مذابح فرنسا في رواندا.. الأهداف الإستراتيجية وراء اعتراف ماكرون

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

سجلت فرنسا اسمها في التاريخ بتسببها بمقتل مليون شخص أثناء دخولها رواندا بحجة حماية مصالحها الاجتماعية والاقتصادية في وسط إفريقيا. 

وأثمرت النقاشات الحادة التي استمرت لسنوات بين السياسيين والمثقفين والفنانين والعديد من المنظمات غير الحكومية داخل فرنسا وخارجها أخيرا.

فلأول مرة يعترف رئيس فرنسي (إيمانويل ماكرون) بالإبادة الجماعية التي ارتكبت في رواندا.

وقبل توضيح ذلك، من المفيد التذكير بعلاقة فرنسا برواندا وتطوراتها بشكل موجز، وفق ما يقول الكاتب ياشار ديمير في مقال نشرته وكالة الأناضول التركية.

وقال الكاتب: "كانت هناك ثلاث قبائل رئيسة لها تأثير في رواندا، الهوتو والتوتسي والبيغمي".

ومع أن الروانديين لهم عرق وثقافة واحدة إلا أنهم دفعوا إلى وضع سياسي واجتماعي لا رجعة فيه مع وصول الغربيين إلى المنطقة. وقد كان الألمان أول من أنشؤوا مستعمرة في المنطقة في عام 1890. 

وأوضح الكاتب ذلك بالقول: "بعد أن دخلوا في حكم بلجيكا بعد الحرب العالمية الأولى، حدث صراع داخلي في البلاد نتيجة للتمييز القبلي الذي أضفته (الدولة الأوروبية المذكورة) على ثقافتهم بشكل متعمد، رغم أنهم كانوا من نفس الجنسية".

وبما أنه وصل بهم الأمر إلى التعامل مع غالبية الهوتو كمواطنين من الدرجة الثانية ودعم أقلية التوتسي والترويج لفكرة أنهم أكثر تميزا ومهارة وقوة جسدية وجمالا، فقد أصبحت الأخيرة ذات تأثير كبير في البلاد.

وتابع: وبطبيعة الحال، حدثت انقسامات اجتماعية وثقافية وسياسية عميقة بين القبيلتين. واستمر الأمر على هذا حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية.

لكن، وبتغيير مفاجئ، بدأ البلجيكيون في دعم الهوتو هذه المرة وأثاروهم ضد التوتسي. ليتم الاعتراف باستقلال البلاد في عام 1962 في بيئة الصراع تلك، تحت قيادة الأمم المتحدة ويتم إجراء الانتخابات.

وصل حزب بارميهوتو، الذي حصل على الأغلبية في الانتخابات، إلى السلطة. ومع القوة التي حصل عليها الهوتو، شنوا هجمات ضد التوتسي، الذين اعتادوا أن يكونوا أقوى اجتماعيا وسياسيا. 

وقتل 160 ألفا من التوتسي. وبالطبع كان البلجيكيون الذين يستغلون البلاد، يتابعون الأحداث دون أن يحركوا ساكنا، وفقا للكاتب التركي.

الدور الفرنسي

ويستدرك ديمير: "بدأت الأحداث التي أوصلت المجازر إلى حد الإبادة الجماعية في 6 أبريل/نيسان 1994، مع إسقاط طائرة الرئيس جوفينال هابياريمانا من قبيلة الهوتو".

ووفقا للمعلومات المتاحة، قتل ما بين 800 ألف ومليون من التوتسي في غضون بضعة أشهر، لدرجة أن قتلهم بأسوأ أنواع التعذيب كان يعني الكثير بالنسبة للهوتو. 

ويضيف: أما الدور الفرنسي في مذبحة رواندا فقد تطور على النحو التالي: كانت فرنسا قد تعاونت مع الحكومة الرواندية في المجال العسكري في السبعينيات، بما أنها تعتبر إفريقيا تابعة أو ملكا لها.

 وبحلول التسعينيات وصلت العلاقات إلى ذروتها وحلت فرنسا مكان بلجيكا. وتعرض التوتسي إلى إبادة جماعية بالأسلحة الفرنسية التي تم تجهيز الجيش الرواندي بها.

ويتابع قائلا: وبأمر من الرئيس الاشتراكي في ذلك الوقت، فرانسوا ميتران، بدأت فرنسا مبادرة في المنطقة من خلال عملية عسكرية تسمى "تركواز"، لكن هذه المبادرة زادت من عدوان الهوتو ناهيك عن وقف المذابح. 

وظهرت مزاعم خطيرة تقول بأن مرتكبي المذابح كانوا تحت حماية وحراسة السلطات الفرنسية، وعليه تم رفع دعاوى قضائية.

هناك أيضا اعترافات خطيرة حول موقف فرنسا. فعلى سبيل المثال، يقول برنارد كوشنير، الذي كان وزير الصحة الفرنسية آنذاك، إنه اتصل بالرئيس وأبلغ عن الوضع، لكن ميتران أغلق الهاتف قائلا "أنت تبالغ".

 

ولا يزال موقف فرنسا أثناء الإبادة الجماعية في رواندا بحاجة إلى تفسير، ينوه الكاتب.

ويضيف: "ووفقا للمعلومات المتاحة، يتحدث الهوتو الفرنسية ويكنون الحب للفرنسيين. ويمكن القول إن فرنسا فضلت تعزيز نفوذها في المنطقة بهذه الطريقة".

 من ناحية أخرى، كان البريطانيون يدعمون التوتسي. وبالنظر إلى هذين المعطيين، يمكن أن نستنتج أن مليون شخص راحوا ضحية التنافس الفرنسي البريطاني القديم. وكما تعلمون، لا يزال ما بعد الاستعمار مستمرا في إراقة الدماء في إفريقيا، وفق الكاتب.

ويردف قائلا: أما فيما يتعلق بتقييم ما حدث في رواندا على أنه إبادة جماعية، فمن الضروري النظر إلى تعريفها بحسب القانون الدولي. 

إن كلمة "Jenosid" (الإبادة الجماعية) تجمع بين الكلمات اليونانية "Jeno" والتي تعني العرق والكلمة اللاتينية "sid" التي تعني القتل. 

ووفقا للمفهوم الذي طرحه المؤرخ البولندي رافائيل ليمكين لأول مرة في عام 1933، فإن "الجينوسيد" يعني "القضاء على المجموعات القومية أو الدينية أو العرقية أو الإثنية، بيولوجيا وثقافيا".

جرى تبني هذا المفهوم، الذي ظهر على جدول الأعمال مرة أخرى بعد جرائم الحرب التي ارتكبها النازيون في الحرب العالمية الثانية في الاجتماع الذي عقد في 9 ديسمبر/كانون الأول 1948 في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إضافة إلى اعتماد الأحكام التي سيتم تطبيقها على الدول المعنية في هذا الصدد بالإجماع، بحسب الكاتب التركي.

الأبعاد السياسية

ويستطرد ديمير قائلا: أصبح الحديث عن تواطؤ فرنسا في الإبادة الجماعية للتوتسي في السنوات الأخيرة على كل شفة ولسان وبشكل مثير للاهتمام، حتى بدأ يقال بشكل علني أن على فرنسا أن تعتذر عن ماضيها الاستعماري. 

وشكل ماكرون ولأول مرة لجنة برئاسة المؤرخ فنسنت دوكلرت، لإظهار اهتمامه بالقضية. وكان الهدف من هذا، الكشف عن موقف فرنسا من الإبادة الجماعية في رواندا.

وأضاف: ليتم الإعلان أخيرا عن التقرير الذي اعتبره البعض تطورا إيجابيا في الوقت الذي قوبل فيه بردود فعل كبيرة من السياسيين الداعين إلى السياسات الاستعمارية. 

وبحسب التقرير، فقد تم الإقرار بشراكة فرنسا في المذبحة بسبب الدعم الذي قدمته للهوتو وبسبب صمت بعثتها العسكرية هناك، على الرغم من أنها لم ترتكب الجريمة بشكل مباشر.

وهكذا بدأ ماكرون نقاشا جديدا بإعلانه أنه يؤيد الاعتذار ومواجهة الماضي الاستعماري. لكن، لماذا اختار الرئيس الفرنسي مثل هذه الإستراتيجية؟

 وفقا لبعض المعلومات، تعاني فرنسا من تراجع أرضيتها الاجتماعية والاقتصادية في إفريقيا منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، يلفت الكاتب.

ويشرح ذلك بالقول: يحاول الأفارقة محو آثار الثقافة الاستعمارية، إلى جانب أنه يلاحظ أنهم يرغبون في تطوير العلاقات الثنائية على قدم المساواة، وهم لهذا يسعون إلى استخدام موارد بلادهم الخاصة لأنفسهم، وتؤكد المؤشرات الاقتصادية على الناحية الأخرى ذلك أيضا.

ويضيف الكاتب: بطبيعة الحال، فإن هذا تطور من شأنه أن يضعف نفوذ فرنسا في المنطقة. 

وهكذا من الواضح أن فرنسا تحاول في خطوة أخيرة، إرضاء الأفارقة من خلال تنحية القضايا من مثل المآسي والإبادة الجماعية والاستعمار في الماضي جانبا، ودفع تعويضات. ويبدو أن رواندا هي الخطوة الأولى في هذا الاتجاه.

ويرى الكاتب التركي أن حكومة الهوتو لن تتغير، حتى لو اعتذرت فرنسا رسميا للتوتسي، وأن أولئك الذين قتلوا مليون شخص تقريبا سينجون بهذا الاعتذار من العقاب. 

إلى جانب أنه من غير المعروف حتى الآن ما نوع العقوبات التي ستطبق على الفاعلين، وما نوع التعويض الذي سيتم دفعه للضحايا.

وفوق ذلك ستدخل حكومة الهوتو في تحالف وتعاون جديد مع فرنسا التي برأتهم باعتذارها، وستأخذ مكانها في العالم الحديث. 

وهكذا، ستكون فرنسا قد أظهرت موقفا "فاضلا" باعتذارها وتقديمها لتعويض محتمل، كما ستعيد تشكيل التصورات المناهضة لفرنسا والتي تتزايد باضطراد بصفتها "الحامي الجديد للهوتو".

وختم ديمير مقاله قائلا: حان الوقت، وتوجه ماكرون إلى العاصمة الرواندية، كيغالي في 27 مايو/أيار، وذلك للاعتراف بمسؤولية بلاده عن المذبحة. 

ومع ذلك، فإن الجمل التي استخدمها كانت بعيدة كل البعد عن الشعور بالذنب، إذ كانت مجرد اعتراف بإهمال فرنسا أثناء وقوع الإبادة الجماعية.

 وهكذا، اعتذرت فرنسا عن عدم استطاعتها منع وقوع الأحداث رافضة الاتهامات بارتكابها للمذبحة.

ويؤكد: وبالطبع لن يكون من الممكن الحكم على فرنسا من خلال هذا الاعتذار، وعلى العكس من ذلك، ستكون هناك إمكانية لاكتسابها سمعة طيبة كدولة "كانت لديها الشجاعة لمواجهة ماضيها" بهذه المبادرة. 

وفي الحقيقة، إن تأكيد ماكرون المتكرر على فتح صفحة جديدة في خطابه، يدعم ما سرده الكاتب، وفق قوله.