طبع المليارات.. كيف استعان حفتر بروسيا في تزوير العملة الليبية؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تعددت أوجه الدعم التي قدمتها روسيا لحليفها الانقلابي في ليبيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر، كان آخرها طباعة كميات من العملة الليبية (الدينار) المزورة، وهو ما أدانته الخارجية الأميركية واعتبرته "أفعالا خبيثة ومزعزعة للاستقرار في ليبيا".

حكومة مالطا كشفت في 26 أيار/ مايو 2020، مؤخرا عن مصادرتها ما قيمته 1.1 مليار دولار من العملة الليبية المزيفة، طبعتها شركة غوزناك المساهمة، وهي شركة روسية مملوكة للدولة، استجابة لطلب حفتر.

روسيا سارعت بالنأي عن هذا الملف الحساس، ونفت علاقتها بالأمر، مؤكدة أن هناك انقسامات في ليبيا، وأنها تطبع النقود لحساب المصرف المركزي (الموازي) في طبرق (شرق ليبيا).

خبراء أكدوا أن عملية تمويل الحرب الدائرة في ليبيا، تعد أهم الأسباب الرئيسية لطباعة العملة المزورة من قبل حفتر، بالإضافة إلى كونها محاولة للتغطية على الأداء الضعيف لحكومته غير المعترف بها دوليا في الشرق الليبي، محاولا تغطية هذا العجز عبر طباعة نقود مزورة.

تزوير متكرر

في الوقت الذي تغرق فيه ميليشيات حفتر في وحل الهزيمة والانسحاب من المدن المحيطة بطرابلس في الغرب الليبي، يواصل حفتر إغراق السوق بعملة مزورة مطبوعة في روسيا، ضاربا عرض الحائط بأي التزامات سياسية واقتصادية للحفاظ على مصالح الشعب.

ما كشفته مالطا مؤخرا، لم تكن المرة الأولى التي يلجأ فيها حفتر لطباعة دينار ليبي مزور، فقبل 8 شهور تم الكشف عن تزوير شركة حكومية روسية نحو 4 مليارات دينار أخرى لصالح الجنرال المتقاعد.

وواجهت عمليات إغراق السوق الليبية بالعملات المزورة المطبوعة في روسيا مأزقا كبيرا خلال الفترة الأخيرة، بعد أن أوقفت مالطا إحدى الشحنات المحملة بالبنكنوت والتي كانت في طريقها إلى حفتر، ويستخدمها في تمويل حربه ضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا. 

منذ سنوات، والمصرف المركزي الموازي في طبرق (تابع لحفتر) يقوم بطباعة العملة عبر شركة "غوزناك"، المملوكة للحكومة الروسية.

ووفقا لتقرير خبراء للأمم المتحدة أرسل إلى مجلس الأمن الدولي في ديسمبر/ كانون الأول 2019، سلمت شركة غوزناك الروسية بين عامي 2016 و2018 البنك المركزي الموازي في البيضاء بشرق ليبيا أوراقا نقدية ليبية تعادل قيمتها 7.11 مليارات دولار.

وتظهر بيانات نشرتها وكالة رويترز أن نحو 4.5 مليارات دينار ليبي (أكثر من 3 مليارات دولار) أُرسلت في 4 شحنات بين فبراير/ شباط، ويونيو/ حزيران 2019 إلى ليبيا.

وتشير بيانات الجمارك الروسية إلى أن مصرفا مركزيا موازيا في شرق ليبيا كثف عمليات نقل الأوراق النقدية الجديدة من روسيا العام الماضي (2019) قبل وبعد بدء هجوم عسكري فاشل أطلقه حفتر للسيطرة على طرابلس.

واعترف مسؤولون في مصرف ليبيا المركزي الموازي والتابع لحكومة عبد الله الثني (غير معترف بها دوليا)، بأن المصرف قد طبع عملة ليبية في روسيا بما يقرب من 10 مليارات دينار خلال الثلاث سنوات الماضية وبموافقة من مجلس النواب بطبرق.

جاء ذلك على لسان المستشار بالمصرف المركزي الموازي مصباح العكاري في تصريحات له ببرنامج ملفات اقتصادية على قناة ليبيا إتش دي، مبررا هذه الإجراءات بأنها كانت لحل مشكلة نقص السيولة في المنطقة الشرقية، وأن علي الحبري رئيس مجلس إدارة المصرف المركزي كان مضطرا لهذا الإجراء.

وأوضح العكاري أن المصرف الموازي قام بطباعة 4 مليارات دينار عام 2016، و4 مليارات أخرى عام 2017، فيما قام بطباعة 2.7 مليار دينار خلال 2018، لتصل إجمالي المبالغ التي تمت طباعتها في روسيا على وجه التحديد إلى 9.7 مليارات دينار.

يأتي هذا الإعلان، وفق مراقبين، كخطوة استباقية من قبل مسؤولي المصرف الموازي قبل بدء فريق المراجعين الدوليين عمله للتدقيق في العمليات التي أجراها كل من المصرف المركزي المعترف به دوليا في طرابلس، والموازي في مدينة البيضاء، عقب أيام من توصل رئيسا المصرفين الصديق الكبير، وعلي الحبري في تونس، وبرعاية أممية لاتفاق للبدء في عملية التدقيق.

نفي روسي

في المقابل نفت وزارة الخارجية الروسية، اتهامات وزارة الخارجية الأميركية بتزوير الأموال المرسلة إلى ليبيا.

وقالت الوزارة الروسية، في بيان: إنه "لفت انتباهنا بيان الخارجية الأميركية الرسمي، حول مصادرة سلطات مالطا، كمية من الدنانير الليبية المزيفة، والتي طبعتها شركة غوزناك الحكومية الروسية لطباعة الأوراق النقدية".

وتم توقيع عقد طباعة الدنانير الليبية في عام 2015 بين "غوزناك"، ورئيس البنك المركزي الليبي، وصادق على الوثيقة مجلس النواب الليبي (البرلمان)، بحسب البيان.

وأوضح البيان أن "الجانب الليبي قام بتسديد دفعة لقاء العمل المذكور، وضمن الوفاء بالتزاماتها التعاقدية، أرسلت الشركة الروسية شحنة من الأوراق النقدية الليبية المطبوعة إلى البنك المركزي في طبرق".

وأضاف: "الأموال المذكورة، ضرورية للحفاظ على الأداء المستقر للاقتصاد الليبي بأكمله، العملة الليبية المذكورة ليست مزورة، بل التصريحات الأميركية هي المزورة".

القوة الشرائية

الصحفي الليبي معتصم وهيبة اعتبر أن القضية "بدأت منذ رفض حفتر لبعض بنود اتفاق الصخيرات وتأسيس المجلس الرئاسي بقيادة السراج عام 2016، حيث انقسم البنك المركزي الليبي بين البنك المركزي طرابلس برئاسة الصديق الكبير والبنك المركزي فرع مدينة البيضاء برئاسة علي الحبري الذي كان بدوره نائب مدير البنك المركزي في طرابلس.

وهيبة قال لـ"الاستقلال": "منذ ذلك الانقسام، أخذ البنك المركزي في البيضاء بطباعة العملة في روسيا، ولا تزال إلى حد هذه اللحظة رغم الاعتراف الدولي ببنك ليبيا المركزي القائم في طرابلس".

وأضاف: أن "طباعة العملة لها أسباب عديدة ومنها تمويل المقاتلين التابعين لحفتر والمرتزقة القادمين من الخارج من الأفارقة ومجموعة فاغنر الروسية".

وتابع الصحفي الليبي: "أما عن عواقب طباعة العملة المزورة فإنها تؤثر على القوة الشرائية للعملة الليبية، وبالتالي تحدث تضخما في الاقتصاد ما يتسبب عمليا في سوء أوضاع المواطنين وذلك لأن بنك البيضاء يشتري الدولار عن طريق هذه العملة ما يؤدي إلى نزول قيمة العملة المحلية أمام العملة الصعبة ما يسبب خسائر كبيرة للاقتصاد الليبي".

"عملية الكرامة"

في فبراير/ شباط 2019، اعترف محافظ المصرف المركزي البيضاء بالنيابة علي الحبري، إن ثلث ميزانية الإنفاق التي اعتمدها المصرف في السنوات الثلاث الماضية، جرى تسييلها لفائدة "عملية الكرامة".

وانطلقت "عملية الكرامة" في 16 مايو/أيار 2014 بمدينة بنغازي شرق ليبيا، حيث هاجمت قوات حفتر مقار الثوار والكتائب الإسلامية، وبعد ذلك انتقلت العملية إلى العاصمة طرابلس، ومن ثم توسع الصراع ليشمل العديد من مناطق البلاد.

وأكد الحبري، أن قوات الكرامة صرفت 43 في المائة من ميزانية 2016 التي بلغت 9 مليارات و500 مليون دينار، و27 في المائة من ميزانية 2017، و20 في المائة من ميزانية 2018.

وأفاد محافظ المصرف المركزي البيضاء بالنيابة بأن مجموع ما صرفته "عملية الكرامة" في 3 سنوات بلغ قرابة 9 مليارات دينار من ميزانية الإنفاق للفترة نفسها والتي بلغت نحو 29 مليار دينار.

ويعتمد حفتر في تمويل قواته على مزيج من سندات غير رسمية وأموال نقدية مطبوعة في روسيا، وودائع من بنوك المنطقة الشرقية بليبيا، مراكما بذلك ديونا على الدولة الليبية قاربت الـ50 مليار دينار ليبي، أي (أكثر من 35 مليار دولار) خارج النظام المصرفي الرسمي بطرابلس.

إضافة إلى بعض العمليات المشبوهة كتصدير الخردة وبيع النفط خارج المؤسسة الوطنية للنفط الليبية وتجارة البشر، ناهيك عن الدعم المالي واللوجستي المقدم من دول إقليمية ودولية كفرنسا وروسيا والإمارات ومصر والأردن، وفق التقارير التي نشرتها منظمات ومؤسسات دولية، وعلى رأسها تقارير هيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن.

ووصل الأمر إلى الاختلاس من المخصصات التي توجهها حكومة الوفاق لأرباب الأسر في شرق ليبيا للتعامل مع الظروف التي تعاني منها البلاد، وذلك بهدف التغطية على الخسائر التي سببها حفتر للمصرف الموازي.

فساد عائلي

اتهم تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة المعني بليبيا الكتيبة 106 بقيادة نجل حفتر (خالد) بالسيطرة على فرع مصرف ليبيا المركزي في بنغازي، ونقل ما به من نقود وفـضة إلى جهة مجهولة.

وجاء في التقرير أن قوات نجل حفتر استولت على ما قيمته أكثر من 650 مليون دولار، وأن قادة قوات حفتر تقاسموا أموال المصرف المركزي الموازي في مدينة بنغازي.

وأشار الخبراء إلى اضطرار عدد من مديري المصرف المركزي في بنغازي للسفر خارج البلاد، بعد تعرضهم لضغوط من عسكريين موالين لحفتر، بهدف الحصول على أموال البنك وخطابات ضمان.

محافظ مصرف ليبيا المركزي الموازي في مدينة البيضاء، صرح مؤخرا بأن أسباب عدم نشر أصول المصرف الموازي في السنتين الأخيرتين يعود إلى كونه في مرمى نيران الاشتباكات في بنغازي، وتلف الأموال النقدية في خزائنه، وهو ما وصفه تقرير الخبراء بالتصريحات "المتناقضة وغير المكتملة".