باكستان تدعو العالم الإسلامي لمواجهة إسرائيل.. هل يتشكل محور عسكري جديد؟

"إيران وباكستان يقيمان علاقات تحمل بطياتها التنافس الإستراتيجي والجيوسياسي بينهما"
مع توسيع حجم الضربات العسكرية الإسرائيلية لإيران، وغموض حدودها وأهدافها من الناحية السياسية، فقد تعالت تحذيرات باكستان وهي دولة إسلامية تمتلك السلاح النووي من أبعاد هذه الحرب.
فمنذ فجر 13 يونيو/حزيران 2025، شنت إسرائيل هجمات جوية على مناطق مختلفة في إيران أدت لمقتل قادة في الصف الأول من هرم القيادة العسكرية والسياسية بينهم قائد الحرس الثوري حسين سلامي، و6 علماء نوويين، من أصل أكثر من 80 شخصًا قتلوا في الاستهدافات.
وردا على هذه الضربات، أطلقت إيران دفعات من الصواريخ والطائرات المسيّرة نحو إسرائيل، ما أدى إلى إصابة أكثر من 70 شخصا بجروح.
وخلال اتصال مع رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، في 14 يونيو 2025، توعد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إسرائيل بـ"رد أقوى وأشد من القوات المسلحة الإيرانية" في حال واصلت ضرباتها.

لكن ما كان لافتا، هو دعوة وزير الدفاع الباكستاني خواجه آصف في 14 يونيو 2025 جميع الدول الإسلامية إلى التوحد لمواجهة "العدوان الإسرائيلي" ضد إيران.
وقال آصف خلال كلمة له في جلسة للجمعية الوطنية، حيث استنكر الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران “إيران دولة مجاورة لباكستان وتربطنا بها علاقات عمرها قرون. في وقت المحنة هذا، نقف مع إيران بكل الوسائل”، مردفا "سنحمي مصالح الإيرانيين. الإيرانيون إخواننا، ونشاركهم أحزانهم وآلامهم".
وحذر الوزير الباكستاني بالقول "إسرائيل تستهدف اليمن وإيران وفلسطين - لذا فإن وحدة العالم الإسلامي أصبحت ضرورة حتمية. إذا بقينا صامتين ومنقسمين اليوم، فسيتم استهداف الجميع في النهاية".
وشدد آصف على ضرورة "عقد اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي، وأن تتحد جميع الدول الإسلامية لمواجهة إسرائيل".
ولفت وزير الدفاع الباكستاني بالقول "حتى الشعوب غير المسلمة في الغرب تخرج في احتجاجات ضد إسرائيل. ضمائرهم قد استيقظت على عكس العالم الإسلامي".
وأكد آصف أن "باكستان حافظت على موقفها الثابت منذ اليوم الأول"، وأردف "لم نعترف بإسرائيل قط ولم نقِم أي علاقات معها".
وحث الوزير الباكستاني جميع الدول الإسلامية على "قطع العلاقات مع إسرائيل"، مضيفا "أيدي إسرائيل ملطخة بدماء المسلمين، ويجب رفض مثل هذه الأيدي".
وبصفتها الدولة الوحيدة في العالم الإسلامي التي تمتلك الردع النووي، أصبحت باكستان منذ فترة طويلة "الركيزة الروحية" للعالم الإسلامي.

العلاقات الباكستانية الإيرانية
وتمر العلاقات الباكستانية الإيرانية، بمنحنيات من الصعود والهبوط منذ تأسيس باكستان في عام 1947 عقب تقسيم الهند إلى بلدين، حيث تعد التوترات عند الحدود بينهما هي الخاصرة الرخوة بين طهران وإسلام أباد.
وانخرطت إيران وباكستان مع العراق وتركيا وبريطانيا في “حلف بغداد” الذي تأسس عام 1955 لتطويق الاتحاد السوفيتي، وهو الحلف الذي استمر حتى عام 1979 حين انسحبت إيران منه بعد اندلاع الثورة.
وخلال حقبة الحرب الباردة، انحازت إيران علنا إلى باكستان في حروبها مع الهند، وقدمت لها مساعدات اقتصادية وعسكرية.
وأخيرا مع تبني إيران لسياسة التوجه شرقا، فقد احتاجت إلى باكستان في توسيع تعاونها مع الصين، فجميع خطوط السكك الحديدية والطرق السريعة التي تربط إيران بالصين تمر عبر الأراضي الباكستانية، كما أنه جرى عام 2024 افتتاح خط أنابيب الغاز الباكستاني - الإيراني، المعروف باسم “خط السلام”، وهو مشروع طويل الأجل بين طهران وإسلام آباد.
وباكستان يعيش فيها نحو 40 مليون شيعي، من أصل عدد سكان البلاد البالغ 250 مليونا، فيما غالبية سكان إيران من الشيعة البالغ عددهم 84 مليون نسمة.
وأمام التصعيد الإسرائيلي تجاه طهران، فإنه من غير المعروف وفق الخبراء حدود هذا الهجوم الجديد على إيران، لا سيما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال بعد قصف إسرائيل أكثر من مئتي موقع عسكري ونووي في إيران ضمن عملية سميت "الأسد الصاعد" "نحن نتحرك بكامل قوتنا للقضاء على هذا التهديد المزدوج على دولة إسرائيل"، في إشارة إلى برنامجي طهران النووي والصاروخي.
وقد كان لافتا أن نتنياهو رفع خلال كلمة مصورة بثت في 13 يونيو 2025 من نبرة الحديث بقوله "حان الوقت لكي يتوحد الشعب الإيراني حول علمه وإرثه التاريخي، بالانتفاض من أجل تحرركم من النظام القمعي والشرير".
وقد وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الهجوم الإسرائيلي على إيران بـ"الممتاز"، وطالب طهران بالإسراع في التوصل لاتفاق بشأن برنامجها النووي مع واشنطن.
كذلك، فإن مسؤول إسرائيلي "رفيع المستوى"، طلب عدم الكشف عن هويته، قال لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في 13 يونيو إن إسرائيل تخطط لشن عملية عسكرية على إيران تستمر 14 يوما.
وأضاف المسؤول أن "هجمات إسرائيل على إيران تشبه الأسلوب الذي تتبعه ضد المليشيات اللبنانية وحليف إيران حزب الله".
وبظل الحرب بين إيران وإسرائيل الجديدة، تبدو باكستان غير مرتاحة لهذا التصعيد، وتنظر له من بُعد إستراتيجي من ناحية تأثيره عليها مستقبلا.
إذ لم يعرف بعد مدى حجم الدور الباكستاني في الوقوف إلى جانب جارتها إيران، خاصة أن القيادة الباكستانية كثفت اتصالاتها مع طهران عقب الضربات الإسرائيلية مباشرة وتحدثت عن الوقف إلى جانب طهران "بكل الوسائل الممكنة".

"صناعة توازن عسكري"
ويطرح تعهد باكستان "بالوقوف خلف إيران" تساؤلات حول احتمالية نشوء محور عسكري جديد بالمنطقة ضد إسرائيل، انطلاقا من مصالح كلا البلدين الجارين.
وخاصة أن باكستان تنظر إلى الهند كتهديد وجودي، حيث تحتل إقليم كشمير، وتسببت في انفصال بنغلاديش، ولذا تخصص إسلام أباد الجزء الأكبر من مواردها العسكرية للحدود مع الهند.
وقد وقع فصل جديد من هذا الصراع بين باكستان والهند تعود جذوره إلى أكثر من سبعة عقود، أخيرا، حيث تصاعد التوتر بين الهند وباكستان في 22 أبريل/ نيسان 2025، عقب إطلاق مسلحين النار على سائحين في بلدة باهالغام بإقليم "جامو وكشمير" الخاضع للإدارة الهندية، ما أسفر عن مقتل 26 شخصا وإصابة آخرين.
وفي 6 مايو/أيار نفذ الجيش الهندي هجمات صاروخية على أراضٍ باكستانية، شملت منطقة "آزاد كشمير" (كشمير الحرة) الواقعة تحت السيطرة الباكستانية، وذلك بدعوى الرد على هجوم بلدة باهالغام.
وتبادل الطرفان الهجمات بعدها، حتى إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 10 مايو، توصلهما لاتفاق لوقف شامل وفوري لإطلاق النار، نتيجة وساطة أميركية.
وعد الهجوم الصاروخي الذي شنته الهند على باكستان في الساعات الأولى من يوم 7 مايو/ أيار 2025 "الحلقة الأحدث" في الصراع الطويل.
فبحسب الهيئة، كانت الهند وباكستان، حتى عام 1947، جزءا من إقليم واحد تحت الحكم الاستعماري البريطاني.
وعندما أعلنت الهند استقلالها، قُسم الإقليم إلى جزءين؛ أحدهما ذو أغلبية مسلمة؛ باكستان، والآخر ذو أغلبية هندوسية؛ الهند.
وفي ذلك الوقت، كانت نسبة المسلمين في الهند حوالي 25 بالمئة من السكان، بينما كانت الغالبية العظمى من الهندوس، إلى جانب وجود السيخ والبوذيين والمسيحيين وأتباع ديانات أخرى أقلية.
ومنذ لحظة التقسيم، تتنازع الهند وباكستان على من يملك السيادة على إقليم كشمير، كما تؤكد الهيئة الإذاعية.
كما خاض البلدان حربين بسبب ذلك، في أعوام 1947-1948 و1965، بالإضافة إلى اشتباكهم في أزمة كارجيل عام 1999 في كشمير.
كما أن كلا البلدين يطالب بالإقليم كاملا، فيما يدير كل منهما حاليا أجزاء مختلفة منه، علاوة على ذلك، ينوه التقرير إلى أن نزاعا اندلع بينهما، في عام 1971، عندما تدخلت الهند لدعم باكستان الشرقية -التي أصبحت اليوم بنغلاديش- في حرب استقلالها عن باكستان.
وأدى هذا التقسيم إلى موجة عنف خلفت نحو مليون قتيل و15 مليون لاجئ، ولا تزال تداعيات هذا الحدث ممتدة حتى يومنا هذا.
وضمن هذا السياق، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي، أحمد الهواس، لـ "الاستقلال"، أنه "بسبب صراع باكستان مع الهند، فالهند تشترك مع إسرائيل في تكنولوجيا السلاح لا سيما المسيرات، وفي الحرب الأخيرة في نيسان 2025، كان اعتماد الهند على المسيرات الإسرائيلية".
وأضاف الهواس، أن "باكستان تريد صناعة توازن عسكري مع الهند، فضلا عن أن نسبة كبيرة من سكان باكستان من الشيعة ويدينون بالولاء لإيران، ومنهم قادة عسكريون في الجيش الباكستاني".
واستدرك الهواس قائلا "باكستان حين تعلن الوقوف إلى جانب إيران بكل الوسائل الممكنة، تعي تماما أنه لا يمكنها استخدام السلاح النووي في هذا الصراع، وهي لن تدخل عسكريا إلى جانب إيران، ولكنها نوع من الرسائل منها للهند، ومنها لإسرائيل".
ورأى الهواس أن "التحالف راهنا ليس واردا بين إيران وباكستان، وإنما يدور هذا الوقوف من إسلام أباد تجاه طهران، ضمن دائرة الرسائل الموجهة للهند بأن ثمة حليفا سيكون إلى جانب الباكستان في أي نزاع مع الهند".
وكذلك "هناك رسائل من باكستان إلى إسرائيل مفادها إن كنتم تخشون من النووي الإيراني فإن باكستان الدولة النووية ستكون إلى جانب إيران"، وفق الهواس.

"علاقة دون التحالف"
إن الحرب المتصاعدة بين إسرائيل وإيران، وهي الأكبر شدة من ناحية طبيعة الاستهدافات البشرية للقادة العسكريين الإيرانيين، أو ضرب مواقع إستراتيجية إيرانية من منشآت نووية، تثير المخاوف من خطر اندلاع “حرب مدمرة”، حسبما حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال اتصال مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في 14 يونيو 2025.
كما أعربت المملكة العربية السعودية في بيان لخارجيتها “عن إدانتها واستنكارها الشديد للاعتداءات الإسرائيلية السافرة تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشقيقة التي تمس سيادتها وأمنها وتمثل انتهاكاً ومخالفة صريحة للقوانين والأعراف الدولية”.
ويقول مراقبون إن باكستان تخشى من أنه في حال إضعاف إيران تماما، وتقليم قدراتها العسكرية، أن يفتح المجال مستقبلا لتهديدات تطالها، في ظل وجود تهديد دائم من دولة جارة لها وهي الهند.
ومع ذلك، فإن التطورات الحاصلة وفق المراقبين، لا تصل لمرحلة بناء تحالف عسكري جديد بين إيران وباكستان.
وهذا ما يشير إليه الباحث في الشأن الإيراني عمار جلو بقوله لـ"الاستقلال" إنه "رغم كون العلاقات الباكستانية الإيرانية تتضمن بعض التعاون وكثير من التنافس، وتوترات حدودية، إلا أن إيران وباكستان يقيمان علاقات وتحالفات تحمل في طياتها التنافس الإستراتيجي والجيوسياسي بينهما، ومنها علاقة إيران القوية مع الهند، في مواجهة العلاقة القوية لباكستان مع الصين".
وأردف جلو قائلا "كذلك علاقة الشراكة الإيرانية الأرمينية، التي تواجهها أذربيجان بتحالف الأخوة الثلاثة، باكستان وتركيا وأذربيجان، علاوة عن خلافات الجانبين العميقة في أفغانستان، والاتهامات المتكررة لبعضهما البعض باحتضان ودعم قوى أو تيارات معارضة للطرف الآخر، كجيش العدل، والمجاميع البلوشية الباكستانية".
ولفت جلو إلى أن "تصريح وزير الدفاع الباكستاني بقوله (نقف إلى جانب إيران بكل الوسائل الممكنة) يتضمن نوعا من التسابق على زعامة العالم الإسلامي بين عدد من الدول الإسلامية الوازنة، كالسعودية وتركيا وإيران وباكستان، لا سيما أن تيار الإسلام السياسي في الأخير هو تيار وازن، وبهذا يمكن القول إن تطورات الحرب بين إسرائيل وإيران لا تصل لمرحلة بناء تحالف عسكري جديد بين طهران إسلام أباد".
واستدرك قائلا "كما أن العلاقة العدائية بين باكستان وإسرائيل، لا سيما بعد تعزيز حماس لعلاقاتها أخيرا مع أجنحة من تيارات الإسلام السياسي الباكستانية، في مقابل تعزيز الهند لعلاقاتها مع إسرائيل، وتجاوزها خلال حكومة مودي، القومية العنصرية، للقضية الفلسطينية، بعد زمن طويل من تبني حقوق الشعوب المناهضة للاستعمار، هو عامل مهمة في توجيه بوصلة السياسة الخارجية الباكستانية. وهو ما برز بشدة، من خلال المواقف العلنية الحادة من قبل كل من الهند وباكستان (اصطفاف نيودلهي لجانب إسرائيل، وعكسها إسلام أباد) تجاه عملية طوفان الأقصى وجميع الأحداث التي تتابعت على أثرها".
إلى جانب ذلك، وفق جلو "فإن العلاقة الصينية القوية مع كل من إيران وباكستان، قد تكون دفعت بالأخيرة لاتخاذ هذا الموقف، في ظل الضرر المحتمل للصين من هذا الصراع، والذي يحتمل توسعه، دون امتلاك بكين لأدوات ضغط مباشرة فيه".
وهو "ما قد يتماهى نوعا ما مع روسيا أيضا، التي تنظر لإضعاف أو إسقاط شريك أثبت مصداقيته خلال الحرب في أوكرانيا، وهو إيران، فيما موسكو مكبلة بقيود تحسن العلاقات الروسية الأميركية أخيرا"، وفق جلو.