اختطفتهم إسرائيل.. هذا ما حدث لآلاف الأطفال اليمنيين قبل 70 سنة
تحدثت صحف إسرائيلية عن قرار حكومة بنيامين نتنياهو دفع تعويضات مالية لأسر أطفال اليمن الذين اختطفوا في السنوات الأولى لقيام "دولة إسرائيل".
وفي 22 فبراير/شباط 2021، صادقت الحكومة الإسرائيلية، على خطة تسوية تقضي بالاعتراف الرسمي بقضية اختطاف الأطفال اليمنيين "الممنهجة" والتي تعرف بـ"قضية أطفال اليمن"، ودفع تعويضات مالية لأسرهم.
وتنص خطة التسوية، التي تبلغ قيمتها 162 مليون شيكل (حوالي 50 مليون دولار)، على دفع تعويضات لأكثر من ألف أسرة تعرض أطفالها للاختطاف بعد وصولها إلى إسرائيل في خمسينيات القرن الماضي، وفقا لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
وكان الاعتراف الرسمي بقضية "أطفال اليمن" مطلبا للناشطين الحقوقيين وأسر الأطفال المختفين في إسرائيل منذ سنين.
ويقدر ناشطون وعائلات فقدت أطفالها أن آلافا من الأطفال الرضع أُخذوا خلال السنوات التي تلت قيام إسرائيل عام 1948، من عائلات من يهود اليمن خاصة، بالإضافة إلى عائلات اليهود القادمين من دول عربية أخرى ودول البلقان.
ويقول الناشطون إن الأطفال سرقوا ومنحوا لعائلات يهودية من أصول غربية في إسرائيل والخارج، خصوصا لأزواج لم يكن بإمكانهم الإنجاب.
وبحسب الروايات، فإن العاملين في المستشفى كانوا يبلغون أحيانا العائلة أن الرضيع قد مات، ولكنهم لا يقومون بتسليم أي جثمان لدفنه، وفقا لوكالة "فرانس برس".
ارتكبت أخطاء
وأشار موقع جلوبس العبري إلى أن هذا القرار مهم للغاية، لأن أساس دفع التعويضات يأتي بناء على تقارير لجان التحقيق التي تناولت الموضوع المؤلم، الذي تم نشره مفصلا عام 2001.
لذلك قررت الحكومة الإسرائيلية إعادة تأكيد استنتاجات لجنة التحقيق الحكومية، مما يعني أنه لم يتم العثور على طفل يمني واحد مختطف، بحسب قوله.
وتابع الموقع أنه تبين أن ادعاءات أخرى مثل استخدام الأطفال في التجارب الطبية، وبيعهم للتبني أو التهريب إلى الخارج، هي مزاعم كاذبة، حيث تم "إنهاء المؤامرة" التي حاولت عدة جهات أن تنسبها لإسرائيل، وفق وصفه.
وعلاوة على ذلك، فإن دفع التعويض يتعلق فقط بالقضايا التي حقّقت فيها لجنة التحقيق الحكومية حيث فحصت اللجنة (مع لجنتين سابقتين) 1033 حالة، وكان الاستنتاج بالنسبة للغالبية العظمى منهم أن الأطفال ماتوا في طريق هجرتهم إلى إسرائيل أو بالقرب منها أو في السنوات الأولى من إقامتهم فيها وكان قد وُلد بعضهم فيها.
ولفت الموقع إلى أن هذا يعني أنه لا يوجد أساس للادعاءات التي تزعم أنه تم الحديث عن أكثر من 4500 طفل، كما ادعى الحاخام "عوزي مشولام" في ذلك الوقت بناء على "اكتشاف" مساعده المقرّب "ناتان شيبريس".
وتنفي جهات في إسرائيل أن تكون تل أبيب قد ارتكبت أخطاء أثناء استيعاب الهجرة الكبرى في السنوات الأولى لقيامها بشكل عام، وتجاه المهاجرين اليمنيين بشكل خاص.
وعلى الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية أقرت الاعتراف بقضية "أطفال اليمن" وبصرف تعويضات لأسر الأطفال، فإنها لن تقدم اعتذارا رسميا، وفقا لـ"تايمز أوف إسرائيل".
وبموجب شروط الخطة، ستتلقى العائلات 150 ألف شيكل (46 ألف دولار) عن كل طفل تم الإبلاغ عن وفاته في خمسينات القرن الماضي. بينما سيتم دفع مبلغ 200 ألف شيكل (61 ألف دولار) عن كل طفل لا يزال مصيره مجهولا.
وكان موقف جهات استيعاب المهاجرين واللجان التي تستقبلهم من اليمن متعجرفا، وكانت هناك رغبة في نقلهم إلى عملية التحديث والتنوّر الاجتماعي ودمجهم بالمجتمع الإسرائيلي وخاصة الأوروبي لكي يكونوا بنفس القدر من التعليم والثقافة، لمنحهم ما يسمى بالقيم المتقدمة للمجتمع الأوروبي في إسرائيل.
وأشار "دوف ليفيتان" رئيس قسم متعدد التخصصات في الكلية الأكاديمية "أشكلون" والمتخصص في قضايا الأطفال اليمنيين، إلى أن تلك الفوضى التي سادت فترة استيعاب المهاجرين وعدم التعامل بإنسانية مع الأهالي والحالة الطبية الصعبة للأطفال أدت إلى ارتفاع حالات الوفاة بشكل كبير.
وفي تلك الفترة تم دفن الأطفال دون إبلاغ الأهالي كما جرى ارتكاب أخطاء في وقت لاحق، مثل إرسال أوامر تجنيد لأطفال ماتوا بالفعل، وفق ما نقلت عنه صحيفة جلوبس.
إقرار وتفاخر
ومع ذلك، أقرت الحكومة الإسرائيلية بالأخطاء التي ارتكبت وشكّلت ثلاث لجان تحقيق، وهي على استعداد اليوم لدفع تعويضات للعائلات التي لا تعرف مكان دفن أطفالها.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه سابقة مهمة، لأنها تفتح الباب أيضا أمام مطالبات التعويض من مجموعات سكانية أخرى في إسرائيل، بما في ذلك الناجون من الهولوكوست، وكذلك لعائلات قتلى الجيش الإسرائيلي الذين لم يُعرف مكان دفنهم، بمن فيهم 95 شخص قتلوا خلال حرب عام 1948.
وعلى صلة، أشارت صحيفة هآرتس العبرية إلى أن قضية اختفاء الأطفال اليمنيين شغلت المجتمع الإسرائيلي لعقود من الزمن، لكن لم يتم التحقيق فيها بنظرة طبية.
ولفتت إلى أن أرشيفات الدولة والجيش الإسرائيلي تقدم صورة مأساوية ومختلفة إلى حد ما فيما يتعلق بمصير الهجرة الكبيرة من اليمن وكيف تم رسمها.
ولفتت هآرتس إلى أنه مع إقامة الدولة، تفاخر المجتمع العبري في إسرائيل بأن لديه أدنى معدل لوفيات الأطفال في العالم والتي بلغت قرابة 3 بالمئة، وهو أقل بكثير من المعدل في المملكة المتحدة (5.4بالمئة) التي حكمت فلسطين (فترة الانتداب)، ومثلها أيضا الولايات المتحدة (2.9 بالمئة).
وتقول الصحيفة: "كان هذا إنجاز فريد من نوعه خاصة في ظل الأمراض المعدية التي انتشرت في المنطقة". كما تفاخر المجتمع الصهيوني بالقضاء على الملاريا والحصول الكامل للكهرباء والمياه الصحية، ومد خطوط الصرف الصحي لجميع مناطقها المحلية، والخدمات الصحية الفعّالة المتاحة للعاملين.
وأشار الخبير في الطب الباطني البروفيسور "يحيئيل م. بار إيلان" إلى أن وفيات الأطفال في المجتمع الفلسطيني في تلك الأيام كانت أعلى بثلاث مرات ولم يكن لدى الفلسطينيين خدمات صحية منظمة، وعانوا من عدم توفر التكنولوجيا وغياب البيروقراطية ليتسنى لهم القدرة على تأسيس وتقديم الخدمات على المستوى الوطني.
وهذا هو التفسير الرئيس لنجاح الجالية اليهودية في حرب 1948 التي كانت تبدو صغيرة وضعيفة، بحسب تعبيره.
ولفت إلى أن الأمراض التي تفشت في المخيّمات أثرت على المهاجرين اليمنيين أكثر من غيرهم حيث كان معدل وفيات الأطفال بينهم كبير جدا ووصل إلى 60 بالمئة.
ونصح مستشار خارجي في الهيئة الطبية بإجلاء جميع الأطفال ونقلهم إلى مباني بها مياه جارية، لكن وزارة الصحة رفضت ما أدى إلى هذا العدد الهائل من الوفيات، وفق ما قال.
وخلص البروفيسور إلى القول أن ما أسماه "الانتصار في الحرب" أدى إلى مقتل حوالي 6000 جندي ومدني إسرائيلي ولكن تم التغلب على الأوبئة وأقيمت النصب التذكارية للمحاربين.