تجاوز الصمت.. لماذا تتبنى إيران رواية الصين تجاه أقلية الإيغور المضطهدة؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

لم تعد إيران تلتزم الصمت حيال الإبادة الجماعية التي يتعرض لها مسلمو الإيغور على يد السلطات الصينية فحسب، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما أشادت بمعاملة بكين لهم، وكذلك وصفها لمن يتحدث عن التعذيب والتنكيل بهذه الأقلية المسلمة بأنهم "كاذبون".

جاءت هذه التصريحات اللافتة على لسان سفير إيران لدى الصين محمد رضا كشاورز زاده، بعد أيام من توقيع الاتفاقية الشاملة بين طهران وبكين، في 27 مارس/آذار 2021، التي تصل مدتها إلى نحو 25 عاما بقيمة مالية بلغت 400 مليار دولار أميركي.

إشادة وشكر!

ونفى الدبلوماسي الإيراني، التقارير المتعلقة بـ"الإبادة الجماعية لمسلمي الإيغور بيد الحكومة الصينية"، قائلا إن إجراءات بكين دفعت لتمتع المسلمين في تلك المنطقة بـ"حياة أفضل".

وخلال مقابلة بثتها إذاعة الصين الدولية في 4 أبريل/ نيسان 2021، زعم كشاورز زاده أن أنشطة الحكومة الصينية في هذه المنطقة "ليست جريمة وعنفا وإبادة جماعية، ولكنها محاولة لتخفيف الفقر"، مردفا أن "من يكذبون بشأن أوضاع أهالي هذه المنطقة لا يريدون ان يروا تقدم بكين".

وعلى ضوء ذلك، نشرت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية "إرنا" في 4 أبريل/ نيسان 2021 تقريرا أكدت فيه أن وسائل الإعلام الصينية احتفت بتصريحات السفير الإيراني في الصين وزيارته لولاية شينجيانغ، مضيفة: "نشكر أصدقاءنا الإيرانيين على إظهار حقائق شينجيانغ للعالم".

تصريحات سفير طهران لدى بكين، ليست أول موقف تظهره إيران حيال سياسة الصين ضد الإيغور، فقد استنكرت في 7 ديسمبر/ كانون الأول 2019، مصادقة مجلس النواب الأميركي، على مشروع قانون يطالب بتطبيق عقوبات ضد المسؤولين الصينيين؛ لسياساتهم القمعية بحق الأقلية المسلمة.

وقال عباس موسوي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيراني، آنذاك، إن السياسات الأميركية تهدد الاستقرار والسلام العالميين، داعيا الدول المستقلة للوقوف ضدها.

وأضاف أن "واشنطن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، خصوصا الصين". وأردف: "لا يحق لواشنطن التدخل فيما يتعلق بمسلمي الإيغور، خصوصا وتاريخها مليء بالإبادات ضد السود والهنود الحمر".

في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، فرضت الحكومة الأميركية قيودا على إصدار التأشيرات لعدد من المسؤولين الصينيين لتورطهم في احتجاز المسلمين في شينجيانغ، وفرضت عقوبات على أكثر من 20 شركة ومؤسسة صينية لمشاركتها في انتهاك حقوق الأقلية.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2019، وافق مجلس النواب الأميركي، على مشروع قانون يطالب بتطبيق عقوبات ضد المسؤولين الصينيين؛ لسياساتهم القمعية بحق أتراك الإيغور بإقليم تركستان الشرقية (شينجيانغ) الذي يتمتع بحكم ذاتي، شمال غربي الصين.

كان وزير الخارجية الأميركي السابق، مايك بومبيو، أول مسؤول غربي كبير يستخدم مصطلح "الإبادة الجماعية" لوصف سياسة الصين في شينجيانغ.

ففي تغريدة على تويتر في الثاني من سبتمبر/أيلول 2020، خاطب بومبيو المرشد الإيراني علي خامنئي، بالقول: "إذا كنت تبحث عن شخص يخون الإسلام، فإن الصين تحاول تدمير الإيغور". وأضاف أنه "ينتظر ردة فعل عامة" من خامنئي على قضية الإيغور في الصين.

دوافع إيران

وبخصوص مواقف طهران المنحازة لبكين في قضية الإيغور، قال الخبير في العلاقات الإيرانية – الصينية، جاكوبو سيتا، إن "صمت إيران وعدم رد فعلها تجاه قمع مسلمي الإيغور هو الدافع الأساسي للرغبة في عدم إثارة غضب الصين".

ونقل موقع "آسيا تايمز" في 21 فبراير/ شباط 2021 عن "سيتا" أن "حقيقة أن إدارة (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب هاجمت الصين علنا لقمع الأقليات المسلمة لديها ثبط عزيمة إيران على اتخاذ موقف حاسم بشأن هذه القضية. وببساطة السياسة تسود على المثالية".

وفي السياق ذاته، نقل الموقع عن مانوشهر دراج، أستاذ العلوم السياسية في جامعة تكساس، قوله: "في الحسابات السياسية للحكومة الإيرانية، فإن علاقاتها الثنائية مع كل من الحكومتين في موسكو وبكين تأخذ حيزا كبيرا بالنسبة لأمنها الاقتصادي والسياسي والعسكري، ولا تريد اتخاذ أية إجراءات سياسية من شأنها أن تعرض هذه العلاقة المهمة للخطر".

ورأى أستاذ العلوم السياسية سببا آخر يفسر مواقف إيران من قضية الأقلية المسلمة، بالقول: "إضافة إلى ذلك، فإن مسلمي الإيغور هم في الأساس من السنة، كما أن جاذبية الدولة الشيعية في إيران في صفوفهم محدودة للغاية".

وعلى نحو مماثل، قال بيل فيغيروا، الباحث في العلاقات الإيرانية الصينية في جامعة بنسلفانيا للموقع ذاته إن "الصين لن تنقذ طهران، وأعتقد أن إيران تدرك ذلك، وتهتم إلى حد كبير بورقة بكين كتكتيك للتفاوض وكوسيلة للترويج لحليف قوي في وقت تتزايد فيه العزلة الدبلوماسية".

وأفاد التقرير بأن "جودة العلاقات بين طهران وبكين ستعتمد إلى حد كبير على كيفية تطور العلاقات بين بكين وواشنطن في ظل إدارة جو بايدن الجديدة. وإذا ضغطت الولايات المتحدة على الصين، فسيكون لدى الأخيرة حافز لتكثيف العلاقات مع إيران".

ومنذ عام 1949، تسيطر بكين على إقليم تركستان الشرقية، وهو موطن أقلية الإيغور التركية المسلمة، وتطلق عليه اسم "شينجيانغ"، أي "الحدود الجديدة".

وتفيد إحصائيات رسمية بوجود 30 مليون مسلم في الصين، منهم 23 مليونا من الإيغور، فيما تقدر تقارير غير رسمية عدد المسلمين بقرابة 100 مليون، أي نحو 9.5 بالمائة من السكان.

ومنذ 2009، يشهد الإقليم ذو الغالبية التركية المسلمة، أعمال عنف دامية، حيث قتل نحو 200 شخص. فيما ذكرت الخارجية الأميركية في تقريرها السنوي لحقوق الإنسان عام 2018 أن الصين تحتجر المسلمين في مراكز اعتقال "بهدف محو هويتهم الدينية والعرقية".

بينما تزعم بكين أن المراكز التي يصفها المجتمع الدولي بـ"معسكرات اعتقال"، إنما هي "مراكز تدريب مهني" تهدف إلى "تطهير عقول المحتجزين فيها من الأفكار المتطرفة".

أصوات مناهضة

لكن في الوقت الذي يساند النظام الإيراني السلطات الصينية، فإن أصواتا إيرانية تحمل انتقادات موجهة للنظام تعالت ضد سياسة الصمت تجاه الجرائم التي ترتكبها الصين بحق المسلمين بسبب المصالح الاقتصادية.

ففي الثاني من أغسطس/آب 2020، انتقد البرلماني السابق المرشح الرئاسي الإيراني الحالي، علي مطهري، صمت السلطات في بلاده تجاه قمع السلطات الصينية، وحجم الانتهاكات التي ترتكبها بحق مسلمي الإيغور الذين يعيشون في إقليم شينجيانغ.

وكتب مطهري تغريدة عبر حسابه الرسمي على "تويتر" قال فيها: "فيما تحتج الولايات المتحدة على معاملة الصين للمسلمين واضطهادهم في منطقة شينجيانغ من أجل القضاء التام على الثقافة الإسلامية في تلك المنطقة، لكن إيران ظلت صامتة بسبب حاجتها الاقتصادية".

ونقلت هيئة الإذاعة الألمانية (دويتشه فيله)- النسخة الفارسية، عن مطهري وهو يخاطب المسؤولين في بلاده بسبب مزاعم دفاعهم عن المسلمين في اليمن أو فلسطين، قائلا: "ولا يختلف المسلمون الصينيون عن المسلمين اليمنيين أو الفلسطينيين".

وكان مطهري قد انتقد في إحدى تغريداته السابقة الاتفاقية الصينية الإيرانية في حال لم تضمن حقوق الإيغور.

وقال "بصرف النظر عن مضمون وثيقة التعاون بين إيران والصين التي سوف تستمر 25 عاما، وقبل التوقيع عليها، يجب تحديد مصير مليوني مسلم صيني يتعرضون للتعذيب في معسكرات الاعتقال؛ للتخلي عن دينهم وثقافتهم ومساجدهم".

وفي حوار مع صحيفة "آرمان ملي" الإيرانية في 8 فبراير/ شباط 2021، قال الدبلوماسي السابق فريدون مجلسي: إن “دخول إيران بالأساس في بعض المسائل؛ يرجع إلى السياسات الخاصة، وإلا فالأفضل في الحالات الطبيعية ألا تتدخل طهران في بعض القضايا والمحافظة على علاقاتها مع الدول الأخرى".

وعليه فمن المؤكد أن لا تتخذ إيران أي رد فعل في ظل الأوضاع الراهنة، نظرا لأهمية العلاقات مع الصين.

وأوضح: "لن تخضع الصين لاستقلال (أقليتي) التبت والأويغور، وهذا هو سبب التعذيب داخل معسكرات التأهيل المهني، كما ورد بالتقارير المنشورة مؤخرا".

والصين تهدد مئات الآلاف من أبناء الإيغور بذريعة تورط بعض العناصر في عمليات إرهابية. لكن بالقطع يمكن المبالغة والإغراق في الحديث عن بعض القضايا، لكن لابد من إجراء تحقيقات حقيقية والسماح بدخول المنظمات الدولية، وفق قوله.

وكان المبعوث الأميركي السابق لإيران براين هوك، قد وصف النظام الإيراني والصين بـ"التوأمين المستبدين" اللذين اجتمعا بسبب سلسلة من القواسم المشتركة المدمرة.

وقال في مقال مشترك مع السياسي الأميركي كيث كيرش، نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" في 21 تموز/ يوليو 2020، إن "الدول حول العالم أصبحت واعية بهذا الخطر أكثر من أي وقت مضى"، مشيرا في هذا الصدد إلى أن "الاتفاقية الشاملة بين البلدين في أفضل الأحوال، ستكون هذه الاتفاقية بمثابة إطار للتعاون".

وأشار الكاتبان إلى أن النظام الإيراني أصبح ضعيفا بشدة بسبب العقوبات الأميركية، ولذا فإنه على استعداد لتجاهل قمع بكين للمسلمين الإيغور، ويستمر في "مغازلة" الصين متجاهلا كلمات روح الله الخميني (مرشد إيران السابق) حول الحاجة إلى القضاء على الشيوعية.