"تنازل أميركي".. هكذا تسعى روسيا لتحقيق مكاسب للأسد على حساب قسد

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

لا تزال روسيا تتحين الفرص لاستغلال أي موقف ميداني على الجغرافيا السورية؛ بهدف تحقيق مكاسب اقتصادية لنظام بشار الأسد على حساب قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وإن كان بتنازل أميركي غير مباشر.

وشهدت الساحة السورية قيام الروس بتحركات من شأنها الضغط على قوات "قسد" التي تسيطر على 90 بالمئة من الثروة النفطية للبلاد؛ بهدف تحسين علاقتها مع نظام الأسد ما يعني تغييرا في الخارطة السياسية. 

وحتى اللحظة الراهنة، تبدو العلاقة بين "قسد" التي تدعمها الولايات المتحدة والنظام السوري محصورة بتوريد القمح والنفط تهريبا إلى مناطقه، مقابل تسهيلات تجارية من الأخير وتقديم الكهرباء والخدمات لبعض مناطق "قسد".

حوار متقطع

وفي وقت يجري فيه حوار سياسي "متقطع" بين الطرفين، برعاية روسية، لم يتم التوصل خلاله لأي تقدم، بينما قدم الروس مقترحا لدمج "قسد" مع قوات الأسد.

هذا المقترح يرفضه قائد "قوات سوريا الديمقراطية"، مظلوم عبدي، الذي يطالب بأن تحافظ "قسد" على "وجودها التنظيمي العسكري وتحمي المناطق التي تنتشر فيها شمال وشرقي سوريا كجزء رسمي من الجيش السوري".

وأوضح عبدي أن النظام "يقبل أن تكون قسد جزءا من قواته، لكن دون أن تكون لهذه القوات خصوصيتها واستقلاليتها العسكرية".

ووفقا لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، فإن هناك توجها من المسؤولين المعينين من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لمتابعة الشأن السوري، لعقد صفقة مع روسيا قد تؤدي إلى تسليم شركات روسية لديها عقودا مع النظام السوري للإشراف على حقول نفطية في مناطق قوات "قسد".

مقابل هذه الصفقة، تسمح موسكو بتمرير قرار دولي يمدد فتح المعابر الحدودية المخصصة لإيصال المساعدات الدولية إلى سوريا، وربما هذه النقطة التي تحاول روسيا تحقيق اختراق من خلالها في العلاقة بين "قسد" ونظام الأسد.

إذ بدأ العد التنازلي أمام المعركة التي تعتبر إنسانية قبل كونها دبلوماسية التي ستشهدها أروقة مجلس الأمن الدولي؛ لمناقشة إمكان تجديد آلية إدخال المساعدات الدولية عبر معبر "باب الهوى" الحدودي مع تركيا.

ويقع المعبر شمال إدلب ويعد الشريان الوحيد المفتوح لإغاثة 5 ملايين نازح في الشمال السوري الخارج عن سيطرة نظام الأسد.

وتنتهي فترة السماح بدخول المساعدات عبر "باب الهوى" في 10 يوليو/تموز 2021، وسط تهديد روسي بعدم التجديد إلا بشروط معينة عبر استخدام حق النقض.

ولهذا ربط مراقبون في الشأن السوري، محاولة روسيا استثمار مسألة "باب الهوى" والحصول على بعض التنازلات الأميركية في مناطق نفوذ قوات "قسد" شمال شرق سوريا، لا سيما أن سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، قالت إنه لولا معبر باب الهوى "لمات ملايين السوريين".

صفقة غير متكاملة

ومما يدل على اهتمام النظام السوري في التوصل لاتفاق مع "قسد"، هو وصف رأس النظام بشار الأسد العلاقات معها بأنها "في مرحلة انتقالية"، وذلك خلال مقابلة له مع قناة "روسيا اليوم" الناطقة باللغة الإنجليزية في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، كما دعاهم للانضمام إلى قواته من أجل ما سماه "العودة للوضع الطبيعي الذي كان سائدا قبل الحرب".

ويدرك النظام عجزه في استعادة المناطق الواقعة تحت نفوذ "قسد" عن طريق عمل عسكري في ظل الوجود الأميركي، إضافة إلى رفض "قسد" الحصول على مكاسب سياسية وعسكرية وثقافية مقابل تحكم النظام بالمنطقة.

لكن النظام السوري يحاول مغازلة قوات "قسد" وتقريب المواقف معها من خلال مزاعم الوقوف إلى جانبها ضد ما يسميه "التدخل التركي".

ويبدو كما يرى الباحث في مركز "عمران للدراسات الإستراتيجية" والمتخصص في الشأن الكردي، بدر ملا رشيد، أنه "حتى الآن لم تظهر بوادر صفقة متكاملة بين واشنطن وموسكو" تخص مناطق قوات "قسد".

وأوضح في حديث مع "الاستقلال" أن "هناك توافقات تم وضعها عقب عملية (نبع السلام) عام 2019، كان من المفترض أن لا تكون واشنطن جزءا منها، بناء على قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالانسحاب الكامل، ولكن عدوله عن هذا القرار أعاد ضرورة إيجاد صيغة توافق بينهم".

وأيضا مما يشير للضغوط التي تتعرض لها "قسد" وتصب في المصالح الروسية، هو قرار إدارة بايدن عدم تجديد الإعفاء الذي سمح لشركة النفط الأميركية "دلتا كريسنت إنيرجي" بالعمل شمال شرق سوريا، بموجب تعهد ترامب بـ "الحفاظ على إنتاج النفط" في المنطقة وفق ما ذكرت وسائل إعلام أميركية أواخر مايو/أيار 2021.

وتحظر قواعد وزارة الخزانة الأميركية على معظم الشركات الأميركية ممارسة الأعمال التجارية في سوريا، ولكن كان الإعفاء لصالح الشركة المذكورة صدر في أبريل/نيسان 2020، بعد أشهر من إعلان ترامب رغبته في إبقاء بعض قوات بلاده في المنطقة الغنية بالنفط للحفاظ على السيطرة على أرباح النفط.

وحول هذه النقطة بالتحديد، اعتبر الباحث ملا رشيد، أن "سحب واشنطن موافقة الشركة النفطية متعلقة أكثر بمعارضة إقليمية من جهة تركيا باعتبارها إحدى ركائز تثبيت سلطة الإدارة الذاتية أكثر وربطها اقتصاديا بنوافذ تجارية دولية".

وأخرى محلية، تتمثل وفق الباحث، بـ"معارضة النظام وروسيا، بالإضافة إلى إمكانية مقاضاة شركات عالمية تمتلك حقوق الاستثمار في الحقول السورية للشركة الأميركية والمتعاملين معها".

ويعترف قائد "قسد" أنه ومن أجل التوصل لاتفاق مع نظام الأسد فإن لديهم شرطين أساسيين، يتمثل الأول بأن تكون "الإدارة الذاتية الكردية التي فرضوها في مناطق شمال شرقي سوريا، جزءا من إدارة سوريا عامة ضمن الدستور".

أما الشرط الثاني، وفق ما نقلت شبكة "رووداو" الكردية بأن "تكون لقسد مؤسسة استقلالية أو لها خصوصيتها ضمن منظومة الحماية العامة لسوريا". 

ولهذا تستقبل السلطات الروسية على مستوى عال وفودا من مجلس سوريا الديمقراطية وهو الجناح السياسي لقوات "قسد" والمرتبط بحزب العمال الكردستاني (بي كا كا) المحظور في تركيا؛ لتقريب وجهات النظر مع النظام السوري.

إلا أن أنقرة تستنكر زيارات تلك الوفود إلى موسكو وتتوقع من روسيا أن تتصرف بما يتفق مع روح اتفاق "أستانا"، والامتناع عن الخطوات التي قد تخدم أجندة "العمال الكردستاني" وفق ما جاء في بيان للخارجية التركية في أغسطس/آب 2020.

وتصنف تركيا حزب العمال "كمنظمة إرهابية ذات أجندة انفصالية تضطهد السكان المحليين في المناطق التي تسيطر عليها وتهدد وحدة أراضي سوريا، وتهدد الأمن القومي لجيران سوريا وخاصة تركيا".

توازنات عسكرية

ولطالما تنظر روسيا إلى الوجود الأميركي شرق الفرات بأنه غير قانوني ويعرقل الحوار بين نظام الأسد و"قسد"، في وقت يطالب النظام بضرورة انسحاب القوات الأميركية من الشرق السوري وتوقف عمليات سرقة النفط السوري من قبل "قسد".

غير أن منطقة شمال شرقي سوريا تخضع حاليا لتوازنات عسكرية متداخلة إذ توجد قوات الأسد في عدد من مناطق شرق الفرات التي تسيطر عليها "قسد"، وكذلك في مواقع عسكرية على الحدود السورية التركية دخلتها عام 2019 عبر اتفاق مع "قسد" وبرعاية روسية.

يأتي ذلك بعد عملية "نبع السلام" العسكرية التي أطلقتها تركيا في أكتوبر/تشرين الأول 2019 ضد القوات الكردية الموجودة شرق الفرات، والتي نتج عنها سيطرة تركيا على مناطق رأس العين وتل أبيض بمحافظة الرقة الحدودية مع تركيا.

وتطفو محافظة الحسكة على 6 حقول نفطية، جميعها تحت سيطرة قوات "ي ب ج" التي تشكل العمود الفقري لـ"قسد"، إذ توجد هناك قوات أميركية خاصة لحمايتها.

وكذلك تسيطر قوات "قسد" على عدد من حقول النفط في الضفة اليسرى من نهر الفرات بمحافظة ديرالزور، وهو القسم الذي تسيطر عليه هناك، وأشهرها حقل "العمر" النفطي أكبر حقول النفط في سوريا مساحة وإنتاجا، ويعد اليوم قاعدة عسكرية أميركية متقدمة.

وتشكل هذه الحقول عقد الخلاف الأكبر بين النظام السوري و"قسد" والتي تتمحور عليها جميع المفاوضات بينهما لكون استفادة النظام منها حاليا ضئيلة.

وحول هذه الجزئية، ذهب الباحث ملا رشيد إلى أن نظام الأسد "سيحقق فوائد كثيرة في حال استطاع تحسين علاقته بقسد بشكل أفضل مما هي عليه الآن".

واستدرك قائلا: "إلا أن هذا الأمر يبقى صعبا وفق التوازنات الحالية، فالنظام وعبر مسرحية مبايعة رأسه، أظهر للعالم بأن ذهنيته لم تتغير وغير قابلة للتغيير ولو بمعايير ونسب بسيطة".

وتابع ملا رشيد: "لذا فمن شبه المستحيل أن يتنازل النظام سياسيا لقسد/مسد، عن جزء من سلطته في الوقت الحالي، فهو لم يفعلها في أوقات أصعب من الآن".

ولفت إلى نقطة هامة حول قبول النظام السوري بأي تنازلات لقسد، مرجعا ذلك "لإدراكه بأن أي توافق سياسي مع أي جهة كانت داخل سوريا ستؤدي لفتح المجال أمام أطراف أخرى وبالأخص المعارضة، للمطالبة بصيغ مشابهة وهو ما يرفضه النظام جملة وتفصيلا".

منع التصادم

ويتفق مدير مركز "القارات الثلاث" للدراسات، الباحث السوري أحمد الحسن مع الكثيرين من أن روسيا "لن تحقق تقدما حاسما" في محاولات التقريب بين "قسد" ونظام الأسد.

واعتبر الحسن في حديث لـ"الاستقلال"، أن "استمرار التفاوض بين الطرفين برعاية روسية هي لأجل التفاوض فقط؛ لأن سقف التنازلات المشتركة محدود ضمن الظروف الحالية، ولن يتجاوز بعض تفاهمات عدم التصادم العسكري".

وأرجع الباحث السوري ذلك لعدة أسباب أولها، "عدم قدرة الروس على إعطاء أي تعهدات لقسد بخصوص مشروعهم الرئيس وهو دعم اللامركزية وقوننتها، حيث يخشى الروس أن يكون هذا المشروع أساس مشاريع أخرى في الشمال والجنوب".

والثاني وفق الباحث، هو "أن قسد غير مستعدة لأي تنازلات لا تشمل ضمان استمرار مشروعها، وخاصة أنها تدرك أن حقول النفط والمشاريع الإستراتيجية في الشمال هي الضمانة الوحيدة لاستمرار مشروعها".

وتغيب الأرقام الدقيقة لحجم إنتاج "قسد" من آبار النفط التي تسيطر عليها في ديرالزور والحسكة، إلا أن مواقع إعلامية كردية ترجح أن حجم الإنتاج اليومي من النفط يصل إلى 100 ألف برميل يوميا وينخفض بحسب حالة الآبار الفنية وغزارة إنتاجها وقلّة الأعطال.

ووفقا لوزير المالية في الحكومة السورية المؤقتة المعارضة عبد الحكيم المصري، فإن "قسد" تسيطر على قرابة 90 بالمئة من حقول النفط، و45 بالمئة من إنتاج الغاز بسوريا، فيما يسيطر نظام الأسد على ما تبقى.

وأكد الوزير خلال ندوة نظمتها مؤسسة الأبحاث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية "سيتا" بمدينة إسطنبول مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أن "النظام يترتب عليه دفعات مالية كفاتورة للنفط السوري تقدر بنحو 8 ملايين دولار يوميا".

وفي هذا السياق، يؤكد المحلل الاقتصادي السوري سامر كعكرلي، لـ"الاستقلال" أنه "رغم سيطرة قسد على ثروتين مهمتين من ثروات الشعب وهما النفط والقمح؛ إلا أن نظام الأسد لم يك محروما منهما، خاصة أن التقارير الصحفية توثق عمليات التهريب ما بين قسد والنظام برعاية شركة قاطرجي وغيرها".