"الإهمال الغربي" لإريتريا.. كيف يؤدي لعواقب جيوسياسية في منطقة القرن الإفريقي؟

“استمرار تراجع نفوذ واشنطن في البحر الأحمر”
في ظل التنافس العالمي على النفوذ في القارة الإفريقية، يبدو أن إريتريا بدأت تتجه بشكل متزايد نحو إيران وروسيا والصين، وهو ما يترتب عليه عواقب جيوسياسية متعددة.
ولفت تقرير نشره موقع "تيليوبوليس" الألماني إلى أن "إريتريا، الدولة الإفريقية الصغيرة الواقعة على البحر الأحمر، عادت مجددا إلى مرمى اهتمام الإستراتيجيين الغربيين".
وفي صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الليبرالية، وُصفت الدولة الإفريقية بأنها "وكيل لإيران وتشكل تهديدا للولايات المتحدة".
وعقّب الموقع الألماني: "من الواضح أن هذه التصريحات تنبع من الخوف من أن السيطرة الغربية على البحر الأحمر قد تتضاءل أكثر".
وأردف: "فبعد أن استسلمت الولايات المتحدة فعليا للحوثيين، ازدادت الأهمية الإستراتيجية للساحل الإفريقي الغربي من البحر الأحمر".
وأشار الموقع إلى أن "إريتريا، التي كانت في السابق شريكا وثيقا لإسرائيل، اتجهت منذ عام 2020 بشكل متزايد نحو الصين وروسيا وإيران"، مؤكدا أنها "ليست وحدها".
وأكمل: "فقد وقعت الخرطوم وموسكو أخيرا اتفاقا بشأن قاعدة بحرية روسية في السودان، في الوقت الذي تتعاون جيبوتي بشكل وثيق مع الصين".
شريك سابق
وأوضح التقرير أن "إريتريا، تقليديا، حافظت دائما على علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة، حتى لو كانت متوترة في بعض الأوقات".
ولفت إلى أنها "شاركت في حرب أميركا ضد العراق".
واستدرك: "لكن يبدو أن الولايات المتحدة عدت الدولة الفقيرة غير ضرورية في ظل تمركزها القوي في جيبوتي آنذاك".
"ولهذا السبب، توجهت أسمرة نحو طهران"، حسب التقرير.
وفي هذا السياق، أشار موقع "ذي كرادل" إلى أن "أسمرة منحت الحرس الثوري الإيراني، منذ عام 2008، إمكانية الوصول إلى ميناء (عصب) الإستراتيجي، الواقع مباشرة قبالة السواحل اليمنية، مما أتاح لإيران مراقبة التحركات البحرية الغربية".
وفي ذات الوقت، لفت التقرير إلى أن "إريتريا واصلت سرا مغازلة شريكها القديم، إسرائيل"، مضيفا أن "تل أبيب أنشأت مرافق مراقبة في إريتريا لمتابعة الحوثيين في اليمن".
وأوضح أن "الحرب التي شنتها السعودية والإمارات على اليمن عام 2015 دفعت أسمرة إلى قطع العلاقات مع إيران تماما، والاصطفاف ضد صنعاء".
واستطرد: "وبذلك، أصبح ميناء عصب عقدة لوجستية، بل وأرسلت إريتريا 400 جندي قاتلوا إلى جانب الإمارات ضد الحوثيين في اليمن".
ورغم ذلك، ذكر التقرير أن "هذه الجهود لم تلق تقديرا من الولايات المتحدة، التي كانت هي الأخرى حليفة للسعودية والإمارات".
ودللت على ذلك بأن "العقوبات التي فرضت على أسمرة عامي 2009 و2011 بقيت سارية حتى عام 2018، حيث رُفعت عقب اتفاق السلام بين إريتريا وإثيوبيا".
وهنا، تحدث الموقع عن أن "هناك شكلا من أشكال التغيير في سياسات إريتريا في هذا الصدد".
فقال: "إذا كانت إريتريا في السابق تحاول إرضاء جميع الأطراف، فقد طرأت حاليا تغييرات جوهرية".
وتابع: "ففي عام 2020، رفضت أسمرة السفير الإسرائيلي الجديد دون تقديم تفسير".
وأردف: "وفي العام نفسه، أدرجت إدارة دونالد ترامب الأولى إريتريا ضمن قائمة (حظر السفر على المسلمين)، وبعد عام، انسحبت الإمارات من إريتريا".
علاقات مزدهرة
على النقيض من ذلك، كانت العلاقات تزدهر مع الصين. حيث إن بكين التي دعمت استقلال إريتريا منذ زمن بعيد، زادت من استثماراتها في البلاد، وفق التقرير.
وأضاف: "وقد نمت التجارة الثنائية بشكل قوي، بعد توقيع أولى الاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين عام 2007، وباتت التجارة مع الصين تمثل ثلث واردات إريتريا وثلثي صادراتها، خاصة في مجالات التعدين والبنية التحتية".
وتابع: "في عام 2021 أصبحت إريتريا شريكا في مبادرة الحزام والطريق الصينية، وفي عام 2022 أصبحت الدولتان شريكتين إستراتيجيتين".
وأفاد التقرير الألماني بأن "هذا التحول تسارع بسبب استمرار الغرب في التصرف بعدوانية في المنطقة".
ودلل على هذه العدوانية بما حدث من إسرائيل عام 2021، حين انتهكت السيادة الإريترية بشن هجوم على سفينة إيرانية في المياه الإقليمية لأسمرة.
وأضاف: "كما فرضت واشنطن مجددا عقوبات على إريتريا، وهذه المرة لدعمها جارتها الكبرى إثيوبيا في حرب تيغراي".
وأوضح "تيليوبوليس" الألماني أن "إريتريا، منذ ذلك الحين، عمقت تحولها السياسي، وكانت في عام 2022 واحدة من خمس دول فقط صوتت ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا. كما أعادت علاقاتها مع طهران إلى الحياة من جديد".
وتابع: "وفي عام 2023، نشرت وزارة الإعلام الإريترية تسلسلا زمنيا دقيقا للسياسات والأفعال العدائية التي قامت بها الإدارات الأميركية السابقة".
وتحدث التقرير عما وصفه بـ"استمرار تراجع نفوذ واشنطن في البحر الأحمر، في ذات الوقت الذي لم يتعافَ فيه (محور المقاومة) المدعوم من إيران من نكساته في سوريا ولبنان".
وأشار إلى أن "جيبوتي منعت الولايات المتحدة من تنفيذ ضربات جوية ضد الحوثيين من أراضيها".
وكردّ فعل على ذلك، طرحت واشنطن فكرة الاعتراف بمنطقة "أرض الصومال"، المنفصلة عن مقديشو، وإنشاء قاعدة هناك.
وهو ما رأى التقرير أنه "إشارة واضحة إلى تضاؤل خيارات الولايات المتحدة في البحر الأحمر".