رد إيران القوي.. هل أفشل خطة أميركا وإسرائيل لتغيير النظام في طهران؟

اقترح بعض صناع القرار الأميركيين أن تدعم واشنطن "الحركات الديمقراطية" بإيران
تمثل الهدف المعلن للهجوم الإسرائيلي المباغت على إيران، بتعطيل البرنامج النووي ومنعها من تخصيب يورانيوم يكفي لصنع سلاح ذري، لكن تصريحات الساسة الإسرائيليين والأميركيين أشارت إلى هدف آخر، يكمن في إسقاط النظام نفسه.
فقد نالت الضربات شخصيات مهمة في سلسلة القيادة العسكرية في إيران وعلماء نوويين، وتبعها حملة دعائية تزعم هروب القيادات الإيرانية وعائلاتهم من البلاد، وأن النظام ينهار والشعب سيتحرك والجيش سينقلب.
وعقب الضربة الأولى ضد إيران فجر 13 يونيو/حزيران، وتصور واشنطن وتل أبيب أن النظام في طريقه للانهيار، تناثرت أحاديث عن خطة لـ "اليوم التالي" في الجمهورية الإسلامية، ونظام جديد، على غرار الخطة الفاشلة التي يحاولون تنفيذها في غزة منذ 20 شهرا.
ورغم عدم وجود خطة أميركية رسمية معلنة لتغيير النظام في إيران، تحدث الرئيس دونالد ترامب ضمنا عن نهاية "الإمبراطورية الفارسية، وذلك بعد أن بدأت إسرائيل عدوانها على طهران.
وأيضا دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكثر من مرة إلى تغيير النظام الإيراني، عبر التحريض على التحرك الشعبي.
وناقش بعض الخبراء وصانعي السياسات في الغرب إمكانية دعم ما أسموه "الحركات الديمقراطية داخل إيران"، معتمدين على وجود حالة غضب شعبي وتدهور اقتصادي، وبدأت تظهر أصوات إيرانية معارضة في الخارج استعدادا لهذا الاحتمال.

خطة لليوم التالي؟
ظهر مستويان للتصريحات المتعلقة بتغيير النظام الإسلامي في إيران، في أميركا وإسرائيل، قبل وبعد الرد الإيراني، على الضربة الإسرائيلية الأولى.
فقبل الرد الإيراني، الذي فاجأ أميركا وإسرائيل، كانت التصريحات تدور حول ضرورة ليس فقط إضعاف نفوذ إيران الإقليمي ومنعها من تطوير أسلحة نووية، بل محاولة الإطاحة بالنظام الحالي بشكل مباشر.
وتحدث ترامب ونتنياهو بوضوح عن نظام جديد في طهران ونشطت قوى المعارضة الإيرانية (مجاهدي خلق)، وخرج ولي عهد إيران السابق رضا بهلوي، ليطالب الجيش الإيراني بالانقلاب على حكم ولاية الفقيه.
ففي كلمة مصورة بعد فترة وجيزة من بدء المقاتلات الإسرائيلية في قصف المنشآت النووية وأنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، وجه نتنياهو حديثه إلى الشعب الإيراني مباشرة مطالبا إياه ضمنا بالثورة ضد الحكم.
قال: “النظام الإسلامي القاتل، الذي يقمعكم ويفقركم منذ ما يقرب من 50 عاما، يهدد بتدمير بلدنا”، زاعما أن معركة إسرائيل ضده وليست ضد الشعب الإيراني.
أضاف: "هدف إسرائيل هو إزالة التهديد الناجم عن الأنشطة النووية والصواريخ الباليستية"، لكنه قال: "نحقق هدفنا وفي الوقت نفسه نمهد الطريق لكم أيضا من أجل تحقيق حريتكم"، أي تغيير النظام.
وخاطب نتنياهو الإيرانيين قائلا: النظام لم يكن يوما أضعف من الآن، هذه فرصتكم للوقوف وإسماع أصواتكم"، كما شجع الشعب الإيراني على "الوقوف ضد نظام شرير وقمعي"، وفق وصفه.
وبعد رد إيران الذي أظهر صمودها بعد تصور انهيارها تماما، فنقلت القناة 13 الإسرائيلية عن مسؤول أمني قوله في 14 يونيو 2025: إن "أهداف العملية لا تشمل استهداف النظام"، ما يطرح تساؤلا: هل هذا تراجع عن خطة "اليوم التالي" أم مناورة؟
وقال المسؤول الإسرائيلي: "علينا التركيز على تحقيق أهداف الحرب التي حددناها لا أكثر منها، ومن بينها إلحاق الضرر بالسلاح النووي وصواريخ أرض أرض وهي لا تشمل استهداف النظام نفسه في هذه المرحلة".
وأشار إلى أنه "من الواضح أن ذلك سينتهي باتفاق وسنكون جزءا من صياغته. (المرشد الأعلى علي) خامنئي لن يستسلم وآلية النهاية ستأتي فقط بطلب أميركي واضح من إيران لوقف القتال".
ومن خلال تتبع المواقف والخطط الأميركية، لا يبدو أنه توجد سياسة رسمية لتغيير النظام في إيران، وربما هي طموحات أكثر منها خطط فعلية.
لذا أعلنت الحكومة الأميركية رسميا أنها لا تسعى إلى تغيير النظام في طهران. ومع ذلك، أعرب البعض داخلها وبين حلفائها عن رغبتهم في رؤية إيران "أكثر ديمقراطية وأقل تهديدا".
واقترح بعض صناع القرار والخبراء الأميركيين أن تدعم الولايات المتحدة "الحركات الديمقراطية" داخل إيران.
مثل تقديم الدعم لمنظمات المجتمع المدني، وجماعات حقوق الإنسان، وغيرها من المنظمات غير الحكومية التي تعمل من أجل التغيير داخل إيران، ولكن هذا النهج يبدو وسيلة سلمية لتعزيز الديمقراطية دون تدخل عسكري مباشر.
لكن نواب كونغرس طالبوا ترامب صراحة بالتدخل ضد إيران لتغيير النظام، أبرزهم السيناتوران تيد كروز وليندسي غراهام.
وظهر"كروز" في لقاء مع قناة فوكس نيوز ليؤكد أن "من مصلحة الولايات المتحدة تغيير النظام، والخلاص من آية الله".

الهدف “تغيير النظام”
وقال المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" رون بن يشاي، 13 يونيو 2025: إن ما يجرى "حرب إسرائيلية أميركية لإنهاء النظام الإيراني، لا ضربة استباقية ولا ردع ولا تهديد".
وأشار إلى إعلان الجيش الإسرائيلي أن هدف الحرب هو إزالة التهديد النووي الإيراني، لكنه قال: إن "نتنياهو لا يريد فقط قصف المنشآت النووية وإنما استهداف النظام الإيراني لدرجة إسقاطه".
وقال: "في إسرائيل يدعون أنه فقط إذا سقط النظام، ستكون (تل أبيب) محررة من النووي الإيراني".
وقبل الرد الإيراني القوي، تساءل الكاتب "ديفيد اغتاشيوس" في صحيفة "واشنطن بوست"، 14 يونيو 2015: هل لدى إسرائيل "خطة لليوم التالي في إيران" بعد أن حولتها إلى غزة أخرى بدون دفاع جوي؟
ورأت صحيفة "إندبندنت" البريطانية في 14 يونيو أن الحملة العسكرية الإسرائيلية لشل البرنامج النووي لطهران وتدمير جيشها "تُعد جزءًا من خطة شاملة لإزالة التهديد الوجودي الإيراني على الدولة اليهودية وتهدف إلى تغيير النظام".
وقالت: "الهدف المعلن لإسرائيل يكمن بتدمير الأسلحة النووية الإيرانية، لكن الهدف الحقيقي، هو تغيير النظام في طهران". بحسب الصحيفة البريطانية.
وتقول "إندبندنت": إن هذا الهدف "يناسب الغرب تمامًا إذ يُريد الجميع رؤية تغيير في النظام الإيراني مهما بلغت دعوتهم إلى ضبط النفس".
ورجَّحت الصحيفة أن عدم اغتيال السياسيين يبدو مُتعمدًا حيث يحاول نتنياهو مرارًا وتكرارًا حث الشعب الإيراني على الثورة ضد النظام الإسلامي، الذي يحكمهم منذ عام 1979.
وقد ذكر مسؤولون أميركيون لشبكة سي إن إن في 13 يونيو، أن "تغيير النظام الإيراني كان دوما هدفا واسع النطاق داخل الحكومة الإسرائيلية، وفقا لتقييم استخباراتي أميركي حديث".
وقال مصدر مطلع على المعلومات الاستخباراتية: إن "بعض المسؤولين الأميركيين يعتقدون أن إسرائيل رأت في الهجوم فرصة محتملة لتحقيق ذلك".
لكن أحد المسؤولين قال: إنه من غير الواضح ما إذا كانت إدارة ترامب ستدعم إسرائيل في هذا المسعى.
ويقول رئيس تحرير صحيفة "آسيان تايمز" الصحفي "براكاش ناندا"، 15 يونيو 2025: إن نتنياهو يحاول من خلال الحرب الحالية تجاوز "مبدأ أو عقيدة بيغن"، الخاصة بمنع أي دولة من تهديد إسرائيل بسلاح نووي، لإسقاط النظام ذاته الموجود في طهران.
و"عقيدة بيغن" تعود إلى عام 1981، عندما أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، مناحيم بيغن، بالبدء في ضرب أي مشاريع نووية عربية أو إسلامية محتملة وبدأ بقصف مفاعل "أوزيراك" النووي العراقي 7 يونيو في نفس العام، ثم قصف المفاعل السوري عام 2007.
وكانت "عقيدة بيغن" بمثابة السياسة القياسية التي تنتهجها إسرائيل في توجيه ضربات استباقية للمنشآت النووية وأسلحة الدمار الشامل في أي بلد تعده تل أبيب تهديدا لبقائها.
لكم ناندا يرى أن الضربات الاستباقية الإسرائيلية الأخيرة، تُشير إلى أن نتنياهو يتجاوز "مبدأ بيغن" في إيران، ويُريد تغيير النظام الإسلامي، الذي استمر 46 عاما، منذ ثورة عام 1979.
وعلى مدار عام 2024، شجع نتنياهو الشعب الإيراني في أربع مناسبات مختلفة على تغيير نظامه.

بالقوة العسكرية
رغم النوايا الإسرائيلية والأميركية المعلنة أو الظاهرة من خلال خطط قصف أهداف بعينها، نفى جيش الاحتلال أن يكون هدفه تغيير النظام.
وبعدما ظهرت قوة إيران الصاروخية، أشارت تقارير إلى أسلوب آخر قد تعمد إليه أميركا وإسرائيل هو التغيير بالقوة العسكرية.
ويقصد به قصف المدنيين وتهجير الإيرانيين كما فعل الاحتلال في غزة بشكل يضغط على النظام ويدفع الشعب للغضب والثورة على الحكومة الإيرانية.
هذه الخطة تحدث عنها مسؤول أمني إسرائيلي لقناة 14 الإخبارية في 15 يونيو 2025.
وتشمل: تصعيد كبير بحيث تعمل إسرائيل الآن بشكل نشط على زعزعة استقرار النظام الإيراني من خلال خطة هجومية وافق عليها نتنياهو ووزير الجيش يسرائيل كاتس.
وفي إطار العملية، سيتم مهاجمة أهداف في طهران، مصحوبة بإجلاء جماعي للمدنيين كوسيلة للضغط على النظام، ردا على الهجمات على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
وتهدف هذه الخطة إلى تحفيز نزوح جماعي للمدنيين من طهران، وتُشكل أداة ضغط قوية على النظام، بهدف زعزعة استقراره.
وضمنها جاء إصدار الجيش الإسرائيلي أول بيانٍ له باللغة العربية والفارسية، داعيا فيه المدنيين الإيرانيين إلى إخلاء المناطق القريبة من مواقع الأسلحة في طهران.
ويقول المسؤول الأمني الإسرائيلي لقناة 14 الإخبارية "ستتكثف الخطة يومًا بعد يوم وتُسفر عن نتائج".
وتعول تل أبيب في تنفيذ هذه الخطة على استثمار حالة الاحتقان الداخلي في إيران بسبب المشكلات الاقتصادية وقمع المعارضين.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته "مجموعة تحليل وقياس المواقف في إيران" المعارضة (GAMAAN) عام 2022، أن ما يقرب من 90 بالمئة من الإيرانيين لا يدعمون الجمهورية الإسلامية كنظام للحكم.
وبعد فوز ترامب بالانتخابات للمرة الثانية، أجرى رضا بهلوي، نجل شاه إيران السابق، المقيم حاليًا في الولايات المتحدة مقابلة مع مجلة نيوزويك، رسم فيها رؤية لطهران الديمقراطية تقوم على "علاقات مزدهرة مع الغرب، وسلام مع إسرائيل".
وقبل الحرب الإسرائيلية الإيرانية الحالية، انتقد موقع "ريسبونسيبول ستاتكرافت" الأميركي، 4 يونيو 2025، خططا واشنطن لزعزعة استقرار النظام الإيراني.
كشف أن "نظريتهم للتغيير هي أن إفقار الشعب الإيراني سيؤدي في النهاية إلى الإطاحة بالمرشد الأعلى"، ونفى أن يؤدي هذا لثورة شعبية.
كاتب التقرير "جيمس سيبينز"، الباحث في برنامج إستراتيجية وتخطيط الدفاع في مركز ستيمسون، ومحرر كتاب "الإكراه العسكري والسياسة الخارجية الأميركية"، توقع فشل واشنطن في جني مكاسب من تغيير أنظمة سابقة.
ورأى أن سياسة الولايات المتحدة الرامية إلى التحريض على تغيير النظام في إيران "فكرة سيئة".
وأكد أن عددا من صقور مراكز الأبحاث يشعرون بالإحباط ويرون أن تغيير النظام لم يعد أمرا رائعا.
وسرد ما عده "سجل الاخفاقات الأميركية" بفعل الإطاحة العسكرية بما لا يقل عن أربع حكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال السنوات العشرين الماضية.
وقال إنه: يفترض أن ذلك كان تعزيزًا لأهدافها الإستراتيجية، لكن للأسف، كان عدم الاستقرار الناتج عن ذلك في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا واضح للعيان، وتغيير النظام لم يحقق هدف الولايات المتحدة المتمثل في الاستقرار الإقليمي.
ففي العراق وليبيا وغواتيمالا، نجحت الولايات المتحدة في تغيير الأنظمة، لكن كل دولة منها تزعزع استقرارها واندلعت فيها حرب أهلية وتضررت مصالح أميركا.
المصادر
- Netanyahu says regime change in Iran could be result of Israel's attacks
- Israel’s stated aim is the destruction of Iran’s nuclear weapons – but the real goal is regime change in Tehran
- Regime change": Cruz, Graham call for US involvement in Iran-Israel conflict
- Iran-Israel War: Is Regime Change In Tehran, Ouster Of Khamenei On Cards As Netanyahu Goes Beyond “Begin Doctrine”?
- Israel goes after Iran's nukes and regime; brace for days of fire
- هل تسعى إسرائيل إلى تغيير النظام الإيراني؟ مصادر تكشف لـCNN أحدث تقييم استخباراتي أمريكي
- Why a US policy of fomenting regime change in Iran is a bad idea