استقالة الرجل الثاني بـ"المصباح".. دلالاتها على مستقبل الحزب الأول بالمغرب
حالة من الغليان الداخلي، يعيشها حزب "العدالة والتنمية"، الذي يقود الائتلاف الحكومي في المغرب، لم تتوقف منذ وقّع أمينه العام سعد الدين العثماني اتفاق التطبيع مع الوفد الإسرائيلي، الذي زار قصر الرباط في 22 ديسمبر/ كانون الأول 2020.
في 26 فبراير/شباط 2021، قدم رئيس المجلس الوطني (البرلمان) للحزب، إدريس الأزمي الإدريسي، استقالته من المجلس والأمانة العامة للحزب، في رسالة يشوبها الكثير من الغموض، لكنها أوضحت أن "المصباح" يعيش أزمة داخلية غير مسبوقة، بدأت رائحتها تفوح إلى الخارج.
الرجل الثاني
الأزمي وجه رسالة إلى أعضاء المجلس، قائلا: "قررت أن أقدم هذه الاستقالة لأنني وللأسف لم أعد أتحمل ولا أستوعب ولا أستطيع أن أفسر أو أستسيغ ما يجري داخل الحزب ولا أقدر أن أغيره، وعليه لا يمكنني أن أسايره من هذا الموقع أو أكون شاهدا عليه".
وأضاف في خطاب الاستقالة التي وٌصفت بالغامضة: "مهما كان حمل هذا القرار صعبا ووقعه وأثره، فلن يعادله في ذلك حجم الحيرة والتساؤلات التي تثار كل مرة وتبقى بدون جواب وبدون عبرة حول مدى ملائمة مواقف الحزب مع مبادئه المعلنة والمعروفة وأوراقه المرجعية وأنظمته الأساسية وبرامجه الانتخابية".
وزاد مبينا "لكل هذا نفد صبري ولم أعد أتحمل أكثر وأنا أترقب ما هو آت، لا سيما ونحن نسمع هل من مزيد؟ ولاسيما ومؤسسة المجلس الوطني ومكانته وبياناته ومواقفه أصبحت تستغل كمنصة للتهدئة وامتصاص الغضب عوض التقرير والاسترشاد والاتباع والتنزيل باعتباره أعلى هيئة تقريرية في الحزب بعد المؤتمر الوطني".
وأكد الأزمي أنه "لم يعد من الممكن أن تستمر الأمور بهذه الطريقة وكأن شيئا لم يكن وكأن الأمور على ما يرام، لا سيما ونحن نتابع حجم الحيرة والتساؤلات التي تثار بالنظر لما مثله ويمثله الحزب من أمل كبير وما راكمه من نضالات كبيرة ومواقف مشرفة وتضحيات جسيمة لمناضليه ومناضلاته"، وفق الرسالة.
استقالة الأزمي جاءت بعد ساعات من استقالة وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان مصطفى الرميد، من الحكومة المغربية، لكن الأخير تراجع عن الاستقالة "طاعة" للملك محمد السادس، وفق بيانه على فيسبوك.
استقالة "ملساء"
توقيع العثماني اتفاق التطبيع أثار أزمة داخلية لدى الحزب ذي المرجعية الإسلامية، وفتح الباب أمام "مدفع" انتقادات الأعضاء وبعض قادته، ما أثار تضاربا في المواقف بين رافض وموافق ومبرر ومتحفظ.
واجه حزب (المصباح) انتقادات حادة، لكون أدبياته تقوم على رفض أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل، بل حتى خصوم العدالة والتنمية وجدوها فرصة للعب على الحبلين، الأول أنه "خان مبادئه" في الدفاع عن القضية الفلسطينية، والثاني محاولة استقطابهم لأعضائه المستقيلين رغم قلة عددهم.
ذهب بعض المراقبين إلى الربط بين استقالة الأزمي وبين مصادقة المغرب على قبول استخدام نبتة القنب الهندي (نوع من المخدرات) في المجال الطبي، خلال اجتماع لجنة المخدرات التابعة للأمم المتحدة، وتوقيع حكومة العثماني في 25 فبراير/شباط 2021، على مشروع قانون الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي.
الصحفي المغربي مصطفى الفن، وجد أن "من غير المفهوم على الإطلاق، استقالة الأزمي فقط من المسؤوليات التنظيمية في الحزب كالأمانة العامة ورئاسة المجلس الوطني، في حين أنه لم يقدم استقالته من عمودية مدينة فاس أو البرلمان".
وفي تدوينة عبر صفحته على "فيسبوك"، وصف الصحفي المقرب من صقور المصباح، الاستقالة بأنها "ملساء"، وزاد الفن "الواقع أن استقالة الأزمي هي ليست عملا بطوليا بل عمل غير مسؤول، لأن الأمر يتعلق بالرجل الثاني في حزب يقود الحكومة منذ 10 سنوات".
كان من الأجدر، وفق الفن، أن يجمع الأزمي بأعضاء المجلس الوطني في دورة استثنائية ليقنعهم باستقالة جماعية من الحزب أو بالخروج إلى المعارضة مثلا، قبل أن يزيد: "أكيد لو فعل، لحظي باحترام الجميع لكن أن يفاجئ حزبه ومؤسسات بلده بهذه الاستقالة الغامضة في هذا الظرف الحرج فهو لعب".
حسن حمورو، المناضل البارز في صفوف شبيبة الحزب، قال إن "وقْع استقالة الأزمي، أكبر من وقْع استقالة وزير الدولة مصطفى الرميد من الحكومة"، موضحا أن في هذه المرحلة "الحزب أولى وأبقى، وعلى مناضليه تقويته وتحصينه ليكون عنصرا نافعا في استقرار الوطن وتنميته وتقدمه".
نكران الأزمة
العضو في الحزب، والمحلل السياسي، بلال التليدي، قال: أعتقد بأن إدريس الأزمي أخذ قرارا بالاستقالة وتحمل المسؤولية في الإعلان عن الأسباب التي جعلته يستقيل من المهام التنظيمية، رئاسته للمجلس الوطني وعضويته في الأمانة العامة، أي أنه أخرج نفسه من وظيفتين قياديتين، الأولى تنفيذية والثانية تشريعية.
وأضاف التليدي، لـ"الاستقلال": "الأزمي اعتبر بأن سبب الاستقالة هو خلاف سياسي أو تقييم سياسي لتدبير القيادة وكونها تسير في اتجاه تحريفي يبتعد عن الثوابت المرجعية والتطلعات الديمقراطية، سواء على مستوى ما يطلبه الحزب من وضع ديمقراطي في البلاد، أو ما يتطلبه تدبير الخلافات الداخلية من إعمال المنهجية التشاورية والمنهجية الديمقراطية داخليا".
وعزا المحلل السياسي الاستقالة إلى 3 أسباب أساسية تفسرها، أولها هو تقييم سلبي لأداء القيادة السياسي، والذي عبّر عنه بكونه حلقة أو سلسلة من الحلقات التراجعية على مستوى هوّياتي مرجعي ومستوى ديمقراطي وآخر تدبيري داخلي، بمعنى المنهجية التي تتخذها القيادة في اتخاذ القرارات، والتي تطرح إشكالات كثيرة مرتبطة باستقلالية القرار الحزبي للمصباح، وبخطه الإصلاحي.
لم ينف التليدي أن تكون الاستقالة قد جاءت في وقت جد حساس لتعبّر عن وجود أزمة عميقة يعيشها حزب العدالة والتنمية والتي لحد الآن لم تجد طريقها للحل أو على الأقل لم تجد الاعتراف من قبل القيادة التي لا تزال مستمرة في الحديث عن وجود صعوبات ومشاكل وليس أزمة.
"هذه الاستقالة، إذا أردنا أن نقرأ آثارها المستقبلية، ستزيد من تعميق الخلاف بين وجهتي نظر داخل الحزب، واحدة ترى بأن هذا الخط الإصلاحي الذي تقوم به القيادة الحالية هو خط لا يختلف عن الخط السابق الذي تبناه الأستاذ عبدالإله بنكيران، وأخرى ترى بأن الحزب فقد البوصلة بشكل كامل وبدأ يبتعد ويأخذ المسافة عن ثوابته المرجعية"، وفق التليدي.
وشدد المتحدث، على أن الاستقالة ستزيد من تعميق المشكلة، لأن الخلاف في مراحله الأولى، إذ كان منحسرا في ما قبل ما بين قواعد، أما اليوم فالتعبيرات أصبحت أكثر عمقا لأنها صدرت من القيادة، وبالتالي فالخلاف اليوم لم يعد متجسدا بين قواعد تنتصر لوجهة النظر هذه وأخرى تنتصر لتلك، لكن الأمر يرتبط بخلاف و"شرخ" قيادي تعبر عنه هذه الاستقالة بشكل كبير.
وعن أثرها على الانتخابات المقبلة، فقال التليدي: "أعتقد أن كل إضعاف للتماسك الداخلي، وكل مؤشر يدل على ترنح واهتراء الجبهة الداخلية، فهو سيمس لا محالة بالجاهزية السياسية والانتخابية والتدبيرية، مفيدا بأنه ليس من الواضح لحد الآن كيف ستتعامل القيادة مع هذه الاستقالة".
واستطرد: "لكن سلوكها السابق يدل أنها لن تفعل الشيء الكثير، وإنما ستتعامل معها كأنها عارض سيتم تدبيره بما تبقى من هذا الوقت للإبقاء على مؤسسة المجلس الوطني برئاسة نائب رئيسه، ومحاولة كسب المزيد من الوقت من أجل الاندماج في نقاش القوانين الانتخابية، وتعطيل النظر في هذه القضية إلى حين".