الاتحاد الأوروبي يعلن عدم تجديد اتفاقية الصيد البحري مع السنغال.. من الرابح الأكبر؟

31 minutes ago

12

طباعة

مشاركة

إعلان الاتحاد الأوروبي عدم تجديد اتفاقيته للصيد البحري مع السنغال فجّر غضب دكار التي أكدت أن القرار هو استجابة لإرادتها ورغبتها في إعادة التفاوض بشأن الاتفاقية على أسس يحقق مصالحها.

ونقل موقع "يورونيوز"، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، عن بعثة الاتحاد الأوروبي في السنغال، قولها إن الاتحاد لن يجدد اتفاقية الصيد مع السنغال، وذلك بداية من 17 نوفمبر 2024، بعد خمس سنوات من تطبيقها.

ويأتي هذا القرار بعد تصنيف الاتحاد الأوروبي للسنغال في وقت سابق من عام 2024 بأنها "دولة غير متعاونة في مكافحة الصيد العشوائي وغير المشروع".

كذب مطلق

وبحسب موقع “يورونيوز”، أرجع الاتحاد الأوروبي قراره إلى "قصور في أنظمة المراقبة والتحكم" على السفن السنغالية في المياه خارج حدودها الإقليمية، وكذلك على السفن الأجنبية في ميناء دكار.

وبموجب هذا القرار، سيتعين على السفن الأوروبية مغادرة المياه السنغالية عند انتهاء الاتفاقية، كما ستتوقف المساهمات المالية المقدمة للسنغال في إطار الاتفاقية.

وقال سفير الاتحاد الأوروبي لدى السنغال جان مارك بيساني، إن القوارب الأوروبية سيكون متروكا لأصحابها “إمكانية مواصلة الصيد في أماكن أخرى”.

واستدل على ذلك بـ"اتفاقيات بين الاتحاد الأوروبي وجيران السنغال، غامبيا وغينيا بيساو وموريتانيا والرأس الأخضر".

وأفاد بيساني خلال ندوة صحفية، بأنه "لن يكون من المنطقي بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي يتبنى سياسة عدم التسامح مطلقا مع الصيد غير القانوني وغير المنظم وغير المبلغ عنه، أن يجدد اتفاقية مع الدول التي تم إخطارها بهذا النوع من المشكلات".

وأبرز أن "وقف الصيد في المياه السنغالية سيؤثر على 18 سفينة إسبانية وفرنسية، تصطاد أسماك التونة والنازلي الاستوائية، ولا تمثل أي منافسة حقيقية لقطاع الصيد السنغالي".

ويُذكر أن الاتفاقية الحالية، الموقعة عام 2019، واجهت انتقادات في السنغال حيث يتناقص مخزون الأسماك منذ أكثر من عقد بسبب "الصيد الجائر".

وردا على الإعلان الأوروبي، قال وزير التعليم العالي السنغالي عبد الرحمن ضيوف، إن إيقاف العمل باتفاقية الصيد البحري هو قرار صادر عن حكومة بلاده وليس بمبادرة من لدن الاتحاد الأوروبي.

وأضاف ضيوف عبر مقطع فيديو نشره في 14 نوفمبر على منصات التواصل الاجتماعي، "نظم أصدقاؤنا في الاتحاد الأوروبي مؤتمرا صحفيا لإخبار العالم أجمع أنهم قرروا التوقف عن التوقيع على اتفاقيات الصيد مع حكومة السنغال.. هذا كذب مطلق".

وشدد على أن "حكومة السنغال (...) هي التي أعطت الإشارة منذ فترة طويلة لتخبرهم أنه لا يمكننا الاستمرار في توقيع اتفاقيات الصيد معهم، الأمر الذي سيؤدي إلى إفقار الصيادين في السنغال".

بدورها، أكدت وزيرة الصيد البحري والبنية التحتية البحرية والمينائية فاتو ضيوف هذا الموقف، قائلة إن "الاتفاقية تنتهي في 17 نوفمبر عند منتصف الليل، وحينها لن يكون لأي سفينة أوروبية الحق في الصيد بمنطقتنا الاقتصادية الخالصة ".

وأضافت ضيوف خلال تجمع سياسي، بحسب ما نقلت "وكالة الأنباء الإفريقية"، في 13 نوفمبر، "بمجرد وصولي للحكومة، طلبت تقييم الاتفاقية.. وهذا التقييم مستمر".

يشار إلى أن فردا واحدا من كل ستة أشخاص في السنغال يعمل في قطاع صيد الأسماك، لكن الصيادين المحليين يشكون من عدم قدرتهم على منافسة سفن الصيد الصناعية الأجنبية.

وعود انتخابية

وخلال الفترة 2019-2024، قدم الاتحاد الأوروبي 8.5 ملايين يورو للميزانية السنغالية، إضافة إلى رسوم مالكي السفن، كما خُصص مبلغ 900 ألف يورو سنويا لدعم تطوير قطاع الصيد.

وتمثل صادرات السنغال من الأسماك قرابة 10 بالمئة من مجمل صادرات البلاد، وتأتي في المرتبة الرابعة بعد الفوسفات والنفط والذهب، وتدر على الدولة إيرادات قُدّرت عام 2018 بأكثر من 490 مليون دولار، بحسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو).

وتسهم صناعة صيد الأسماك بنحو 1.8 بالمئة في الناتج المحلي الإجمالي للسنغال، وتوفر أكثر من 600 ألف وظيفة.

لكن السنغال تخسر قرابة 272 مليون دولار سنويا بسبب الصيد الصناعي غير القانوني من قِبل سفن أجنبية، وفقا لتقارير اقتصادية.

وشكلت إعادة التفاوض على اتفاقية الصيد مع الاتحاد الأوروبي أحد أهم الوعود الانتخابية للرئيس السنغالي الحالي، باسيرو ديوماي فاي، الذي أعلن في مايو/أيار 2024، عن نيته مراجعة شاملة لقطاع الصيد والاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي.

وأدرج ديوماي فاي في برنامجه الانتخابي، توسيع منطقة الصيد الخاصة بالصيادين التقليديين، لتصل لنحو 20 كيلومترا، أي 12.4 ميلا بحريا، لحماية الصيادين المحليين من سفن الصيد الأجنبية.

كما أعلن نيته تطوير وتنفيذ خطة وطنية لتوسيع مساحة الشعاب المرجانية الاصطناعية وتحسين إدارتها، في محاولة لوقف تدهور النظام البيئي وإعادة بنائه، بعد سنوات من الضرر الذي لحق به بسبب ممارسات الصيد الصناعي.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن ديوماي فاي قوله "سنطبّق بكل صرامة ودون أن تنازل عن أي من معايير لوائح الصيد البحري، لوضع حد للإدارة السياسية للقطاع".

وقبل التصويت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وقّع ديوماي فاي أيضا على ميثاق للصيد المستدام، إلى جانب مرشحين آخرين. 

وهو ميثاق اقترحه الائتلاف الوطني السنغالي للصيد المستدام بدعم من "منظمة غرينبيس" الدولية للبيئة خلال الحملات الانتخابية.

ويتضمن الميثاق الالتزام بالإشراف على إدارة المخزون السمكي على المستوى الوطني، ومراجعة بنود اتفاقية الصيد الموقعة مع الاتحاد الأوروبي، وتخصيص جزء من إيرادات قطاعي النفط والغاز لقطاع صيد الأسماك.

من جهته، انتقد رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو "القوارب الأجنبية التي تنهب كل ثروات البلاد".

ووعد خلال لقاء في مدينة مبور مطلع نوفمبر، بإعادة التفاوض على اتفاقيات الصيد مع الاتحاد الأوروبي، وذلك “حتى يستفيد السنغاليون بشكل أكبر” من موارد الصيد في البلاد.

وأعلن سونكو، في الوقت نفسه، أنه "مع انتخاب الرئيس ديوماي فاي، أبلغت السنغال بالفعل الاتحاد الأوروبي برغبتها في مراجعة هذه الاتفاقيات، من أجل ضمان استفادة السنغال من 80 بالمئة على الأقل من موارد الصيد".

تفاعلات متعددة

رئيس حملة المحيطات في منظمة "السلام الأخضر"، يشير أليو با، أكد أنه “نظرا للاستغلال المفرط لسمك النازلي بالمياه السنغالية، لم يعد مقبولا تجديد الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي بشأن هذا المورد”.

وأوضح أليو با لـ"الاستقلال" أن “قوارب التونة وصيد الأسماك الصغيرة التي تقوم بها السفن الأوروبية لم تحترم اللوائح المنظمة للقطاع”، معربا عن استغرابه من "صمت المفوضية الأوروبية تجاه الاختلالات المسجلة".

وأكد أن “الأمر لا يتعلق بالكمية فقط، بل أيضا بتأثير هذه الاتفاقيات على الوعي الشعبي؛ حيث عانى الفاعلون في مجال الصيد منذ فترة طويلة من القوارب الصناعية الأجنبية، مما جعلها لا تحظى بقبول شعبي في البلاد”.

واستطرد: “كما أن السفن الأوروبية متهمة بالاستغلال المفرط لموارد السنغال البحرية، فضلا أن التعويض أو العائد المالي الذي تتلقاه البلاد منخفض للغاية مقاربة بالتداعيات السلبية الناجمة عن الاتفاقية”.

وذكر أليو با، أن “خروج السفير الأوروبي يدخل في إستراتيجية اتصال من الاتحاد بهدف سحب البساط من تحت الحكومة السنغالية، من خلال تقديم الاتحاد على أنه المبادر لإنهاء هذه الاتفاقية”.

غير أن رئيس منصة الصيادين الحرفيين في السنغال، كريم سال، قال إنه “لا يعرف من يقول الحقيقة في ظل تناقض الروايات بين الجانبين، لكن المهم هو أن ينتصر الصيادون ومصالحهم في النهاية”، معتبرا أن "إنهاء هذه الاتفاقيات أمر جيد للغاية".

وذكر سال لموقع "لو بوان" الفرنسي في 20 نوفمبر 2024، أن “عموم المواطنين السنغاليين في البلاد يرحبون بهذا القرار، وكذلك الشأن بالنسبة للصيادين، خاصة أنه يأتي بعد سنوات من نضالهم ضد الاتفاقية”.

وأوضح أن "القطاع الذي يوظف نحو 600 ألف شخص ويشكل نشاطا رئيسا في البلاد (اقتصاديا وثقافيا)، يعيش أزمة، ومن ذلك ندرة الأسماك، والإفراط في استغلال موارد الصيد، وتعدد المخاطر التي تهدد المياه السنغالية التي تعد من أغنى المياه في العالم".

وقال سال إن الصيادين الذين يمارسون بشكل رئيس الصيد التقليدي على متن الزوارق، "يرجعون هذا الضرر بشكل خاص إلى اتفاقيات الصيد هذه".

وأبرز أن "العديد منهم من بين آلاف المهاجرين غير النظاميين حاولوا العبور إلى أوروبا في السنوات الأخيرة، بعدما لم يعد الصيد يسمح لهم بكسب لقمة عيشهم، وهذا وضع كارثي، فضلا أنه يشكل أيضا تهديدا للأمن الغذائي في السنغال".

وتأسف سال لقلة معرفة الصيادين المحليين بمضمون هذه الاتفاقيات، والتي يضاف إليها الخطاب السياسي خلال الفترات الانتخابية، والذي لا يكون مساعدا لمعرفة حقيقة وتفاصيل الوضع.

ونبه إلى أن “الغموض لا يكتنف المجال في علاقته بالاتحاد الأوروبي فقط، بل أيضا ما تعلق بالمنافسة غير العادلة من قبل القوارب الصناعية الأجنبية ذات الأصل الآسيوي، والتي ترفع العلم السنغالي، وتخدم مصالح بعض الشخصيات السياسية في البلاد”.

وشدد سال على أن عملية التدقيق التي أمرت بها الحكومة في وقت سابق بشأن قطاع الصيد البحري، يجب أن تلقي الضوء على هذه الإشكالات، وصولا لاتخاذ إجراءات تعالج ما يعيشه القطاع من اختلالات.

أبعاد مستقبلية

من جانبه، دعا مدير المحيطات في منظمة السلام الأخضر، إلى "وضع حد لهذا النوع من الاتفاقيات المتعلقة بالموارد الطبيعية بشكل عام، بما يشجع البلدان على تطوير الاستغلال المستدام من خلال صناعة المعالجة التي تخلق فرص عمل محلية".

وقال أليو با، إن "تصدير الموارد الطبيعية الخام يعني تصدير الوظائف"، معبرا عن أمله أيضا في أن تأتي نتائج المراجعة الحكومية للقطاع بأشياء إيجابية لصالح الصيادين المحليين وعموم الساكنة.

فيما ركزت مجلة "جون أفريك" الفرنسية، على الأبعاد المستقبلية لهذا القرار وتداعياته الاقتصادية.

وقالت المجلة في 19 نوفمبر 2024 إنه "مع مغادرة سفن الصيد الأوروبية المياه السنغالية، بدأت رياح التغيير تهب على اتفاقيات الصيد المبرمة بين الاتحاد الأوروبي والعديد من البلدان الإفريقية".

وذكرت أن "هذه العقود، الضرورية لصناعة صيد الأسماك الأوروبية، تثير المزيد والمزيد من الجدل بشأن تأثيرها البيئي والاقتصادي على البلدان الإفريقية الشريكة.

وبخصوص السنغال، ذكرت “جون أفريك” أن “الاتفاقية الموقعة معه، ورغم عائدها الاقتصادي، إلا أنها تعرضت لانتقادات بسبب تأثيرها على موارد الصيد المحلية”.

وأوضحت أنه “بالإضافة إلى السنغال، ما تزال هناك العديد من الاتفاقيات المماثلة بين الاتحاد الأوروبي ودول إفريقية أخرى، خاصة مع موريتانيا والمغرب وغينيا بيساو وسيشيل”.

وأبرزت أن "هذه العقود تسمح للأساطيل الأوروبية، خاصة الإسبانية والفرنسية، باستغلال المياه الغنية بالأسماك في إفريقيا مقابل الإتاوات. ومع ذلك، فإن التشكيك في هذه الشراكات يمكن أن يمتد إلى بلدان أخرى لأسباب مماثلة".

وبشأن موريتانيا، وهي أكبر شريك للاتحاد الأوروبي في مجال الصيد في إفريقيا، بعقد سنوي بقيمة 60 مليون يورو، نقلت المجلة الفرنسية أن الانتقادات الموجهة إلى استنزاف الموارد وانخفاض الفوائد المحلية تكتسب المزيد من القوة.

وأضافت “وكذلك الشأن في غينيا بيساو، والتي رغم أهمية الاتفاقية بالنسبة للإيرادات العامة للبلاد، إلا أن المخاوف المتزايدة بشأن الاستغلال المفرط للأرصدة السمكية قد تؤدي إلى إعادة النظر فيها”.

وتوقفت المجلة عند حالة المغرب، معتبرة أن التوترات المتعلقة بالصيد في إقليم الصحراء الغربية “تؤدي إلى تعقيد تمديد الاتفاق الحالي”.

وقالت إن المكاسب المالية لإفريقيا من اتفاقها مع الاتحاد أقل من الخسائر البيئية والاقتصادية، حيث إن الأرصدة السمكية تتراجع، الأمر الذي يجعل الصيد الحرفي أقل ربحية، في حين يحد الاعتماد على الإتاوات الأوروبية من البدائل الاقتصادية.

ورأت جون أفريك أن "المبادرات المحلية والإقليمية بشأن إعادة النظر في الاتفاقيات تهدف بالفعل إلى تعزيز الإدارة المستدامة لموارد مصايد الأسماك، من خلال تفضيل الصيد الحرفي وتعزيز القدرات المحلية".

وخلصت إلى أنه بالنسبة للاتحاد الأوروبي، يصبح من الضروري أن يعيد تقييم سياساته لإيجاد التوازن بين احتياجاته الصناعية واحترام النظم البيئية والاقتصادات الإفريقية.