الغرب اشتعل غضبا.. لماذا انسحبت تركيا من "اتفاقية إسطنبول"؟

12

طباعة

مشاركة

بعد 10 سنوات من توقيعها، أعلنت تركيا انسحابها من "اتفاقية إسطنبول الأوروبية لمكافحة العنف ضد المرأة ومنع العنف المنزلي".

في 20 مارس/آذار 2021، نشرت الجريدة الرسمية نص قرار حمل توقيع الرئيس رجب طيب أردوغان بإعلان انسحاب تركيا رسميا من اتفاقية مكافحة العنف ضد المرأة.

أنقرة عللت الانسحاب من الاتفاقية كونها تحمل مادتين تشجعان على الشذوذ الجنسي، وعلقت على ذلك بكون المادتين تضعفان البنية الاجتماعية والدينية والأخلاقية للمجتمع التركي.

كان عدد من المسؤولين الأتراك قد دعوا إلى الانسحاب من الاتفاقية، وأبدوا مخاوفهم من أن تعزز هذه الاتفاقية مفاهيم الشذوذ الجنسي وتسهم بغياب القيم في المجتمع التركي.

وتعليقا على الانسحاب، قال نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي، في تغريدة، إن بلاده مصممة على الارتقاء بمكانة المرأة التركية في المجتمع مع الحفاظ على النسيج الاجتماعي، دون الحاجة إلى تقليد الآخرين.

من جانبه، قال وزير الداخلية سليمان صويلو، في بيان، إن "وجود اتفاقيات دولية أو عدمها لا يقلل أو يزيد من مسؤولياتنا لمنع أي شكل من أشكال الجريمة (المحتملة) التي سيتعرض لها مواطنونا".

وأكد أن وزارة الداخلية تقود مع الجهات المعنية عملية لحماية المرأة من العنف بمختلف السبل، بينها تطبيق على الهواتف الذكية للتبليغ عن حالات العنف، إلى جانب إجراءات أخرى.

وأعرب عن رفضه القاطع لكافة أشكال العنف ضد المرأة، مبينا أن مزاعم ارتفاع الجرائم ضد المرأة في تركيا عارية من الصحة.

"النوع الاجتماعي"

45 دولة، معظمها من دول الاتحاد الأوروبي وقعت على اتفاقية إسطنبول التي وقعت عليها تركيا في 11 مايو/آيار 2011، ودخلت حيز التنفيذ مطلع أغسطس/آب 2014، في حين رفضت التوقيع كل من روسيا وأذربيجان، وصادقت الدول الموقعة عليها باستثناء 13 دولة وقعت ولم تصادق على الاتفاقية بعد.

تتكون "اتفاقية إسطنبول لمكافحة العنف ضد المرأة" من 81 مادة و12 فصلا، وتتضمن المادة الثالثة على تعريف "النوع الاجتماعي"، بكون جنس الفرد يحدد من حيث سلوكه ونشاطه وميوله الجنسية، لا من حيث تركيبه البيولوجي كذكر أو أنثى، وبناء عليه فإن المجتمع يجب أن يعامله بناء على سلوكه.

أي أن المرأة وفق الاتفاقية ليست الأنثى بما تحمله من خصائص بيولوجية وفسيولوجية، بل يمكن أن تكون الرجل الذي يتصرف كأنثى ويرغب بأن يتم معاملته من قبل المجتمع كأنثى.

أما المادة الرابعة فتحظر التمييز القائم على الميول الجنسية أو الهوية الجنسانية، وتلحق العقاب بمن يمارس أي تمييز على المتحولين جنسيا، بما في ذلك العنف النفسي.

وتؤكد أنقرة أن لديها قوانين محلية تحظر كافة أشكال العنف ضد المرأة، وتفرض عقوبات على من يمارس أي انتهاكات ضدها، والعنف الذي يمارسه البعض ضد المرأة لا يعود لنقص أو لضعف في القوانين، بل لعدم الالتزام بالقوانين من قبلهم.

وكان المتحدث الرسمي باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا عمر جليك، قد صرح بأن تركيا قامت بخطوات ثورية تهدف حماية المرأة والحفاظ عليها، وتمنع إهانتها.

وبموجب الاتفاقية، فإنه يجب أن تشمل المناهج التعليمية دروسا حول النوع الاجتماعي تفرض على الطلاب، حيث تقول إحدى مواد الاتفاقية "يجب على الدولة المساهمة في القضاء على الصور النمطية الجنسانية، بما في ذلك من خلال المواد التعليمية".

الأمر أشار إليه أيضا وزير العدل البولندي بينغنيو زيوبرو الذي قال إن الوثيقة المعروفة بـ"اتفاقية إسطنبول" لها أضرار، لأنها تفرض على المدارس تعليم الأطفال دروسا حول النوع الاجتماعي.

أيديولوجية مدمرة

تركيا لم تكن أول دولة تنسحب من الاتفاقية، بل سبقتها بولندا في يوليو/تموز 2020، حينما أعلن وزير العدل البولندي زبينغيو زبوبرو أن بلاده ستنسحب من اتفاقية إسطنبول الأوروبية.

ونقلت "بي بي سي" البريطانية أن زيوبرو صرح أن سبب الانسحاب كان الأضرار التي تضمنتها الاتفاقية والتي تفرض تعليم طلاب المدارس النوع الاجتماعي، وتنتهك حقوق الوالدين، وتحتوي على عناصر ذات طبيعة أيديولوجية، حد قوله.

وأضاف وزير العدل البولندي أن الانسحاب من الاتفاقية التي صادقت عليها وارسو في 2015، يهدف إلى تعزيز القيم الأسرية التقليدية، مؤكدا أن القوانين البولندية وفرت حماية كاملة للنساء في بولندا.

وردا على المتظاهرين الذين اعترضوا على الانسحاب من الاتفاقية وقالوا إن الانسحاب يشرع العنف ضد النساء، قال رئيس الوزراء البولندي أندريه دودا إن الترويج لحقوق مجتمع "الميم (الشواذ)"، يعد أيديولوجية مدمرة أكثر من الشيوعية ذاتها.

ويقصد بأن الاتفاقية تنتهك حقوق الوالدين، أن الوالدين ليس لهما حق في الاعتراض على سلوك ابنهما الشاذ، وفي حال تعرض الابن لأي اعتراض من قبل الوالدين فإنهما يكونان مستحقين للعقاب بحجة العنف النفسي ضد الولد الذي اختار أن يكون أنثى.

انتقادات حادة

تعرضت تركيا للانتقاد من قبل المجتمع الغربي، إثر قرار انسحابها من الاتفاقية، رغم تأكيد أنقرة بأن لديها قوانين تحمي المرأة وتحترمها، وأن انسحابها كان من أجل الحفاظ على المجتمع التركي من التفكك.

الرئيس الأميركي جو بايدن اعتبر  انسحاب تركيا من الاتفاقية "مخيب للآمال". وأشار في بيان إلى تزايد الجرائم وأحداث العنف ضد المرأة في الكثير من دول العالم، بما فيها "تركيا التي تعد أول دولة موقعة على الاتفاقية".

وقال بايدن إن قرار انسحاب تركيا من "اتفاقية إسطنبول" بشكل مفاجئ وبدون سبب "خيبة أمل عميقة"، مبينا بأن هذه الخطوة "عودة للوراء بالنسبة للحركة الدولية لإنهاء العنف ضد المرأة على مستوى العالم".

ونقل موقع "دوتش فيله" على شبكة الإنترنت عن المتحدثة باسم الخارجية الألمانية أن "انسحاب تركيا من اتفاق إسطنبول، الموقعة في عام 2011 والتي تهدف لحماية المرأة من العنف الأسري، يبعث بإشارة خاطئة لأوروبا وللمرأة التركية، وأنه لا يمكن للتقاليد الثقافية ولا الدينية ولا غيرها من الأعراف أن تكون عذرا لتجاهل العنف ضد المرأة".

من جانبها، قالت وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية إنها تأسف بشدة لقرار تركيا الانسحاب المعاهدة مشيرة إلى أن الإجراء تراجع جديد فيما يخص احترام حقوق الإنسان، وذكرت الوزارة الفرنسية في بيان أن "القرار سيؤثر في الأساس على المرأة التركية التي تعبر فرنسا عن كامل تضامنها معها".

"قيم هوليوود"

كانت روسيا قد رفضت التوقيع على الاتفاقية، بالرغم من دعوتها إليها، بحجة أنها تتعارض مع القيم الوطنية الروسية.

تجدر الإشارة إلى أن موسكو تتخذ موقفا حادا من الشذوذ، حيث ترفضه معظم المجتمعات الروسية، ووفق استطلاع أجري عام 2013، فقد أظهر 74 بالمئة رفضهم له.

علاوة على ذلك فإن مجلس النواب الروسي الدوما يحظر الدعاية للشذوذ الجنسي، وبالإضافة إلى القيود القانونية، فهناك قيود دينية على الشذوذ.

ومنذ توليه منصب الرئاسة عام 2000، يؤكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تمسكه بالقيم والتقاليد الروسية، ويؤكد مواجهته لما سماها الوثنية الغربية الجديدة.

وفي إحدى خطاباته قال بوتين: "نحن نرى كيف أن عددا من دول (اليورو ـ أطلسي)، سارت على طريق التخلي عن جذورها، بما في ذلك القيم المسيحية، التي تشكل أساس الحضارة الغربية.

مضيفا: "فهي تتنكر للمبادئ الأخلاقية، وأي هوية تقليدية: قومية، ثقافية، دينية، بل وجنسية، وتنتهج سياسة تضع على مستوى واحد العائلة المتعددة الأطفال وشراكة الشذوذ، الإيمان بالله والإيمان بالشيطان" محذرا من أن ذلك هو طريق يقود بشكل مباشر إلى الانحلال.
 

وحذر البابا الراحل يوحنا بولس الثاني مما سماه الخضوع للغرب في ثقافة الموت، والتي قصد بها الجرائم المنافية للأخلاق، والثورة الجنسية، وتفشي الطلاق، والفن الإباحي، واللوط، وحركات تحرير المرأة، وزواج الشواذ، والقتل الرحيم، والانتحار بمساعدة الآخرين، والاستعاضة عن القيم المسيحية بقيم هوليوود.

من جانبها، رفضت أذربيجان التوقيع على الاتفاقية وقالت إنها تتعارض مع النموذج التقليدي للعائلة الأذرية، بالإضافة إلى أنها تجعل التقاليد والقيم الأذرية على المحك.

وأضافت أن كلمة "جنس"، وفق الاتفافية، لا يمكن أن تحل محل المصطلحين "رجل" و"امرأة"، وأن الاتفاقية تقدم مفهوم "الجنس الثالث"، وتجعل الشاذين أقلية وتمنحهم حقوقا، وهي بالإضافة إلى ذلك تلزم الدولة بالموافقة على زواجهم، وتلزم الدولة بمحاربة القوالب النمطية القائمة على النوع الاجتماعي.