عودة النازحين السوريين من الخيام إلى بيوتهم.. لماذا تسير العملية ببطء؟

"تعمل منظمات على حملات تهدف لهدم كل المخيمات ومسح هذا الوجع"
ما تزال مشاهد عودة السوريين من مخيمات النزوح في الشمال عند الحدود التركية مستمرة إلى مدنهم التي هجروا منها، تجسيدا منهم "لاكتمال النصر" عقب سقوط طاغية هذا البلد.
ومنذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، أطلقت منظمات محلية مبادرات متعددة لتشجيع النازحين على العودة إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها بفعل آلة الأسد العسكرية عقب عام 2011.

"رجعة عز"
وقد حملت تلك المبادرات عناوين ذات مدلول إنساني واجتماعي، حيث لم يطأ بعض النازحين قراهم منذ 13 عاما.
ومن تلك العناوين "أمل العائدين، عودتهم حق، رجعة عز، العودة الكريمة، عودة الروح إلى الجسد)، وغيرها.
وتكفلت تلك المبادرات بترميم عدد من المرافق الصحية والخدمية الرئيسة في بعض المناطق المدمرة لتسهيل عودة المهجرين من مخيمات الشمال السوري إلى قراهم ومناطقهم.
قبيل سقوط نظام الأسد كان يعيش في شمال غربي سوريا (الشمال السوري) 5 ملايين نازح، أغلبهم في مخيمات تنتشر بريف إدلب وحلب، ويصل عددها إلى أكثر من 1900 مخيم تتألف من خيم قماشية أو في بيوت بدائية مبنية من الألواح الخشبية أو الكرفانات (البيوت المؤقتة).
ويعاني هؤلاء من نقص المواد الغذائية التي يتلقونها أو تراجع الخدمات بشكل جلي منذ انخفاض نسبة الدعم الدولي للمنظمات العاملة شمالي غرب سوريا إلى أكثر من 90 بالمئة وفق تقديرات يناير/كانون الثاني 2024.
ومع سقوط النظام، فكك العديد من النازحين المخيمات كما حطموا بيوت الطوب، في رسالة واضحة على مسح حقبة الشتات القاسية من حياتهم.
إذ عانى النازحون على مدى أكثر من عقد من الزمن وهم في المخيمات من البرد شتاء وارتفاع درجات الحرارة صيفا، علاوة على قلة الطعام والشراب والمياه النظيفة والرعاية الطبية.
وكشفت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في أبريل/نيسان 2025 أن أكثر من مليون نازح داخلي في سوريا عادوا إلى مدنهم وقراهم منذ سقوط نظام الأسد، إضافة إلى حوالي 400 ألف سوري عادوا من دول الجوار.
وبذلك، وصل إجمالي عدد السوريين الذين عادوا إلى ديارهم إلى أكثر من 1.4 مليون شخص.
وعادت 90 أسرة مهجرة من مخيمات الشمال إلى بلدة التريمسة بريف حماة، ضمن حملة "رجعة عز 3 " بدعم من الحكومة ومنظمات إنسانية.
وقال المنسق العام والمشرف على القافلة سهيل جمعة لصحيفة "الوطن" المحلية في 3 يونيو 2025 إن هذه القافلة ضمت نحو 90 أسرة عدد أفرادها نحو 508، قدموا من مخيم "لأجلكم" في قاح بريف إدلب، إلى التريمسة.
وأوضح أن الأسر عادت لمدينتها رغم ما تعرضت له من دمار وخراب نتيجة قصف نظام الأسد المخلوع الذي جعل وضعها سيئًا جدًا.
ولفت جمعة إلى أن العائدين بحاجة ماسة لدعم إسعافي إغاثي لتأمين مقومات الحياة ولو بالحد الأدنى، وإلى دعم مادي يشمل ترميم البيوت المدمرة كليا أو جزئيا.
كذلك، عادت حوالي 100 عائلة مهجرة إلى مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي، ضمن قوافل حملة "عودة الروح إلى الجسد" في نهاية مايو/أيار 2025، قادمة من مخيمات ريف إدلب الشمالي، بعد رحلة نزوح استمرت حوالي 5 سنوات.
وقالت الحملة: إن "فاعل خير" تكفل بنفقة نقل العائلات إلى المدينة ضمن قافلة حملت عنوان "في خان شيخون العيد أحلى".
وهذه القافلة هي الخامسة على التوالي من قوافل الحملة، ضمن مساعي القائمين عليها لتوفير نفقات النقل على العائلات المهجّرة التي تعاني وضعا معيشيا صعبا.
منذ مارس/آذار 2025 ومع بدء تغير حالة الطقس في سوريا وارتفاع درجات الحرارة، غادرت عشرات القوافل التي تحمل عائلات نازحة إلى مدنهم الأصلية في مختلف المحافظات.

"هدم آخر خيمة"
وبدا واضحا في كل المخيمات المنتشرة بالشمال السوري تناقص أعداد النازحين حيث بدت بعض الخيام والبيوت المتواضعة مهجورة.
وقرب قرية قاح المحاذية للحدود التركية في محافظة إدلب المجاورة، يخلو أحد المخيمات تدريجيا من قاطنيه، حيث تظهر صور جوية عشرات الخيم التي بقيت فقط بجدرانها دون سكانها.
وقد انتشرت مقاطع مصورة لنازحين وهم يهجرون المخيمات ويعلنون العودة إلى مدنهم.
وفي مشهد مؤثر، مزق مهجر في أحد مخيمات الشمال السوري، في 17 مايو 2025 خيمة النزوح قبل أن يصدح قائلا: "وأخيرا تخلصنا من النزوح والتهجير، يحرق روحك يا أسد.. البلاد بلا الأسد".
ورغم انعدام الكهرباء والمياه الجارية، يفضل هؤلاء العودة لمنازلهم المدمرة، حتى لو اضطروا إلى تغطيتها بشوادر بلاستيكية.
وضمن هذا السياق، قال ناصر عبيد وهو نازح منذ 13 عاما استقر به المطاف بمخيم الكرامة شمال إدلب "لقد انتصرنا ونريد أن نعود إلى أراضينا وبيوتنا المدمرة عودة أبدية لأننا لم نختر هذا المصير".
وأضاف عبيد وهو أستاذ مدرسة قرر العودة إلى بلدته تريمسة بريف حماة: "يكفينا نزوح.. نعود اليوم إلى بيوتنا وإن كانت حجرا على حجر؛ لأن العودة حق ومنذ سنوات نحن ننتظر هذا اليوم".
وأشار لـ “الاستقلال” إلى أن "كثيرا من النازحين العائدين نصبوا خياما فوق ركام بيوتهم المدمرة كخطوة أولى لإعادة بناء منازلنا وإن كان بشكل مؤقت".
ولفت إلى أن "الدمار الكبير في المنازل والبنى التحتية وفقدان مقومات الحياة الأساسية من بنى تحتية وشبكات كهرباء وصرف صحي يعيق عمليات العودة".
وأردف قائلا "الإعلان أن القرى المدمرة بسوريا باتت صالحة للعيش مجددا سيكون إيذانا بهدم آخر خيمة في الشمال السوري".

إعادة تأهيل
وعلى الرغم من بدء عودة الأهالي، فإن الدمار الكبير يشكل عائقا أمام استقرار العائلات ويبطئ كذلك عملية العودة.
وإلى جانب الدمار الذي خلفه نظام الأسد المخلوع، في المدن والبلدات السورية، فإن نقص الخدمات وغياب البنى التحتية يشكل تحديا إضافيا للاستقرار والعودة.
وقد عملت فرق الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" عقب سقوط الأسد على إطلاق حملة "أمل العائدين" في 3 ديسمبر 2024، وتهدف إلى تسهيل عودة المهجرين من خلال إزالة مخلفات الحرب، مثل الألغام والذخائر غير المنفجرة، وفتح الطرقات المغلقة.
وذلك لتسهم هذه الجهود في تأمين بيئة أكثر أمانا للعائدين، وتقديم خدمات الإسعاف والخدمات الصحية الأساسية.
توازيا مع ذلك، تجتهد كثير من المنظمات السورية المحلية في إطلاق حملات دعم لمساعدة العائدين لقراهم عبر التركيز على إحياء المناطق المدمرة من خلال تأمين الخدمات الأساسية للسكان وترميم المدارس وتأهيل آبار المياه.
وأيضا عبر بناء المساجد وتجهيز المراكز الصحية ومساعدتهم على العمل والزراعة من جديد، وفق ما قال مدير عمليات فريق الاستجابة الطارئة في سوريا فراس منصور في تسجيل مصور في 2 يونيو 2025.
وأضاف منصور: "نعمل على إعادة النازحين من المخيمات في الشمال السوري إلى مدنهم وقراهم وسنهدم كل المخيمات ونمسح هذا الوجع".
وتعوّل دمشق على دعم حلفائها والمجتمع الدولي من أجل إطلاق مسار التعافي الاقتصادي وعملية إعادة الإعمار، ولا سيما مع إعلان واشنطن ثم الاتحاد الأوروبي رفع عقوبات مفروضة منذ سنوات على البلاد.
ومن شأن رفع العقوبات أن يسرع تأهيل البنية التحتية، كالطرق والمستشفيات والمدارس في المدن السورية.
ولا سيما مع وجود دول عربية مستعدة لتمويلات عاجلة لدفع عجلة الاقتصاد وتحقيق الاستقرار الأمني، في وقت قدرت فيه الأمم المتحدة كلفة إعادة الإعمار بأكثر من 400 مليار دولار.
وكانت المملكة العربية السعودية وقطر أعلنتا في 27 أبريل 2025 عن تسديدهما الديون المستحقة على سوريا للبنك الدولي والبالغة نحو 15 مليون دولار.
ومن شأن سداد الديون أن يتيح للبنك الدولي إقرار مشاريع دعم لسوريا، لا سيما في مجالي إعادة الإعمار وتعافي الاقتصاد.
وفي 8 مايو 2025 أعلنت دولة قطر تقديم منحة لسوريا قيمتها 29 مليون دولار أميركي شهريا لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد، لتسديد جزء من فاتورة الأجور والرواتب الحالية للموظفين الحكوميين.
المصادر
- 100 عائلة تعود إلى خان شيخون بريف إدلب ضمن قوافل "عودة الروح إلى الجسد"
- الشريط الإخباري استمرار عودة العائلات المهجرة من المخيمات في شمال سوريا إلى قراهم وبلداتهم
- مفوضية اللاجئين: 400 ألف سوري عادوا للبلاد منذ سقوط نظام الأسد
- "نهاية سعيدة لمسلسل درامي".. سوري يمزق خيمة النزوح فرحا بالعودة لمنزله
- بيان من الخوذ البيضاء حول إطلاق حملة "أمل العائدين…نحو عودة آمنة للمهجرين"