مؤتمر "ديربان" الأممي.. لماذا تحرض إسرائيل عليه وتحشد ضده؟

12

طباعة

مشاركة

في كل دورة جديدة له، تجد إسرائيل نفسها أمام انتقادات دولية لاذعة خلال فعاليات مؤتمر "ديربان" الأممي لمناهضة العنصرية، بسبب اعتداءاتها وممارساتها العنصرية بحق الشعب الفلسطيني.

هذه الانتقادات، دفعت الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتزوغ، للقاء ممثلين دبلوماسيين أجانب في تل أبيب، لحث بلدانهم على مقاطعة المؤتمر المرتقب عقد نسخته الثالثة في 22 سبتمبر/أيلول 2021 بجنوب إفريقيا. 

وتقاطع حكومة الاحتلال المؤتمر الأممي الذي نظم أول نسخة منه عام 2001 بجنوب إفريقيا، والثاني في 2009 بسويسرا، ومن بين أهدافه تقييم المظاهر المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري والخوف من الأجانب.

وتحث إسرائيل عددا من الدول على مقاطعة "ديربان"، حيث استجابت لطلبها كل من ألمانيا وأميركا وأستراليا وبريطانيا وكندا وهولندا والنمسا، خوفا على "صورتها من التشويه" بعدما اعتبر المؤتمر في أكثر من دورة إسرائيل "كيانا عنصريا".

صحيفة "ذا جيروزاليم بوست" العبرية، كشفت أن هيرتزوغ خلال لقائه السنوي الذي جمعه بالممثلين الدبلوماسيين بتل أبيب، في 2 أغسطس/آب 2021، طلب من الحضور مقاطعة المؤتمر الذي تنظمه الأمم المتحدة سنويا في جنوب إفريقيا.

ورحب هيرتزوغ -خلال اللقاء- بالممثل الدبلوماسي المغربي والبحريني، اللذين ينظمان للقاء السنوي للمرة الأولى، مشيرا وفق الصحيفة إلى أن "إسرائيل ستمد يدها لأي شركاء جدد يمدون يدهم للسلام".

وجاء حضور الممثلين الدبلوماسيين للمغرب والبحرين هذه السنة، بعد تطبيع علاقاتهما مع إسرائيل أواخر 2020، بوساطة أميركية قادها الرئيس السابق دونالد ترامب في أسابيع قبل مغادرته السلطة.

رفض التمويل

في محاولة لكبح جماح "قوة" المؤتمر، صوتت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل مطلع يناير/كانون الثاني 2021، ضد الميزانية العادية للأمم المتحدة للعام 2021 التي تحظى سنويا بالإجماع، والبالغ إجماليها 3.231 مليارات دولار.

وقالت المندوبة الأميركية الدائمة، كيلي كرافت، إن تصويت بلادها ضد الميزانية "لن يغير مساهمات واشنطن في برامج الأمم المتحدة، بما في ذلك 25 بالمئة من نفقات حفظ السلام، ونحو 9 مليارات دولار سنويا لدعم الإغاثة الإنسانية".

وأضافت كرافت، عقب التصويت على مشروع القرار، أن "الولايات المتحدة وهي أكبر ممول للأمم المتحدة، أرادت بهذا التصويت أن توضح تمسكها بمبادئها ودفاعها عن الصواب، ولا نقبل أبدا التصويت بالإجماع من أجل الإجماع فحسب".

وأوضحت أن واشنطن "اعترضت على قرار الميزانية بسبب تخصيص جزء منها لتمويل اجتماع خاص بمناسبة الذكرى الـ20 للمؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية الذي يعقد في ديربان جنوب إفريقيا".

بدوره، وصف مندوب إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير جلعاد إردان، تصويت واشنطن ضد ميزانية الأمم المتحدة بـ"الخطوة النادرة".

وقال جلعاد في رسالة وزعها على الصحفيين بمقر المنظمة الأممية: إن "تصويت واشنطن جاء ردا على تحيز الأمم المتحدة المستمر ضد إسرائيل، وعزمها على تخصيص الأموال لحدث يحتفي بمناسبة الذكرى الـ20 لمؤتمر ديربان لمكافحة العنصرية".

وأضاف "نعلم جميعا أن هذه الأموال لن تستخدم لدعم حقوق الإنسان ولكن لنشر المزيد من معاداة السامية والكراهية تجاه إسرائيل".

من جانبه، قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، منتصف أغسطس/آب 2021 مقاطعة الدورة المقبلة من مؤتمر "ديربان"، وبررت الرئاسة قرارها بـ"مخاوف تتعلق بمعاداة السامية". 

ولم تكن هذه المرة الأولى التي تقاطع فيها فرنسا المؤتمر، بل امتنعت عن المشاركة في نسختي 2009 و2011، بدعوى "الاحتجاج على التصريحات المعادية للسامية التي تم الإدلاء بها" في الدورة التأسيسة عام 2001. 

وقالت الرئاسة الفرنسية في بيان: إن القرار أتى "نظرا لسجل التصريحات المعادية للسامية التي تخللت مؤتمر الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية".

وادعت أن "من منطلق التزامها بعالمية حقوق الإنسان، ستواصل محاربة أشكال العنصرية، وستضمن عقد مؤتمر ديربان وفقا للمبادئ التأسيسية للأمم المتحدة".

وفي 24 يوليو/تموز 2021، قالت وزارة الخارجية الألمانية: إن الحكومة الاتحادية لن تشارك في النسخة المقبلة من ديربان، مبررة ذلك بمخاوف من أن يتم بالمؤتمر "تجديد تشويه صورة إسرائيل".

وذكرت الخارجية الألمانية، أن "الحكومة الاتحادية قررت عدم المشاركة في مؤتمر هذا العام بمناسبة الذكرى العشرين على مرور ما أطلق عليه مؤتمر ديربان".

تأثير بالغ

"مؤتمر ديربان" يدين إسرائيل ويصنفها "دولة تمارس نظام الفصل العنصري" ضد الفلسطينيين في أرضهم المحتلة منذ عام 1967.

يعتبر "ديربان" من المؤتمرات التي تركز على محاربة العنصرية في العالم، وانتقاد البلدان التي تمارس أعمالا عنصرية ضد مواطنيها أو ضد الأقليات داخلها أو مع البلدان التي توجد في صراع معها.

وفي دورته الأولى قبل أيام قليلة من الهجمات الإرهابية في 11 أيلول/سبتمبر 2001، عرف المؤتمر انقسامات عميقة حول قضايا معاداة السامية والاستعمار والعبودية، دفعت الولايات المتحدة وإسرائيل لمغادرته احتجاجا على "النبرة" التي جرى بها توجيه الانتقادات لهما.

وتميزت نسخة 2009 من المؤتمر التي نظمت في سويسرا، بمغادرة ممثلي الدول الأوروبية القاعة عند إلقاء الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، خطابا قاسيا ضد إسرائيل.

ويوصي المؤتمر بعد كل دورة بـ"إجراءات ومبادرات ملموسة على جميع المستويات" لمناهضة كل أشكال العنصرية، ودعا في أكثر من نسخة، مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وإجراءاته وآلياته الخاصة، وكذا هيئات المعاهدات إلى الاعتماد على إعلان وبرنامج عمل "ديربان" في عملها.

ويطالب المؤتمر كل الحكومات بالتعاون بشكل كلي مع آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة لمناهضة العنصرية، وأوصى مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، التي تؤدي مهام الأمانة العامة للمؤتمر، مواصلة دعمها قصد بلوغ هذه الأهداف.

كما طالب الحكومات بالمصادقة على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العرقي وباقي الآليات التي تم اعتمادها من خلال مؤتمر عام 2001 لمناهضة العنصرية، بما في ذلك اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وبروتوكولها الاختياري، والبروتوكول الاختياري للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وكانت إحدى النقاط الخلافية في المؤتمر والمتعلقة بالموضوع هي الفصل العنصري، خلال العمليات التحضيرية للمؤتمر، وشددت جنوب إفريقيا على أنها لا تريد ربط التعويض بالفصل العنصري. 

خلال الاجتماعات التحضيرية في جنيف، ربطت اللجنة التحضيرية للمؤتمر الصهيونية بالعنصرية، وكانت الولايات المتحدة قد هددت بالفعل بمقاطعة المؤتمر إذا اشتملت مسودات وثائق المؤتمر على نص يمكن تفسيره بأي شكل من الأشكال على أنه يربط الصهيونية بالعنصرية.

وقالت السياسية والحقوقية الإيرلندية، ماري روبنسون: إنه لا ينبغي فرض النزاعات السياسية الإقليمية على جدول أعمال المؤتمر، وشاركت الوفود الأسترالية والكندية وبعض الدول الأوروبية الرأي الأميركي. 

ومنذ تأسيسه وحتى اليوم، لازالت إسرائيل تواصل مساعيها من أجل دفع بلدان أخرى لمقاطعة المؤتمر الأممي بعد أن وصفت بأنها "دولة عنصرية تنتهك حقوق الإنسان الفلسطيني".