أبرز قضية اغتيال في تونس.. هل برّأت الأحكام النهائية "النهضة" من دم بلعيد؟

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

بعد طول انتظار في الشارع التونسي، صدرت أحكام نهائية في قضية اغتيال المحامي والقيادي اليساري شكري بلعيد، شملت 24 متهما، فيما تمت تبرئة ذمة "حركة النهضة" من دم القتيل.

وأعلنت هيئة الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب بمحكمة الاستئناف بالعاصمة تونس، في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، أن الأحكام الصادرة بحق المتهمين تراوحت بين السجن لمدة أربعة أعوام وبقية العمر بالنسبة لأربعة متهمين.

كما قضت المحكمة بالإعدام لمتهمين اثنين في هذه القضية التي تعود أطوارها إلى 6 فبراير/ شباط 2013.

واغتيل المحامي والأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، شكري بلعيد، أمام منزله بمنطقة المنزه السادس التابعة لولاية أريانة باستعمال الرّصاص من قبل شخصين كانا يمتطيان دراجة نارية. 

زلزال سياسي

وقد شهدت قضية اغتياله تعثرا طيلة سنوات واستأنفت قبل نحو عامين، وفق وكالة أنباء تونس الرسمية.

وكانت عائلة بلعيد وسياسيون يساريون يتهمون قيادات في "النهضة" بالوقوف وراء الاغتيال عندما كان الحزب يقود الحكومة، الأمر الذي نفته الحركة عدة مرات.

فيما تبنى عملية اغتيال بلعيد والمعارض القومي محمد البراهمي (في 25 يوليو/تموز 2013) منتمون سابقون لتنظيم "أنصار الشريعة" التحقوا نهاية عام 2013 بتنظيم الدولة.

وفجّر اغتيال بلعيد المولود في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 1964، زلزالا سياسيا في البلاد وعدته الحكومة جريمة تستهدف كل تونس.

ولمع نجم بلعيد، الذي نشأ في حي جبل جلود الشعبي جنوب العاصمة وينتمي لفصيل ماركسي لينيني، منذ دراسته الثانوية، وعند التحاقه بالجامعة وسط ثمانينيات القرن الماضي، حيث نشط ضمن مجموعة الطلبة "الوطنيين الديمقراطيين بالجامعة".

وبعد ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، أخرج بلعيد تياره السياسي من السرية, و عمل في إطار النقابات علنا، وأسس مع مجموعة من رفاقه حزب "حركة الوطنيين الديمقراطيين الموحّد".

ولم يوفق بلعيد في الانتخابات للمجلس التأسيسي (أكتوبر/تشرين الأول 2011) حيث كان على رأس قائمة الكرامة الائتلافية مع "حزب الطليعة العربي الديمقراطي" البعثي.

إلا أن ذلك لم يعرقل مسيرته السياسية، حيث شكل عام 2012 ائتلاف الجبهة الشعبية مع أحزاب يسارية أخرى، لمعارضة "الترويكا" الحاكمة آنذاك، ائتلاف "حركة النهضة" وحزبي "المؤتمر من أجل الجمهورية" و"التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" العلمانيين.

موقف النهضة

بمجرد إعلان الحكم القضائي، سارعت حركة النهضة إلى التأكيد أن "هذه الأحكام قد صدرت بعد أكثر من 12 عاما من الترويج لاتهامات باطلة ومتجنية ضد الحركة ورئيسها راشد الغنوشي.

وشددت الحركة عبر بلاغ في 15 أكتوبر 2025، أن هذه الأحكام "تثبت بما لا يدع مجالا للشك براءة النهضة ورئيسها وبطلان الاتهامات الموجهة ضدها زيفا وبهتانا".

وأوضحت أن لائحة الأحكام النهائية خلت تماما من أي إدانة مباشرة أو غير مباشرة لأي منتسب لحركة النهضة، بغض النظر عن موقعه أو درجة عضويته.

واسترسلت: "وهو ما يثبت للرأي العام الوطني والدولي، حقيقة ما كنا نقوله ونصرح به دوما، من أن هذه القضية قد جرى توظيفها واستغلالها من قبل قوى استئصالية بغاية إدانة الحركة والنيل من سمعتها وتأليب الرأي العام ضدها بطرق وأساليب غير أخلاقية، وذلك في محاولة يائسة للنيل من رصيدها الأخلاقي والرمزي في ضمير الشعب التونسي".

وشددت النهضة على أن “القضية قد طال أمد نشرها عمدا، وبكل إصرار وترصد، من ممثلي القائمين بالحق الشخصي، الذين كانوا يصرون على تأخير البت فيها وتعطيل إصدار أحكام ضد المتهمين".

وأوضحت أن هذا التعطيل "ظهر من خلال تقديم طلبات التأخير المتواصلة، والغياب في عدد من الجلسات، لأن غايتهم كانت توجيه الرأي العام ضد خصم سياسي فشلوا في مواجهته سياسيا وشعبيا، وليس البحث عن الحقيقة”.

ونبهت إلى أن “هذه الأحكام لا يمكن لأي جهة أن تدعي باطلا أنها نتيجة قضاء مهيمن عليه من قبل النهضة”.

وتابعت: "فقد شاءت إرادة الله أن يصدر هذا الحكم والحركة خارج سلطة الحكم، بل وهي في خندق المعارضة، وفي ظل مناخ سياسي شمولي معاد للديمقراطية، بما ينزع أي حجية عمن تعودوا باستمرار قلب الحقائق والتلبيس على الرأي العام".

في السياق ذاته، قال وزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام، إنه "رغم التحريض السياسي والإعلامي وفائض الاستثمار في الدم فقد حكم القضاء اليوم على 22 متهما في قضية بلعيد ما بين الإعدام والمؤبدات والسجن ولم يكن من بينهم نهضوي واحد".

وشدد عبد السلام في تدوينة عبر "فيسبوك" في 14 أكتوبر، أن هذا "يدل أنها مجرد تجارة يسروية لتخريب التجربة وتهيئة الأجواء للانقلابيين والفوضويين لا غير".

عائلة بلعيد

في تفاعل عائلة بلعيد مع هذه الأحكام، قال شقيق القتيل عبد المجيد بلعيد، إن العائلة لم تستغرب من الأحكام الاستئنافية الأخيرة في قضية الاغتيال التي كانت عادية.

وأضاف بلعيد خلال مداخلة مع إذاعة "الجوهرة إف إم" المحلية، “لكن العائلة استغربت من تغييب الجزء الثاني من الملف والمتعلّق بتورط وزير الداخلية الأسبق، علي العريض ومصطفى خضر وقيادات أمنية وعدم ضمّ الملفين”.

ورأى أن “هذا الجزء من الملف مازال يراوح مكانه ولم يتم التعامل معه بالجدية المطلوبة”. وفق قوله.

وبيّن أنه قد تم الفصل بين الجزء الأول الذي يضم منفذي عملية الاغتيال، والجزء الثاني الذي يتعلّق بالأطراف التي حرّضت واتخذت القرار.

وتساءل بلعيد: "لماذا الملف الذي يضم علي العريض والذي يعد جزءا أساسيا من القضية مازال يراوح مكانه ولم يقع التعامل معه بنفس الجدية.. حركة النهضة متورطة مباشرة وأريد أن أتوجّه بسؤال إلى وزيرة العدل بخصوص من يقف وراء تعطيل الجزء المفكك للملف والذي يدين تلك المجموعة؟".

براءة سياسية

في تعليقه على هذه التفاعلات، أكد مساعد رئيس مجلس النواب السابق (2019–2024)، ماهر المذيوب، أن الأحكام النهائية في قضية بلعيد "تؤكد سلامة مؤسسات الدولة والنظام السياسي خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي (2011–2021)".

ورأى المذيوب لـ"الاستقلال" أن هذا الحكم القضائي "الصادر في أخطر جريمة إرهابية في تاريخ تونس المعاصر، يعكس ويؤكد الأمانة الوطنية للسيد راشد الغنوشي، على تقدير أنه رجل دولة متمسك بالحوار والديمقراطية، ومؤمن بالإسلام المستنير".

وذكر أن المحكمة “أكدت في أحكامها النهائية، براءة الأستاذ راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة ورئيس مجلس نواب الشعب (2019–2024)، من جميع الادعاءات السياسية الباطلة، ومحاولات الزجّ باسمه ظلما في قضايا القتل أو الإرهاب”.

وأشار المذيوب إلى أن الحكم النهائي قضى "بتجريم أعضاء الجناح العسكري لتنظيم أنصار الشريعة"، موضحا أن الأخير “صنّفته الحكومة التونسية تنظيما إرهابيا في أغسطس/آب 2013، وذلك بناء على ثبوت مسؤوليتهم الجنائية المباشرة”.

بدوره، أكد الناشط السياسي والإسلامي رضوان مصمودي، أن "هذا الحكم أسقط أكبر كذبة في تاريخ تونس المعاصر، والمتعلقة باتهام حركة النهضة والتيار الإسلامي الوسطي بالمسؤولية عن عملية الاغتيال".

وذكر مصمودي لـ"الاستقلال" أن هذا الاتهام "هو مجرد كذبة صنعتها أنفس شيطانية وروّجتها ماكينات إعلامية ملوّثة وهيئات دفاع بلا مهنية ولا أخلاق، لتزرع الحقد والفتنة بين اليسار التونسي وحركة النهضة".

واسترسل: “هي كذبة غذتها قوى داخلية وخارجية متوحشة، أرادت لتونس أن تبقى رهينة الانقسام والضياع، وأن يدخل الصراع بين التونسيين وبعضهم البعض”.

وخلص مصمودي إلى أن "تونس دفعت ثمنها خلال 12 عاما من الشك والعداء والانقسام، بينما كان القاتل الحقيقي في مكان آخر، يبتسم خلف الحدود"، في إشارة منه إلى أياد خارجية لم يسمها متورطة في اغتيال بلعيد.

كلمات مصمودي عن الانقسام الداخلي تحيل إلى انتشار المظاهرات كالنار في الهشيم في مدن تونسية متعددة عقب عملية الاغتيال، حيث تم إحراق مقرات للنهضة في مدن المنستير وسوسة والكاف وقفصة.

ورغم تصريحات زعماء حركة النهضة التي نفت أي صلة لها بالاغتيال، إلا أن أنصار القتيل وعائلته رفضوا الإصغاء لها، في وقت اتهم الغنوشي من وصفهم بفلول النظام بالضلوع في العملية.

كما تزامنت عملية الاغتيال مع وجود الرئيس التونسي وقتئذ محمد المنصف المرزوقي في باريس، والذي قطع زيارته لها في حينه.

وقبل أن يعود إلى بلاده، ألقى المرزوقي كلمة مشحونة بالانفعالات الغاضبة أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، معلنا أن اغتيال بلعيد يهدف لإجهاض الثورة التونسية. 

وقال: إنه "اغتيال مشين لزعيم سياسي وصديق قديم، إنه تهديد، رسالة لكننا لن نتلقاها"، يؤكد المرزوقي الذي أمر بعد عودته بتنكيس الأعلام حدادا على بلعيد.

من جانبها، وجدت النهضة نفسها في حالة دفاع عن النفس؛ حيث أعلنت على لسان أحد زعمائها، حمادي الجبالي الذي كان يترأس الحكومة، براءتها تماما من الاتهامات التي تُكال لها، لكن أحدا لا يريد أن يسمع، مما دفعه لإعلان استقالته.