"موت ودمار".. صحيفة إسبانية تكشف ذعر إسرائيل من فيلم وثائقي فلسطيني

12

طباعة

مشاركة

عاد الفيلم الوثائقي "جنين ـ جنين" إلى الصفحات الأولى للصحافة العبرية والعربية، بعد أن قضت محكمة إسرائيلية على مخرجه محمد بكري، بدفع غرامة مالية، وأمر بسحب جميع النسخ الموجودة في الأراضي المحتلة.

وقالت صحيفة "بوبليكو" الإسبانية: "في واقع الأمر، يروي الفيلم الوثائقي الدمار والموت الذي تسبب فيه الجيش الإسرائيلي خلال عملية مطولة من أحداث الانتفاضة الثانية". 

وأوضحت أن قاضية المحكمة الإسرائيلية في مدينة اللد، منعت هذا الأسبوع بث "جنين ـ جنين"، وأمرت بمصادرة جميع نسخ الفيلم بالإضافة إلى ذلك، فرضت غرامة مالية باهظة على المخرج (من فلسطينيي 48) تقدر بحوالي 50 ألف يورو، كتعويض لجندي احتياطي بالجيش الإسرائيلي يظهر لفترة وجيزة في مشاهد الفيلم.

ونقلت الصحيفة أن تصوير الفيلم الوثائقي يعود إلى عام 2002 في تلك المدينة الواقعة شمال الضفة الغربية المحتلة، خلال الحملة التي شنها الجيش الإسرائيلي على مخيم جنين للاجئين والتي خلفت عشرات القتلى ومئات الجرحى، ودمرت مناطق واسعة من المدينة بشكل كامل؛ التي تعيّن على سكانها فيما بعد إعادة بنائها من الصفر. 

وأضافت أن حكم القاضية جاء ردا على دعوى رفعت عام 2017 طالب فيها المقدم نسيم ماغناجي بتعويض يزيد عن 600 ألف يورو، ويظهر ماغناجي في الفيلم الوثائقي لبضع ثوانٍ فقط، لكنه رفع الدعوى بعد أن رفضت محكمة أخرى دعوى قضائية أولية أكثر عمومية، بحجة أن الأشخاص الذين ظهروا في الفيلم فقط هم من يمكنهم اتهام بكري بالتشهير.

وبينت أن الفيلم الوثائقي يظهر بالكاشف أن الجنود الإسرائيليين ارتكبوا جرائم حرب خلال العملية التي شنت على مخيم جنين، فيما قضت القاضية الإسرائيلية بأن بكري تصرف دون التحقق من صحة المعلومات وقدم البيانات "دون حسن نية"؛ حتى لا يتمكن من اللجوء إلى أي قانون قادر على حمايته.

الممنوع مرغوب

ونقلت الصحيفة أن فيلم جنين ـ جنين، الذي بثّ على نطاق واسع في إسرائيل وخارجها، تمكن من العرض لأول مرة عام 2002، بعد أن ألغت المحكمة العليا أمر الرقابة العسكرية.

وفي وقت لاحق، رفع 5 من جنود الاحتياط الذين شاركوا في العملية دعوى قضائية بتهمة التشهير ضد بكري، لكن، رفض هذا الادعاء من قبل المحكمة ولاحقا من قبل المحكمة العليا نفسها.

وفي هذا السياق، قضت المحكمة العليا في حكمها بأن الفيلم الوثائقي يحتوي على "أكاذيب"، لكن، نظرا لعدم ذكر أي جندي بعينه، لا يمكن القول إن هناك جريمة تشهير قد ارتكبت ضد أي جندي في حد ذاته.

وأضافت الصحيفة أن ردود الفعل على الحكم الصادر هذا الأسبوع كانت متباينة، بحسب اختلاف أيديولوجية أصحابها، وتجدر الإشارة أيضا إلى أن بكري سيطلب أمام المحكمة العليا إعادة النظر في الحكم الصادر ضده.

ومن بين المنتقدين، نجد الصحفي جدعون ليفي، الذي كتب في صحيفة هآرتس: "إذا منع عرض فيلم جنين ـ جنين في إسرائيل، فيجب حظر جميع التقارير الإخبارية التلفزيونية، ففي واقع الأمر، يوجد في كل من هذه البرامج المزيد من الدعاية والتشهير والمبالغة والقمع النفسي والأكاذيب أكثر من تلك الموجودة في الفيلم الوثائقي الذي أنتجه بكري".

وأوضحت الصحيفة أن "الحكم الصادر مؤخرا بحق الفيلم الوثائقي كان له تأثير غير مرغوب فيه على المدعين، وعلى وجه الخصوص، منذ أن أصبح هذا الفيلم الوثائقي معروفا في الصحافة العربية والعبرية، زاد عدد الأشخاص الذين شاهدوا الفيلم الوثائقي عبر الإنترنت بشكل كبير".

في الآن ذاته، بعد ما يقارب عقدين من الزمن، أصبح "جنين ـ جنين" بمثابة "فيلم عبادة" بالنسبة للذين يتابعون المعلومات التي يصدرها الاحتلال الإسرائيلي يومياً.

مذابح كبرى

وأفادت الصحيفة بأن حقيقة انتماء القاضية إلى محكمة اللد عامل آخر أثار الجدل والتعليقات أيضا؛ حيث شهدت هذه المدينة الفلسطينية مذابح كبرى أثناء "قيام دولة إسرائيل" عام 1948.

وبحسب منتقديها، أثبتت القاضية نفسها كسلطة تعرف ما حدث وما لم يحدث خلال العملية التي شنها الجيش الإسرائيلي على جنين وما تلاه من مجزرة وتدمير كامل لمئات من منازل الفلسطينيين. 

ونوهت الصحيفة بأنه من المفارقة أن "أيا من الجنود الذين شاركوا في العملية قد تعرض للمحاسبة عن الجرائم المرتكبة".

علاوة عن ذلك، لم يتم تعويض أي من الأهالي الذين كانوا ضحية هذه العملية، في المقابل كان بكري الذي وثق ما حدث، هو الشخص الذي رفعت ضده قضية وأصدرت في حقه أحكام قضائية، وفي واقع الأمر، لم يدفع بكري ثمنا باهظا بهذه العقوبة فقط، بل تعود معاناته إلى ما يقارب عقدين من الزمن حيث تعرض للاضطهاد والملاحقة بلا هوادة.

ونقلت الصحيفة عن ليفي، بعد إعادة مشاهدة الفيلم الوثائقي، قوله متسائلا: "هل أن صور الدمار الرهيب لمخيم جنين كذبة؟ هل أن روايات قصف الجيش الإسرائيلي للمستشفى تشهير، رغم أنه جريمة حرب؟.

وأضاف: "أليست الدموع التي شاهدناها في الفيلم حقيقية؟ هل أن المعاناة الهائلة للبشر الذين كانوا لاجئين مرتين أو 3 مرات مجرد خدعة؟ هل أن مشاهد الأطفال الذين يجوبون أنقاض منازلهم من نتاج الخيال؟ هل الطبيب الذي رأى موت ابنه ممثل؟ هل كل هذا الدمار من ساحات هوليوود؟". 

وبينت الصحيفة أن الأحداث التي يشير إليها بكري تعود إلى أبريل/نيسان 2002، في خضم الانتفاضة الثانية، عندما اجتاحت فرقة كبيرة من الجنود الإسرائيليين مخيم جنين للاجئين.

وأثناء العملية، منع الجيش دخول صحفيين ونشطاء حقوقيين وبعثة تابعة للأمم المتحدة، وعُزل المخيم عن بقية العالم لعدة أيام، ما أدى إلى انتشار شائعات لا حصر لها.

من جهتها، وثقت "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدولية في وقت لاحق وجود جرائم حرب، ونجح بكري في التسلل إلى جنين بآلة التصوير ومحاورة السكان الفلسطينيين حول ما يحدث؛ وهي قصص مثلت النواة الأصلية للفيلم الوثائقي. 

وخلال هذه الأحداث، قُتل ما لا يقل عن 50 فلسطينيا و23 جنديا في المعركة، وفقا لبيانات "هيومن رايتس ووتش" والجيش الإسرائيلي نفسه. وعموما، كانت الأضرار المادية جسيمة، خاصة بسبب التدمير الكامل لمئات المنازل التابعة للفلسطينيين.