيب على الحدود!".

وردت الحكومة بما يقول النقاد إنها معلومات مضللة تهدف إلى إثارة المشاعر الشعبية المناهضة للمهاجرين.

وفي سبتمبر/أيلول 2021، أظهر وزير الداخلية ماريوس كامينسكي صورا بذيئة يعتقد وجودها على الهواتف المحمولة للمهاجرين، والتي اتضح أنها مزيفة. 

وفي أكتوبر/ تشرين الأول، أفاد التلفزيون الحكومي عن حادث إطلاق نار مزعوم على سيارة مارة من قبل مهاجرين في السويد، وأشار إلى أن "مثل هذه الأشياء تحدث في جميع أنحاء أوروبا كل يوم تقريبا". 

وقد كانت اللقطات في الواقع من مسلسل خيالي على شبكة نتفليكس الأميركية. وبينما تردد صدى الأزمة في جميع أنحاء بولندا، انقلبت الحياة رأسا على عقب في الشرق. 

ويخضع السكان المحليون في هاجنوكا والمدن الأخرى القريبة من الحدود لفحوصات دورية من الشرطة أثناء الرحلات الروتينية إلى العمل أو متجر البقالة. 

وتسير شاحنات الجيش في الشوارع، وتحمل الجنود الذين يبيتون في الفنادق المحلية قبل الخدمة على الحدود.

وقالت كاسيا وابا وهي امرأة من سكان هاجنوكا تعمل على مساعدة المهاجرين: "أشعر وكأنني أعيش في منطقة حرب، الوحيدون الذين يتنقلون ليلا هم اللاجئون والمهربون والناشطون".

ويخاطر الكثيرون بالاعتقال للمساعدة، مستشهدين بمدونة أخلاقية يقولون إنها تفتقر إليها إجراءات حكومتهم. 

وتحاول نادلة في الفندق تتجول في الطرق المحلية بحثا عن نقاط تفتيش للشرطة إخراج عائلة من طالبي اللجوء من الغابة.

كما يحاول سائق التاكسي نقل المهاجرين الذين يصلون إلى المدينة، لكنه يواجه غرامات باهظة وسجلا جنائيا إذا تم القبض عليه.

وهناك العديد من المتطوعين المتفرغين مثل وابا الذين يقضون أيامهم ومعظم لياليهم في جلب الطعام والملابس للمهاجرين.

ويعاني الكثير من المهاجرين الجوع وانخفاض درجة حرارة أجسامهم. ولكن بالنسبة لمعظمهم، ليس الماء أو الملابس هو الذي سينقذ حياتهم في النهاية. 

ويقول الناشطون إن "امتلاك هاتف محمول قابل للتشغيل أثناء الوجود في الغابة هو الطريقة الوحيدة لتنبيه الناشطين إلى موقعك وإعلام عائلتك بأنك ما زلت على قيد الحياة".

وتوضح نوال صوفي الناشطة الحقوقية الإيطالية المغربية التي كانت تسافر على طول الحدود: "عندما يموت بعضهم، يمكنهم على الأقل الاتصال بالشرطة".

وعادة ما تكون القصص التي يرويها المهاجرون هي نفسها دائما تقريبا. 

فهم يدفعون ما يصل إلى عدة آلاف من الدولارات للشركات السياحية التي لها علاقات مع السلطات البيلاروسية، والتي تنظم رحلة وتأشيرة وإقامة قصيرة في فندق داخل مينسك، وعملية نقل إلى الحدود البولندية، يقول الموقع.

خوف واعتراض

وعلى الحدود، قطع المسؤولون البيلاروسيون الأسلاك الشائكة ليلا للسماح لمجموعات مختارة من المهاجرين بالمرور. 

وبمجرد وصولهم إلى الأراضي البولندية، إما أن يتم اعتراضهم من قبل قوة الحدود البولندية وإعادتهم عبر الحدود - وهي ممارسة محظورة بموجب القانون الدولي ولكن وافق عليها البرلمان البولندي في أكتوبر/تشرين الأول 2021 - أو يجوبون الغابة حتى يتلقوا إشارة من مهرب ويهرعون إلى سيارة منتظرة.

وإذا تم القبض عليهم ودُفع بهم إلى بيلاروسيا، يقول الكثيرون إنهم يتعرضون للضرب على أيدي حرس الحدود البيلاروسيين ويجبرون على التوجه إلى بولندا مرة أخرى، وغالبا ما يقضون أياما في الشريط القاحل من المنطقة الخالية بين البلدين. 

ويدفع البعض رشاوى باهظة لإعادتهم إلى مينسك، حيث إما أن يستأنفوا الرحلة بأكملها أو يعودوا إلى البلدان التي قضوا فيها، في كثير من الحالات، مدخراتهم في محاولة المغادرة.

وقال كرار وهو كردي عراقي يسافر مع زوجته الحامل، بعد أن أنفق 6000 دولار للوصول إلى بولندا وأعاده حرس الحدود سبع مرات "قضيت أربع ليالٍ في مستنقع و10 أيام بدون ماء، إنهم يعاملوننا مثل الحيوانات".

وأبعدت عائلة سرور التي سافرت من دمشق إلى مينسك في 20 أكتوبر/تشرين الأول، مرتين بعد أن غامروا بالسفر لمسافة كيلومترات داخل الأراضي البولندية. 

وقال والده البالغ من العمر 70 عاما، إنهم أمضوا أكثر من 5 أيام بدون طعام قبل العثور على حزمة من الإمدادات التي تركها الناشطون.

 أما رعد شقيق سرور البالغ من العمر 37 عاما والذي سافر معهم، فقد تعرض للهجوم من قبل كلب بوليسي في 25 أكتوبر/تشرين الأول ونُقل إلى مستشفى هاجنووكا قبل إخراجه في 3 نوفمبر/تشرين الأول، فيما لا يزال مكانه مجهولا.

ونجح سرور في توصيل الإمدادات إلى أسرته بنفسه في مناسبتين. وفي كل مرة، كانت المجموعة بأكملها تذرف الدموع، وتحتضنه لأنه قطع وعودا لم يكن متأكدا من الوفاء بها. 

وفي 3 نوفمبر/تشرين الثاني، أخذ صفا مرتعشة من يدها وقادها بعيدا حتى يكونا بعيدين عن الأعين، ممسكا بيدها وهو يهمس في أذنها.

ومثل مئات المهاجرين الآخرين الذين سافروا إلى بيلاروسيا بحثا عن حياة أفضل، تصور سرور وعائلته رحلة سهلة نسبيا إلى ألمانيا، بتشجيع من المشاركات المتفائلة في منتديات الإنترنت باللغة العربية. 

والتقى هو وصفا لأول مرة كزملاء مراهقين في درعا وكانا يأملان في إقامة حفل زواج رسمي عند وصولها إلى ألمانيا في أكتوبر/تشرين الأول، بحضور أقاربهما.

وقال في 4 نوفمبر/تشرين الثاني: "كان كل شيء مختلفا في مخيلتي، والآن نعاني أنا وهي، على الرغم من تباعدنا مسافة ميلين وبالكاد يمكننا رؤية بعضنا البعض. من المستحيل وصف هذا بالكلمات".

وبالنسبة لهذه العائلة بالذات، انتهت المحنة بالقرب من الحدود بشكل جيد، هم الآن بأمان في ألمانيا. 

لكن هناك العديد من الأشخاص الآخرين في موقع سرور، حيث يقيمون في الفنادق قرب البلدات الحدودية البولندية ويقدمون نداءات لأي شخص قد يساعد أسرهم في الوصول إلى بر الأمان. 

وستزداد الأمور سوءا عندما يحل الشتاء، وفق تحذيرات سكان هاجنوكا. 

وغالبا ما تنخفض درجات الحرارة في المنطقة الحدودية إلى 15 درجة تحت الصفر، مما يعني أن معدل الوفيات في الغابة القريبة يمكن أن يرتفع بسرعة.

وينتقد الناشطون الذين يساعدون المهاجرين ما يقولون إنه عناد حكومتهم ويجادلون بأن بولندا، دولة ذات دخل مرتفع يبلغ عدد سكانها 38 مليون نسمة، يمكنها بسهولة التعامل مع 30 ألف لاجئ.

ويقول أندريه كيواتوفسكي البالغ من العمر 23 عاما والذي انتقل أخيرا من وارسو إلى هاجنوكا لمساعدة المهاجرين: "يمكننا ويجب علينا السماح لهؤلاء الأشخاص بالدخول. المشكلة أن حكومتنا تفوز في الانتخابات بإبعادهم".