"ليست إرهابية".. لهذا رفض القضاء النمساوي محاولات شيطنة جماعة الإخوان
محاولات عديدة لا تنتهي للتضييق على المسلمين في النمسا، وعلى تيار الإسلام السياسي وخاصة "جماعة الإخوان المسلمين"، تقودها الحكومة النمساوية؛ إلا أن إحدى أهم مخططات اليمين المتطرف هناك أفشلتها مؤسسات قضائية نمساوية صلبة ومستقلة.
المؤسسات الحاكمة في النمسا تختصم "جماعة الإخوان"، التي غدت في مصاف الحركات الإرهابية لدى حكومة حزب "الشعب"، المقربة من اليمين المتطرف، والتي تسعى لعزل الجماعة في بلاد كان يطلق عليها "واحة المسلمين في أوروبا".
لكن القضاء النمساوي المستقل عن سلطات فيينا رفض لصق ذلك التوصيف بالجماعة، وأعلن أن الإخوان ليسوا بإرهابيين.
في ستينيات القرن الـ20، وفي خضم سيطرة أنظمة الاستبداد العسكرية على الأوضاع في الشرق الأوسط، بدأت هجرة العديد من كوادر جماعة الإخوان المسلمين إلى دول أوروبا، ومنها النمسا.
مهاجرو الإخوان دشنوا بالنمسا أنشطة اجتماعية ودينية للجالية الإسلامية هناك، فيما يعد أبرز الإخوان الذين وطئوا النمسا رجل الأعمال يوسف ندا، وزوج ابنة حسن البنا مؤسس الجماعة، القيادي سعيد رمضان.
مع مرور الزمن اندمجت الحركات الإسلامية وضمنها جماعة الإخوان المسلمين مع المجتمع النمساوي، واستطاعوا صنع شبكة من العلاقات القوية مع النخب.
كما أقاموا الأكاديميات التعليمية، والأعمال التجارية، والكيانات والشركات والجمعيات الخيرية والإنسانية، وتمتعوا بدرجة كبيرة من الثقة.
مرت السنوات وجاء رئيس الوزراء النمساوي سيباستيان كورتس، الذي يقود حزب "الشعب" النمساوي، مدفوعا بروح كراهية للجالية المسلمة عموما، وللإخوان المسلمين، والحركات المقيمة هناك، بالإضافة للاجئين.
كورتس، اتبع سياسة التضييق ضد الجالية المسلمة، ومن آن إلى آخر يسعى إلى محاصرتهم أو إخراجهم، وهو ما يفعله مع الإخوان تحديدا، إذ يسعى لتصنيفها جماعة إرهابية.
ولا ينفصل في ذلك عن قربه من أكثر أنظمة الشرق معاداة للإخوان في الإمارات ومصر، إذ يرتبط كورتس بعلاقات طيبة بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، ورئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي.
الأخيران يدفعانه لهذا التوجه ويتفق معهما في إقصاء الإخوان، ولكنه يصطدم بمؤسسات تشريعية صلبة داخل دولته.
"ليست إرهابية"
في 3 أغسطس/ آب 2021، أصدرت المحكمة العليا بمقاطعة "غراتس" النمساوية، حكمها بشأن شكاوى تقدم بها بعض المسلمين الذين داهمت منازلهم ومقار أعمالهم أجهزة الأمن النمساوية، ما بين أفراد ومؤسسات تابعة لجماعة الإخوان بالنمسا.
حكم المحكمة جاء مخيبا لآمال كورتس، ومنتصرا لجماعة الإخوان، إذ نص حكمها على نفي تهمة الإرهاب عن الإخوان المسلمين، وأعلنت أن الجماعة ليست منظمة إرهابية.
المحكمة أكدت بأن حملة المداهمات والاعتقالات التي جرت ضمن "عملية الأقصر" غير قانونية، وأعلنت قبولها جميع الشكاوى المقدمة ضد الحملة من ضحايا العملية التي اعتبرتها غير قانونية وتفتقد لأي أدلة قوية.
حيثيات الحكم ورد فيها أيضا أن جماعة الإخوان حركة جماهيرية تتكون من ملايين الأعضاء، والاستنتاج بأن كل شخص محسوب على الحركة إرهابي هو ببساطة استنتاج خاطئ وغير مقبول.
واستطردت المحكمة العليا في غراتس، لا ينبغي أن يكون الشك والتخمين والتكهن هو كل ما يعتمد عليه في فرضيات الاشتباه، بل يجب أن يكون الأمر مستندا إلى تقييم مصحوب بأدلة يمكن الوصول إليها.
كما أوردت أن التحقيقات لم تكن منذ البداية ذات أرضية صلبة، واستندت إلى حد كبير على تقييم خبراء عنصريين.
صحيفة "Die Press" النمساوية، قالت: إن حكم محكمة غراتس، يتألف من 32 صفحة، تتضمن منطوق الحكم وتبريراته، موضحة أن منطوق الحكم، أثبت أن مداهمة شقق ومكاتب ومؤسسة خيرية، جرت دون أدلة شبه كافية، وأن التفتيشات التي حصلت غير متوافقة مع القانون.
المسؤولون في المكتب الاتحادي لحماية الدستور ومكافحة الإرهاب النمساوي "BVT" اعتبروا أن الشروع في التحقيق له دوافع سياسية خاصة بحكومة كورتس.
المتحدثة باسم المحكمة إليزابيث ديبر، قالت للصحفيين: إنه جرى تأييد شكاوى تسعة أشخاص داهمت الشرطة منازلهم في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، على أساس أنهم "قدموا دعما ماليا ولديهم علاقات مع منظمات إرهابية".
وشددت ديبر على أن "المداهمات في الأساس لم تكن قانونية".
عملية الأقصر
وفي 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، شنت أجهزة الأمن النمساوية، بأمر مباشر من حكومة حزب الشعب، تحت قيادة كورتس، واحدة من أشرس العمليات، وأشدها ضد مؤسسات وأفراد تابعين لجماعة الإخوان المسلمين في النمسا.
بلغ عدد الأماكن التي تم اقتحامها في عموم البلاد، 60 عنوانا، ووصل عدد الاعتقالات إلى 30 ناشطا وأكاديميا مسلما فيما عرف بعملية "الأقصر".
وفي 5 أغسطس/ آب 2021، انتقد اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا -المشرف على الجاليات الإسلامية والأنشطة بأوروبا- استخدام جهاز الأمن النمساوي للقوة غير المتناسبة ضد أشخاص معروفين ومعاملتهم كإرهابيين.
القوة المفرطة من الشرطة النمساوية خلال المداهمات تركت بصماتها على أفراد عائلة مسلمة تعرضت للعنف من قبل قوات الأمن.
إذ بدأ أكثر من 10 أطفال في تلقي العلاج النفسي بعد العمليات، فيما واجه الأشخاص الـ30 الذين تم اعتقالهم وعائلاتهم صعوبات مالية بسبب حظر حساباتهم المصرفية.
ودعت العديد من المنظمات غير الحكومية والصحفيين والكتاب إلى توضيح هذه المسألة على وجه السرعة.
كورتس العنصري
تحفز المستشار النمساوي سيباستيان كورتس، ضد المسلمين، بدأ قبل أن يصبح رئيسا للوزراء بسنوات، وتحديدا عندما كان وزيرا للخارجية والاندماج.
عام 2015 على وجه الخصوص شهد بداية التحول تجاه المسلمين في النمسا، على يديه، إذ جرى إصدار "قانون الإسلام".
وهو قانون تمييزي ابتدعه كورتس، المستشار النمساوي الحالي، وهو ما تزامن مع موجة لجوء كبيرة، بنزوح الآلاف من سوريا والعراق بسبب الحروب.
الأمر الذي استغله اليمين المتطرف في التحريض ضد الأجانب وخاصة المسلمين، باستخدام بروباغندا معادية للإسلام تعزز الإسلاموفوبيا.
في تلك الفترة كانت تجري انتخابات، ظن المسلمون أن تلك الحملات المعادية ستنتهي بعدها، لكن حصل العكس، خاصة وأن ائتلافا حكوميا جرى في 2017.
ذلك الائتلاف بين "الحزب الأسود" (يمين وسط)، يمثله سيباستيان كورتس، وحزب الأحرار "الحزب الأزرق" (شديد التطرف)، والذي يعد نسبيا في "أقصى اليمين"، وله علاقة بالنازيين الجدد.
وكان كل الهدف اكتساب الأصوات المتطرفة والمعادية للأجانب والمسلمين، لتدفع الجالية الإسلامية بعمومها الثمن فادحا، وبالأخص المؤسسات النشطة مثل جماعة الإخوان، والهيئة الدينية الإسلامية، وجمعية "المللي جروس".
وفي 16 يوليو/ تموز 2021، جاء تدشين "مرصد الإسلام السياسي" على يد الحكومة النمساوية، ليعد أكبر دلالة على استهداف المسلمين دون غيرهم من فئات مجتمع النمسا العريض.
ويعتبر المرصد حاليا رأس الحربة التي اعتمدها حزب الشعب اليميني الحاكم لمحاربة الجالية الإسلامية الممتدة في طول البلاد.
وعندما أسس المرصد أعلن الحزب الحاكم على لسان وزيرة الاندماج النمساوية سوزاني راب، أن "الاتفاق كان واضحا، ونص على مكافحة الإسلام السياسي".
ويعزز المركز تضييق كورتس على المسلمين، وتشديد الرقابة على المساجد والمنظمات الخيرية، ومدارس رياض الأطفال والثانويات وحظر التمويل الخارجي للمنظمات والمراكز الإسلامية.
إضافة إلى إغلاق كافة الكيانات التي تتعارض مع القوانين الجديدة التي تستهدف الملتزمين من المسلمين.
وتعتبر جماعة الإخوان المسلمين أبرز المؤسسات المستهدفة، بالإضافة إلى الهيئة الدينية الإسلامية فى النمسا، والتي تخدم مقاطعات فيينا، والنمسا المنخفضة، وبورغنلاند.
وبتلك الإجراءات التعسفية المستمرة يواجه قرابة مليون مسلم في بلد عدد سكانه نحو 9 ملايين خطر التضييق والعنصرية من قبل أحزاب اليمين المتطرف.
ولا سيما حزب "الشعب" الحاكم تحت قيادة رئيس الوزراء سيباستيان كورتس، الذي جعل من محاربة ما أسماه الإسلام السياسي والهوية الدينية للمسلمين على رأس أولوياته.