"يجهزونهم للدفن".. الغارديان ترصد انتهاكات نظام الأسد بحق الأطفال
ترتفع حصيلة الضحايا الأطفال في سوريا بشكل مفزع مع عودة اشتداد قصف النظام السوري وحليفته روسيا للمدنيين، فيما يجهز الأهالي أبناءهم للدفن.
ووسط أنقاض المنازل التي تعرضت للقصف في بلدة بنش الواقعة شمال غرب سوريا، تبرز لوحة جدارية ملونة بألوان زاهية.
تظهر الصورة منزلا سليما، مع قلوب حب تتدفق من النوافذ. وفي السماء، تظهر صور الطيور مصحوبة بطائرات هليكوبتر وطائرات حربية وصواريخ، وتتحول أزهار الحديقة الحمراء والصفراء إلى لهب.
نهاية الأحلام
رسم هذه الجدارية حسين صباغ البالغ من العمر 13 عاما، والذي كان في الثامنة من عمره عندما فرت عائلته من هجمات بشار الأسد على حلب في عام 2016.
ومثل ملايين السوريين الآخرين، انتهى المطاف بالصباغ في شمال غرب سوريا، آخر المناطق التي لا تزال خارج سيطرة النظام، وفق ما تقول صحيفة الغارديان البريطانية.
حاولت الأسرة بناء حياة جديدة على الرغم من استمرار الحرب من حولهم. وبالنسبة لحسين، كانت هناك فترة راحة لممارسة كرة القدم ومساعدة الفنان المحلي عزيز الأسمر بجدارياته السياسية الشهيرة.
لكن أحلام المراهق في أن يكون رساما انتهت في شهر يوليو/تموز 2021 عندما استهدفت قوات النظام مسبحا في بلدة فوا بقصف مدفعي.
قتل حسين مع شقيقه البالغ من العمر 17 عاما، وعمه (23 عاما)، وثلاثة مدنيين آخرين، في 15 يوليو/تموز في هجوم بقصف مدفعي للنظام السوري على بلدة فوا القريبة.
وقال الأسمر "أحب الجميع حسينا، لقد ساعدني في العديد من اللوحات الجدارية التي رسمتها، كان موهوبا ولديه خيال جميل".
كان هناك رسم معين أحب أن يرسمه كثيرا، منزل به قلوب حب، أراد أن يقول إن هذه القنابل تقتل الحب وتدمر المنازل.
وحسين هو واحد من 27 طفلا قتلوا في هجمات النظام في شمال غرب سوريا في الشهرين الماضيين وحدهما، حيث أدت "حرب الاستنزاف" التي يشنها بشار الأسد إلى خسائر فادحة بالنسبة للسكان الأصغر سنا والأكثر ضعفا في المنطقة.
كما تعرضت سبعة مبان مدرسية للقصف مما زاد من سجل النظام القبيح في استهداف البنية التحتية المدنية.
وقالت ليلى حسو مديرة الاتصال والدعوة في شبكة حراس المحلية، وهي مؤسسة خيرية تعمل على حماية الأطفال في سوريا: "بدأنا نلاحظ نمطا في السنوات الأخيرة، حيث يزداد القصف في أيام العيد".وأضافت "قتل 13 طفلا في ثلاثة أيام فقط، والآن في كل مرة يأتي العيد نخشى أن نفقد المزيد من الأطفال. بدلا من إعطائهم ملابس جديدة لارتدائها والاحتفال بها، يعمل الآباء على تزيين ملابس أطفالهم لدفنهم".
وتحكم شمال غرب سوريا في الغالب هيئة تحرير الشام، وهي جماعة إسلامية سيطرت على فصائل معارضة أخرى في عام 2019، بحسب الغارديان.
وبينما بذلت هيئة تحرير الشام جهودا لإبعاد نفسها عن أصولها في تنظيم القاعدة، فإن الجماعة لا تتسامح مع أي معارضة تذكر. وتفرض الفتاوى الدينية على أولئك الذين يعيشون في أراضيها، وفق الصحيفة.
إرهاب الأسد
ومن المفترض أن المنطقة محمية بوقف إطلاق النار الذي توسطت فيه تركيا وروسيا في مارس/آذار 2020، ولكن يتم تجاهل الصفقة بشكل روتيني ويعيش سكان المنطقة في خوف من موجة ضربات جوية تالية.
وفر حوالي ثلاثة أرباع السكان المقدر عددهم بـ 3.5 مليون نسمة إلى الشمال الغربي هربا من القتال في أجزاء أخرى من البلاد.
وأصبحت الظروف المعيشية مزرية منذ انهيار العملة السورية في العام 2020، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
كما أدى التدفق المستمر لخفض المساعدات وانتشار كورونا إلى زيادة صعوبات الحياة اليومية للأشخاص المحاصرين بين النظام وهيئة تحرير الشام.
وتصاعدت "أعمال العنف" في الأسبوعين التاليين لبدء عطلة عيد الأضحى.
في نفس الوقت تقريبا، أدى الأسد اليمين الدستورية لولاية رابعة مدتها سبع سنوات كرئيس بعد "فوزه بنسبة 95 بالمئة من الأصوات في الانتخابات المزورة" في مايو/أيار 2021، متعهدا بجعل "تحرير تلك الأجزاء من الوطن" واحدة من أولوياته القصوى.
وفي هذا السياق قالت ليلى حسو: "يصف النظام الناس في شمال غرب سوريا بالإرهابيين، لكن أعمال الإرهاب هي ما يفعله النظام، حيث يهاجم المدنيين والمدارس".
وأضافت "أحيانا يطلب منا الآباء إغلاق مباني المدرسة لأنهم يخشون جدا أن يموت أطفالهم هناك".
في أجزاء أخرى من العالم، تعتبر المدارس أماكن آمنة، لكن يريد النظام إرسال رسالة مفادها أنه لا يوجد مستقبل في هذه المنطقة لك أو لأطفالك، وفق حسو.
وكان الأسمر قد ذهب لترك الزهور على قبر حسين أواخر يوليو/تموز.
وعلى الرغم من ألم فقدان مساعدة الشاب فإن الرسم لا يزال وسيلة للاحتفاظ بالأمل وتذكير العالم بأن السوريين ما زالوا يحلمون بالسلام والعدالة، على حد قوله.
وقال الأسمر: "منذ عودتي إلى سوريا من بيروت قبل سنوات، أسعى لرسم البسمة على وجوه الأطفال. أحاول أن أجعلهم ينسون ولو للحظة، الإرهاب والحرب التي عاشوها".
وأضاف: "سمحت لهم بالمشاركة معي حتى يتمكنوا من التعبير عن مشاعرهم من خلال الفن. أريد أن أوصل لهم رسالة مفادها أن الأمل لا يزال موجودا".