فشل جديد.. ما الذي يعيق إحلال السلام بين الفرقاء في السودان؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

منذ العام 1983، والصراع في منطقة جبال نوبة، بولاية كردفان السودانية، على أشده، وذلك عندما فوضت قبائل وسكان جبال النوبة الحركة الشعبية لتحرير السودان، للتفاوض باسمهم مع حكومة الخرطوم للحصول على حق تقرير المصير.

ومع انفصال جنوب السودان شعر الكثير من أبناء النوبة، خاصة المنتمين للحركة الشعبية بالغبن والخداع، حيث بدأ الجيش السوداني ينفرد بهم ويصفي رموزهم، ما أحال المنطقة إلى ساحة حرب مستعرة، مع أحداث قتل وتهجير واعتقال لأهالي المنطقة، وتحولت المراعي والربوع الخضراء، إلى خراب بفعل الصراع.

واليوم مع وجود الحكومة الانتقالية والمجلس السيادي، عاد ملف إحلال السلام في السودان كأحد أبرز الملفات على طاولة حكومة عبد الله حمدوك، التي بدأت في 21 أغسطس/ آب 2019، وتستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وتحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير"، قائد الحراك الشعبي.

ولكن هذا الملف رغم أهميته البالغة في تحقيق استقرار السودان ووحدته، يشهد كثير من العثرات والإخفاقات، من جانب المتفاوضين، بسبب الإصرار على صياغات محددة، وبسبب أجندات مختلفة، تطرح رؤى تتعلق بهوية وأيدولوجية الدولة.

تأجيل التوقيع

أزمة جديدة طرأت على ملف إحلال السلام بين الفرقاء المتنازعين في السودان، وتحديدا المجلس السيادي والحكومة الانتقالية من جهة، والحركة الشعبية في شمال السودان، ومجموعات متمردة من جهة أخرى.

ففي 20 يونيو/ حزيران 2020، أعلنت لجنة الوساطة بدولة جنوب السودان رسميا عن تأجيل توقيع الأطراف السودانية على اتفاقية السلام بالأحرف الأولى، دون تحديد موعد آخر لإقرارها.

وبناء عليه، أفصح ضيو مطوك، نائب رئيس اللجنة، عن أسباب التأجيل، قائلا: "هناك بعض الصعوبات التي واجهت العملية التفاوضية، تمثلت في التأخير في مناقشة الترتيبات الأمنية في مسار دارفور بجانب التأخير في ملف السلطة من قبل التنظيمات المشاركة".

وتركز مفاوضات جوبا على خمسة مسارات، هي: إقليم دارفور (غربا)، وولايتي جنوب كردفان (جنوبا) والنيل الأزرق (جنوب شرق)، وشرقي السودان، ومسار شمالي السودان، ووسط السودان.

وكانت "الحركة الشعبية شمالا" في السودان، أعلنت في 19 يونيو/ حزيران 2020، عن تأجيل توقيع اتفاق السلام بين الحكومة والجبهة الثورية التي تتألف من عدة حركات.

كما كشفت لجنة الوساطة في جوبا، عن زيارة للوفد الحكومي السوداني برئاسة محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائب رئيس مجلس السيادة، وعضو المجلس شمس الدين كباشي، لمناقشة القضايا المتبقية.

وقد أعلن في ذلك الوقت عن تقدم مسار دارفور بمقترح بديل البعثة المشتركة للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في إقليم دارفور (يوناميد) عقب خروجها للمساهمة في توفير الأمن للنازحين واللاجئين، دون أن تكشف تفاصيله، وقبل أن يحدث التعثر القائم.

ضعف الدولة

ويرى السياسي السوداني، وعضو حزب المؤتمر الوطني، محمد نصر الله أن "السودان يمر بمرحلة شديدة الصعوبة، في ظل مرحلة انتقالية غير واضحة المعالم، ووجود حكومة هشة، ترتكز على تحقيق أجندتها الخاصة، وإعلاء مصلحتها على مصلحة السودان كوطن جامع لأطياف كثيرة من الأعراق والتوجهات".

وأضاف نصر الله لـ"الاستقلال": "ملف إحلال السلام في كردفان، ومناطق النزاع الأخرى، يستلزم أولا وجود حكومة قوية ديمقراطية معبرة عن إرادة الشعب".

وأفادر بضرورة إتمام المفاوضات في ظل وجود دولة مؤسسات حقيقية، كضامن لإرساء قواعد حكم جديدة، ودستور سليم، لا يحمل ثغرات مظلمة، تؤدي في النهاية إلى وأد عملية السلام، وخلق مشكلات أكبر".

وأكد بأن "مشكلات السودان أعمق كثيرا من فكرة صراع الهوية، الذي يحاول أن يفرضه البعض، فنحن أمام أزمات اقتصادية عميقة، وخلافات اجتماعية بين مكونات الوطن الواحد، تحتاج صوتا عاقلا يكفل وحدتها، بعيدا عن خلق الاستقطابات، وممارسات الإقصاء المتعمدة، وإيجاد مناخ سياسي يسمح للجميع بالمشاركة، والتعبير عن الرأي".

ولفت إلى أن الجانب الأهم، هو التعجيل بالانتخابات وتقسيم السلطة على أساسها، لأنها ستضمن حل كثير من الأزمات المعضلة، وستجعل من واجهة السودان مختلفة أمام المجتمع الدولي".

أزمات السودان

وبالحديث عن مشاكل السودان، يبرز مسار دارفور الذي يشهد عثرات بشكل دائم في ملف المفاوضات.

ومن أبرز الإشكاليات التي شهدها ذلك الملف، ما حدث في سبتمبر/ أيلول 2019، عندما حملت جبهة المقاومة السودانية المتحدة، كلا من المجلس السيادي ومجلس الوزراء السوداني والقوى المساندة لهما المسؤولية الكاملة، عن أي جريمة يتعرض لها السودانيون وبشكل خاص في دارفور.

وأعلنت الجبهة في بيان أن "الجهات التي تسيطر على مقاليد الأمور الآن، هي المسؤول الأول عن أي جريمة تقع على مواطن سوداني"، وقالت: إنها تتابع ما يحدث في منطقة ميرشينج، والمناطق الأخرى حولها وعموم دارفور من مجازر وانتهاكات مستمرة رغم محاولة البعض ادعاء سقوط النظام".

وفي 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، طالب خليل أحمد دود الرجال رئيس مفوضية العدالة الشاملة بالسودان، بضرورة أن تكون هناك عقوبات رادعة لمن يرتكبون الجرائم المروعة وبشكل خاص في دارفور والتي شهدت بعض مناطقها جرائم تم تصنيفها كجرائم حرب أمام المحكمة الجنائية الدولية.

وقد حمل أيضا الحكومة الانتقالية السودانية، والمجلس السيادي المسؤولية الكاملة عن تلك الانتهاكات، وتردي الأوضاع المستمر في تلك المناطق.

جدير بالذكر أنه في 4 يونيو/ حزيران 2020، أصدر مجلس الأمن الدولي، قرارا بالموافقة على طلب الحكومة السودانية، إرسال بعثة أممية تحت مسمى "يونتيامس"، مهمتها دعم المرحلة الانتقالية.

وشمل خطاب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في طلب الدعم من الأمم المتحدة، مجالات على رأسها "دعم مفاوضات السلام، والمساعدة في تعبئة الدعم الاقتصادي الدولي، ودعم عمليات نزع السلاح وعودة النازحين واللاجئين".

وسبق أن ربط مراقبون بين عدم إعادة النازحین في دارفور، واستدامة وجود البعثة الأممية وعدم خروجھا من السودان، لتلعب دورا في مستقبل ما بعد الرئيس السابق عمر البشیر. وهو ما يشكل في العموم استمرارا لتعثر آلية التفاوض المتعلقة بوضع دارفور المتأزم. 

الدين والدولة 

النزاع حول هوية الدولة، من أكبر العثرات التي تواجه المفاوضات، المنعقدة في جوبا بين الأطراف المتنازعة.

وفي 11 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أعلنت وساطة دولة جنوب السودان تشكيل لجنة مشتركة من كافة الأطراف لصياغة مبادئ اتفاق السلام، عقب جلسة مباحثات بين الخرطوم والحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، ناقشت علمانية الدولة.

وفي 19 يونيو/ حزيران 2020، أعلنت الحركة الشعبية شمالا بقيادة عبد العزيز الحلو، مطالبتها بأن تكون العلمانية نصا صريحا في الدستور السوداني، وإقرار حق تقرير المصير لشعبي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وذلك حسب صحيفة "سودان تريبون" المحلية السودانية. 

وهو ما جعل الصادق المهدي، رئيس حزب "الأمة القومي" السوداني "من أبرز مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير"، في 20 يونيو/ حزيران 2020، لدعوة الحكومة الانتقالية لإبعاد المفاوضات السلام بجوبا عن القضايا الخلافية حول علاقة الدين بالدولة.

وقال المهدي :" ليس من صلاحيات الحكومة الانتقالية حسم القضايا الخلافية ولا اتخاذ قرار فيما حوله خلاف".

وأضاف: أن "التفاوض حول السلام عليه أن يقتصر على أسباب النزاع في المظالم الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والثقافية والتهميش في قسمة السلطة والثروة".

أما نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، فقد رد على المطالبة بإقرار العلمانية خلال مفاوضات السلام بجوبا، في 27 ديسمبر/كانون أول 2019، قائلا: إن "الشعب السوداني لن يجامل في دينه الإسلامي".

ورغم الموقف الواضح للمجلس السيادي، وأحزاب إسلامية، لكن موقف الحكومة ذات الطابع اليساري يظل مريبا، في ظل توارد تصريحات، تؤكد تضارب مواقفها.

ففي 19 يونيو/ حزيران 2020، قال الأمين العام للحركة الشعبية، وكبير مفاوضيها عمار آمون، في مقابلة مع إذاعة "صوت المجتمع" المحلية بولاية جنوب كردفان: إن "الحكومة بطريقة رسمية رفضت العلمانية".

واستدرك: "لكن في النقاشات الجانبية مع أحزاب قوى الحرية والتغيير -الحاضنة السياسية للحكومة- كثير منهم اتفقوا معنا على مبدأ فصل الدين عن الدولة ونحن يمكننا القبول به كبديل للعلمانية".

وتابع آمون: "إما أن تكون دولة علمانية، ونكون جزءا منها أو نمارس حق تقرير المصير لتحقيق وحدة جديدة أو ننفصل".