لحماية مصالحها في المهرة.. هل تتدخل عمان ضد السعودية باليمن؟
يرى موقع إيطالي أن الوضع الراهن في اليمن، الذي بات منذ عام 2014 مسرحا لصراع دموي سرعان ما تحول إلى حرب بالوكالة بتدخل عديد الأطراف الإقليمية والعالمية بشكل مباشر أو غير مباشر، لا يبشر بتحقيق حل سلمي قريب، ناهيك عن حل عسكري بانتصار طرف على الآخر في الميدان.
وقال موقع "مركز الدراسات الجيوسياسية" إنه رغم أن قوتين إقليميتين هما السعودية وإيران، تمسكان بخيوط الصراع اليمني بمراقبة حريصة من الولايات المتحدة، فهناك جهات فاعلة ثانوية أخرى لديها مصالح أيضا، من بينها سلطنة عمان القريبة.
وأفاد الموقع أنه إضافة إلى خشيتها من تهديد النزاع للسلم الإقليمي والاجتماعي داخل أراضيها، تتطلع السلطنة أيضا إلى مصالحها الإستراتيجية وراء الحدود التي تفصلها عن اليمن.
الصراع على المهرة
تقع محافظة المهرة في الجزء الشرقي من اليمن وتفصلها مسافة 294 كم عن الحدود مع عمان وتتجلى خصوصيتها في الخلفية التاريخية والثقافية التي أعاقت بشدة اندماجها مع بقية البلاد، وفق قول الموقع الإيطالي.
تعتبر المهرة أقرب إلى محافظة ظفار العمانية المجاورة، بالإضافة إلى بعض السمات التاريخية والاجتماعية، مثل الطبيعة القبلية السائدة، حيث تشترك المحافظتان أيضا في التحدث بلهجة عربية جنوبية واسعة الانتشار وهي المهري.
شكلت محافظة المهرة، إلى جانب جزيرة سقطرى، سلطنة سابقة في تاريخ اليمن تحت اسم المهرة في قشن وسقطرى، والتي أصبحت مستعمرة بريطانية في عام 1886 وألحقت بعد ذلك بمستعمرة عدن.
وخلال سبعينات القرن الماضي، انطلقت حوارات التوحيد بين شمال اليمن (جمهورية اليمن العربية، التي اعترفت بها السعودية في عام 1970) وجنوب اليمن، وفي عام 1990 تحققت الوحدة.
وعلى إثر تقسيم البلاد إلى 21 محافظة، تمتعت المهرة بنوع من الحكم الذاتي الذي تديره القبائل المحلية بموافقة الحكومة المركزية في صنعاء وذلك للتصدي للمطالب الانفصالية في الجزء الشرقي من البلاد، الذي كان ذات يوم جنوب اليمن قبل الوحدة المصطنعة، على حد تعبير الموقع.
وتابع بالقول إن هذا الخلل المزمن في التكامل الوطني هو ثمرة عملية تاريخية أدت إلى ولادة اليمن المعاصر، وهو أيضا ما تسبب في الصراع الذي أضر بالتوازن الداخلي الهش ومزق البلاد.
أوضح الموقع أن إطار الصراع المعقد الذي تشكل منذ عام 2014، والذي ترجع جذوره إلى القرن الماضي، يقدم مستويات مختلفة من التحليل، ويعد سيناريو المهرة واحدا من مسارح الصراع اليمني العام.
وأشار إلى أن المحافظة لم تتأثر في السنوات الأولى من اندلاع الحرب، ولم تشهد مواجهات، وذلك بحكم ميولها الاقتصادية والتاريخية والثقافية نحو الشرق أكثر منها نحو صنعاء.
واعتبارا من عام 2017، باتت المحافظة مسرحا لحرب جديدة بالوكالة في الخليج بين التحالف الذي تقوده السعودية وبعض القبائل المحلية بتشجيع من عمان، وبدعم إيران من خلف الكواليس.
بين الموقع أن نية الرياض كانت إلحاق الهزيمة بالمتمردين الحوثيين لتهدئة الصراع في ساحتها الخلفية، مستغلة سيناريو الحرب لزيادة الوجود في اليمن.
في هذا السياق، تمثل المهرة منطقة إستراتيجية لإنشاء ممر للطاقة يربط السعودية بالسواحل الجنوبية لشبه الجزيرة العربية، متجاوزا مضيق هرمز الذي تسيطر عليه طهران، العدو الأزلي للمملكة.
بالإضافة إلى ذلك، يريد السعوديون أيضا منع تهريب الأسلحة الإيرانية الموجهة للمتمردين برا وبحرا عبر المناطق الشرقية من اليمن.
يذكر أن التدخل السعودي في المهرة بدأ نهاية عام 2017 بالسيطرة على البنى التحتية المحلية الرئيسة (ميناءا ومطار الغيضة عاصمة المحافظة)، وتحويلها إلى مقرات للجيش السعودي.
في نفس العام، استبدلت الرياض أيضا محافظ المهرة بتعيين راجح سعيد باكريت الموالي للسعودية من خلال قرار للرئيس عبد ربه منصور هادي، المعترف به دوليا والمدعوم من التحالف العربي.
العمق الإستراتيجي لمسقط
أكد موقع مركز الدراسات الإيطالي أن القرب الجغرافي والأنثروبولوجي من عمان يجعل منطقة المهرة "خط الدفاع الأول" عن الأمن القومي للسلطنة، والتي أسقطت نفوذها عبر الحدود في العقود القليلة الماضية.
وفي هذا الصدد، ذكر الموقع أن مسقط فتحت أبوابها لسكان المهرة من خلال إجراءات مبسطة لمنح الجنسية العمانية خاصة بعد توقيع اتفاقية حدودية مع اليمن عام 1992، حددت الحدود بشكل دائم بين البلدين.
وأضاف بأنها زودت أسواق المنطقة بكل احتياجاتها من الغذاء والوقود، كما قدمت المساعدات الإنسانية بعد أن وصلت العمليات القتالية إليها.
على الطرف المقابل، ضمنت القبائل المحلية التي حكمت المحافظة بحكم الأمر الواقع توازنا دقيقا لمسقط، يكاد يكون منيعا تماما على "الجماعات الجهادية" التي كانت تكافح من أجل ترسيخ جذورها بين السكان المحليين، يشرح الموقع.
ولفت بالقول إن اندلاع الحرب بالوكالة أدى إلى زعزعة الوضع الراهن، وهو ما استفاد منه مسلحو تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وبسبب عدائهم للمتمردين الحوثيين الشيعة، أثبتوا أنهم أداة مفيدة للتحالف العربي الذي أبرم، وفقا لتحقيق أجرته وكالة أسوشيتد برس عام 2018، اتفاقيات سرية معهم.
أردف الموقع بالقول إن سلطنة عمان تعتبر الوجود السعودي في المهرة تهديدا لمصالحها، حيث تشعر بأنها باتت مهمشة فيما يتعلق بالمنطقة العازلة المجاورة التي ضمنت تاريخيا أمن حدودها الغربية بالإضافة إلى القدرة على استغلال مواردها.
لهذه الأسباب، بدأت مسقط في اتخاذ تدابير مضادة لعرقلة الأهداف السعودية، إلا أن اختلال موازين القوة لصالح الرياض وأبو ظبي فرض عليها التحرك بحذر واستبعاد الصدام المباشر الذي لا يخدم صورة السلطنة بحكم حيادها التقليدي، يقول الموقع.
يرى مركز الدراسات الإيطالي أن مسقط تعتمد على قبائل المهرة المحلية كبيادق تحاول من خلالها احتواء السعوديين من أجل الحفاظ على عمقها الإستراتيجي في اليمن دون التدخل المباشر.
وتابع بالقول إن "السلطنة تدعم لوجستيا وتمول احتجاجات السكان المحليين المعارضين للوجود السعودي. ومن الواضح أن أفضل حل لمسقط، والتي اقترحت في عديد المناسبات دور الوسيط، هو الحل السلمي للصراع".
نوه الموقع بأن اليمن المستقر والمتحكم في سيادته من شأنه أن يبطئ إستراتيجية الرياض في المهرة، مما يجعل من الصعب تبرير الوجود العسكري السعودي في المنطقة.
وخلص إلى القول إنه في الوقت الحاضر، لا تزال هذه الفرضية مستبعدة، وتبقى زمام اللعبة الجيوسياسية بيد السعودية بحكم ميزان القوى.
وتساءل عما إذا كانت عمان ستستمر في الحفاظ على موقف عدم التدخل، أم أنها ستتدخل للدفاع عن مصالحها في اليمن، حتى إن كان ذلك يعني تقديم دعم لا إرادي للمتمردين الحوثيين.