نيويورك تايمز: هكذا استعد متمردو تشاد في ليبيا قبل القضاء على ديبي
أكدت صحيفة أميركية أن المتمردين التشاديين راكموا الخبرة العسكرية وجمعوا الأسلحة في ليبيا حيث قاتلوا كمرتزقة إلى جانب اللواء الانقلابي خليفة حفتر، قبل العودة للإطاحة بالرئيس إدريس ديبي.
وأوضحت "نيويورك تايمز" أنه "بعد أسبوع من هدير قافلاتهم المسلحة عبر الصحراء في شمال تشاد، وبدء معركة حامية الوطيس، نجح المتمردون في 19 أبريل/نيسان 2021، في حصد أكبر فروة رأس على الإطلاق، رئيس تشاد، ديبي، ذي القبضة الحديدية منذ 3 عقود، الذي قتل في ساحة المعركة عندما انفجرت قذيفة قرب سيارته، بحسب أحد كبار مساعديه".
وبعد إعلان وفاته، ساد شعور بالخوف والرهبة في العاصمة نجامينا، وأعقب ذلك تعيين الجيش لنجل ديبي البالغ من العمر 37 عاما، محمد إدريس ديبي رسميا كرئيس مؤقت، وانتشرت شائعات عن هجوم وشيك للمتمردين على المدينة.
وقالت الصحيفة إن "سر النجاح الباهر الذي حققه المتمردون يكمن وراءهم، عبر الحدود الشمالية لتشاد في ليبيا، حيث كانوا يقاتلون كجنود لسنوات، ويجمعون الأسلحة والمال والخبرة في ساحة المعركة، وفقا لمحققين تابعين للأمم المتحدة وخبراء إقليميين، ويبدو أن المتمردين استخدموا الحرب الفوضوية في ليبيا للتحضير لحملتهم الخاصة في تشاد".
وأضافت أنه "حتى وقت قريب، تم توظيفهم من قبل حفتر، الذي دافع عنه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وقاتلوا بأسلحة قدمتها الإمارات، أحد الرعاة الأجانب الأساسيين لحفتر".
وكان مقر هؤلاء المتمردين العام الماضي، قاعدة جوية عسكرية ليبية مترامية الأطراف إلى جانب مرتزقة من "فاغنر"، الشركة الخاصة المدعومة من الكرملين والتي تعتبر رأس حربة لجهود روسيا السرية لنشر نفوذها العسكري عبر إفريقيا.
انقلاب غير متوقع
من جانبه، أوضح مؤلف كتاب "حروب فرنسا في تشاد"، ناثانيال باول، وهو باحث مشارك في مركز الحرب والدبلوماسية في جامعة لانكستر في بريطانيا، إن "الانقلاب غير المتوقع من قبل المتمردين التشاديين يقدم مثالا صارخا على كيفية استغلال المرتزقة والجماعات المسلحة الأخرى فراغ السلطة المستمر منذ 10 سنوات في ليبيا".
وسادت حالة من عدم اليقين منذ وفاة ديبي، مما يلقي بظلال من الشك على استقرار دولة تعتبرها الولايات المتحدة وفرنسا ركيزة أساسية لجهودهما لمواجهة "التشدد المنتشر عبر غرب ووسط إفريقيا"، وفق "نيويورك تايمز".
وفي بيان 21 أبريل/نيسان الجاري، هدد المتمردون، الذين يطلق عليهم اسم "جبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد"، بالتقدم للسيطرة على العاصمة نجامينا نهاية هذا الأسبوع، بعد جنازة ديبي المقررة في 23 أبريل/نيسان.
وقالت الصحيفة الأميركية إنه "من غير الواضح ما إذا كان المتمردون قادرين على الوفاء بهذا التهديد، فقد تكبدوا خسائر فادحة في وقت مبكر خلال الأيام الماضية، حيث زعم الجيش التشادي أنه قتل 300 متمرد، فيما ما يزال المسؤولون العسكريون الأجانب غير متأكدين من بعد القوات المتمردة عن العاصمة".
ومع ذلك، قام الجيش التشادي بتحصين الدفاعات حول القصر الرئاسي، ونفى المسؤولون الشائعات المستمرة عن مقتل أو إصابة محمد، ابن ديبي وخليفته.
ولا تزال هناك تساؤلات حول ملابسات وفاة ديبي، وما إذا كان قد قتل بالفعل على يد أحد المنافسين، في الوقت الذي يصر فيه "الشيخ ابن عمر" وهو مستشار رئاسي رفيع المستوى -مرددا تصريحات القادة العسكريين - على أن الرئيس قتل عندما انفجرت قذيفة من المتمردين قرب سيارته على بعد 170 ميلا شمال نجامينا.
وأوضحت الصحيفة أن "ديبي قتل في اليوم الذي فاز فيه للمرة السادسة بالانتخابات التي شابتها العديد من المخالفات، وتجاهلت الدول الغربية إلى حد كبير سجل ديبي السيء في الفساد وانتهاكات الحقوق لأنه كان حصنا في مواجهة المد المتصاعد للتشدد الإسلامي في منطقة الساحل، وهي منطقة قاحلة على حدود الصحراء تمتد عبر 6 دول إفريقية".
وأشارت إلى أنه "كان لفرنسا وجود عسكري مستمر في نجامينا منذ عام 1986، حيث يقع مقر عمليتها لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، بالعاصمة نجامينا منذ إطلاقها عام 2014، وتقول باريس إن ما لا يقل عن 1000 من جنودها يتمركزون حاليا في تشاد".
لكن المتمردين كانوا يتطلعون إلى الإطاحة بديبي بسبب "مجموعة من المظالم المحلية لحكم القبضة الحديدية لمدة 31 عاما لرجل إفريقي قديم الطراز اتهمه منتقدوه بتبديد عائدات النفط الهائلة لتشاد".
تمويل أجنبي
ومنذ تسعينيات القرن الماضي، سعت مجموعة من الجماعات المتمردة، كثير منها محدد بالهوية العرقية، إلى الإطاحة بديبي، وتمركز بعضها في منطقة دارفور بغرب السودان، حيث تلقوا التمويل والأسلحة من الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير.
وبعد أن أبرم البشير وديبي اتفاق سلام عام 2010 واتفقا على وقف دعم المتمردين الذين يقاتلون حكومات بعضهما البعض، اضطر المتمردون التشاديون إلى مغادرة السودان، ووجدوا قاعدة جديدة بعد عام في ليبيا.
وفي الفوضى التي أعقبت الإطاحة بالقذافي وموته عام 2011، استأجرت الفصائل الليبية المتنافسة مرتزقة أفارقة للقتال إلى جانب قواتها، وكان هناك طلب كبير على التشاديين، الذين اشتهروا بأنهم مقاتلون عنيدون في الصحراء.
وقال مسؤول في الأمم المتحدة تحدث مع قيادة "جماعة الوفاق من أجل التغيير في تشاد": إن "البداية كانت مع فصيل ليبي مقره وسط مدينة مصراتة، لكن بحلول 2019، حولوا دعمهم إلى فصيل منافس، بقيادة حفتر، الذي أطلق حملة للسيطرة على العاصمة طرابلس".
والتشاديون ليسوا بأي حال من الأحوال أشهر المرتزقة الأجانب في ليبيا، حيث تم إيلاء اهتمام أكبر بكثير للمقاتلين الروس والسوريين الذين لعبوا دورا رئيسا في هجوم حفتر على طرابلس.
لكن الأموال والأسلحة والخبرة التي جمعها المرتزقة الأفارقة، ومعظمهم من تشاد والسودان، يتم استخدامها الآن في بلدان أخرى، بحسب "نيويورك تايمز".
وأشار تقرير للأمم المتحدة نشر في فبراير/شباط الماضي، إلى أن "المقاتلين المرتزقة يتمركزون في قاعدة جوية عسكرية رئيسة في الجفرة، وسط ليبيا - وهو مطار يعد أيضا محورا للمرتزقة الروس من مجموعة "فاغنر"، والذي استقبل رحلات شحن تحمل أسلحة من الإمارات".
كما أشارت الأمم المتحدة إلى أن طائرة يملكها المالك السابق لشركة بلاك ووتر، إريك برنس، الذي نظم عملية نقل مرتزقة بقيمة 80 مليون دولار لحفتر، تم تصويرها في قاعدة الجفرة الجوية.
وبعد انهيار هجوم حفتر العام الماضي على طرابلس، وقعت الفصائل المتحاربة في ليبيا اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ومع انتهاء الحرب في ليبيا، عاد المقاتلون التشاديون إلى ديارهم من أجل الانتفاضة التي أطلقوها ضد ديبي في 11 أبريل/نيسان، فيما يشير التقرير إلى أنهم "ربما أحضروا معهم بعض الأسلحة المتطورة من ليبيا".
وقال المسؤول السابق في الخارجية الأميركية، كاميرون هدسون: "يبدو أن التشاديين يقاتلون ويتحركون بنفس نوع المركبات المدرعة التي تبرع بها الإماراتيون لحفتر".
فيما قال مسؤول الأمم المتحدة إنه "حتى في ذروة الحرب الليبية، كان المتمردون يعتزمون دائما العودة إلى ديارهم، هذه هي مصلحتهم الحقيقية.. جمع أكبر عدد ممكن من الأسلحة والعودة إلى تشاد".