موريتانيا تستثني الرباط من جولة مغاربية.. السبب كورونا أم البوليساريو؟

12

طباعة

مشاركة

في 31 مارس/آذار 2021، استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي والموريتانيين في الخارج، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في جولة مغاربية كان من المنتظر أن تبدأ من المملكة المغربية، قبل أن تلغى دون إفصاح عن الأسباب.

تزامن تاريخ الزيارة الملغاة مع أخرى أجراها مسؤولون من جبهة البوليساريو إلى موريتانيا للقاء الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، حول آخر التطورات المتعلقة بالوضع في إقليم الصحراء الغربية.

وسائل إعلام موريتانية كشفت أن الرسائل التي حملها وزير الخارجية الموريتاني إلى قادة دول المغرب العربي، كان الهدف منها حشد الدعم لمرشح موريتانيا لمنصب المفوض المكلف بالتعليم العالي والتكنولوجيا والبحث العلمي بالاتحاد الإفريقي.

"حجة كورونا"

سلم إسماعيل ولد الشيخ أحمد رسالة إلى الرئيس تبون من نظيره الموريتاني، وأوضح بيان لوزارة الخارجية الجزائرية، أن ولد الشيخ أشاد بدعم الجزائر المتواصل لموريتانيا، مؤكدا أن العلاقات الثنائية تمر خلال السنوات الأخيرة بأحسن الفترات.

وقال وزير الخارجية الموريتاني، في تصريح صحفي عقب هذه الزيارة، إنه لا يمكن أن يحصي مجالات الدعم التي يقدمها الجزائر لموريتانيا، خاصة في مواجهة جائحة "كوفيد 19"، من خلال إيفاد فريق طبي إلى نواكشوط، رغم أن الجزائر تواجه نفس التحدي.

وأشار ولد الشيخ أحمد بأهمية طريق تندوف ازويرات بين البلدين الجارين، لافتا إلى وجود توجيهات بشأنه، معبرا عن طموحهم في أن يكتمل العمل به قريبا، مذكرا بأن الشاحنات تعبر من خلاله الآن، لكنه إذا اكتمل فسيكون له دور مهم.

وسلم وزير الخارجية الموريتاني رسائل إلى قادة كل من تونس وليبيا والجزائر، فيما تأجل تسليم نفس الرسالة إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، بسبب الإجراءات التي تتخذها الرباط للحد من جائحة "كورونا"، وفق وسائل إعلام موريتانية.

ونقل موقع "صحراء ميديا" عن مصدر مطلع أن "تأجيل تسليم الرسالة جرى بالتشاور بين السلطات الموريتانية والمغربية، وأن الرسالة موجهة إلى العاهل المغربي شخصيا، وليس إلى وزير الخارجية، وبالتالي تقرر تأجيلها حتى تتحسن الوضعية الوبائية".

وقال مسؤول في الخارجية المغربية، لوكالة الأناضول، إن الوزير الموريتاني ألغى زيارته المقررة إلى الرباط، ولم يحدد تاريخا جديدا لها نظرا لتطورات الحالة الوبائية في البلدين المتعلقة بكورونا.

وأشار المسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إلى أن ولد الشيخ أحمد كان يعتزم إجراء مباحثات مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، خلال الزيارة.

علاقات متأرجحة

في حديث سابق لـ"الاستقلال"، وصف أستاذ العلاقات الدولية الموريتاني سليمان ولد الشيخ حمدي، موريتانيا بـ"رمانة الميزان" في النزاع، وأشار إلى اعتراف نواكشوط بالجمهورية الصحراوية سنة 1984، عقب خروجها من الحرب بعدة سنوات، خلال فترة حكم محمد خونا ولد هيدالة، الذي كان يحسب على محور الجزائر-البوليساريو.

وتابع: "بعد ذلك حدثت عدة تقلبات لكنها لم تغير الوضع رغم تعاقب محسوبين على المغرب بشكل كبير على الحكم، مثل الرئيس الأسبق أحمد ولد بوسيف، وحدثت في العلاقات الثنائية بين البلدين توترات كثيرة منعت أي تقارب يمكن أن يعول عليه في الوصول بموريتانيا لسحب الاعتراف بالجمهورية الصحراوية".

تصريح ولد الشيخ حمدي، جاء ردا على  تقارير صحفية تحدثت، في مارس/ آذار 2021، عن نية السلطات في نواكشوط سحب الاعتراف بجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، حيث تعيش الجبهة صراعا مع المغرب على الصحراء الغربية.

وذهبت التوقعات إلى حد القول، إن السلطة الجديدة تعتزم سحب الاعتراف قبل انتهاء الولاية الحالية للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، فيما لمس مراقبون تقاربا بين القيادة الموريتانية الجديدة والمغرب، ما قد يدفعها للخروج من  "الحياد الإيجابي" الذي تتشبث به منذ سنوات.

عقب سنوات من الجفاء والفتور، حدث تقارب متصاعد في الفترة الأخيرة بين المغرب وموريتانيا جراء ملفات أبرزها، قضية الصحراء، واستضافة نواكشوط لقادة جبهة "البوليساريو" الساعية للانفصال عن المملكة، وإصرارها على أن ذلك يدخل ضمن نهج "الحياد".

هذا التقارب الملحوظ ساهم فيه اتصال "هام" من العاهل المغربي محمد السادس برئيس موريتانيا محمد ولد الغزواني، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عبر فيه الملك عن استعداده لإجراء زيارة رسمية إلى موريتانيا، موجها في الوقت ذاته الدعوة للرئيس لزيارة بلده الثاني المملكة.

كما عبر زعيما البلدين - خلال المحادثة الهاتفية - عن "ارتياحهما الكبير للتطور المتسارع الذي تعرفه مسيرة التعاون الثنائي، ورغبتهما الكبيرة في تعزيزها والرقي بها، بما يسمح بتعميق هذا التعاون بين البلدين الجارين وتوسيع آفاقه وتنويع مجالاته".

اللافت في الاتصال الهاتفي، أنه الأول من نوعه، وأنه جاء بعد أسبوع فقط من تدخل الجيش المغربي لإبعاد عناصر "البوليساريو" من معبر "الكركرات" الحدودي بين البلدين.

تقارب بعد أزمة

الاتصال الهاتفي جاء بعد نقاش محتدم في الوسطين الموريتاني والمغربي، بسبب موقف السلطة في موريتانيا، بعد أن تصاعدت وتيرة النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو، إثر عرقلة عناصر من الجبهة عبور شاحنات مغربية إلى موريتانيا، عبر معبر "الكركرات" الذي يعد بوابة اقتصادية تربط الرباط بعدة عواصم إفريقية، والوحيد بين المملكة وموريتانيا.

عقب اشتعال الأزمة، أعلنت موريتانيا متابعة التوتر المتزايد بين المغرب وجبهة البوليساريو، على حدودها الشمالية في منطقة الكركرات، "بقلق بالغ".

وبعد أيام من تحرك الجيش المغربي وجه رئيس موريتانيا محمد ولد الشيخ الغزواني، برقية لملك المغرب محمد السادس في 17 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، عبر فيها عن حرصه على تعزيز علاقات بلاده مع المغرب وتطوير التعاون بينهما.

موقف نواكشوط وصفته تقارير صحفية موريتانية بـ"الضعيف" باعتبارها طرفا متضررا من الأزمة، إذ تعبر من "الكركرات" واردات موريتانيا الغذائية القادمة من المغرب، وتعبر منه صادراتها السمكية الموجهة نحو أوروبا عبر المغرب، حيث يعد المغرب الشريك التجاري الأول لموريتانيا بإفريقيا، ويشكل حوالي 30 بالمائة من المبادلات التجارية بين موريتانيا وباقي بلدان القارة.

كشف المكتب الوطني للإحصاء في موريتانيا، في أغسطس/ آب 2020، أن قيمة المبادلات الخارجية للبلاد، بلغت خلال الربع الأول من العام الجاري، أزيد من 49 مليار أوقية (عملة موريتانيا) جديدة، مسجلا انخفاضا بنسبة 8.1 في المائة، بالمقارنة مع الربع الأخير من 2019.

ضغط جزائري

تشهد العلاقة بين الرباط ونواكشوط، حالة من الصعود والهبوط، لتباين مواقف العاصمتين في بعض القضايا الإقليمية خصوصا ما يتعلق بملف إقليم الصحراء، واستقبال مسؤولين من جبهة البوليساريو في قصر الرئاسة بنواكشوط من حين لآخر.

وكالة الأنباء الصحراوية، كشفت أن الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، استقبل في 24 مارس/آذار 2021، البشير مصطفى السيد، الوزير المستشار برئاسة الجمهورية المكلف بالشؤون السياسية في البوليساريو، وسلمه رسالة خطية من إبراهيم غالي، رئيس ما تطلق عليه الجبهة "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، وتناولت الرسالة تطورات القضية الصحراوية والعلاقات الثنائية.

ذكرت مصادر صحفية مغربية أن الوزير الموريتاني يبذل مساعيا لتقريب وجهات النظر بين المغرب والبوليساريو وأن مهمة الوزير الموريتاني اصطدمت برفض المغرب التعاطي مع أية مساع للتوسط بينه وبين البوليساريو.

موقع "العمق" المغربي استقرأ في اللقاء "خطوة تنم عن وجود ضغط جزائري على موريتانيا لتغيير موقفها الحيادي من قضية الصحراء"، فيما تشدد موريتانيا في كل مناسبة إلى أنها تميل إلى "الحياد الإيجابي" بحسب الوصف الموريتاني، وتؤكد أن موقفها من النزاع في الصحراء يهدف في الأساس للعمل من أجل إيجاد حل سلمي للقضية يجنب المنطقة خطر التصعيد.

بالمقابل جعلت أزمة معبر الكركرات الجزائر، تدرك أهمية موريتانيا كدولة محورية في الصراع الدائر بإقليم الصحراء، وظهر إقدامها على علاقات أكثر متانة  جليا في دعوتها إلى إطلاق مسار جديد من التعاون العسكري مع نواكشوط.

الجزائر عرضت توريد معدات ومنتجات عسكرية لصالح الجيش الموريتاني، فيما أكد وزير التجارة الجزائري أن بلاده قادرة على زيادة صادراتها لموريتانيا إلى 50 مليون دولار خلال 2021.

وفي 5 يناير/ كانون الثاني 2021، زار قائد الأركان العامة للجيوش الموريتانية الفريق محمد بمبه مكت، الجزائر، لبحث التعاون بين البلدين في المجال الأمني والعسكري.

وقال رئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة، خلال استقبال نظيره الموريتاني، إن هذه الزيارة التي جاءت لاستعراض التعاون العسكري بين البلدين "ستسمح بتطوير العلاقات بين البلدين، خاصة على ضوء تطور الوضع الأمني السائد بالمنطقة".

ويشهد إقليم الصحراء منذ 1975 نزاعا بين المغرب وجبهة البوليساريو، وذلك بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة،  قبل أن يتحول النزاع إلى مواجهة مسلحة بين الجانبين، توقفت عام 1991، بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، برعاية الأمم المتحدة.

وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، بينما تدعو البوليساريو إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي لاجئين من الإقليم.