موقع إيطالي: القطيعة مع "النيوليبرالية" هي الخلاص الوحيد للبنان
قال معهد إيطالي إن لبنان خضع على مدى عقود من الزمن إلى "التجربة النيوليبرالية" التي أدت إلى عواقب كارثية أثرت بشدة على البلاد، وبجانب الأزمة الاقتصادية السابقة وعدم الاستقرار السياسي الشديد، دفعت لبنان إلى حافة الانهيار.
وأشار موقع معهد "تحليل العلاقات الدولية" إلى أن "هذه التجربة (تبني سياسة اقتصادية تقلل من دور الدولة وتزيد من دور القطاع الخاص) وجدت في لبنان منفذا أكبر لها مقارنة ببقية العالم، ويتجلى ذلك من خلال التطبيق شبه الكلي من قبل الحكومة للمناورات السياسة الاقتصادية التي يمليها هذا التيار".
كما طغت هذه التجربة الخطيرة على قطاعات بأكملها، في حين ظلت القطاعات غير المعنية، مثل الكهرباء أو التعليم دون تمويل وبالكاد تعمل.
وبالتالي، لم يتسبب فقط ظهور جائحة كورونا أو آثار الأزمة السورية وأيضا الحرب الأهلية في الأزمة اللبنانية الحالية، وإنما نتجت خاصة عن نموذج التنمية النيوليبرالي الذي طبق بعد الحرب الأهلية من قبل رئيسي الحكومة السابقين رفيق الحريري وابنه سعد، وفق الموقع الإيطالي.
وذكر الموقع أن لبنان، الذي عُرف باسم "سويسرا الشرق الأوسط" خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، انهار بين عامي 1990 و1991.
وأوضح أن "الحرب الأهلية التي استمرت 30 عاما، وتفكك الدولة وتقسيمها من أجل تلبية مصالح دول الجوار، أدت إلى صعوبات كبيرة للاقتصاد اللبناني اليوم الذي يكافح من أجل التعافي".
وقد اضطر هذا الاقتصاد إلى الاعتماد على واردات هائلة تكلف الكثير في سياق يلوح فيه خطر التضخم المفرط وتسجل فيه القوة الشرائية لليرة اللبنانية انخفاضا خطيرا، ويشكو أيضا شحا حادا في وفرة النقد الأجنبي.
في هذا السياق، قرر كل من رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري (1944-2005) وابنه سعد التركيز على قطاعين: العقارات الفاخرة والتمويل، على أمل التمكن من تمويل إعادة إعمار البلاد التي دمرتها الحرب الأهلية.
وفي عام 1991، صوّت مجلس النواب اللبناني على نقل ملكية آلاف أصحاب المشاريع الصغيرة إلى "شركة سوليدير العقارية"، المملوك لأقطاب لبنانيين، بينهم الحريري.
إستراتيجية فاشلة
ولفت الموقع الإيطالي إلى أنه من المهم في هذا الصدد التذكير بكتاب نشره المؤرخ "هانيس باومان" بعنوان "المواطن الحريري: السياسة النيوليبرالية في لبنان".
وذكر المؤلف في كتابه أن مجلس الإنماء والإعمار، الذي تم إنشاؤه في الستينيات من أجل الانتعاش الاقتصادي للبنان، ركز جهوده على التطوير العقاري وحده مما تسبب في تدمير وسط بيروت لصالح مجمعات سكنية كبيرة.
وبحسب الموقع الإيطالي، "لا يمكن لهذه الإستراتيجية أن تنجح إلا إذا كانت العملة اللبنانية قوية إلى جانب ثقة المستثمرين الأجانب بدرجة كافية في استثماراتهم في البلاد".
وأشار إلى أن "الخطوات اللاحقة، بعد تسجيل انخفاض تدريجي في قيمة الليرة، كانت موجهة نحو استقرارها بتكليف مصرف لبنان عام 1992 بهذه المهمة".
وفي عام 1997، تم تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار عند 1500 ليرة للدولار الواحد، وبهذه الطريقة، كان المسؤولون اللبنانيون يأملون في تعزيز قطاع العقارات، وفي الوقت نفسه القطاع المالي من خلال خفض تكلفة المعيشة بفضل التكلفة المنخفضة التي تم تخصيصها تلقائيا للواردات.
كما كان يحدوهم الأمل في أن الاستثمارات ستنتج قريباً فرص عمل وتنمية أكبر بعد التأكيد على اقتصار العمل بهذا النظام لمدة عامين، اتخذت فيهما الرأسمالية اللبنانية "شكلا ريعيا" كما ذكر "باومان".
وفي العامين الماضيين، استفاد الأغنياء من آثار سياسة مصرف لبنان، بينما لم يعد لدى المواطنين العاديين الإمكانيات اللازمة للاستثمار أو العيش في مختلف المساكن الفاخرة التي تم شراؤها بأسعار منخفضة قبل سنوات.
عواقب سلبية
استقطب تكافؤ الليرة مع الدولار الأغنياء، وخاصة المستثمرين من دول الخليج، إلا أن الوضع تغير بسرعة، لا سيما بين 2011 و2016، خصوصا وأن العواقب السلبية لأسعار الفائدة المصرفية "السخية" للغاية، كثيرة، يشرح الموقع الإيطالي.
ولوحظ أن البنوك التجارية فضلت، بدلا من الاستثمار في الدولة، إقراض الأموال إلى مصرف لبنان وبذلك تحول البلد تلقائيا من تطوير القطاع الإنتاجي إلى القطاع المالي، مما أدى إلى اختلال كبير في ميزان المدفوعات.
من جانبهم، استغل الأغنياء هذا الوضع، ويتضح ذلك من قاعدة البيانات العالمية لعدم المساواة، بين عامي 1990 و2016، ارتفعت الثروة الوطنية في أيدي أغنى 10 بالمئة في البلاد من 52 إلى 57 بالمئة، بينما تراجعت الثروة الوطنية لأفقر 50 بالمئة من 12.9 إلى 10.7 بالمئة.
وفور إدراكها لخطورة الوضع، اتخذت الحكومة اللبنانية إجراءات تهدف إلى احتواء الأزمة قدر الإمكان، وحاولت من خلال رفع مستويات التوظيف ضمان استقرار معتدل للطلب المحلي، إلا أن هذه الإجراءات أثبتت عدم فعاليتها، وتسببت في ارتفاع مستويات الفساد في البلاد.
وذكر الموقع أن لبنان يشتهر بسوء إدارته للشؤون العامة، يزداد الفساد على حساب تدابير الحفاظ على الشركات والمؤسسات العمومية، لذلك لم تولد الأزمة التي تعيشها البلاد اليوم، من الحرب الأهلية الماضية فقط.
وتابع: "فقد أفادت الإصلاحات النيوليبرالية التي تبنتها البلاد جزءا صغيرا من السكان مما رفع في معدل عدم المساواة، من ناحية أخرى، يقتصر جهد الدولة النيوليبرالية على إنجاز هذه المهمة: خدمة رأس المال".
ونتيجة لذلك، يواجه الاقتصاد اللبناني منذ عام 2011 صعوبات كبيرة ويتباطأ من عام إلى آخر، كما تثير الأزمة السورية قلق المستثمرين من الانعكاسات المحتملة على استثماراتهم، ويؤثر الركود على الاقتصاد بشكل مستمر منذ 2017.
وارتفعت البطالة في السنوات الأخيرة لتصل إلى نحو 40 بالمئة من إجمالي السكان، وشكل الإعلان في أكتوبر/تشرين الأول 2017 عن فرض رسوم على المكالمات الهاتفية التي يتم إجراؤها عبر تطبيق (واتساب)، بداية موجة احتجاجات على الأوضاع المعيشية خصوصا وأن البلد بلا موارد ويكافح مواطنوه لتلبية احتياجاتهم".
وأكد الموقع الإيطالي أن "الخلاص الوحيد للبنان هو التخلص من النموذج النيوليبرالي، ولتحقيق هذا الهدف، هناك حاجة إلى مساعدات دولية تركز على إعادة الإعمار والتنمية وموجهة إلى تلبية مطالب الشعب لاستعادة كرامته وتحقيق الاستقرار السياسي".