مع توقف الحرب في غزة.. هل تفتح إسرائيل جبهة جديدة ضد إيران وأذرعها؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بعد عامين كاملين من الحرب، يفرض استمرار اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، على إيران إعادة تقييم سياساتها تجاه المشهد المتغير في الشرق الأوسط.

ففي حال نجاح الاتفاق الذي بدأ سريانه في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2025، يرى مراقبون أن إيران ستجد نفسها أمام واقع إقليمي جديد يتطلب نهجا مختلفا للتعامل مع التطورات الإقليمية.

في هذا السياق، ترى صحيفة "هم میهن" الفارسية ضرورة بحث إيران عن إستراتيجيات فعالة تحميها من التداعيات المحتملة الناتجة عن تغير موازين القوى.

وتدعو إلى ضرورة انتهاج طهران دبلوماسية نشطة بالتنسيق مع دول الجوار، بما يسهم في تحسين الصورة السلبية التي لطالما ارتبطت بها، كونها عائقا أمام جهود السلام.

ولكي ينجح في هذا المسار، تعتقد الصحيفة أهمية أن "يؤدي الجهاز الدبلوماسي الإيراني دورا بناء وميسّرا ضمن إطار المفاوضات الإقليمية، بهدف دعم التوافق حول تأسيس دولة فلسطينية".

وأيضا أن تتخلى طهران عن قيود فرضتها على نفسها، تحرمها من إمكانية اتخاذ مبادرات وإجراءات استثنائية. وأكدت ضرورة عمل إيران على "تغيير صورتها النمطية عن علاقاتها مع الغرب، والتي تصور الجمهورية الإسلامية كمصدر تهديد وقلق".

وهي صورة تقول الصحيفة: إن "إسرائيل رسختها على مدى سنوات طويلة من خلال خطاب الضحية؛ حيث سعت إلى تقديم إيران كعقبة أمام السلام في المنطقة".

قبول اضطراري

وأشارت إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وجَّه في أكثر من مناسبة شكره لإيران على دعمها للاتفاق بشأن غزة.

وقال: "إيران ترغب الآن في العمل على خطة السلام. لقد أبلغونا بذلك وأكدوا لنا أنهم يدعمون الاتفاق بشكل كامل، إنهم يعتقدون أنه اتفاق ممتاز، ونحن نثمن ذلك وسنتعاون مع طهران".

وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب منتصف أكتوبر 2025، أشار ترامب مجددا إلى موقف إيران قائلا: "طهران، شكرا لكم".

وأضاف: "لدينا إشارة قوية للغاية من إيران نفسها، تفيد بأنها مهتمة بالتوصل إلى هذا الاتفاق".

وكانت وزارة الخارجية الإيرانية قد أصدرت بيانا رحبت فيه بـ"أي قرار يصب في وقف الإبادة الجماعية بغزة، وانسحاب الجيش الصهيوني المحتل منها، واحترام حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وإعادة إعمار القطاع".

كما صرح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي: "نحن ندعم أي خطوة تؤدي إلى وقف الجرائم والإبادة الجماعية، وبدء عملية إيصال المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة، والشروع في إعادة الإعمار، واتخاذ خطوات نحو استيفاء حقوق الشعب الفلسطيني".

وأضاف: "وفي الوقت نفسه، نحذر من أي محاولات خداع أو خيانة من قبل الكيان الصهيوني كما فعل في الاتفاقيات السابقة".

وعقب الصحفي والمحلل السياسي في الشؤون الدولية أحمد زيد آبادي، بالقول: "المسألة الأساسية بالنسبة لنا كإيرانيين هي أن الطرف المتفق معه هو جماعة إسلامية تعدها الجمهورية الإسلامية جزءا من محور المقاومة وممثلة لنهجها الخاص في قضية فلسطين".

وأوضح أنه "لهذا السبب، فإن معارضة الاتفاق الذي أبرمته حماس علنا أمر غير ممكن عمليا، مما يجبر إيران على التعامل معه وقبوله".

ولفتت الصحيفة إلى أن إيران "انتظرت تقريبا لمدة أسبوع حتى تصدر أي موقف رسمي بشأن خطة وقف إطلاق النار في غزة".

وتعتقد أن "هذا الغموض قد يكون ناتجا عن عدة أسباب، مثل: الحفاظ على نفوذها لدى المقاومة الفلسطينية، وتجنب العزلة الدبلوماسية في ظل تحولات التحالفات وتغيرات مواقف دول المنطقة، فضلا عن الحفاظ على إمكانية المناورة في المستقبل".

إخفاق إقليمي 

ومن زاوية أخرى، ترى الصحيفة الفارسية أن "التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة من دون مشاركة مباشرة لإيران يمثل إخفاقا في سياستها الإقليمية".

وتابعت: "فعلى الرغم من هشاشة الهدنة واستمرار القلق في طهران من احتمال أن يعاود الاحتلال الإسرائيلي الحرب بعدما استعاد أسراه الأحياء والأموات، فإن هناك شعورا سائدا بأن إيران وحلفاءها الإقليميين لم يكن لهم دور حاسم في صياغة الاتفاق".

ويتفق موقع "المونيتور" الأميركي مع هذا الطرح؛ حيث أوضح في تقرير له أنه "رغم تقديم إيران نفسها لسنوات كقائدة للمقاومة الفلسطينية، فإن مفاوضات وقف إطلاق النار جرت عبر وساطة مصرية وقطرية وتركية ودول عربية أخرى، بينما بقيت طهران خارج دائرة التفاوض بشكل واضح".

وأكمل الموقع: "ما تنقله وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية يكشف عن توجه معين؛ فإيران، رغم إعلانها الرسمي دعم وقف القتال، فهي تسعى إلى تصوير هذا النزاع كفرصة لتبرير وجود شبكتها الإستراتيجية من الجماعات الحليفة وفصائل المقاومة المنتشرة في المنطقة".

وأردف: "الرواية الإيرانية تؤكد أن (حركة المقاومة الإسلامية) حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى نجحت في مقاومة إسرائيل رغم تفوقها العسكري، ما يعزز صورة إيران كداعم رئيس للمقاومة ضد الاحتلال".

ويتابع "المونيتور": "يكشف هذا الاتفاق أيضا عن تحديات إستراتيجية تواجه طهران، فبالرغم من جهودها الطويلة في بناء تحالفات وجماعات حليفة في غزة ولبنان والعراق ومناطق أخرى، فقد استُبعدت من المفاوضات رفيعة المستوى، ما يعكس محدودية نفوذها".

واستطرد أن: “الاتفاق الذي جرى التوصل إليه أساسا عبر الولايات المتحدة ودول عربية، يوضح أن طهران لا تستطيع بمفردها فرض واقع جديد في الأراضي الفلسطينية أو أن تُعد شريكا في صناعة القرار الإقليمي، وذلك رغم مركزية القضية الفلسطينية في أجندتها”.

ويختتم تقرير "المونيتور"، الذي نُسب إلى "صحفي في طهران"، بالتأكيد على أن "غياب إيران عن مفاوضات وقف إطلاق النار يفضح فجوة في قوتها الناعمة، ويثير تساؤلات حول قدرتها على التأثير في النزاعات التي ترتبط بمصالحها الأيديولوجية".

ومع ذلك، ترى الصحيفة الفارسية أن "الفرصة لم تُغلق أمام طهران تماما؛ إذ لا تزال الجمهورية الإسلامية قادرة على تعويض غيابها الأخير عن المسارات الإقليمية".

لكنها شددت على أن ذلك "يتطلب انتهاج سياسة خارجية نشطة ومرنة تتماشى مع الاتجاه السائد بالمنطقة، بحيث تتيح لإيران، عبر بناء أرضيات مشتركة ومصالح متوازية، العودة إلى المشاركة ضمن الأطر الإقليمية المنسقة لصياغة مستقبل فلسطين وغرب آسيا".

عقبة السلام

في سياق متصل، أشارت الصحيفة إلى أن "موجة الغضب العالمي من الجرائم الإسرائيلية خلال الحرب، أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة جدول الأعمال الدولي كأحد أبرز الأولويات".

فمنذ بداية عام 2025، انضمت مجموعة جديدة من دول العالم إلى قائمة الدول المعترفة بدولة فلسطين.

وفي الوقت نفسه، قُدمت إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بمبادرة مشتركة من فرنسا والسعودية، مسودة قرار تؤكد على ضرورة قيام دولة فلسطينية وحل الدولتين بوصفه الطريق لإنهاء الصراع المستمر منذ ثمانية عقود في الشرق الأوسط. 

وقد صوَّتت أكثر من 150 دولة لصالح هذا القرار، كما أعلنت عدة دول أوروبية خلال الأشهر الثلاثة الماضية اعترافها الرسمي بدولة فلسطين.

مع ذلك، أفادت الصحيفة بأن "إيران فضلت الامتناع عن التصويت على قرار إعلان نيويورك الداعي إلى إقامة دولة فلسطينية، لكنها أكدت في الوقت نفسه -في معرض حديثها عن خطة ترامب- دعمها لأي قرار تتخذه الفصائل الفلسطينية والمقاومة".

ومن وجهة نظرها، فإن "استمرار طهران في تبني هذا النهج سيمنحها فرصة لتكريس حضور أكثر فاعلية في الديناميكيات الإقليمية"؛ إذ إن تمسكها بمبدأ حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وتأكيدها دعم المقاومة الفلسطينية دون قيد أو شرط، "يمكن أن يتحولا إلى موقف رسمي ثابت للجمهورية الإسلامية الإيرانية في المرحلة المقبلة".

واستطردت: "هكذا، يمكن لإيران في المرحلة المقبلة مواصلة التنسيق مع المقاومة بشأن مستقبل وقف إطلاق النار وإمكانية قيام دولة فلسطين".

غير أن محاولتها التقدم بخطوات سابقة على مواقف المقاومة قد تجعلها مجددا عرضة لاتهامات بأنها العقبة الأساسية أمام السلام بالشرق الأوسط.

وحذرت الصحيفة من أنه "في الوقت الذي توصل فيه الرأي العام الدولي والعربي خلال العامين الماضيين إلى قناعة راسخة بأن إسرائيل هي العقبة الحقيقية أمام الاستقرار في المنطقة؛ فإن أي خطوة من جانب إيران تمنح خصومها ذريعة لتصويرها كمعرقل لعملية السلام".

"كما قد تتيح لإسرائيل فرصة جديدة لتقديم نفسها مجددا كضحية، وتوجيه أصابع الاتهام نحو طهران بأنها تعيق مسار التسوية"، وفق قولها.

وفي هذا الإطار، يؤكد أستاذ الدراسات الإسرائيلية سيد هادي برهاني أن طهران "تستطيع تبرير دعمها لإقامة دولة فلسطينية على أي جزء من الأراضي المحتلة بأنه سعي للمشاركة في إجماع العالم الإسلامي أو توافق مع توجهات فصائل المقاومة الفلسطينية".

"وبذلك تقدم نفسها  كقوة ترغب في الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة"، يقول برهاني للصحيفة.

ويؤكد: "لا يعني هذا الموقف التخلي عن المبادئ الأساسية للجمهورية الإسلامية بشأن طبيعة الكيان الإسرائيلي، بل يمثل مقاربة واقعية تهدف إلى صون المصالح الوطنية الإيرانية، بالتوازي مع المساهمة في تمكين الشعب الفلسطيني من تحقيق جزء من حقوقه المشروعة".

تجنب الحرب

من جانب آخر، ترى الصحيفة أن “وقف إطلاق النار في غزة قد يخلق أوضاعا متناقضة في المنطقة”.

وأشار إلى وجود مخاوف من أن “يكون هذا الهدوء مقدمة لانفجار صراع جديد في مكان آخر”، كما ألمح علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، لا سيما أن كثيرا من المحللين يعتقدون أن استمرار العدوان على غزة لعامين، رغم الضغوط الدولية وتراجع الدعم العالمي لإسرائيل؛ “كان نتيجة حاجة (رئيس الوزراء الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو إلى الحرب لاستمرار بقائه السياسي”.

في هذا السياق، تنوه الصحيفة إلى أن “هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، الذي شكل انتكاسة استخباراتية وأمنية كبيرة لإسرائيل، سيؤدي بعد انتهاء الحرب إلى تصاعد المطالبات الشعبية والسياسية بمحاسبة بنيامين نتنياهو”.

وهو الأمر الذي قد يؤدي لسقوط حكومة نتنياهو، تماما كما حدث عام 1973 حين أدت إخفاقات أمنية أقل إلى سقوط حكومة غولدا مائير ومحاسبة وزير الجيش آنذاك موشيه دايان.

يُضاف إلى ذلك أن "نتنياهو يواجه ملفات فساد مالي وسياسي، كانت التحقيقات فيها تسير ببطء بسبب الحرب".

من جهة أخرى، تلفت الصحيفة إلى أن "الانسحاب من غزة دون تحقيق الأهداف المعلنة، وعلى رأسها القضاء الكامل على حماس، قد يؤدي إلى تصدع في التحالف اليميني المتطرف الحاكم في إسرائيل".

وهذا يعني أن "الوزراء المتشددين مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذين دعموا نتنياهو بهدف احتلال غزة وضمها، قد ينسحبون من الائتلاف، ما يهدد بسقوط الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة".

ولذا، في حال استمرار الالتزام بالتهدئة في غزة، قد تسعى إسرائيل إلى افتعال صراع بديل يضمن لها استمرار النهج العسكري والسيطرة على المشهد السياسي الداخلي.

ولأن إسرائيل تعتقد أن "الدخول في مواجهة مباشرة وطويلة الأمد مع إيران ينطوي على مخاطر كبيرة للغاية، فإن نتنياهو قد يلجأ إلى خيارات بديلة.

وذلك مثل استهداف مناطق أخرى بالمنطقة بهدف إضعاف حلفاء طهران، أو محاولة دفع الولايات المتحدة نحو الانخراط في حرب طويلة معها، كوسيلة لتعزيز موقعه السياسي والبقاء في السلطة، وفق تقييم الصحيفة.

خدعة إسرائيلية

في غضون ذلك، أشارت الصحيفة إلى تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي قال فيها: إن قادة إسرائيل أكدوا له عدم رغبتهم في الدخول في مواجهة جديدة مع إيران. 

وقال بوتين: "لدينا اتصالات صادقة ومبنية على الثقة مع إسرائيل، وقد تلقينا رسائل من قادتها يطلبون إيصالها إلى أصدقائنا الإيرانيين، مفادها أنها لا ترغب في المواجهة، وتلتزم بمسار الحل السلمي".

ومع ذلك، لم يستبعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي احتمال الخداع في هذه الرسائل، فقال: "إمكانية التضليل والخداع من قبل النظام الصهيوني عالية جدا، وقد تكون هذه التصريحات جزءا من محاولة خداع". 

بدورها، ترى الصحيفة أن "هذه التصريحات، إلى جانب تحذيرات علي أكبر ولايتي، تعكس استمرار القلق لدى كبار المسؤولين الإيرانيين من احتمال تجدد الحرب" وذلك بعد مواجهة استمرت 12 يوما بين طهران وتل أبيب في يونيو/حزيران 2025.

وفي مواجهة هذا الواقع، تشدد الصحيفة على أن طهران "تحتاج إلى خلق بيئة دولية تمنع تكرار الحرب".

ويتطلب ذلك الحفاظ على وجود ضغط عالمي على إسرائيل لوقف التصعيد العسكري، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا من خلال حوار وتفاعل بناء مع أبرز حلفاء تل أبيب، لضمان استمرار الضغط على حكومة نتنياهو ومنعها من إشعال فتيل نزاع جديد.

إلا أن هذا المسار يصطدم بتطورات أخرى من بينها إعادة دول أوروبية فرض عقوبات مجلس الأمن السابقة؛ على إيران بسبب البرنامج النووي وعدم إجراء مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة جديدة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وفي ظل عدّ هذه القوى الداعم الأساسي لإسرائيل سياسيا وعسكريا، فإن غياب التواصل الإيراني معها يُضعف قدرة طهران على إيصال رسائلها الضرورية لضمان استمرار الضغط على تل أبيب، حسب الصحيفة.

وتابعت: "لكي تضمن إيران عدم منح الغرب الضوء الأخضر لنتنياهو من أجل شن حرب جديدة، عليها أن تسعى لتغيير صورتها في نظر الغرب، بحيث لا تعد تهديدا أو مصدر قلق".

وبحسب رأيها، "يتطلب ذلك مبادرات لحل الخلافات المزمنة مع الغرب ضمن إطار تفاوضي". ومع ذلك، تعتقد أنه “لا توجد حتى الآن مؤشرات واضحة على استعداد طهران للانخراط في هذا المسار”.

فقد أكد عراقجي أخيرا أن المفاوضات مع الولايات المتحدة وصلت إلى طريق مسدود، وأنه "لا يوجد منطق يدفعنا للتفاوض مع أوروبا".