رقابة هشة.. لماذا فشلت إيران في كشف عملاء الموساد قبل الهجوم الإسرائيلي؟

"وجود طائفة يهودية مقيمة في إيران ربما أسهم في تجنيد العملاء"
الحرب الإسرائيلية على إيران منذ 13 يونيو/ حزيران 2025 كشفت حجم الاختراق الأمني الواسع في الداخل من ناحية زراعة العملاء على مدى سنوات، وقدرتهم على المشاركة في تنفيذ هجمات تزامنية مع الهجوم الإسرائيلي دون وصول الاستخبارات الإيرانية إليهم.
وأكد نائب رئيس جمعية سائقي الشاحنات الإيرانية، جلال موسوي، أن بعض العملاء الذين أوقفتهم طهران أخيرا، كانوا قد انغمسوا بين سائقي شاحنات قبل 3 سنوات.
وقال موسوي لوكالة أنباء العمال الإيرانية "إيلنا" في 18يونيو، إن "بعض عملاء الموساد كانوا سائقي شاحنات في إيران على مدى السنوات الثلاث الماضية".
وأفاد بأن “بعض مالكي الشاحنات سلموا مركباتهم -دون علم- لهؤلاء الأشخاص”، لكنّه شدد على ضرورة “عدم تعميم هذه الحالات على جميع السائقين”.
عملاء الموساد
وألقي القبض على سائقي شاحنات في إيران بتهمة العمل لصالح جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي "الموساد".
وتشن إسرائيل هجمات جوية على مناطق مختلفة في إيران أدت إلى مقتل قادة في الصف الأول من هرم القيادة العسكرية والسياسية بينهم قائد الحرس الثوري حسين سلامي، وعدد من العلماء النوويين وعشرات المدنيين.
واستخدمت إسرائيل طائرات مسيرة بعضها أطلق من داخل إيران عبر العملاء على أهداف بشرية وحيوية، وذلك بشكل متزامن مع الهجمات الجوية.
وتحدثت وسائل إعلام عبرية بأن جهاز "الموساد" أنشأ "قاعدة للطائرات المسيرة" قرب العاصمة طهران.
وعقب ذلك، كشفت السلطات الإيرانية عن ورشة سرية مكونة من 3 طوابق يشتبه بأن "عملاء إسرائيليين" يستخدمونها لتصنيع وتجميع "طائرات مسيّرة صغيرة" ومواد متفجرة.
وبث التلفزيون الإيراني مشاهد من مداهمة جرت في الورشة بمدينة ري قرب العاصمة؛ حيث عُثر على عدد كبير من قطع الطائرات المسيرة والمتفجرات.
وقد استخدمت إسرائيل هذه المسيرات في شن هجمات بالتزامن مع القصف الجوي على مناطق إيرانية.
يشار إلى أن استهداف قادة عسكريين إيرانيين بعينهم أثناء الهجوم الإسرائيلي الأخير، كشف وجود عملاء نشطين يتحركون على الأرض ويعطون الإحداثيات الدقيقة لاستهدافهم.
ففي 13 يونيو 2025، نشرت وسائل إعلام إسرائيلية صورا قالت: إنها لعملاء من الموساد وهم يركّبون أنظمة أسلحة هجومية داخل إيران، في خطوة غير مسبوقة تكشف عمق الاختراق الأمني.
لكن قوات الأمن الإيرانية تمكنت من تعقب بعض عملاء "الموساد" أثناء الحرب؛ حيث وقع اشتباك مسلح بين قوات الأمن وعناصر يشتبه في صلتها بالاستخبارات الإسرائيلية في مدينة ري جنوب طهران في 18 يونيو 2025.
كما أعلنت السلطات توقيف مجموعة من الأشخاص قالت: إنهم كانوا يمارسون أنشطة تجسسية لصالح "الموساد".
وقالت وكالة “مهر” الإيرانية: إن "الأمن أفشل مخطط خلية يشتبه في صلتها بالاستخبارات الإسرائيلية كانت تنوي تنفيذ عمليات إرهابية".
وأوضح نائب قائم مقام مدينة بخارستان في محافظة أصفهان، مراد مرادي، أنهم ألقوا القبض على المجموعة أثناء دخولها إلى المدينة.
وأشار مرادي في تصريحات نشرتها وكالة “تسنيم” المحلية في 18 يونيو، إلى ضبط كمية كبيرة من المواد المتفجرة ومسيرات صغيرة مزودة بنظام استهداف، وأسلحة حربية متطورة ومعدات اتصالات متقدمة وأنظمة تحكم عن بُعد، خلال تفتيش السيارة التي كانت المجموعة تستقلها.
وأوضح أن المجموعة “كانت تخطط عبر تلك المعدات لتنفيذ هجمات انتحارية واسعة النطاق في مناطق مكتظة بالسكان”.
"سلاح رئيس"
منذ بدء الضربات الإسرائيلية، اعتقلت السلطات 28 شخصا في طهران واتهمتهم بالتجسس، وتم إعدام رجل بناء على هذه التهمة، فيما بدا أنه “رسالة إلى أي متعاون محتمل”.
وجاءت موجة الاعتقالات في وقت تعاني فيه طهران من صدمة الكشف عن قيام عملاء "الموساد" بتهريب أسلحة إلى إيران قبل الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق واستخدامها لاستهداف البلاد من الداخل.
وتزايدت الشكوك الإيرانية منذ ذلك الحين إلى درجة أن وزارة الاستخبارات طلبت من المواطنين الإبلاغ عن أي أنشطة مشبوهة وأصدرت إرشادات حول كيفية اكتشاف المتعاونين.
وحثَّ بيان صادر عن الوزارة الإيرانيين منتصف يونيو 2025 على توخي الحذر من الغرباء الذين يرتدون أقنعة أو نظارات واقية، أو يقودون شاحنات صغيرة ويحملون حقائب كبيرة أو يصورون حول المناطق العسكرية أو الصناعية أو السكنية.
وفي مكان آخر، نشرت وكالة “نور نيوز” التابعة للدولة - والتي هي قريبة من أجهزة الأمن الإيرانية- ملصقا مكتوبا يحذر من الأشخاص الذين يرتدون "أقنعة وقبعات ونظارات شمسية، حتى في الليل" وأولئك الذين يتلقون "شحنات متكررة عن طريق البريد".
ويطلب الملصق من الناس الإبلاغ عن "الأصوات غير العادية داخل المنزل، مثل الصراخ، وصوت المعدات المعدنية، والطَّرْق المستمر والمنازل ذات الستائر المسدلة حتى أثناء النهار".
وفي ملصق آخر، نسب إلى الشرطة ونشرته وسائل الإعلام الرسمية، نصح أصحاب العقارات الذين استأجروا منازلهم أخيرا بإبلاغ الشرطة على الفور.
وضمن هذا السياق، قال رئيس مركز "رصد" للدراسات الإستراتيجية العميد المتقاعد، عبدالله الأسعد: إن "فشل إيران في كشف عملاء الموساد الذين جرى تدريبهم لهذه المهمة الكبيرة قبل سنوات يشير بما لا يدع مجالا للشك بأن تركيز إيران في السنوات الأخيرة على أذرعها في الخارج ودعمهم، أدى إلى فتح ثغرات أمنية لتجنيد إسرائيل عملاء بطرق غير مألوفة في الحروب العسكرية من الداخل الإيراني".
وأوضح الأسعد لـ"الاستقلال" أنه "عندما نتحدث عن تجميع قطع مسيرات وإعادة تركيبها داخل إيران دون كشف هذه الخلايا من قبل أجهزة الأمن، يتضح أن هذه المجموعات كانت تتحرك كالذئاب المنفردة ونجحت في تنفيذ مهام استخباراتية في ساعة الصفر".
وأردف "ربما إسرائيل نجحت في تجنيد هؤلاء العملاء من المليشيات الإيرانية التي كانت تقاتل في بعض الدول وعادوا إلى إيران كعملاء بعد تدريبهم بشكل عالٍ ودقيق لمهمات حساسة ودقيقة كالتي حدثت عقب الهجوم الإسرائيلي الأخير".
ولفت الأسعد إلى أن "عدم ضبط إيران حدودها خارج المعابر الرسمية ربما أسهم في تكوين شبكة العملاء الإسرائيلية.. إذ إنه من الواضح أن هؤلاء جرى تدريبهم لسنوات وليس لأيام أو أشهر".
ورأى أن "وجود طائفة يهودية مقيمة في إيران ربما أسهم في شراء الأراضي وتأسيس شركات عملاقة في الداخل الإيراني للمساندة في تسهيل عمليات قصف المنشآت الحيوية والبشرية في إيران عبر المسيرات".
واستطرد: “لا سيما أن تطورات الحرب أعطت إشارات واضحة على قدرة هؤلاء العملاء على إرسال المعلومات وتنفيذ المهام حتى بعد انطلاق الهجمات الإسرائيلية المتتابعة..”.
وتابع: "ما يعني أن إسرائيل استخدمت هؤلاء كسلاح رئيس في المعركة الجديدة مما زاد من حجم الأهداف ودقة إصابتها وهو الأمر الذي أظهر هشاشة الرقابة الإيرانية".
تنفيذ "الموساد" سلسلة من عمليات التخريب السرية في عمق إيران والتي أدت إلى تدمير الدفاعات الجوية وقاذفات الصواريخ الباليستية، لم تكن لتحصل لولا مشاركة مئات من عملاء الموساد داخل إيران، بما في ذلك وحدة خاصة من العملاء الإيرانيين الذين يعملون لصالح الموساد.
ففي وسط إيران، قامت وحدات كوماندوز تابعة للموساد بنشر أنظمة أسلحة موجهة في مناطق مفتوحة قرب منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية أرض-جو.
في منطقة أخرى داخل إيران، نشر الموساد سرا أنظمة أسلحة وتقنيات متطورة مُخبأة في مركبات، وعندما بدأ الهجوم، أُطلقت هذه الأسلحة ودمرت أهدافا للدفاع الجوي الإيراني، وفق ما نقل موقع “أكسيوس” الأميركي.
جذور مجتمعية
ويرى مدير مركز “الدراسات الإستراتيجية الإيرانية العربية”، مصدق بور، أن "جذور تجنيد إسرائيل للعملاء هو استغلالها لارتفاع معدلات الفقر في إيران".
وأضاف بور خلال تصريح تلفزيوني في 14 يونيو 2025 أنه "مع تردي الوضع المعيشي في إيران، فإن هناك أفرادا ضمائرهم غير وطنية مستعدون لبيع أنفسهم، وهذا ما عملت عليه إسرائيل لتجنيد هؤلاء".
وأشار إلى أن "إسرائيل في الآونة الأخيرة تمكنت من تجنيد إيرانييْن اتضح لاحقا بعد القبض عليهما أن أحدهما تم تجنيده مقابل نصف مليون دولار وأن ما دفعه للعمل مع الموساد هو المبلغ المالي لتسديده كدين عليه".
وإيران بلد يعد فيه التضخم الذي يتراوح بين 30 و40 بالمئة، والعجز في الميزانية بين 20 و25 بالمئة، والبطالة المزمنة، والانخفاض المستمر في قيمة العملة، من السمات المميزة لاقتصاده.
وفقد الريال الإيراني نحو 12 بالمئة من قيمته مقابل اليورو فور وقوع الهجوم الإسرائيلي، فيما تجاوز سعر الدولار في السوق السوداء حاجز 955 ألف ريال.
وهذا الانخفاض الحاد يضاف إلى تدهور مستمر منذ 2024؛ إذ خسر الريال أكثر من 40 بالمئة من قيمته خلال عام واحد، ليصبح من بين أضعف العملات عالميا.
من جانب آخر، فإن الهجوم ضد إيران بقيادة "الموساد"، ليس بالجديد بل أصبحت هذه البلاد منذ سنوات عرضة لمحاولات اختراق مختلفة، خاصة من قبل إسرائيل.
وقد كان استهداف العلماء النوويين عام 2020، والذي نُفذ، بحسب التقارير، باستخدام مدفع آلي مركب على مركبة، واحدا فقط من سلسلة عمليات نسبت إلى إسرائيل.
وسبق ذلك، تنفيذ الموساد عملية معقدة عام 2018 على مستودع في طهران؛ حيث استخرجوا أكثر من 100 ألف وثيقة حساسة تتعلق ببرنامج “AMAD” النووي الإيراني السري.
وفي أبريل/ نيسان 2025، كشفت صحيفة "يسرائيل هيوم" عن سرقة الموساد "الأرشيف النووي الإيراني"، عندما اقتحم عملاؤه مستودعا في قلب طهران خلال يناير/ كانون الثاني 2018، وعادوا "بنصف طن من الوثائق المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني".
واستنتج الموساد حينها أن القاسم المشترك بين هذه الوثائق هو أنها جميعها مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، فأمر رئيس الموساد آنذاك يوسي كوهين عملاءه "أن استعدوا لجلب هذه المواد إلى الوطن"، وهو ما نفذ بنجاح خلال عامين.
ويمكن القول: إن الخرق الاستخباراتي في إيران، هو مشابه لما حصل مع “حزب الله” في لبنان؛ حيث اكتشف وجود مئات العملاء المزروعين في بيئة الحزب الذي أسَّسه الحرس الثوري الإيراني عام 1982 ودعمه بالمال والسلاح.
وتمكنت إسرائيل منذ أكتوبر 2023 من اغتيال قادة من الصف الثاني وليس الثالث، قبل أن تبدأ سلسلة جديدة من الاستهدافات تركزت على الصف الأول من حزب الله وعلى رأسهم الأمينان العامان السابقان حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، جراء ضربات متفرقة في ضاحية بيروت الجنوبية.
وقُتل قرابة 80 بالمئة من قيادات حزب الله عبر عمليات اغتيال مباشرة من قبل إسرائيل في أماكن وجودهم بلبنان.
وعقب ذلك، تمكنت السلطات اللبنانية من القبض على عملاء لإسرائيل خلال الآونة الأخيرة، ووجهت لهم تهما بإعطاء معلومات وإحداثيات عن شخصيات تتبع لحزب الله وأبنية يستخدمها الأخير.
أما في قطاع غزة، فمنذ سنوات ما قبل العدوان الإسرائيلي الأخير، جفّفت وزارة الداخلية والأمن الوطني في غزة منابع العمالة وأطلقت حملات دفعت العديد من العملاء للتوبة وتسليم أنفسهم مع عقوبات مخففة، كما اعتقلت آخرين ممن لم يستجيبوا.
كما نجحت المقاومة الفلسطينية، بضرب شبكات التخابر مع الاحتلال من خلال تجفيف مصادر معلومات الاحتلال داخل القطاع، عبر حملات أمنية متلاحقة، اشتدت وتيرتها منذ عام 2014 وحتى 2023، عدا عن الدور المجتمعي المناهض للمتخابرين وعائلاتهم ومحيطهم الاجتماعي.