الصين تلغي الرسوم على الواردات من إفريقيا.. النتائج الاقتصادية والسياسية

“الصين فتحت أبوابها لاستقبال المنتجات الإفريقية عالية الجودة”
تواصل الصين سعيها لتعزيز شراكتها الاقتصادية والسياسية مع دول القارة الإفريقية، وفي هذا الصدد يأتي قرارها بإلغاء الرسوم الجمركية على واردتها من دول القارة.
وأعربت الصين، في 11 يونيو/حزيران 2025، عن استعدادها لإلغاء الرسوم الجمركية على ورادتها من دول القارة السمراء، التي تربطها بها علاقات دبلوماسية، باستثناء جمهورية استواتيني (تدعم تايوان).
وتأتي هذه الخطوة في خضمّ "حرب تجارية" تخوضها مع الولايات المتحدة الأميركية منذ أن فرض الرئيس دونالد ترامب رسوما جمركية بنسبة 34 بالمئة على واردات البلاد.
الإعلان الصيني جاء في رسالة للرئيس شين جين بينغ إلى وزراء الخارجية الأفارقة، خلال اجتماعهم بنظيرهم الصيني وانغ يي، حيث قال بينغ: إن الدول الإفريقية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع بلاده، ستمنح "إعفاء جمركيا كاملا على خطوط التعريفة الجمركية".
وسيسمح هذا القرار للدول الإفريقية، بما في ذلك الاقتصادات الكبرى مثل جنوب إفريقيا ومصر ونيجريا والمغرب والجزائر وكينيا، بتسويق منتجاتها في السوق الصينية الضخمة دون أي رسوم جمركية.
تعزيز التعاون
وأكدت وزارة الخارجية الصينية، في تصريحات صحفية عقب اجتماع مع وزراء خارجية أفارقة، أن "بكين مستعدة للترحيب في سوقها بالمنتجات عالية الجودة من إفريقيا".
وتهدف بكين من خلال هذه الخطوة إلى دعم المشاريع التنموية في القارة السمراء، وفي الوقت نفسه تصحيح الخلل في الميزان التجاري الذي يميل بشدة لصالحها؛ حيث حققت فائضا بلغ 62 مليار دولار عام 2024.
وتعد الصين أكبر شريك تجاري لإفريقيا ومستثمرها الرئيس، وأكبر دائن لها عام 2023؛ حيث بلغت قيمة صادرات إفريقيا إلى الصين حوالي 170 مليار دولار.
وفي توضيحه لعوائد القرار، قال سفير بكين لدى المغرب، لي تشانغلين، إن الهدف هو تطبيق معاملة جمركية صفرية 100 بالمئة من بنود التعريفة الجمركية لصالح 53 دولة إفريقية.
وذكر تشانغلين في مقال رأي نشره عبر موقع "الدار" المغربي في 13 يونيو 2025، أن بكين “ستوفر المزيد من التسهيلات لصادرات الدول الإفريقية الأقل نموا إلى السوق الصينية”.
وأردف “كما أبدت الصين استعدادها للعمل مع إفريقيا من أجل تعميق تنفيذ الإجراءات العشر للشراكة من أجل التحديث، وتعزيز التعاون في المجالات الأساسية، مثل الصناعة الخضراء، والتجارة الإلكترونية، والدفع الإلكتروني والعلوم والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي”.
وتابع: “بالإضافة إلى تعزيز التعاون في مجالات الأمن والمالية وسيادة القانون، من أجل دفع التعاون الصيني-الإفريقي نحو تنمية عالية الجودة”.
وأوضح السفير الصيني أن الصين لا تستخدم الرسوم الجمركية كأداة سياسية، ولذلك لم تستثنِ حتى الدول الإفريقية الأقل نموا، أو استخدام إجراءات مكافحة الإغراق والدعم كذرائع لإقامة حواجز تجارية ضد إفريقيا.
وأردف “إذ فتحت الصين أبوابها لاستقبال المنتجات الإفريقية عالية الجودة في أسواقها، من زيت الأركان المغربي إلى الأناناس القادم من بنين، ومن القهوة الإثيوبية إلى الفلفل الحار الرواندي، وكلها ستصبح سلعا مطلوبة بشدة في الصين”.
وأضاف تشانغلين “بهذا، ستزداد العلاقات التجارية بين الصين وإفريقيا متانة، وستتحسن القدرة التنافسية للمنتجات الإفريقية، مما سيسهم في تحقيق نمو اقتصادي أفضل في الدول الإفريقية”.
ووفق السفير الصيني، فإن بلاده سعت إلى التشاور العميق مع أشقائها الأفارقة، ووضعت "خارطة طريق" واضحة للتعاون الصيني-الإفريقي.
واسترسل: “في الوقت الذي تنشغل فيه بعض الدول بالسعي وراء الهيمنة، متجاهلة مصالح الدول الإفريقية وهمومها، تقف الصين بثبات على النقيض من ذلك إلى جانب إفريقيا”.
التوازن التجاري
في قراءتها للقرار، قالت مؤسِسة شركة "ديفلوبمنت ري إيماجيند"، وهي شركة استشارية تركز على إفريقيا، هانا رايدر، إن "هذا الاتفاق يتيح للدول ذات الدخل المتوسط مثل كينيا وجنوب إفريقيا ونيجيريا ومصر والمغرب، دخول السوق الصينية معفاة من الرسوم الجمركية".
وأضافت رايدر لوكالة “رويترز” البريطانية في 12 يونيو 2025، أن التجارة بين الصين وإفريقيا شهدت نموا في السنوات الأخيرة، ولكنها كانت تميل بشكل كبير لصالح الصين، التي حققت فائضا قدره 62 مليار دولار في 2024.
وتابعت: "إذا لم يكن لدينا زيادة مماثلة في الصادرات الإفريقية إلى الصين، فإن العجز التجاري سيستمر في الارتفاع"، وترى أن “المبادرة التي أعلنتها بكين يمكن أن تساعد في تحقيق التوازن التجاري”.
وخلال قمة 2024 في بكين، تعهدت الصين بتقديم 360 مليار يوان (50 مليار دولار) للاقتصادات الإفريقية على مدى السنوات الثلاث في خطوط الائتمان والاستثمارات، وهو ما يمثل عودتها إلى صفقات التمويل الكبيرة للقارة بعد فجوة مرتبطة بوباء كورونا.
وفي سياق هذه الرسائل الصينية للتعاون الاقتصادي مع القارة الإفريقية، افتتحت في مدينة "تشانغشا" الصينية أعمال الدورة الرابعة للمعرض الاقتصادي والتجاري الصيني الإفريقي، بمشاركة أكثر من 30 ألف مشارك من 53 دولة إفريقية، و11 منظمة دولية، وأكثر من 4700 شركة وجمعية تجارية، ومؤسسة مالية من الصين وإفريقيا.
ووفق موقع “قراءات إفريقية” في 15 يونيو 2025، قال وزير الخارجية الصيني: إن بلاده ستدعم بلدان القارة الإفريقية في مساعيها لتطوير "نماذج تنموية تتماشى وظروفها الوطنية".
وشدَّد على أن بكين تعتزم كذلك "تعزيز التآزر الإستراتيجي مع إفريقيا، واستكشاف فرص التكامل الاقتصادي معها".
وأضاف الوزير أن الصين عازمة على تكثيف تعاونها مع إفريقيا في إطار مبادرة الحزام والطريق، خصوصا فيما يتعلق بالقطاعات الإستراتيجية كـ"الصناعة الخضراء" و"التجارة الإلكترونية"، و"الابتكار التكنولوجي".
ويتوقع الخبير الاقتصادي المغربي، يوسف الكراوي الفيلالي، أن "يخلّف قرار إزالة الرسوم الجمركية على الواردات من الدول الإفريقية، وقعا إيجابيا على دول القارة ومنها المغرب".
وأوضح الفيلالي لـ"الاستقلال" أن "المملكة وعموم الدول الإفريقية تعاني عجزا هيكليا في ميزانها التجاري مع الصين بفعل ارتفاع كلفة الواردات مقابل انخفاض قيمة الصادرات".
وشدّد على أن "هذا القرار سيشكل فرصة لدول القارة من أجل تقوية صادراتها نحو الصين، خصوصا أن خفض الرسوم الجمركية سيخفض التكلفة العامة للمنتوجات الإفريقية".
ولم يستبعد الخبير الاقتصادي أن تصل بعض الدول الإفريقية عند تطبيق هذا القرار إلى تحقيق فائض في الميزان التجاري مع هذه الدولة الآسيوية.
وأكد أن "هذا الإجراء في صالح الصين في نهاية المطاف ما دامت تستورد مجموعة من المواد الأولية الخام التي يحتاجها قطاعها الصناعي، وأساسا المواد التي تصدرها إلى الخارج، من الدول الإفريقية".
وخلص الفيلالي إلى أن "القرار إيجابي عموما بالنسبة لدول قارة إفريقيا؛ لأنه سيمكنها من مضاعفة صادراتها إلى الصين".
نظرة غربية
وتساءل موقع "إر إف إي" الفرنسي عن حجم وتأثير إعفاء الصين من الرسوم الجمركية، مجيبا أنه "لم يتضح بعدُ القطاعات التي ستتأثر بهذا الإعلان".
وأضاف عبر تحليل نشره في 13 يونيو 2025، أن "الدول الإفريقية تُصدر إلى الصين بشكل رئيس المواد الخام والمعادن والنفط، وهي سلع ذات قيمة مضافة منخفضة".
وعليه، تساءل الموقع إن “كانت الصين ستسمح فعلا بإعفاءات جمركية لسيارات جنوب إفريقيا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل ستكون سياراتها قادرة على المنافسة بما يكفي لتوليد الطلب في الصين؟" موضحا "كل هذا يبقى افتراضيا”.
وأشار إلى أنه “منذ عام 2005 استفادت أكثر من 20 دولة إفريقية من أقل البلدان نموا من الإعفاءات على كل صادراتها تقريبا، إلا أن التأثير ظل هامشيا”.
ونبَّه المصدر ذاته إلى أنه “من الممكن أيضا أن تشجع هذه التخفيضات في التعريفات الجمركية البلدان الإفريقية على البقاء في النظام الحالي، أي البقاء في اقتصاد استخراجي بدلا من التحرك نحو التحول”.
وفي الاتجاه نفسه، قال موقع "لوموند" الفرنسي في 14 يونيو 2025: إن "التوقعات بشأن تأثير إعلان بكين تبقى محدودة".
وأوضح: "فلا يزال يتعين ربطه باتفاقية اقتصادية جديدة لا يُعرف محتواها الدقيق ولا موعد دخولها حيز التنفيذ".
وأشار الموقع إلى أن "الاقتصادات الأكثر تقدما صناعيا، مثل جنوب إفريقيا والمغرب وكينيا، ستستفيد بلا شك إلى حد ما من هذا الوصول التفضيلي إلى السوق الصينية".
واستدرك: "ولكن فقط لعدد قليل من المنتجات، لا سيما في قطاع الأغذية الزراعية، إذ يبدو من الصعب على سيارة جنوب إفريقية أو بنطال جينز كيني منافسة نظيراتها الصينية. بشكل عام".
وخلصت لوموند إلى أن خفض الرسوم الجمركية “إن كان له تأثير، فسيكون بالضرورة هامشيا للغاية”.
مصالح إستراتيجية
ويرى موقع “صوت إفريقيا” (مقره واشنطن) أن قرار الصين ليس اقتصاديا فحسب، بل هو قرار إستراتيجي بامتياز.
وأوضح الموقع في 12 يونيو 2025، أنه "مع تباطؤ نمو الاقتصاد المحلي وارتفاع نسبة الشيخوخة السكانية، تتجه البلاد نحو إفريقيا كمصدر للمواد الخام وسوق لمنتجاتها المصنعة وحلولها التكنولوجية".
وذكر أن "هذه الخطوة تعزز أيضا نفوذ الصين في دول الجنوب العالمي، مُعارضة نماذج التجارة والمساعدات الغربية التي هيمنت لعقود وتُمثل تناقضا صارخا مع الولايات المتحدة التي فرضت أخيرا رسوما جمركية باهظة تصل 50 بالمئة على مجموعة متنوعة من السلع المستوردة، بما في ذلك بعض السلع الواردة من دول إفريقية".
وأضاف "لذلك يُنظر إلى هذه البادرة الصينية على نطاق واسع على أنها محاولة لتصوير نفسها كشريك أكثر ثباتا وموثوقية لإفريقيا".
ونقل الموقع أن “القادة الأفارقة نظروا لعرض الصين بإيجابية، لكنهم دعوا إلى توسيع نطاق العلاقة إلى ما هو أبعد من مجرد المواد الخام”.
واستطرد: "في هذا الصدد حثّ رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، من بين آخرين، الصين على دعم جهود إفريقيا في التصنيع من خلال استيراد المزيد من المنتجات المصنعة وذات القيمة المضافة بدلا من السلع غير المصنعة".
وأوضح المصدر ذاته، أن "إلغاء الرسوم الجمركية إذا طُبق بفعالية فقد يشجع دول إفريقيا على توسيع قطاعات التصنيع والتصنيع الزراعي، مما يعزز التنوع الاقتصادي ويقلل الاعتماد على صادرات السلع الخام، كما قد يساعد رواد الأعمال الأفارقة على الاندماج بشكل أكبر في سلاسل التوريد العالمية".
ومع ذلك، يضيف الموقع، "ما تزال هناك تحديات قائمة، فالعديد من الدول الإفريقية تفتقر إلى البنية التحتية والقدرات اللازمة لتوسيع نطاق الإنتاج أو استيفاء معايير الجودة الصينية، وبدون استثمارات إستراتيجية في التنمية الصناعية والخدمات اللوجستية وتسهيل التجارة، قد لا تتحقق الفوائد الكاملة من الوصول المعفى من الرسوم الجمركية".
وذكر "صوت إفريقيا" أن لهذا الإعلان أيضا "تداعيات جيوسياسية كبيرة، فهو يُبرز دور الصين المتنامي كقائد اقتصادي عالمي ولاعب رئيس في تنمية إفريقيا، وقد تؤثر هذه السياسة على اقتصادات رئيسة أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لإعادة النظر في علاقاتها التجارية مع إفريقيا للحفاظ على قدرتها التنافسية".
وعلاوة على ذلك، يعزز القرار مكانة الصين في منتديات مثل منتدى التعاون الصيني الإفريقي ومبادرة الحزام والطريق، حيث أكدت باستمرار على التنمية المتبادلة والاستثمار في البنية التحتية والتعاون "المربح للجانبين".
المصادر
- الصين تفتتح معرضا اقتصاديا بمشاركة 53 دولة إفريقية
- إلغاء الرسوم الجمركية سيتيح فرصًا أكبر لإفريقيا
- China says it will remove all tariffs on African exports to boost trade
- La Chine compte supprimer les droits de douane sur les exportations venant de 53 pays d'Afrique
- La Chine entend supprimer les droits de douane pour la quasi-totalité des pays africains