مليشياته تغلق موانئ النفط الليبي مجددا.. كيف يلعب حفتر بآخر أوراقه؟

12

طباعة

مشاركة

مرة أخرى يلعب اللواء الانقلابي المتقاعد خليفة حفتر بورقة النفط في أتون حربه المستمرة على مؤسسات الدولة الليبية منذ إطلاقه ما يسمى بـ"عملية الكرامة"، في 16 مايو/أيار 2014 بمدينة بنغازي شرق ليبيا.

في 11 يوليو/ تموز 2020، أعلن أحمد المسماري، المتحدث باسم مليشيا حفتر، في بيان متلفز، "الإصرار على إغلاق الموانئ والحقول النفطية، غداة إعلان "المؤسسة الوطنية"، رفع "القوة القاهرة" عن صادراتها.

ليست هذه هي المرة الأولى التي تتخذ فيها مليشيات حفتر قرار إغلاق الموانئ أمام تصدير النفط، لكنها المرة الأولى منذ هزيمة قوات حفتر في الغرب الليبي، ومواصلة حكومة الوفاق حشد قواتها في محيط مدينة سرت الإستراتيجية التي تعتبر بوابة الشرق الليبي، والخاضعة لسيطرة حفتر.

المؤسسة الوطنية للنفط، اتهمت مليشيا حفتر بحشد مرتزقة الفاغنر والجنجويد ومرتزقة سوريين لمنع تصدير النفط الليبي للخارج، وهو ما فتح تساؤلات عديدة حول رهان حفتر في كل مناسبة على تعطيل إنتاج النفط الذي يعتبر المصدر الرئيسي للدخل الليبي.

إغلاق جديد

أعربت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا عن "قلقها الشديد إزاء استعمال منشآتها النفطية كمواقع حربية"، معلنة عن إدانتها لـ" تمركز مرتزقة فاغنر الروسية والمرتزقة السوريين والجنجويد السودانية في المنشآت النفطية، وآخرها في ميناء السدرة" الذي يقع تحت سيطرة حفتر، مطالبة بانسحابهم فورا من جميع منشآتها.

وقالت المؤسسة في بيانها يوم 17 يوليو/ تموز 2020: إن عددا كبيرا من المرتزقة الأجانب "يعملون لصالح حكومات دول أخرى لديها مصلحة فعلية في إقفال الإنتاج الليبي وإلحاق الضرر بالبنية التحتية الليبية لأن هذا يُترجم إلى ملايين الدولارات من الإيرادات الإضافية لصناعاتها النفطية".

ودعت المؤسسة ذاتها، بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، إلى إرسال مراقبين للإشراف على عملية إنهاء الوجود العسكري في مناطق عمليات المؤسسة في كافة أرجاء البلاد.

وطالبت المؤسسة بتوفير الحماية لـ65 ألف موظف يعملون لصالح المؤسسة عبر البلاد، مؤكدة كذلك أن "حماية المنشآت النفطية من التلف هي أولوية بالنسبة لكل من يرغب في أن يشهد ازدهار ليبيا".

أوامر إماراتية  

المؤسسة الوطنية الليبية للنفط كالت الاتهامات لدولة الإمارات، الداعم الرئيس لحفتر، بأنها هي من أعطت التعليمات لمليشياته بإيقاف الإنتاج.

واعتبرت المؤسسة في بيانها أن موقف الإمارات مخيب للآمال بشكل كبير، خاصة بعد تصريحات كبار مسؤوليها الداعمة للجهود الدولية لاستئناف إنتاج النفط في ليبيا.

رئيس المؤسسة مصطفى صنع الله قال في تصريح لوسائل إعلام محلية: إنه يجب أن تكون هناك عواقب لأفعال تلك الدول التي تقوض قواعد النظام الدولي، والتي تدمر ليبيا، مضيفا أن تلك الدول تشكل تهديدا خطيرا للأمن الليبي والدولي.

من جهته، قال وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني، فتحي باشاغا، في تدوينة على فيسبوك: إن "الابتزاز السياسي على حساب المواطن الليبي بقفل إمدادات النفط جريمة إضافية تسجل على طغمة فاسدة لا تعرف إلا القمع والاستبداد ولا تؤمن بالديمقراطية والمدنية والسلام"، وفق تعبيره.

وفي 22 مايو/أيار 2020، اعترضت السفينة الحربية الفرنسية "جان بارت"، ناقلة نفط تسمى "جال لاكسمي"، تحمل علم الغابون، كانت متجهة إلى ميناء الحريقة النفطي بمدينة طبرق شرقي ليبيا، لتحميل منتجات بترولية مكررة لحساب شركة مسجلة في الإمارات، بحسب تقارير إعلامية غربية.

وبقيت ناقلة النفط تحوم في عرض البحر لقرابة أسبوع دون أن تتمكن من الوصول إلى هدفها، خاصة بعدما تم الاتصال بمالك ناقلة النفط والشركة المؤمنة عليها، و"كان التهديد بالعقوبات مجديا في منع السفينة من الرسو في طبرق".

وضيع حفتر في هذه الصفقة ملايين الدولارات، لكن أهم من ذلك أن عمليات تهريب النفط من ليبيا، أصبحت محفوفة بالمخاطر، في ظل وجود سفن عملية "إيريني" الأوروبية التي تراقب السفن في البحر لمنع تهريب السلاح إلى ليبيا.

كذلك السفن الحربية التركية، ما يجعل ناقلات النفط وشركات التأمين العالمية مترددة في تهريب المنتجات النفطية الليبية سواء لحساب الإمارات أو أي دولة أخرى.

هذا الواقع الجديد أفقد حفتر موردا ماليا هاما لتمويل الحرب، أضف إلى ذلك مصادرة مالطا كميات كبيرة من الأوراق النقدية المطبوعة في روسيا، في 30 أيار/مايو 2020، ما ضاعف من عجزها في الدفع لمرتزقة شركة فاغنر والمرتزقة الأفارقة، فضلا عن عائلات القتلى وعلاج المصابين الذين بلغ عددهم بالآلاف.

حاول حفتر الاستيلاء على مداخيل النفط من خلال خلق مؤسسة نفط وبنك مركزي موازيين، لكنه فشل لأنه لا يملك الشرعية الدولية، والمجتمع الدولي لا يعترف سوى بالمؤسسات الرسمية في طرابلس، فلجأ حفتر وبدعم من مصر والإمارات إلى تهريب النفط وبيعه بأسعار مخفضة في السوق السوداء، لتمويل حربه على حكومة الوفاق.

كما حرض القبائل الموالية له لغلق الحقول والموانئ النفطية في 17 يناير/كانون الثاني 2020، حتى لا تقع على مليشياته المسؤولية الجنائية والقانونية، وأيضا حتى لا تطالبه شركات النفط العالمية المستثمرة في ليبيا وشركات التأمين بدفع تعويضات عن خسائرها، حيث تسبب غلق مليشيات حفتر حقول وموانئ النفط طيلة 6 أشهر في خسائر فاقت 6.5 مليارات دولار.

وتتولى الحكومة الشرعية في طرابلس دفع أجور الموظفين في كامل البلاد، بما فيها المناطق الشرقية الخاضعة لسيطرة مليشيات حفتر.

ظلت المؤسسة الوطنية للنفط على خط الحياد بين طرفي الحرب في ليبيا، غير أنها اتهمت أطرافا موالية لحفتر بالتسبب في تعثر تصدير النفط، كما توترت علاقتها بحفتر نتيجة قيام قوات هذا الأخير بإغلاق الموانئ النفطية شرق البلاد.

وفي هذا الصدد، سجلت المؤسسة أن "استمرار الإغلاق المفروض على النفط الليبي لا يساهم فقط في مساعدة مصدري النفط الأجانب من خلال إزاحة الإنتاج الليبي من الأسواق العالمية فحسب، بل يتسبب أيضا في أضرار جسيمة للآبار والحقول وخطوط الأنابيب و المعدات السطحية، مما يهدد ثروة ليبيا المستقبلية".

الموقف الأميركي

من جهتها، أعربت السفارة الأميركية في طرابلس عن أسفها لما وصفته بالتدخل الأجنبي ضد الاقتصاد الليبي، ولوحت بفرض العقوبات والعزلة على المتسببين بذلك.

وقالت: إن من يقوض الاقتصاد الليبي ويتشبث بالتصعيد العسكري سيواجه العزلة وخطر العقوبات. وأضافت السفارة أن غارات مرتزقة فاغنر الروسية- التي تقاتل إلى جانب حفتر- على مرافق المؤسسة الوطنية للنفط أضرت بجميع الليبيين.

كما أشارت إلى أن الرسائل المصوغة في عواصم أجنبية - والتي نقلتها ما تسمى القوات المسلحة التابعة لحفتر- أضرت بالليبيين.

وعادت السفارة الأميركية لتقول: إن الإجراءات المخيبة للآمال لن تمنع الأميركيين من العمل مع المؤسسات المسؤولة كحكومة الوفاق ومجلس النواب.

وأشارت إلى أن الباب ما زال مفتوحا لجميع من يضعون السلاح جانبا، ويرفضون ما وصفته بالتلاعب الأجنبي، ويجتمعون في حوار سلمي ليكونوا جزءا من الحل، معربة عن ثقتها بأن الشعب الليبي يرى بوضوح من هو مستعد لمساعدة البلاد على المضي قدما، ومن اختار بدلا من ذلك عدم الاكتراث.

ورقة أخيرة

ويرى عدد من المتابعين للشأن الليبي أن حفتر لا يرغب في الذهاب لأي حل سياسي قد يقصيه من المشهد، وإنما يسعى إلى كسب الوقت في ظل تحشيد قواته والدول المتحالفة معه عبر إيصال تعزيزات عسكرية جديدة لقواته والمرتزقة الداعمين له في سرت والجفرة والجنوب الليبي، من أجل شن هجمات جديدة على قوات حكومة الوفاق.

ومن الشروط التي أعلنها حفتر لإعادة فتح منشآت النفط، إيداع عوائد النفط بدولة أجنبية ووضع آلية "شفافة" للإنفاق بضمانات دولية، ومراجعة حسابات مصرف ليبيا المركزي في طرابلس لمعرفة مسار الأموال التي تم إنفاقها طيلة السنوات الماضية.

من جهته اعتبر الخبير في الشأن الليبي بشير الجويني بأن" النفط يعتبر عصب الحياة للاقتصاد الليبي بتمثيله أكثر من 97% من مداخيل ليبيا يمثل تحديا من جهة حسن إدارته فضلا عن ضمان استمرارية تدفقه". 

وأضاف الجويني لـ"الاستقلال": "من الواضح أن كل الأطراف حتى تلك التي تدعم حفتر تسحب عنه الغطاء في كل مرة يتهور ويحاول أن يستأثر بالنفط ويقايض به، ذلك أن المؤسستين الوحيدتين اللتين بقيتا في معزل نسبي عن التجاذبات هما المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي، لذا من غير المتوقع مزيد من التسامح مع كل من يعطل النفط سواء كان حفتر أو غيره".