سبتة ومليلية.. ما تأثير تضامن البرلمان العربي مع الرباط ضد نظيره الأوروبي؟

12

طباعة

مشاركة

في جلسة طارئة عقدها في 26 يونيو/حزيران 2021 بالقاهرة، تضامن البرلمان العربي مع الرباط ضد قرار للبرلمان الأوروبي اتهمها باستخدام ملف القاصرين ضد مدريد.

وفي الثاني من الشهر نفسه، صادق البرلمان الأوروبي على قرار يرفض ما اعتبره "استخدام المغرب ملف القاصرين في أزمة الهجرة لمدينة سبتة"، بموافقة 397 نائبا، ومعارضة 85، وامتناع 196 عن التصويت.

وتشهد العلاقة بين المغرب وإسبانيا أزمة على خلفية استضافة مدريد لزعيم جبهة "البوليساريو" إبراهيم غالي، أواخر أبريل/نيسان 2021، بـ"هوية مزيفة".

وزاد من تعميق الأزمة، تدفق حوالي 8 آلاف مهاجر غير نظامي بين 17 و20 مايو/أيار 2021، إلى سبتة.

تضامن طارئ

أكد البرلمان العربي، في قرار أصدره عقب الجلسة "ضرورة فتح ملف مدينتي سبتة ومليلية المغربيتين، والجزر المغربية المحتلة (بالمتوسط)، لتسوية هذا الوضع المخلف من الحقبة الاستعمارية".

وأضاف: "نرفض النهج الاستعلائي غير المقبول الذي يتبعه البرلمان الأوروبي في التعامل مع القضايا التي تتعلق بالدول العربية، من خلال إصدار قرارات تتناقض مع متطلبات الشراكة الإستراتيجية المنشودة بين الدول العربية والأوروبية".

وطالب البرلمان العربي نظيره الأوروبي بـ"التخلي عن الممارسات الاستفزازية، وتبني مواقف عملية ومسؤولة، تعزز التعاون والتنسيق المشترك بين الدول العربية والأوربية".

وتابع: "يجب بلورة خطة عمل عربية موحدة ومتكاملة، لمواجهة المواقف غير المسؤولة للبرلمان الأوربي، وعلى نحو يضمن احترام سيادة الدول العربية، وعدم التدخل في شؤونها".

وتخضع مدينتا سبتة ومليلية، فضلا عن الجزر الجعفرية وجزر صخرية أخرى في المتوسط، لإدارة مدريد، فيما تعتبر الرباط المدينتين وتلك الجزر "ثغورا محتلة".

كما دعا البرلمان العربي كلا من الاتحاد البرلماني الدولي، وبرلمان البحر الأبيض المتوسط، والجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط، وكافة البرلمانات الإقليمية، إلى رفض وإدانة هذا القرار، "الذي يتعارض مع قواعد الدبلوماسية البرلمانية المتعارف عليها دوليا".

من جهته أشاد رئيس مجلس النواب المغربي، الحبيب المالكي، وأعضاء مكتب المجلس بروح التضامن القوي الذي طبع قرار البرلمان العربي واستحضاره جهود المملكة في مكافحة الهجرة غير النظامية.

وأوضح بيان للمجلس، أن "جهود المغرب لمكافحة الهجرة غير النظامية، تنطلق من إرادة سياسة قوية وتوجيهات مباشرة من الملك محمد السادس“.

استضاف المغرب المؤتمر الدولي الذي شهد اعتماد الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية، في ديسمبر/كانون الأول 2018.

وفي ذات الشهر من عام 2020، استضاف المغرب المرصد الإفريقي للهجرة، كما اعتمد الاتحاد الإفريقي الأجندة الإفريقية للهجرة التي جاءت كمبادرة من العاهل المغربي.

كلها اعتبرها البرلمان العربي حقائق تؤكد وترسخ الجهود الوطنية والإقليمية والدولية التي تبذلها الرباط في مجال الهجرة، وتفند في الوقت ذاته المزاعم والادعاءات الباطلة التي تضمنها قرار البرلمان الأوروبي.

هجوم سابق

واتهم البرلمان الأوروبي، في 10 يونيو/حزيران 2021، المغرب باستخدام المهاجرين القصر "أداة للضغط السياسي"، بعد تدفق مهاجرين مؤخرا إلى جيب سبتة الإسباني إثر تخفيف الجانب المغربي الرقابة على الحدود.

النص الذي اقترحه أعضاء إسبان في البرلمان "يرفض استخدام المغرب لضوابط الحدود وللهجرة، وخاصة القصر غير المصحوبين بذويهم، أداة للضغط السياسي على دولة عضو في الاتحاد".

وأضاف النواب أن البرلمان الأوروبي "يدعو إسبانيا والمغرب للعمل معا بشكل وثيق لإعادة الأطفال إلى عائلاتهم".

كان وصول أكثر من 10 آلاف مهاجر، كثير منهم قصر، إلى سبتة في منتصف مايو/أيار 2021، نتيجة تخفيف الرقابة على الحدود من الجانب المغربي، قد شكل ذروة أزمة كبيرة بين الرباط ومدريد.

اندلعت الأزمة بعد إدخال زعيم جبهة البوليساريو الصحراوية إلى مستشفى في إسبانيا، حيث يعتبر المغرب إبراهيم غالي "مجرم حرب"، في حين تحظى الجبهة بدعم الجزائر.

وكانت بروكسل قد أعربت عن تضامنها مع إسبانيا ودعت المغرب إلى وقف تدفق المهاجرين.

من جانبه، قال عضو البرلمان الأوروبي الإسباني اليميني، خوان إغناسيو زويدو ألفاريز، خلال نقاش في مقر البرلمان بستراسبورغ، إن "مشاكل سبتة ومليلية أوروبية وحدودهما هي حدود الاتحاد بأسره"، وندد النائب برد فعل المغرب "غير المناسب" ودعا إلى "إعادة علاقات حسن الجوار".

أما النائب الاشتراكي الإسباني ناتشو سانشيز، فقد كرر موقف مدريد واعتبر أنه "من المقلق أن يختار البعض التخلي عن النهج الدبلوماسي باللجوء إلى حلول لا تليق بالأصدقاء"، وشدد على أن "الهدف هو إنهاء هذا الوضع غير الطبيعي".

وقالت المفوضة الأوروبية المكلفة بملف المساواة، هيلينا دالي "نحن واثقون أن مثل هذا الوضع لن يتكرر"، مشيرة إلى أن المغرب "حليف رئيس" للاتحاد الأوروبي، خاصة فيما يتعلق بتنظيم الهجرة.

وأضافت "من الضروري تعزيز تعاوننا على أساس الحوار والمسؤولية والثقة والاحترام المتبادلين".

ولقلقها بشأن صورتها وعلاقاتها الجيدة مع الاتحاد الأوروبي، شجبت المملكة مسبقا الاقتراح الذي قدمه أعضاء البرلمان الأوروبي الإسبان واعتبرته مناورة تهدف إلى إضفاء طابع أوروبي على أزمة ثنائية.

وقال رئيس مجلس النواب، الحبيب المالكي، في بيان: إن المبادرة "تندرج في إطار محاولات لصرف الانتباه عن أزمة سياسية ثنائية خالصة بين المغرب وإسبانيا".

امتعاض رسمي

وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة قال في 9 يونيو/حزيران 2021، إن إسبانيا تعمد إلى "الهروب نحو الأمام"، عبر محاولة إقحام الاتحاد الأوروبي في الأزمة بين البلدين.

وأضاف الوزير أن "إسبانيا تحاول أن تجعل الأزمة (القائمة بين البلدين) مع الاتحاد الأوروبي، وهذا الأمر لن يؤدي إلى حلها".

وتابع: "محاولات إقحام الاتحاد الأوروبي في الأزمة مع إسبانيا، وجعل الهجرة محورا لها لن تغير شيئا، وهي هروب إلى الأمام".

وأردف المسؤول المغربي أنه لا يمكن لإسبانيا رفض الانفصال داخليا (في إشارة إلى إقليم كتالونيا)، وتشجيعه في بلد جار (في إشارة إلى إقليم الصحراء).

بخصوص قضية الهجرة، قال بوريطة إن بلاده "لا يمكن أن تقبل تلقي الدروس من أحد"، مشيرا إلى أن "الأزمة مع إسبانيا لا تزال موجودة؛ لأن ما أدى إليها لا يزال قائما".

كما لفت إلى أن بلاده تجمعها "علاقات جيدة مع الاتحاد الأوربي وقد شهدت تطورا".

في 18 مايو/أيار 2021، استدعت الرباط سفيرتها في مدريد، كريمة بنيعيش للتشاور بعد أن استدعتها الخارجية الإسبانية؛ احتجاجا على تدفق نحو 8 آلاف مهاجر غير نظامي من المغرب إلى مدينة سبتة خلال 4 أيام، في مايو/أيار، بحسب مدريد.

وتقع مدينة سبتة في أقصى شمالي البلاد، وهي تحت الإدارة الإسبانية، وتعتبرها الرباط "ثغرا محتلا" من طرف إسبانيا، التي أحاطتها بسياج من الأسلاك الشائكة بطول نحو 6 كم.

وفي مؤتمر صحفي في مايو/أيار 2021، اتهمت وزيرة الدفاع الإسبانية، مارغريتا روبلز، المغرب بابتزاز بلادها واستغلال الأطفال، وذلك على خلفية التوترات بين البلدين في مدينة سبتة، وهو ما نفته الرباط.

ما تأثيره؟

ورأى هشام برجاوي، الأستاذ بجامعة القاضي عياض بمدينة مراكش، أن موقف البرلمان العربي اكتسى طابع الإجماع بصورة تكاد تكون مطلقة، حيث أيدته الدول العربية باستثناء بلدين اثنين فقط، وهذا ما يترجم الاحترام الشديد الذي يحظى به المغرب في المنطقة العربية، وكذا نفوذه الواسع فيها.  

وزاد خبير العلاقات الدولية، في تصريح لـ"الاستقلال": يمكن تفسير الحضور الوازن للمغرب في السياق العربي بالرؤية العملية والبراجماتية التي يتبناها الملك المغربي حول التعاون العربي، حيث دعا مرارا إلى تقوية التعاون الاقتصادي والتقني بين الدول العربية.

وتابع برجاوي: كما يستفاد من عدة مؤشرات، كالخطب والمواقف المتوازنة من الأزمات العربية-العربية، أن الرؤية المغربية للتعاون العربي تتأسس على استخدام الاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا، كأدوات براغماتية لتخطي تفاوت وجهات النظر وتصادم الممارسات حول القضايا السياسية.

ومضى المتحدث بالقول: لاحظنا في هذا الصدد، أن الملك المغربي لم يحضر عدة قمم عربية، خصوصا بعد أن أصبحت مجرد مواسم لتلاوة خطابات مستهلكة ولا أثر لها على الواقع العربي الذي لا يزال يرزح تحت وطأة التشرذم والتشتت.

وشدد الأستاذ الجامعي على أن ما يعطي المغرب وضعا وازنا ومؤثرا في السياق العربي، هو رؤية الملك المغربي الرامية إلى إكساء التعاون العربي وجودا اقتصاديا ملموسا وعمليا.

واعتبر برجاوي أن هذه الرؤية تؤهل شعوب المنطقة لاستثمار مقدراتها وتحقيق التعاضد فيما بينها، خصوصا في المجالات ذات الوقع المباشر على المعيش اليومي للفرد العربي كالغذاء والشغل والاقتصاد والتجارة والتعليم والتكنولوجيا والأمن وغيرها.

وفيما يتعلق بما صدر عن البرلمان الأوروبي، يقول برجاوي إنه يتوجب أن نشير إلى أنه "لا يكتسي أي قيمة قانونية ملزمة".

وتابع: "من هذا المنطلق، فالنظر إلى ما صدر عن البرلمان الأوروبي كقرار يتم التمسك به أو التراجع عنه، يعطيه أكثر من حجمه، فوحدها القرارات الكبرى والمكتسبة للإلزام القانوني هي التي تحتمل التشبث بها أو التراجع عنها وفق ما يقتضيه ميزان القوى وفعالية الأداء الدبلوماسي".

قبل أن يختم: أما القرارات الأقرب إلى بيان أماني -كما هو شأن ما صدر عن البرلمان الأوروبي- فلا تحتمل، البتة، سؤال السحب أو الإبقاء.