موت على بوابات بولندا.. قصص مأساوية للاجئين يمنيين فروا من جحيم الحرب
تضيق الدائرة على اليمنيين كل يوم، وتقل معها خيارات سبل العيش بل تكاد تنعدم، ومع كل طريق محتمل ينفتح، يتدافعون نحوه غير عابئين بما يكتنفه من معاناة وبما يحيطه من مخاطر يمكن أن تودي بحياتهم.
مؤخرا، اهتدى يمنيون لطريق الهجرة إلى أوروبا عبر بيلاروسيا (روسيا البيضاء)، وهي من دول أوروبا الشرقية على الحدود مع بولندا، الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، فتدافعوا بأفواج متفرقة باحثين عن حياة جديدة لهم ولأسرهم.
غير أن تلك الرحلة، ليست إلا السفر نحو المجهول، وبداية معاناة جديدة، وفصل جديد من فصول النزوح والتشرد.
بداية الرحلة
في 6 يوليو/تموز 2021، أعلن زعيم روسيا البيضاء، ألكسندر لوكاشينكو، أنه لن يوقف المهاجرين غير النظاميين إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر بلاده، وذلك ردا على فرض الاتحاد عقوبات اقتصادية على بلاده، فكان هذا الإعلان بمثابة أمل انبعث لليمنيين وللمهاجرين العرب عموما.
وكان الاتحاد الأوروبي قد فرض في 24 يونيو/حزيران 2021 عقوبات اقتصادية على بيلاروسيا، وأوضح في بيان أن تلك العقوبات أتت جراء "تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان في بيلاروسيا"، وهو الأمر الذي دفع لوكاشينكو لمقابلة هذا الموقف بالقول إن بلاده "لا تمتلك الأموال والقدرات لكي تمنع تدفق المهاجرين في ظل الحظر المفروض عليها".
ولأن مصائب قوم عند قوم فوائد، فقد استفاد اليمنيون من هذا التوتر الحاصل بين الجانبين، فاتجهوا إلى قنصليات بيلاروسيا في عدد من دول العالم وقدموا للحصول على التأشيرة.
يحصل المتقدمون على تأشيرة سياحية بعد إحضار المستندات المطلوبة، وهي البرنامج السياحي وحجز أولي للفندق والطيران، ونسخة من جواز السفر، وصورة من الإقامة الخاصة بالمتقدم.
في أحيان كثيرة، فإن هناك مكاتب وسماسرة يتكفلون بتجهيز هذه الوثائق لقاء مبلغ مالي يتراوح بين 1500 و2000 دولار، بعدها يمنح المتقدم تأشيرة سياحية، يستطيع بموجبها قطع تذكرة طيران والسفر إلى مينسك عاصمة بيلاروسيا.
بالنسبة للمقيمين في اليمن، فلأنه لم يعد فيها قنصليات ولا مؤسسات دبلوماسية لأي دولة منذ اندلاع الحرب قبل حوالي 6 سنوات، فإنه يتعين عليهم الخروج لأقرب دولة يوجد فيها قنصلية بيلاروسيا، ثم الحصول على إقامة الدولة التي سيقدم منها، وهذه قصة أخرى من قصص معاناة اليمنيين، وفصل من فصول شقائهم.
أسلاك شائكة
وبمجرد أن يصل المهاجرون اليمنيون إلى مطار مينسك، يتجهون إلى الغرب حيث الحدود مع بولندا، العضو في الاتحاد الأوروبي، وبمجرد أن تطأ أقدامهم الأراضي البولندية يكونون قد ضمنوا مستقبلا جديدا، ذلك لأن وارسو ملزمة بمنحهم حق اللجوء، بموجب اتقاقية "دبلن" الموقعة بين دول الاتحاد عام 2003، والتي تلزم الدولة بمنح حق اللجوء بشكل قانوني.
غير أن ذلك الأمر، وإن كان يبدو بذلك الحجم من الإغراء، فإنه ليس بتلك الدرجة من البساطة أو السهولة، فبولندا تقاتل من أجل أن تضمن عدم دخول أي لاجئ إلى أراضيها، وتبذل كل الأسباب التي تمنع المهاجرين من القدوم إليها.
فقد أعلنت وزارة الدفاع البولندية أن 2100 شخص حاولوا عبور الحدود بشكل غير قانوني في أغسطس/آب 2021، غير أن حرس الحدود تمكن من منع 1342 منهم دخول بولندا، واعتقال واحتجاز 758 آخرين في مراكز مغلقة.
ومن أجل الحد من الدخول إلى أراضيها، فقد نشرت وزارة الدفاع البولندية أسلاكا شائكة تمتد لنحو 100 كم من أصل 418 كم على حدودها مع بيلاروسيا، وقالت إنها ستضع أسلاكا أخرى يبلغ طولها 50 كم في تلك المناطق المرشحة لأن تتحول إلى معابر حدودية غير قانونية.
لهذا فإن معظم المهاجرين غير النظاميين يفترشون العراء على الحدود مع بولندا ويقاسون البرد القارس، ويتعرضون لموجات هائلة من البرد متسببة بمرض الكثيرين منهم، خصوصا أولئك الذين يملكون سجلا مرضيا سابقا.
وقال الناشط في ملف المهاجرين، مختار الجابري: "بالنسبة لمعاناة المهاجرين فإنها تبدأ من مطار مينسك، حيث يتكدسون لعدة أيام بشكل غير آدمي وغير إنساني، في صالات مطار صغير متواضع لا توجد فيه خدمات كافية، وبسبب الإقبال الكبير على المطار فإن الوضع زاد سوءا، إلى مستوى أن البعض بات يعاني من الجوع".
وأوضح لـ"الاستقلال" أن "المهاجرين على الحدود البيلاروسية البولندية فإنهم يعيشون وضعا مأساويا للغاية، هناك نساء حوامل وأطفال وعوائل كثيرة عالقة هناك في الغابات، وقد تعرض بعضهم لإصابات جراء الضرب من قبل حرس حدود بولندا، وأتلفت هواتف البعض، وتعرض آخرون للسرقة، كما تم الاحتيال على البعض من قبل المهربين أنفسهم".
وتابع: "تضاف إلى تلك المعاناة المسافات الطويلة التي يقطعونها، وقد علق البعض في تلك المناطق وتاه لمدة يومين وثلاثة، وتعرض لخطر القتل والهجوم من قبل حيوانات مفترسة في الغابة، علاوة على ذلك فإنه يتم معاملة الكثير منهم بعنصرية من قبل الأهالي وبشكل غير إنساني، وتضاعف الأجواء السيئة والبرد الشديد من هذه المعاناة".
وضع حرج
الجابري أكد أن "بعض المهاجرين يعانون من أمراض سابقة، وقد ساءت حالة البعض منهم فتم إسعافهم للمستشفيات البولندية على الحدود، لتمكينهم من الإسعافات الأولية لكن أعادهم حرس الحدود إلى غابات بيلاروسيا، ورميهم هناك بدون مراعاة لوضعهم الصحي الحرج".
ولفت إلى أن "أحد اليمنيين العالقين توفي جراء مضاعفات حصلت له بسبب إصابته بمرض الكبد، وجثته ما زالت عند الجانب البولندي".
وعن المخاطر التي يواجهونها أو تعترضهم، قال الناشط اليمني: "أولها الموت المحتمل قبل أن يصلوا إلى وجهتهم، والضرب المبرح من قبل حرس الحدود، والاعتقال ثم الإعادة إلى الأراضي البيلاروسية".
واستدرك الجابري قائلا: "للأمانة هناك حالات تم اعتقالها من قبل البولنديين وتمت معاملتهم بلطف وبشكل إنساني، مع إعادتهم إلى الأراضي البيلاروسية، وبعض الحالات كان التعامل معها بطريقة وحشية وقاسية تعرضوا فيها للضرب بأعقاب البنادق وضربات مباشرة في الوجه".
وعن فرص نجاح المهاجرين غير الشرعيين في العبور إلى بولندا، أوضح أن "الفرص ضعيفة، بسبب تعرضهم لتلك المخاطر، وكمطلع على هذا الملف لا أنصح أحدا بهذا الأمر، مهما كانت معاناة البعض، لأن الثمن الذي يدفعه المهاجر هو حياته، خصوصا أن الوضع زاد صعوبة خلال الفترة الأخيرة، وهناك حالات أعرفها تمنوا أنهم لم يخوضوا هذه المغامرة".
وختم الجابري حديثة بالقول: "أنا على تواصل مع عدد من المهاجرين، وأقوم بتوثيق الحالات التي تعرضوا فيها للانتهاك، كما أتواصل مع بعض الجهات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني لتزويدهم ببعض المعلومات عن هؤلاء أملا في مساعدتهم".