معركة محافظة البيضاء.. ما الآثار المحتملة حال حسمتها المقاومة اليمنية؟

12

طباعة

مشاركة

تتواصل معارك الكر والفر في محافظة البيضاء اليمنية بين كل من المقاومة الشعبية المدعومة من قبل الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، وجماعة الحوثي المدعومة من إيران.

ويخشى أن تؤدي المواجهات في البيضاء إلى حرب استنزاف للمقاومة تكون نموذجا مشابها لما يحدث في مأرب التي يحاصرها الحوثي ويشن هجوما متواليا عليها.

المقاومة الشعبية من أبناء مديرية آل حميقان في محافظة البيضاء (وسط)، حققت تقدما عسكريا مهما، وتمكنت في 5 يوليو/ تموز 2021، من السيطرة على مركز مديرية الزاهر.

وذلك في تطور هو الأهم منذ سقوط محافظة البيضاء بيد جماعة الحوثي قبل أكثر من 6 سنوات.

مواجهات عنيفة

وفي 8 يوليو/ حزيران 2021، دفعت جماعة الحوثي بمجاميع هائلة من قوات التدخل السريع، وتمكنت من استعادة بعض المناطق التي خسرتها.

غير أن الطيران السعودي قام بشن غارات على مجاميع مسلحة من جماعة الحوثي ما دفعهم إلى التراجع وفقدان بعض المناطق التي استعادوها.

في الوقت الحالي تستمر المواجهات في جبهات الزاهر والصومعة وذي ناعم التابعة لمحافظة البيضاء.

وتسعى المقاومة الشعبية للوصول إلى مدينة البيضاء عاصمة محافظة البيضاء، بينما تستميت جماعة الحوثي في حماية عاصمة المحافظة من السقوط بيد المقاومة.

وتمكن الحوثي من السيطرة على مركز مديرية الزاهر مرة أخرى، في حين تدور معارك في الجبهة الشرقية للمحافظة.

القائد السابق في المقاومة بالبيضاء الدكتور جمال عبدالناصر الحميقاني، يجزم بأن "المقاومة أحرزت تقدما بالجبهة الشرقية في منطقة الصومعة، وتقدمت باتجاه مديرية البيضاء".

ويضيف لـ"الاستقلال": "لكن في الأيام الأخيرة دفعت جماعة الحوثي بأعداد كبيرة من المقاتلين وشكلت ضغطا على المقاومة، المتماسكة حتى الآن."

ويوضح أن "المقاومة تقدمت في الجبهة الغربية في منطقة الزاهر، غير أن الحوثي دفع بقوات هائلة أتت من مأرب والحديدة وتعز، ترافقها دبابات وطيران مسير".

الأمر الذي تسبب بخسارة المقاومة لعدد من مواقعها، من بينها مركز مديرية الزاهر، وفق الحميقاني.

الأهمية الإستراتيجية

تحتل محافظة البيضاء موقعا جغرافيا مهما، فهي من ناحية منطقة اتصال بين الشطرين الشمالي والجنوبي قبل الوحدة.

ومن ناحية أخرى فإن محافظة البيضاء تشترك  في حدودها مع 8 محافظات يمنية، هي شبوة والضالع وأبين ولحج بالإضافة إلى ذمار ومأرب وصنعاء وإب.

ما يعني أن السيطرة عليها سوف تقود لمكاسب عسكرية محتملة في المحافظات المجاورة.

بالإضافة إلى ذلك فإن ذلك الموقع يمنح الطرف المسيطر مفاتيح التصعيد والتهدئة في الجبهات المفتوحة على 8محافظات.

وذلك بحسب تحليل ذهب إليه مدير مركز صنعاء للدراسات، ماجد المذحجي.

كما أن وجود المحافظة في هذا الموقع الإستراتيجي وامتداد رقعتها على أراض واسعة يتيتح للمسطير عليها قطع خطوط الإمداد للمحافظات المجاورة.

الكاتب والصحفي اليمني محمد الأحمدي، يؤكد أن "مقاومة البيضاء كشفت هشاشة المليشيات الحوثية، إذ انتصرت بما لديها من أسلحة محدودة على مجاميع حوثية تمتلك تسليحا عاليا ودعما لا ينقطع وتمركزا دام لعدة سنوات".

ويضيف الأحمدي لـ"الاستقلال": "بالنسبة للأهمية الإستراتيجية، فإن البيضاء تكتسب تلك الأهمية لعدة أسباب، من بينها أنها تمثل عقبة أمام توسع مليشيا الحوثي شرقا باتجاه مأرب، من جهة قانية".

ويتابع: "وجنوبا باتجاه يافع وأبين، وبالتالي هذه المحافظة تمثل نقطة اتصال بين الشمال والجنوب على الجغرافيا اليمنية".

ويفيد الأحمدي: "بالإضافة إلى ذلك، فإن السيطرة على محافظة البيضاء واستعادتها ستشكل نقطة تحول في مسار المعركة لاستعادة الدولة اليمنية".

ويعتقد أن هذا "ما يجب أن يمثل أولوية في أجندة التحالف والحكومة الشرعية خلال المرحلة الراهنة بعد سنوات من التقاعس والغياب والإخفاق".

يتابع الأحمدي: "في الوقت الحالي تحرك جبهات المقاومة في البيضاء سوف يخفف الضغط على مأرب، حيث يشن الحوثيون هجوما متواليا عليها".

ويوضح أنه "إذا تمكنت المقاومة من تحقيق تقدم وإحراز مكاسب عسكرية  في معركة البيضاء فإن ذلك سينعكس بشكل إيجابي لصالح المقاومة في مأرب".

الأكثر عداء

وإلى جانب الأهمية الإستراتيجية فإن الحوثيين لديهم سبب آخر يدفعم للاستماتة في السيطرة على محافظة البيضاء.

ذلك السبب هو أن البيضاء تعد أكثر عداء للفكر الحوثي مقارنة بغيرها من المحافظات، وتحمل تاريخا معاديا للإمامة.

ويأتي ذلك جراء سياسة الإخضاع القسري من قبل الأئمة الزيديين للقبائل في البيضاء.

وهو الأمر الذي يراه الأحمدي، حيث يقول: "البيضاء لها إرث تاريخي في النضال ضد الإمامة، وهي اليوم تقاوم مشروع الإمامة بنسخته الحوثية".

ويبين أن ما يجري "امتداد لهذا الإرث التاريخي الذي عرفت به هذه المحافظة ورجالها".

جماعة الحوثي حرصت منذ وقت مبكر على تأمين السيطرة على هذه المحافظة منذ مطلع العام 2015، عقب سيطرتهم على صنعاء.

وتمكنت من إخماد المقاومة القبلية التي حاولت التصدي لهم في تلك الفترة.

وعقدت تحالفات مع القبائل لضمان السيطرة على المحافظة ومديرياتها البالغة نحو 20 على رقعة جغرافية تصل لنحو 9314 كم مربع.

خلال فترة سيطرتها تمكنت من إفشال كل القبلية للمواجهة والتصدي، وكان أبرزها المواجهة مع قبيلة آل عواض في مايو/ أيار 2020، والتي تزعمها الشيخ ياسر العواضي.

وذلك قبل أن يصلا لتسوية تنهي المواجهات لصالح الحوثي.

لماذا الآن؟

لسنوات تعاونت أميركا مع جماعة الحوثي كحليف لمواجهة تنظيمي "القاعدة" و "الدولة"، غير أن عدم وفاء الحوثي بتعهداته تلك أوصل واشنطن لقناعة بأنه غير جاد بتعهداته.  

صحيفة "القدس العربي"، نقلت عن مصدر رسمي، لم تسمه، أن معركة البيضاء انطلقت في هذا التوقيت بدعم من التحالف العربي وضوء أخضر أميركي.

وذلك بعد اتخاذ واشنطن قرارا بالتعاون العسكري المباشر مع قوات الحكومة الشرعية، خاصة في محافظة البيضاء.

وظلت واشنطن تتعاون بطريقة غير معلنة مع الحوثيين بطائراتها المسيرة بدون طيار (درونز) بذريعة ملاحقة عناصر تنظيم "القاعدة" في جبال محافظة البيضاء.

الصحيفة، في عددها الصادر في 5 يوليو/ تموز 2021، أكدت أن "واشنطن كانت تعتقد أن الحوثيين الشيعة سيكونون أكثر جدية في مقاتلة عناصر تنظيم القاعدة السنة".

وأضافت: "غير أن الأيام أثبتت أن عناصر القاعدة تمددوا أكثر في أوساط القبائل السنة المناهضة للحوثيين، لوجود مبرر قوي ومشترك بين عناصر القاعدة ورجال القبائل".

وهو ما دفع واشنطن إلى تغيير إستراتيجيتها في هذا الملف وإعادة تعاونها العسكري بالكامل مع قوات الجيش الحكومي، وفق "القدس العربي".

البيضاء أبرز مناطق وجود عناصر "القاعدة"، حيث ينتشر عناصر التنظيم بالجبال المحيطة بعاصمة المحافظة، وذلك بعد استهدافهم بالطائرات الأميركية المسيرة.

 تقرير لمكتب مراقبة ومكافحة الاتجار بالبشر بوزارة الخارجية الأميركية عن الاتجار بالبشر لعام 2021، دعا لإنهاء الصراع باليمن.

وقال: "من المصلحة الوطنية لأميركا دعم الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية سياسية تفاوضية بقيادة مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن".

وأوضح التقرير أن "أحد العناصر الحاسمة لإنهاء الصراع في اليمن هو حملة واشنطن لمكافحة الإرهاب وجهودنا لمكافحة تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين".

ويرى أن "بناء قدرات حكومة الجمهورية اليمنية لتحقيق هذه الأهداف يعزز المصالح الأمنية المهمة للحكومة الأميركية لتشمل تعزيز الأمن الداخلي".

وذلك "مع التحرك في الوقت نفسه نحو هدف إنهاء الحرب في اليمن".

مخاوف الفشل

التقدم الذي أحرزته المقاومة الشعبية في البيضاء مسنودة بقوات الشرعية يأتي وسط مخاوف من انقطاع الدعم والإسناد من وزارة الدفاع في الحكومة الشرعية المعترف بها.

انقطاع الدعم تسبب سابقا بخسارة المقاومة مواقع إستراتيجية ومكاسب عسكرية أحرزتها في مديرية الزاهر بالمحافظة.

بحسب الحميقاني: "فإن الدعم الذي يقدم للمقاومة ضئيل للغاية، ولا يتوازى مع متطلبات المعركة، إذ تحتاج المقاومة لمزيد من السلاح والذخيرة والسيارات".

وفي حال لم يقدم التحالف الدعم الكافي للمقاومة لخوض المعركة واستعادة السيطرة على كامل البيضاء، ستغرق المقاومة في حرب استنزاف مع الحوثي.

وبحسب الأحمدي فإنه: "رغم تضحيات المقاومة الجسيمة في مواجهة الانقلابيين الحوثيين، فقد تعرضت محافظة البيضاء لجحود من قبل الحكومة الشرعية ومن قبل التحالف أيضا".

ويلفت إلى أن "هناك مواسم محدودة لدعم جبهات البيضاء، لكن هذه الجبهات والمواجهة التي تدور فيها تحتاج إلى دعم وإسناد متواصلين".

وذلك "وصولا إلى تحرير المحافظة من قبضة مليشيا الحوثيين وإعادة مؤسسات الدولة وبسط سيادة القانون فيها ."، على حد قوله.