بعد الإمارات والبحرين.. هل هناك تقارب فعلي بين السعودية ونظام الأسد؟
قفزت تقلبات السياسة السعودية تجاه الملف السوري من جديد إلى الواجهة، على الرغم من نفي الرياض حدوث تقارب بينها وبين النظام السوري بعد عقد من القطيعة.
وأكدت صحيفة "غارديان" البريطانية، في 4 مايو/ أيار 2021 أن رئيس المخابرات السعودية اللواء خالد حميدان، أجرى زيارة إلى العاصمة السورية دمشق، التقى خلالها نائب بشار الأسد للشؤون الأمنية علي المملوك.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول سعودي (طلب عدم الكشف عن هويته لحساسية القضية) قوله إنه "تم التخطيط للاجتماع منذ فترة، وأن تغيرات الأحداث على المستوى الإقليمي شجع على بدء الانفتاح في العلاقات السورية السعودية".
واعتبرت الغارديان أن الاجتماع الذي قالت إنه عقد في دمشق، بتاريخ 3 مايو/ أيار 2021، "مقدمة لانفراجة وشيكة بين خصمين إقليميين، وأن تطبيع العلاقات مع دمشق قد يبدأ بعد فترة وجيزة من عيد الفطر"، بحسب ما نقلت الصحيفة.
السعودية والأسد
لكن التعقيب الرسمي للرياض لم يتأخر طويلا بعد تسريبات "الغارديان"، ليخرج مدير إدارة تخطيط السياسات بوزارة الخارجية السعودية رائد قرملي، وينفي بتاريخ 7 مايو/أيار 2021، التقارير الإعلامية الأخيرة حول إجراء رئيس الاستخبارات السعودية محادثات في دمشق واعتبرها "غير دقيقة".
وقال المسؤول السعودي، إن سياسة بلاده تجاه سوريا "لا تزال قائمة على دعم الشعب السوري وحل سياسي تحت مظلة الأمم المتحدة ووفق قرارات مجلس الأمن ومن أجل وحدة سوريا وهويتها العربية".
وعلى أية حال فإن لقاءات أمنية بين الرياض ونظام الأسد، حدثت خلال السنوات العشر الأخيرة، لكن التسريبات لم تشر إلى أنها كانت تجري في قلب دمشق، بل تفيد الأخبار عادة بذهاب "علي مملوك" بذاته للرياض لإجراء لقاءات أمنية مع المسؤولين السعوديين.
وهذا ما سربته صحيفة "الحياة" اللندنية المقربة من السعودية، حول لقاء علي مملوك وزير الدفاع السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بمدينة جدة في 7 يوليو/ تموز 2015 واصفة اللقاء بـ "المعجزة"، وبعدها الزيارة السرية لمملوك في يناير/كانون الثاني 2019 إلى الرياض حسب صحيفة "الجمهورية" اللبنانية.
ويعتبر "علي مملوك" يد بشار الأسد الاستخباراتية الأولى ويمسك بالملف الأمني لسوريا ويظهر دائما برفقته خلال اجتماعه مع المسؤولين الغربيين والروس.
واستطاع مملوك عقب الثورة عقد لقاءات أمنية في الأردن ومصر وفي روسيا وهي أشهرها حيث التقى بتاريخ 13 يناير/كانون الثاني 2020 في موسكو برئيس جهاز المخابرات التركي، حقان فيدان، وبحضور روسي وفق ما أعلنته حينها وكالة إعلام النظام "سانا".
ونفي الرياض، سبقه غزل دبلوماسي من سفير النظام السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، حينما وصف السعودية بتاريخ 5 مايو/أيار 2021، بأنها "دولة شقيقة وعزيزة".
كما "رحب بأي خطوة في صالح العلاقات العربية ـ العربية"، الأمر الذي اعتبر تلميحا حول مراجعة الرياض مواقفها من الأسد.
محاولات التقارب العربية مع الأسد وتطبيع العلاقات معه بدأت تطفو على السطح، وخاصة عقب فتح الإمارات أواخر 2018 سفارتها بدمشق، لتلحق بها البحرين وتفتح سفارتها في العاصمة السورية بداية 2019.
وبمعزل عن وجود تواصل سري بين السعودية ونظام الأسد، فإن الأمر أعاد للأذهان دور الرياض الأساسي وهدفه من الاصطفاف إلى جانب الثورة السورية عند اندلاعها في مارس/آذار 2011، ومطالبة الأسد حينها باتخاذ إجراءات سياسية إصلاحية عاجلة، قبل أن تنخرط رسميا بدعم فصائل المعارضة عسكريا.
وحاولت السعودية عقب توسع رقعة المظاهرات السورية، دفع بشار الأسد لاتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية إصلاحية عاجلة تشمل حتى الجيش، فضلا عن إرسال الرياض مبلغ 200 مليون دولار كمساعدة عاجلة لتهدئة الوضع.
إلا أن الأسد "أخذ الأموال دون فعل شيء"، بحسب ما كشفه رئيس الاستخبارات السعودي السابق بندر بن سلطان، في لقاء مع صحيفة "إندبندنت العربية"، في فبراير/شباط 2019.
لتلجأ الرياض عقب ذلك إلى قطع علاقتها السياسة مع النظام السوري، وسحب سفيرها في 2011، ويدخل الأسد في مرحلة عزلة عربية.
تمثلت العزلة بقرار وزراء الخارجية العرب نهاية عام 2011، تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، وسحب أغلب الدول السفراء من دمشق، ردا على قمع أجهزة مخابرات الأسد لثورة الشعب السوري.
لكن قرار الرياض دعم فصائل المعارضة السورية بوجه آلة الأسد العسكرية، وبلوغها في مايو/أيار 2013، بحسب صحيفة "فايننشال تايمز"، مرتبة أكبر مزود أسلحة للمعارضة كان العلامة الفارقة في مشهد الثورة، قبل أن يتحول هذا الدور إلى "سلبي" وغير مفهوم عام 2016، بحسب المراقبين.
كما ربط الدعم السعودي مع تشكيل برنامج "تمبر سيكامور" السري الذي ترأسته وكالة المخابرات الأميركية "سي آي أيه" بداية عام 2013.
وجرى بموجب البرنامج تجنيد وتدريب آلاف المعارضين ووفر لهم الذخيرة والأسلحة الخفيفة ومضادات الدبابات، كما وفر لهم الرواتب الضرورية لتجنيد المقاتلين؛ لضمان بقائهم في فصائل المعارضة.
دور وظيفي
ويجمع الكثير من المحللين العسكريين أن الانتكاسة العسكرية للسعودية في دعم بعض فصائل المعارضة، بدأت عقب التدخل الروسي في سوريا 30 سبتمبر/أيلول 2015.
وصنف هذا التدخل كأهم نقاط تحول في الثورة السورية على الصعيد السياسي والعسكري؛ حيث منع سقوط نظام بشار الأسد ومكنه من استعادة السيطرة على مساحات واسعة من المدن الواقعة تحت نفوذ الثوار.
كما أسفر القصف الروسي وحده عن مقتل أكثر من 7 آلاف من المدنيين وملايين النازحين داخليا واللاجئين خارجيا، وفق شبكات حقوقية سورية.
في هذا السياق اعتبر الباحث في المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام، رشيد حوراني، أن "السعودية لم تكن لها سياسة واضحة من الثورة على الرغم من دعمها لفصائل عملت ضد نظام الأسد، بل كان دورها وظيفي وفق ما هو مخطط لها من قبل الدول الكبرى، بهدف تطويف الإسلاميين كأفراد أو تنظيمات، ومن ثم تحول الساحة السورية ميدانا لتصفيتهم".
وفند حوراني في حديث لـ "الاستقلال" تصريحات لوزير الخارجية السعودي السابق، عادل الجبير في مارس/آذار 2016، قال فيها إن "الخيار أمام بشار الأسد إما أن يترك السلطة عن طريق عملية سياسية، وهذا سيكون أسرع ويجنب سوريا المزيد من القتل والدمار، أو سيبعد عن طريق عملية عسكرية".
ليعاود الجبير ويصرح في مارس/آذار 2019 بالقول "من المبكر الحديث عن إعادة فتح سفارة السعودية بسوريا"، وهذا ما رآه حوراني "يعكس إمكانية تبدل موقف بلاده حسب تطورات الأوضاع بصرف النظر عن نظام الأسد، بقي أو رحل".
وألمح الباحث في المؤسسة السورية للدراسات إلى أن "الفصائل السورية ونظرا لقلة خبرتها بسياسة النظام، وبالسياسة الدولية، لا تلام إن وقعت فيما خططت له السعودية لها".
"ولكنها تلام أنه كان لديها هامش من التحرك الذي كان من الممكن أن تقوم به وتنفيذ خطوات تقدم للأمام من شأنها أن تجعل منها طرفا أساسيا وليست ورقة يرمى بها"، وفق قوله.
وذهب حوراني للقول بأن "السعودية بهذه السياسة أضرت بنفسها، فهي خرجت من دعم الفصائل، أو الأصح دعم خط الثورة السورية العام المتمثل بإسقاط النظام وإخراج إيران، وبذلك خسرت ورقة قوية كان بإمكانها أن تستخدمها بقوة في وجه الطامعين بها، وعلى رأسهم إيران".
واستعرض الباحث في المؤسسة السورية للدراسات محاولات السعودية العودة إلى الملف السوري والتأثير به عبر عدة خطوات يمكن ذكرها بالتدريج.
أولا، رشحت عددا من الشخصيات السورية تحت اسم كتلة المستقلين لضمهم إلى هيئة التفاوض السورية.
ثانيا وفق حوراني، حاولت السعودية دعم قسد شرقي الفرات، ثالثا، المؤشرات لعودة علاقات الرياض مع النظام تحت مسمى ضرورة وجود دور عربي في الحالة السورية.
ورأى الباحث من وجهة نظره "أن خطوات السعودية السابقة والحالية ستمنى بالفشل ومن دون أي ثمار".
ولعل الكاتب الصحفي السوري سامر العاني، لخص في تصريح لـ "الاستقلال" طبيعة الدور السعودي "المدروس" في دعم فصائل من المعارضة السورية في بدايات التسليح لمواجهة الزحف العسكري لقوات الأسد على المدن السورية لإخماد الحراك المشتعل فيها ضده.
يقول العاني: "حرص الدعم العسكري السعودي لفصائل المعارضة السورية إلى توجيهه نحو الفصائل ذات الخلفية العشائرية والدينية، قبل أن تعمل لاحقا على مزج التيارين معا، وخاصة أن دخولهم إلى المجتمع العشائري كان عبر قوات سوريا الديموقراطية (قسد) بهدف إغاضة تركيا".
وبين العاني أنه "على الرغم من أن المال العسكري للفصائل قبل عام 2015 كان من السعودية، فإن الدعم كان محدودا وقدم لفترة محدودة بهدف ترك الفصائل بمنتصف الطريق على مبدأ لا غالب ولا مغلوب".
وكانت السعودية تسير وفق العاني "على أمل إطالة الثورة السورية لتحقيق هدفين، الأول جر المنطقة لنزاعات لا تتجاوز حدود المنطقة ويكون الانشغال العربي في هذه المنطقة".
ويعطي وهو الهدف الثاني في نهاية المطاف دروسا لأبناء الشعب السعودي من أن أي محاولة تغيير لديهم سيكون كالنموذج السوري.
وأضاف أن "السعودية انسحبت من دعم الفصائل عندما لم يعد بإمكان النظام السوري استعادة الأمور لصالحه، وبالتالي كان الانسحاب معيرا بفترة تنامي الثورة وأن يكون النظام والمعارضة متساويان في القوة".
إعادة تأهيل
وكان السؤال الملح الذي يتردد على ألسنة الكثير من المراقبين هو أنه لماذا لم تدعم الرياض الفصائل الوطنية السورية؟
حول هذه النقطة أجاب العاني بقوله إن "السعودية لا تريد أن يكون للفصائل السورية قوة منضبطة، ولا يريدون فصائل متنوعة بل يريدونها ذات صبغة إسلامية أو عشائرية".
وتشير عدة تقارير إعلامية إلى أن الدور السعودي "السلبي" بالملف السوري، أدى للإسهام بإعادة تأهيل نظام الأسد على الصعيد السياسي.
وحول هذه الجزئية الهامة، أشار الكاتب والمحلل السياسي السوري، أحمد الهواس إلى أن "السعودية لم تقف مع الثورات العربية بشكل عام، بل عملت منذ البداية على منع وصول التغيير إليها أو إلى محيطها".
واستقبلت رئيس النظام التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، وعملت على دعم الانقلاب ضد الرئيس المصري الراحل محمد مرسي ومولت الثورات المضادة، وفق قوله.
وبين الهواس في تصريح لـ "الاستقلال" أن سوريا "لن تكون استثناء، فالسعودية في البداية دعمت تسليح الثورة لكن بما يضمن بقاء المحرقة وليس انتصار الثوار، وصنعوا فصائل تتبع لهم، لها مهام حماية دمشق وليس إسقاط النظام ثم تم منع الدعم ليظهر النظام وحلفاؤه في حالة تفوق".
ويتفق الهواس مع الكثير من المتحدثين بأن السياسة السعودية "كانت وما زالت بالنسبة للثورة السورية هي جعل الشعب السوري عبرة لبقية الشعوب، وأن الربيع العربي كان مؤامرة لتفتيت الدول!".
ونوه المحلل السياسي إلى أنه: "ليس مستبعدا أن ثمة تنسيقا يجري بين الرياض ودمشق منذ مدة طويلة لا سيما أن ثمة أخبار ترددت منذ سنوات عن زيارات لعلي مملوك إلى الرياض، فضلا عن أن من مول الغزو الروسي كان الرياض - أبو ظبي"، وفق قوله.
ويؤكد كثير من المراقبين للشأن السوري أن محاولة النظام السوري طي صفحة الماضي والبدء بعلاقات خاصة بمحيطه العربي، تولت مهمتها روسيا عبر وزير خارجيتها سيرغي لافروف الذي أجرى جولة خليجية في مارس/آذار 2021 شملت الإمارات والسعودية وقطر.
ومن هذا المنطلق يقول مدير مكتب الدوحة في مركز "حرمون" للدراسات المعاصرة، عمر إدلبي في تصريح لـ "الاستقلال" إن أي "تقارب سعودي مع نظام الأسد لن يترك أثرا سلبيا كبيرا على قوى الثورة والمعارضة السورية".
على اعتبار أن السعودية "انسحبت منذ العام 2016 بشكل كامل من المشهد السوري وباتت غير مؤثرة كونها توقفت عن دعم تلك القوى واكتفت بدور المتفرج على الأطراف الدولية التي رسمت ملامح الصراع بسوريا بمفردها"، وفق إدلبي.
ولا بد من الإشارة إلى أن التدخل السعودي في الحرب السورية له أسباب متعددة؛ فهو لا يتعلق بسوريا بالدرجة الأولى بقدر ما هو مرتبط بإيران، كما ترى " أنا سونيك" الباحثة السياسية في معهد الدراسات الألمانية والعالمية في هامبورغ.
وتقول الباحثة لـ (DW عربية)، أنه في سوريا تخوض "السعودية وإيران حربا بالوكالة حول الزعامة الإقليمية".
ولعل تأكيد المسؤول في الخارجية السعودية، رائد قرملي، بتاريخ 8 مايو/أيار 2021، إجراء محادثات مباشرة بين المملكة وإيران للحد من التوتر في المنطقة بعد سنوات من القطيعة والتوتر السياسي، بات ينظر إليه بأنه يقرب الرياض خطوة من نظام الأسد.
وهذا ما ألمح إليه رئيس تحرير تلفزيون سوريا المعارض، بشير البكر، في تعليقه على خبر "الغارديان" حول زيارة الوفد السعودي إلى دمشق.
وقال البكر إن "أخطر ما في أمر الزيارة أنها كشفت عن هشاشة وضعف الرياض وغياب الإستراتيجية تجاه سوريا واليمن والعراق".
وأردف في منشور له على فيسبوك قائلا: "سنرى في الأيام القادمة تنازلات سعودية أخرى أمام إيران، الأمر الذي سيلحق ضررا كبيرا بالسوريين والعراقيين واليمنيين".
واهم من يحسب أن الزيارة السعودية لبشار الأسد سوف تنتشله من الحضيض. الأسد انتهى، وهو ليس أكثر من ورقة مساومة تتقاذفها...
Posted by Basheer Al Baker on Wednesday, May 5, 2021
المصادر
- "غارديان": لقاء يجمع قائدي المخابرات السعودية والسورية في دمشق
- أول تعليق رسمي سوري على العلاقات مع السعودية
- دمشق: اجتماع ثلاثي روسي سوري تركي في موسكو
- رويترز: مسؤول بالخارجية السعودية يؤكد إجراء محادثات مع إيران
- ذا أتلانتيك: لماذا أوقفت أميركا دعمها للمعارضة السورية المسلحة؟
- علي مملوك يد الأسد “الطليقة”
- السعودية والصراع حول سوريا