صحيفة عبرية: ماكرون يتحرك في لبنان والعراق وعينه على إيران
رأت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية أن الحضور القوي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في لبنان يأتي على خلفية تزعزع الاستقرار في البلاد، لكن له هدف آخر، وهو أن يكون جسرا بين الولايات المتحدة وإيران.
وذكرت الصحيفة أن ماكرون زار بيروت مرتين في أقل من شهر، حيث سار في زيارته الأولى بجولة على الأقدام في شوارع المدينة وهاجم بحدة الفساد السياسي في لبنان.
قبل الزيارة الثانية كان عمليا وبدعم من باريس تم تعيين "مصطفى أديب" رئيسا للوزراء اللبناني (وهو تعيين فشل منذ ذلك الحين)، ووقف السياسيون اللبنانيون أمام ماكرون لتنفيذ الإصلاحات التي قادها الرئيس الفرنسي.
المخلّص الجديد
ووصفت الصحيفة رئيس فرنسا باتخاذ مكانة مخلّص أرض الأرز وذلك لثلاثة أسباب، أولا: أدى الانفجار في مرفأ بيروت إلى تفاقم الأوضاع في البلاد إلى حد كبير.
ثانيا: أفلست الأطراف اللبنانية المتصارعة على السلطة، مما أدى إلى انهيار البلاد واستئناف الحرب الأهلية التي استمرت لسنوات عديدة حتى عام 1990.
ثالثا: تظهر الدول القوية في الشرق الأوسط التراخي والعجز، إيران الخاضعة للعقوبات غير قادرة على المساعدة، وتركيا التي تشق طريقها سرا إلى لبنان ليس لديها النفوذ اللازم لإدارة الأزمة، السعودية من جهتها تبنت سياسة انفصالية تجاه الأزمة اللبنانية وتفضل الانتظار ومراقبة التطورات من بعيد أملا في أن يستنجد بها اللبنانيون يوما ما.
وتشير يديعوت إلى أن فرنسا لديها أفضل فرصة لإنقاذ لبنان في الدقيقة 90، إنها القوة الوحيدة التي يمكنها التحدث إلى كل التيارات في البلاد، والتفاوض مع طهران والرياض وتل أبيب والتشاور مع الروس والأميركيين. علاوة على ذلك، لها مصالحها الخاصة في التدخل في بيروت.
أولا: تشعر بالقلق من توسع أنقرة في الشرق الأوسط وإمكانية أن يملأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الفراغ الذي تركه السعوديون في لبنان. ثانيا: يحتاج ماكرون، مثل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى النجاحات في سياسته الخارجية للتعويض عن الفشل في إدارة السياسة الداخلية لفرنسا.
ويرى الكاتب والباحث الأردني ومدير معهد القدس لدراسات السياسات "عريب الرنتاوي" أن ماكرون اقترب من دور الكبار وهو المسؤول برغبة من أوروبا في منع موجة الإرهاب واللاجئين، وحظي بموافقة أميركية للتصرف نيابة عنها في لبنان، فيما يخوض ترامب حملة انتخابية صعبة للغاية.
ويضيف أنه بهذا المعنى يلعب ماكرون الدور الحقيقي لأوروبا والإدارة الأميركية، ويمتنع الروس عن القيام بدور الوسطاء في الأزمة السياسية في لبنان، ويمكن الاستنتاج أن موسكو لن تستخدم حق النقض ضد التدخل الفرنسي.
ويشير الرنتاوي إلى عدة أسباب للتفاؤل بشأن نجاح ماكرون في المهمة، وإذا فشل في أي حال فمن غير المعقول أن ينجح شخص آخر تحت قيادته، لكن من المهم للغاية التمييز بين المهام قصيرة الأجل والمهام طويلة الأجل على المدى القصير.
وعلى الرغم من الصعوبة، سيكون من الممكن تشكيل حكومة جديدة، ووقف سقوط البلاد في الهاوية وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.
لكن على المدى الطويل، من المشكوك فيه أن ينجح ماكرون في إنشاء جمهورية جديدة في لبنان ستكون مختلفة تماما عما تم الاتفاق عليه في اتفاق الطائف لعام 1989، الذي أنهى الحرب الأهلية وأعاد من جديد رسم خريطة القوى العرقية.
ويطالب الباحث بإقامة نظام سياسي جديد غير عرقي يكون بمثابة إعداد لدولة مدنية وديمقراطية لجميع أبنائها وبناتها، ذات سيادة بقانون واحد وجيش واحد. تتطلب مثل هذه المهمة ترتيبات وصفقات تتجاوز حدود لبنان الصغير وتتطلب مشاركة واشنطن وطهران والرياض وربما تل أبيب.
العراق على الحياد
كما يرى الرنتاوي أن ماكرون بتشجيع من صعود فرنسا في الدول العربية، قرر توسيع مشاركته لتشمل العراق أيضا، حيث إن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بحاجة ماسة لمن يضمن بقاء بلاده على الحياد وإبعادها عن الصراعات الدولية.
وجاء ماكرون لمساعدته، رغم الانتقادات التي وجهتها إليه طهران والقوات العراقية الموالية لإيران، وسمع الكاظمي كل ما أراد أن يسمعه من زعيم عالمي: العراق دولة ذات سيادة ومستقلة، دولة قومية بكل مؤسساتها، ولها الحق الحصري في حمل السلاح.
وكان الكاظمي قد سمع نفس الكلمات في واشنطن قبل أيام قليلة، لكن على عكس الأميركيين، لم تعبر تصريحات ماكرون عن استفزاز وتحريض ضد إيران والمليشيات العراقية، وكان نهجه نفس النهج الذي أظهره في لبنان، حيث شجع الحوار والاندماج والدبلوماسية في معالجة المشاكل في العراق.
ولفت الكاتب إلى أنه من المحتمل أن تكون الخطوة الدبلوماسية الفرنسية في لبنان والعراق تنذر باتجاه مهم في العلاقة بين واشنطن وطهران.
ويقول: "لا شك أن ماكرون يدرك أن العديد من الأزمات التي يعاني منها البلدان ليست سوى أصداء للصراعات بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج".
وأنهى الرنتاوي مقالته بالقول: إن ماكرون يفهم بالطبع أن الحلول المستقرة طويلة الأمد تتطلب معالجة جذور هذه الأزمات المتفاقمة مع إيران.
لذلك ومن الممكن أن تحمل أرواح الدبلوماسية ماكرون إلى أبواب آيات الله (المرشد الأعلى والقادة الدينيين) في إيران، بصفته صانع السلام في الشرق الأوسط.