تحذيرات من مجاعة.. كيف ضاعف الأسد معاناة السوريين في مناطق سيطرته؟

مصعب المجبل | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في دمشق، يحتاج سامر، وهو عامل في سوق الخضار الرئيسي، إلى 4 آلاف ليرة يوميا (دولار ونصف أميركي) ليسد رمق عائلته المكونة من أربعة أفراد.

سامر هو واحد من كثيرين يخشون حدوث مجاعة، ليس في مناطق النازحين الذين استهدفوا بالصواريخ والقنابل على مدار الـ10 سنوات الماضية، بل في أماكن سيطرة النظام السوري نفسه.

فبعد أن طبقت واشنطن عقوبات قيصر، 17 يونيو/حزيران 2020، بدأت مناطق النظام بمواجهة أوضاع معيشية صعبة، تمثلت بارتفاع جنوني للأسعار، ونقصها بسبب تأثر حركة التجارة. 

ليس غريباً أن تعلو الأصوات المحذرة من حدوث مجاعة في سوريا، وخاصة في مناطق نفوذ النظام السوري، التي باتت الحالة المعيشية فيها على حافة الانفجار، كون الأزمة الاقتصادية وصلت إلى جيوب السوريين، ولقمة عيشهم. 

صراع يومي

وقال مدير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة دافيد بياسلي، في تصريحات لـ"بي بي سي عربي"، في 29 يونيو/ حزيران 2020، "إن نصف السوريين تقريباً ينامون وهم جوعى بينما يهدد شبح المجاعة نحو مليون شخص". 

كما لم يعد الراتب الشهري للموظف والعامل، يكفي المستحقات الشهرية المطلوبة للعائلة إلا بضعة أيام، في ظل انهيار متواصل لليرة السورية.

وأمام ربط النظام السوري تحسين الواقع المعيشي للمواطنين، برفع العقوبات الاقتصادية الغربية عنه، تصاعدت هواجس عام 2021، المعيشية، لدى العوائل السورية، التي باتت أغلبيتها العظمى تعيش تحت خط الفقر. 

وكانت ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا أكجمال ماجتيموفا قالت في 26 يونيو/حزيران 2020، إنه "بعد تسع سنوات من الصراع المسلح، يعيش أكثر من 90 بالمئة من سكان سوريا تحت خط الفقر الذي يبلغ دولارين في اليوم"، وفق ما نقلت وكالة رويترز.

ويرى مراقبون أن النظام يتنفس جيداً على الرغم من وعود قانون قيصر، بخنقه وحلفائه عبر فرض نمط جديد يحكم الحصار المالي والاقتصادي عليه، بغية إجباره على القبول بالحل السياسي على أساس قرار مجلس الأمن 2254.

حالة السخط من الواقع المعيشي للسكان في مناطق نفوذ النظام السوري، جراء النقص الحاد في المحروقات، ورفع أسعار الخبز مع تقلّص مخزون القمح، وانخفاض القدرة الشرائية، تتداخل مع تأثيرات جائحة كورونا التي أدت لزيادة البطالة، وحرمان عوائل كثيرة من المساعدات الأممية.

وأثرت جائحة كورونا على تحصيل المواطن السوري للقمة عيشه، بسبب إجراءات الإغلاق التي أعلنها النظام على الأسواق المحلية، وتراجع حركة التجارة الخارجية عبر الدول المحيطة كالأردن ولبنان والعراق.

شارع الملك العادل اليوم 12ظهرا هدول الطفلين لا عم يلموا بلاستيك ولا تنك ! ( ببساطة وجدوا كيس خبز صمون وصاروا ياكلوا منه ) الجوع كافر

Posted by دليلك في دمشق on Saturday, November 7, 2020

وحتى تاريخ 26 يناير/كانون الثاني 2021، سجلت وزارة الصحة في حكومة النظام السوري، في عموم المحافظات السورية، 895 حالة وفاة بفيروس كورونا، بينما وصلت حالات الشفاء إلى 7185، فيما بلغ عدد الإصابات 13762 حالة.

وأعلن مدير الجاهزية والإسعاف في وزارة الصحة التابعة للنظام السوري الدكتور توفيق حسابا، في 25 يناير/كانون الثاني 2021، أن الدفعة الأولى من اللقاحات الخاصة بكورونا من المتوقع أن تصل في إبريل/نيسان 2021، مشيراً إلى أن "اللقاحات ستكفي 600 ألف مواطن، وأنها ستكون مجانية واختيارية".

وجاء ذلك بعد أن أصدرت منظمة الصحة العالمية، بتاريخ 23 يناير/كانون الثاني 2021، طلباً طارئاً بمبلغ وقدره 266 مليون دولار أميركي، لبرنامج الطوارئ الخاص بسوريا بأكملها، مبينة في تغريدة على حسابها في تويتر، أن المبلغ بكامله يأتي استجابةً لمواجهة فيروس كورونا، وتلبية للاحتياجات الصحية للفئات الأكثر ضعفاً.

 اقتصاد الظل

وحدّد خبراء اقتصاديون أبرز مخاوف الأهالي المعيشية المتوقعة عام 2021 في مناطق نفوذ النظام السوري.

ولخّص المحلل والباحث الاقتصادي السوري يونس الكريم ذلك بقوله "إنّ أولى هذه المخاوف هي انفلات الأمن الاقتصادي، فأسعار السلع الغذائية متباينة، وثانيها فرض أتاوات على السلع من قبل رجالات النظام، وثالثها مواصلة تدخل مليشيات النظام والمليشيات الإيرانية بموضوع الاقتصاد العام.

كما أن مؤسسات الدولة تتجه نحو الفساد عن طريق كبار الموظفين، وهذا ما بات يسمى باقتصاد الظل الذي بدأت تسيطر عليه الدولة، وفق ما قال الكريم في تصريح لـ"الاستقلال".

وآخر زيادة أعلنها النظام السوري على رواتب الموظفين تعود لنوفمبر/ تشرين الثاني 2019، ورغم ذلك فإن هذه الزيادة لا تتناسب مع زيادة الأسعار، وسط عجز حكومي في تأمين السلع الغذائية والمواد الأساسية في الأسواق بسعر يستطيع المواطن تحمله.

وفي هذا الصدد يلفت الباحث الكريم إلى أن "ما يزداد اليوم بمناطق النظام هو معدل المواطنين الذين هم تحت خط الفقر أي تحت دخل يومي يقدر بـ دولار وربع"، مردفاً أن "هذا ما يجعل الناس تشعر بالجوع وعدم القدرة على شراء السلع الأساسية، وسداد فواتير الماء والكهرباء".

وأكد برنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة، في 6 يناير/كانون الثاني 2021، أن أسعار المواد الغذائية في سوريا زادت خلال عام 2020 بنسبة 247 بالمئة. تزامن ذلك مع وصول الليرة السورية لحدود 3000 مقابل الدولار الأميركي الواحد، وما تزال تقف عند هذا الحاجز.

وقدّم سوريون مقيمون في العاصمة دمشق صورة بانورامية، للواقع المعيشي هناك، إذ لخص الحال سامر وهو عامل، لصحيفة الاستقلال بقوله: "اليوم أيّ عائلة بدمشق تمتلك منزلاً يحتاج كل فرد فيها لـ 35 ألف ليرة سورية شهرياً (12 دولاراً) لتعيش معتمدة فقط على الطعام والشراب الضروريين، دون رفاهية زائدة". 

 ويضيف الشاب الثلاثيني "الأجر الوسطي للعامل العادي هو 4 آلاف ليرة في اليوم، وهذا المبلغ مقسم بين مواصلات وأكل وشرب". 

وحول صراع المواطن السوري مع لقمة العيش بشكل يومي، يقول عبد اللطيف، وهو موظف حكومي لـ"الاستقلال" إن: "راتبي 50 ألف ليرة سورية (17 دولارا)، مُقسم لشراء السلع الضرورية جداً، يعني هناك سلع لا يمكنني شراؤها لعائلتي كل شهر مثل طبق البيض الذي يبلغ سعره (4500 ليرة – دولار ونصف)".

ونوه بأنه "بحاجة لـ 4 آلاف ليرة (دولار ونصف أميركي) كل يوم لتأمين الخبز وبعض الخضار، في وقت يعمل فيه أبناؤه وهم طلاب جامعة لمساندته في تأمين مستلزمات البيت ومصاريف دراستهم".

ويرى عبد اللطيف خلال حديثه أن "العائلة التي تسكن في دمشق تحتاج إلى 300 ألف ليرة (مئة دولار)، دون دفع إيجار منزل، لتأمين مستلزمات البيت شهرياً دون شراء أي كماليات، مع إجراء بعض التقشفات لدفع فواتير الماء والكهرباء والمواصلات، خاصة أنّ ارتفاع الدولار جعل من السلع الغذائية بورصة ترتفع حسب تقلبات السوق"، وفق تعبيره.

الجوع لأيام

وكشف استطلاع حديث اعتماد الأسر السورية على الحوالات المالية في مناطق النظام السوري، نشره موقع الاقتصادي المحلي، في 21 يناير/كانون الثاني 2021.

وبين أن 67,6 بالمئة من العائلات تعتمد في تأمين معيشتها على الحوالات المالية الخارجية، فيما يعتمد 5 بالمئة على المساعدات الإنسانية، و27.4 بالمئة لديها عمل إضافي يعيلها. وأضاف الاستطلاع أن المبالغ المحولة من الخارج لكل عائلة تتراوح بين 200 ألف ( 68 دولاراً) و500  ألف ليرة سورية (170 دولاراً). 

وبغصّة وتنهد يقول المواطن الخمسيني أبو خالد، وهو نازح مع أسرته من الرقة إلى دمشق: "أنا أقول ومن معاينة بأم عيني إنّ هناك عوائل تنام دون طعام في أحياء دمشق".

 وأوضح لـ"الاستقلال" أنه يعتمد في تأمين لقمة عيشه على حوالة مالية تأتيه من ابنه الذي يعمل في الخارج، مستدركاً القول "في حال توقفت تلك الحوالة فمصيرنا مصير تلك العوائل وهو الجوع لأيام.. وبالمناسبة أغلب العوائل معلّق مصيرها بالحوالات المالية الخارجية من أقاربها وأولادها".

وأمام هذه النتائج المأساوية للأعباء الاقتصادية التي أثقلت كاهل المواطن السوري، وما تزال تتفاقم في بلد احتلّ المرتبة 178 عالمياً ضمن قائمة أسوأ الدول في الفساد، يعتقد الصحفي الاقتصادي السوري مرشد النايف، أن "السوريين في مناطق سيطرة النظام سيبقون تحت تأثير ضغوطات مركزة على حالتهم المعيشية".

بمعنى أن المد التضخمي، وارتفاع مستوى الأسعار سيبقى عند مستوى مرتفع جداً، وغير مسبوق على الإطلاق، وفق ما قال النايف لـ"الاستقلال".

وضمن الهزات المعيشية التي تضرب السوريين في مناطق نفوذ النظام السوري على حين غرة، أعلن مصرف سوريا المركزي، بتاريخ 24 يناير/كانون الثاني 2021، طرح ورقة نقدية جديدة من فئة خمسة آلاف ليرة سورية، في ظل تراجع سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية وخاصة الدولار. 

وبرّر المصرف ذلك بأن مناسبة طرحها جاء لـ"تلبية توقعات احتياجات التداول الفعلية من الأوراق النقدية، وبما يضمن تسهيل في المعاملات النقدية وتخفيض تكاليفها ومساهمتها بمواجهة آثار التضخم التي حدثت خلال السنوات الماضية". 

وفي هذا السياق، ينظر النايف لطباعة النظام السوري عملة ورقية جديدة، على أنها "إشارة للاتجاه التصاعدي للأسعار، ولن يكون بمقدور السوريين هناك التحرر منها، وخاصة أن النظام أثبت خلال الفترة الماضية عجزه المطلق عن إحداث أي تغييرات حقيقية على المستوى المعيشي للسوريين". 

وأشار إلى أن النظام السوري: "ينتقل من اختناق في المشتقات النفطية إلى اختناق في إمدادات الكهرباء، وبالتالي في ظل هذه الاختناقات فإنه لا يمتلك أي إمكانية لتشكيل رافعة تنهض بالاقتصاد السوري، أو بأجزاء يسيرة بحيث تعود لتدور عجلة الاقتصاد في حدها الأدنى".