إثيوبيا تنكل بهم.. من هم "بني شنقول" الرافضين لبناء سد النهضة؟
قبل مئات الأعوام، نعى الشاعر السوداني فرح تكتوك، انهيار مملكة سنار (شنقول - قماز) المسلمة العظيمة التي قامت في السودان، نتيجة الوجود العربي والتصاهر بين العرب والنوبة، قائلا:
آه على بلدة الخيـرات منـشـئنا.. أعني بذلك دار الفنـج سنارا
آه عليـها وآه من مصـيـبـتـها .. لم نسلها أينما حللنا أقطارا
اليوم ذهبت المملكة إلى غياهب التاريخ، وبقي شعب بني شنقول من آثارها، يعاني الانتهاكات والتهجير على يد الحكومة الإثيوبية، فما هي قصة أرض بني شنقول التي تزعم إثيوبيا أنها أرضها، وتبني عليها سدا يدمر حياة مالكيها الأصليين جغرافيا؟.
في 2 أبريل/نيسان 2011، شرعت الحكومة الإثيوبية في إنشاء مشروع السد على النيل الأزرق بمدينة قوبا بإقليم بني شنقول قماز على الحدود مع السودان، على بعد أكثر من 980 كيلومترا من العاصمة أديس أبابا.
وترفض كل قبائل بني شنقول أن يقال عنها بأنها قبائل إثيوبية، وتعتبر كافة القبائل دون استثناء أن هذا الوصف إساءة لها ولتاريخها الممتد، وهو ما يعرضها لانتهاكات مستمرة.
في 29 سبتمبر/ أيلول 2020، اجتاحت الإقليم مجموعات من قومية الأمهرا المدعومة حكوميا وارتكبت انتهاكات بالغة في المنطقة التي يقطنها "بني شنقول"، وسقط ضحايا من المدنيين على أيديهم.
قبلها بنحو عامين، وفى عام 2017 أعلنت الحكومة الإثيوبية أن "أجهزتها الأمنية تصدت لهجوم مجموعة مسلحة تتبع لحركة تحرير بني شنقول الإثيوبية المعارضة.
كانت المجموعة المهاجمة تتكون من 20 فردا، انطلقوا من إريتريا، وكان هدفهم الاعتداء على سد النهضة، لكن القوات الأمنية تصدت لهم وقتلت 13 مهاجما وهرب 7 من المهاجمين إلى داخل الأراضى السودانية.
ومن حين لآخر، تشتبك السلطات الإثيوبية معهم بشكل مستمر، وتعمل على التنكيل بهم وتهجير قطاع منهم، وعمل تغيير ديمغرافي في المنطقة، يشمل تسكين عرقيات منها الأمهرا، وهي احدة من أكبر العرقيات والقبائل في البلاد.
بني شنقول
طبيعة الصراع بين الحكومة المركزية في إثيوبيا، وإقليم بني شنقول قماز، يعود لأسباب تاريخية وعرقية، حيث ترجع أصول بني شنقول إلى القبائل العربية التي وجدت شرق السودان، ضمن منطقة سلطنة الفونج أو "السلطنة الزرقاء" في سنار.
حكمت القبائل العربية السلطنة خلال الأعوام (1521-1804)، وأطلق عليهم أيضا شعوب البرتا، التي انتقلت إلى غرب إثيوبيا، في المنطقة التي تعرف حاليا باسم إقليم بني (شنقول - قماز)، وسمي الإقليم باسمها طبقا للدستور الفيدرالى الإثيوبى الذى ينص على تسمية الأقاليم بأكبر جماعة عرقية فيها.
وتشكل الديانة عنصرا مهما في الصراع بينهم وبين النظام، إذ ترتبط السياسات الحاكمة والسلطة فى إثيوبيا على مر العصور بالدين المسيحي وتعاليم الكنيسة الأرثوذكسية.
أما سكان "بني شنقول" فيدينون بالإسلام، ويتمسكون بتعاليمه، وثقافتهم القومية مرتبطة بالسودان، فالزي الرسمي مطابق للسودان، فيرتدون الجلابية والسروال الطويل والطاقية.
ويصل الارتباط بين "بني شنقول" والسودان إلى حد النسب، فمن أشهر الأسر هناك أسرة الترابي في مدينة بيكي، وهم من البيوت الدينية والصوفية المعروفة داخل الإقليم، وهم بنو عمومة الدكتور حسن الترابي الزعيم السياسي السوداني الراحل.
تبلغ مساحة الإقليم حوالي 50 ألف كيلومتر مربع، وهو إحدى مناطق إثيوبيا التسع، ويقطنه قرابة 4 ملايين نسمة، معظمهم من المسلمين ذوي الأصول والعادات السودانية رغم محاولات إثيوبيا الدفع بسياسات التغيير الديمغرافي المستمر ضدهم.
هذه المنطقة كانت تتبع السودان في السابق، ولعبت قبائلها دورا محوريا في مقاومة الاستعمار الإيطالي، وبعد ضم إقليم بني شنقول إلى الإمبراطورية الحبشية، لم ينالوا حقوقهم الطبيعية من السلطات، واعتبروا مواطنين من الدرجة الثانية.
فى عام 1931، خاضوا أول تمرد رسمي على مملكة الأحباش، مطالبين بالعودة للأراضي السودانية وبحكم ذاتي، وهو ما قوبل بالرفض والبطش من قبل الجيش الإمبراطوري آنذاك.
أعداء السد
يقع إقليم بني شنقول غرب البلاد، وتوافقت عليه أديس أبابا لإقامة مشروع سد النهضة فيه على النيل الأزرق، على بعد نحو 40 كيلومترا من الحدود السودانية.
وتعد تلك المنطقة شوكة في ظهر أديس أبابا، وترفض شعوبها إقامة السد على أراضيها، لخطورته على مصر والسودان، وأكد السفير يوسف ناصر حامد زعيم حركة تحرير شعب بني شنقول المسلحة في إثيوبيا، خلال مارس/ آذار 2020، "أنهم سيتقدمون بملف لجامعة الدول العربية والاتحاد الإقريقي للمطالبة باستقلالهم، وأن على مصر أن تدعم أبناء إقليم بني شنقول الذين يريدون تقرير المصير دوليا من خلال تاريخها الدبلوماسي، حتى يضمنوا أن الإقليم الذي بات يضم سد إثيوبيا هو إقليم عربي".
وأضاف: "سننضم في حالة استقلالنا لجامعة الدول العربية، وعلى الدبلوماسية المصرية أن تجعل مشكلة إقليم بني شنقول ملفا لها، فإثيوبيا لا تعترف باتفاقيات تاريخية للمياه، لأنها وقعت في عهد الاستعمار وكذلك نحن في إقليم بني شنقول لا نعترف بها، فنحن جزء عربي منفصل عنها وضمنا الاحتلال الإنجليزي إلى إثيوبيا في صفقة تاريخية معلومة للجميع".
جرائم إثيوبيا
في 27 سبتمبر/ أيلول 2020، كتب الأكاديمي وخبير الطاقة المصري نايل الشافعي، عبر صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك" قائلا: "الجيش الإثيوبي يغير على محافظة متكل بإقليم بني شنقول، في محاولة لتهجير الشناقلة من المناطق القريبة من سد النهضة. الشناقلة يتصدون للجيش الحبشي ويقتلون 15 جنديا. فقام الجيش الحبشي باعتقال مزارعين من القمز بعدما فشل في القبض على المقاومين".
الجيش الإثيوبي يغير على محافظة متكل بإقليم بني شنقول، في محاولة لتهجير الشناقلة من المناطق القريب من سد النهضة. الشناقلة...
نايل الشافعي paylaştı: 26 Eylül 2020 Cumartesi
وفي نفس اليوم، أفادت وكالة الأناضول، أن لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية، أصدرت في بيان، أن مليشيا مسلحة (لم تذكر اسمها) نفذت هجوما في منطقة ميتكيل في الإقليم غربي البلاد بـ إقليم "بني شنقول"، أسفر عن مقتل 15 مدنيا بينهم 4 نساء.
لكن أخطر النقاط ما ذكرها الناشط من بني شنقول، نيلسون ناصر، الذي كتب على موقع "فيسبوك" بتاريخ 28 سبتمبر/ أيلول 2020، أن "إقليم الأمهرا يستعرض جيشه المعد لاحتلال الجزء الشمالي لبني شنقول الممتد من مدينة متكل إلى موقع السد بالتضامن مع الجيش الفيدرالي".
إقليم الامهرا يستعرض جيشه المعد لإحتلال الجزء الشمالي لبنى شنقول الممتد من مدينة متكل الي موقع السد بالتضامن مع الجيش...
Nelson Nasser paylaştı: 27 Eylül 2020 Pazar
ثم دون في اليوم التالي أنه "يتعرض شعب بني شنقول لابادة ممنهجة، وقد بدأت الحملة العسكرية لقوات فانو المتطرفين الأمهرا، حيث انتشروا في القرى ناشرين الرعب بين المجتمع الأعزل، دعواتكم لنا بالنصر".
يتعرض شعب بني شنقول لابادة ممنهجة،وقد بدأت الحملة العسكرية لقوات فانو المتطرفين الامهرا، حيث قتلوت في القرى ناشرين الرعب بين المجتمع الاعزل ،دعواتكم لنا بالنصر
Nelson Nasser paylaştı: 29 Eylül 2020 Salı
وأشار أيضا إلى أن القوات الأمهرية مدعومة بالجيش الإثيوبي يقومون بحملة لمسح بني شنقول من الوجود، والمجتمع الدولي ينظر للأمهرا وهم يرتكبون المجازر ضد القرويين في دانقور، والقرى المحيطة بمتكل وكل المجالس التي تم طرد الموظفين منها من أجل التمهيد لسيطرة الأحباش الأمهرا الفجار الكذابين المنافقين مصاصي الدماء آكلي اللحوم.
القوات الامهرية بالتضامن مع القوات الامهرية يقومون بحملة لمسح بني شنقول من الوجود، والمجتمع الدولي ينظر للامهرا وهم...
Nelson Nasser paylaştı: 28 Eylül 2020 Pazartesi
وتعد ولاية أمهرة الشمالية من أهم ولايات إثيوبيا التسع وتنتشر فيها القومية الأمهرية التي تمثل نحو ربع سكان البلاد، بقرابة 23 مليون نسمة، وينتمي لها العديد من الرموز في التاريخ الإثيوبي مثل الإمبراطور هيلا سيلاسي والزعيم الشيوعي منغستو هيلاماريام، وتعد اللغة الأمهرية هي اللغة الرسمية في البلاد.
ويتبع معظم الأمهريين الديانة المسيحية الأرثوذكسية، والكنيسة الأمهرية مختلفة عن المسيحية المعهودة إذ إنها تمزج بين تعاليم التوراة، الإنجيل والمعتقدات الوثنية الشعبية.
وتعتمد الحكومة المركزية الإثيوبية على ذلك الإقليم في مهاجمة وتقويض "بني شنقول" وتنزع إلى عمليات التهجير والإحلال بشكل مستمر، وسط مقاومة كاملة من القبائل الأصلية الموجودة هناك.
المصادر
- مقتل 15 شخصا على يد ميليشيا مسلحة غربي إثيوبيا بإقليم بني شنقول - قماز الحدودي مع السودان
- الأرض العربية التي يبنى عليها سد النهضة!
- عشرات القتلى في هجمات على بني شنقول في إثيوبيا
- «بنى شنقول» أرض الذهب.. إقليم سودانى يحتضن مشروع السد
- غضب شعبي ضد سد النهضة : الأزمة تعيد ملف إقليم "بني شنقول" المحتل إلى الواجهة
- التمرد بإقليم بني شنقول الإثيوبي: هل من دور مصري؟
- من بينها الأورومو والأمهرة، تعرف على أكبر القوميات الإثيوبية