التصعيد الباكستاني ضد أفغانستان.. ما علاقته بالهند وأميركا؟

"عالم السياسة زاخر بالمشاهد المدهشة والمربكة في آن واحد"
انفجارات عنيفة شهدتها العاصمة الأفغانية كابل في 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، وبينما اتهمت حركة طالبان باكستان بالوقوف وراءها، التزمت إسلام أباد الصمت.
لكنها أفادت خلال مؤتمر صحفي في 10 أكتوبر، على لسان المسؤول العسكري الباكستاني، الفريق أحمد شريف شودري، بوجود "أدلة" على أن "أفغانستان تُستخدم كقاعدة عمليات لتنفيذ عمليات إرهابية في باكستان".
في أعقاب ذلك، وقعت اشتباكات حدودية عنيفة بين البلدين أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والمصابين، وسط مساعٍ إقليمية ودولية لتهدئة الأوضاع.
وتتهم إسلام أباد حركة طالبان بالسماح لعناصر طالبان باكستان باستخدام الأراضي الأفغانية لتنفيذ هجمات داخل باكستان، في حين ترفض كابل هذه الاتهامات وتصفها بأنها ذريعة لشن ضربات عبر الحدود.
في هذا السياق، أشارت صحيفة "8 صبح" الأفغانية إلى أن الغارة الباكستانية المفترضة على كابل جاءت بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الأفغاني مولوي أمير خان متقي إلى الهند، التي تتهمها إسلام آباد بدعم طالبان باكستان عبر أفغانستان.
في الوقت ذاته، وجهت الصحيفة الفارسية أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة الأميركية التي ترى أنها "أعطت باكستان الضوء الأخضر لاستهداف كابل".

توقيت لافت
وقالت “8 صبح”: إن "توقيت الهجوم يبدو أنه ليس منفصلا عن السياق السياسي الإقليمي، خاصة أنه تزامن مع زيارة وزير خارجية طالبان إلى العاصمة الهندية نيودلهي".
ومع أن الصحيفة أشارت إلى أن عملية كهذه قد تكون خُطط لها قبل أسابيع أو حتى أشهر، إلا أنها رأت أن "تنفيذها في اليوم الذي يجلس فيه متقي على مائدة الحوار مع الهنود، ويطلق ابتسامات ساخرة تجاه باكستان؛ لا يبدو أمرا عشوائيا".
ولفتت إلى أن "باكستان تعدّ الهند عدوا وجوديا، ولا يمكنها أن تتغاضى عن تقارب طالبان مع نيودلهي، خاصة وهي تستحضر سنوات طويلة من الدعم غير المشروط الذي قدَّمته للحركة، ما يجعل غضبها مضاعفا".
وتوقعت أنه "إذا لم تتخل باكستان عن استخدام النهج العسكري مع طالبان، فإن الحركة ستجد نفسها مضطرة للارتماء في أحضان الهند".
وهو رد فعل من شأنه، حسب الصحيفة، أن "يُغضب إسلام أباد بشدة، ولن يهدأ غضبها إلا عبر رد عسكري".
ونوَّهت إلى أن "اتكاء طالبان على الهند ليس مستبعدا في ظل مؤشرات التقارب بينهما".
وقالت الصحيفة: "الواقع أن طالبان قد بدأت بالفعل في توطيد علاقاتها مع نيودلهي، فقد تسلمت كابل مساعدات طبية كبيرة من الهند، كما رفعت نيودلهي مستوى تمثيلها الدبلوماسي في أفغانستان إلى درجة سفير، في خطوة تُعد بمثابة كابوس لباكستان".
وأردفت: "والأكثر أهمية من ذلك، أن متقي، خلال مؤتمر صحفي في نيودلهي، وجه تحذيرا مباشرا لباكستان بلغة حادة، داعيا إياها إلى عدم اختبار صبر الأفغان".
وعقبت الصحيفة على هذا التحول الإستراتيجي قائلة: "لم يكن أحد يتخيل أن يأتي يوم يصبح فيه وزير خارجية طالبان ضيفا على الهند، ويستخدم منبرها لإطلاق تهديدات مباشرة نحو إسلام آباد".
وتابعت: "حقا، إن عالم السياسة زاخر بالمشاهد المدهشة والمربكة في آن واحد".
دعم أميركي
في سياق متصل، لم تستبعد الصحيفة أن تكون باكستان قد حصلت على ضوء أخضر أميركي لتنفيذ الهجوم، لعدة أسباب.
أولها، أن "العلاقات بين واشنطن وإسلام أباد تحسنت أخيرا، ويظهر ذلك جليا في إشادة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المستمرة بباكستان أثناء خطاباته الأخيرة، بينما يوجه انتقادات متكررة للهند، كما يبدو أن واشنطن تدعم باكستان فيما تصفه بـ(مكافحة الإرهاب)".
وتابعت الصحيفة: "ثانيا، يشبه هذا الهجوم إلى حد كبير العملية التي قُتل فيها زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، في قلب كابل، ما يثير احتمال أن تكون باكستان قد استعانت بالخبرة الأميركية في التخطيط والتنفيذ".
ومن زاوية أوسع، لفتت إلى أنه "في ظل سعي ترامب لاستعادة قاعدة باغرام الجوية والمعدات العسكرية من طالبان، فإن توجيه ضربة عسكرية عبر باكستان قد يكون خيارا إستراتيجيا منخفض التكلفة".
وأضافت أنه "من غير المحتمل أن تجرؤ باكستان على مهاجمة عاصمة دولة أخرى دون دعم خارجي".
رسائل متعددة
وأوضحت الصحيفة سبب اختيار باكستان العاصمة كابل لشن ضربتها، فقالت: "عند استهداف شبكة تمرد نشطة، هناك نوعان من الأهداف ذات القيمة العالية: مراكز القيادة، ومراكز الدعم اللوجستي والإعلامي".
وتابعت: "وإذا قبلنا التحليل القائل بأن الهدف كان رأس هرم حركة طالبان باكستان، فإن اختيار كابل، بصفتها العاصمة ذات الكثافة الأمنية والإعلامية، يؤدي وظيفتين".
"أولا: وظيفة رمزية، وهي إيصال رسالة إلى طالبان بأنه (لا يوجد مكان آمن تماما)، وثانيا، وظيفة إعلامية، وهي تعظيم التأثير النفسي والإعلامي على نواة حركة طالبان باكستان وداعميها أو الدوائر المساندة لها". وفق الصحيفة.
ومع ذلك، لفتت إلى أن "هذا الاختيار ينطوي على مخاطر كبيرة، بما في ذلك أخطاء الاستهداف، ووقوع خسائر في صفوف المدنيين، وتآكل الشرعية الدولية، وتفاقم الأزمة مع كابل".
وترى الصحيفة أن باكستان "أرادت إرسال ثلاث رسائل من خلال هجوم كابل".
الرسالة الأولى، بحسبها، موجهة إلى الرأي العام الباكستاني.
فبعد مقتل ضباط وجنود باكستانيين على خلال الأشهر الماضية، تسعى الحكومة والجيش إلى إظهار أن شعار (ملاحقة العدو في كل مكان) لم يعد مجرد شعار، وفق "8 صبح".
واستطردت: "مثل هذه العمليات عادة ما تنفذ لاستعادة الردع المتآكل والاستجابة لضغوط الرأي العام الداخلي، لا سيما أنه قبل يومين فقط من تفجيرات كابل، شهدت باكستان أحد أكثر أيام السنة دموية في حربها ضد حركة طالبان باكستان، عندما قُتل ما لا يقل عن 11 جنديا بينهم ضابطان كبيران، في سلسلة من العمليات والكمائن في منطقة أوراكزاي، قرب الحدود الأفغانية".
أما الرسالة الثانية، فكانت -بحسب الصحيفة- موجهة إلى طالبان، ومفادها: "يجب أن تدفع كابل ثمن فشلها في كبح جماح حركة طالبان باكستان".
وأردفت: "الرسالة واضحة، إذا لم تُتخذ إجراءات كافية، ستواصل إسلام أباد تنفيذ عمليات دقيقة وغير محدودة داخل الأراضي الأفغانية".
وأخيرا، كانت هناك رسالة إلى اللاعبين الإقليميين (الصين وإيران والهند وروسيا)، فوفق الصحيفة، "تسعى باكستان إلى تأكيد قدرتها على الجمع بين الحضور على طاولة الدبلوماسية وتحمل مخاطر العمليات العسكرية في الميدان".
"ومن اللافت أن موسكو كانت قد استضافت وفدا من طالبان قبل يومين فقط من تفجيرات كابل، محذرة من (أي وجود عسكري أجنبي في أفغانستان)". تقول الصحيفة.
وتابعت: "وفي مثل هذا السياق، فإن أي عملية عابرة للحدود قد تعقد الحسابات الأمنية والسياسية في المنطقة".
تهديد حقيقي
من زاوية أخرى، لفتت الصحيفة الفارسية إلى أن "الهجوم الأخير يؤكد أن الأمن القومي للدول ليس مجالا للمجاملات أو التهاون، خصوصا بالنسبة لباكستان التي ترى نفسها في حالة تهديد دائم من الهند ومن النزعات الانفصالية داخل أراضيها".
وأشارت إلى أن هذا الهجوم يؤكد أنه "عندما تشعر إسلام أباد بأن مصدر التهديد قادم من أفغانستان، فإنها لا تتردد في الرد، خاصة في ظل غياب سلطة مركزية قوية في كابل، ووجود دعم خارجي محتمل".
وبناء عليه، تقدر أنه "لم يعد هناك شك في أن الصراع بين باكستان وحركة طالبان باكستان ليس مفتعلا، بل تحول إلى تهديد حقيقي يتفاقم يوما بعد يوم".
أما ما يُشاع عن تواطؤ طالبان مع باكستان لاغتيال زعيم طالبان باكستان، نور ولي محسود، فترى الصحيفة أنه "لا يبدو منطقيا".
فمن وجهة نظرها، "حتى لو أرادت طالبان التخلص من نور ولي محسود، كان بإمكانها فعل ذلك بطرق أخرى، دون أن تحرض باكستان على مهاجمة كابل، ما يسيء إلى سمعتها".
وأضافت: "وحتى فرضية تواطؤ جناح من طالبان، مثل تيار حقاني، تبدو مستبعدة".
وتابعت: "صحيح أن تيار حقاني تربطه علاقات جيدة بإسلام آباد، لكنه أيضا على علاقة وثيقة بطالبان باكستان، ومقاتلو الأخيرة ينتشرون في مناطق تعد ضمن (نطاق نفوذ) حقاني".
وبحسب تقييمها، "لم تُجبر شبكة حقاني بعد على الاختيار بين الطرفين، ويبدو أن خيارها المفضل هو إنهاء العداء بين باكستان وطالبان عبر الوساطة، وليس من خلال كشف مكان زعيم الحركة أو إعطاء الضوء الأخضر للهجوم على كابل".