عودة مفتي الديار العراقية إلى بغداد بعد 11 عاما من الغياب.. لماذا الآن؟

يوسف العلي | منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

وسط غضب شديد من معظم القوى الشيعية، خصوصا المرتبطة بإيران، حطت رحال "مفتي الديار العراقية" رجل الدين السني البارز، رافع الرفاعي، في العاصمة بغداد، بعد ابتعاد عنها منذ اجتياح تنظيم الدولة للبلاد وسيطرته على ثلث مساحتها عام 2014.

عودة الشخصية السنية البارزة التي كانت أحد الوجوه المؤثرة في الاحتجاجات الشعبية بالمحافظات ذات الغالبية السنية التي خرجت عام 2013 واستمرت لأكثر من عام كامل، رفضا لسياسات الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي، التي وصفوها بالطائفية.

"استقبال مهيب"

على السجادة الحمراء وفي صالة الشخصيات المهمة، بمطار بغداد، استقبل مستشار الأمن القومي العرقي، قاسم الأعرجي، في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، المفتي الرفاعي، ونقل بعدها في موكب مهيب إلى جامع أم الطبول غربي العاصمة.

الرفاعي لا يحمل صفة رسمية في الدولة، لكن لقب "مفتي الديار العراقية" يعود إلى جهة شرعية من المدرسة الصوفية توارثت هذه التسمية في مرحلة ما قبل الاحتلال الأميركي للبلد عام 2003، إذ تولى الأخير هذه المهمة عام 2007 خلفا للمفتي السابق الشيخ جمال عبد الكريم الدبان.

الاستقبال الرسمي للرفاعي، أثار غضب القوى الشيعية، لا سيما القريبة من إيران، والتي شنت هجوما لاذعا على رجل الدين السني، ووصفوه بـ"الإرهابي والمحرض على العملية السياسية والأجهزة الأمنية"، وحرّكوا على الفور العديد من الدعاوى القضائية ضده.

وزعم النائب عن "الإطار التنسيقي" الشيعي علاء الحيدري، أن عودة الرفاعي "تهدد الاستقرار المجتمعي"، مدعيا أن "الجهات التي سهّلت عودته لا تعمل لصالح العراق، بل تسعى لإثارة الفتن وبث الفوضى، وأنها تخدم أجندات خارجية لا ترغب باستقراره".

من جهتها، قالت عاصفة عباس قادر، عضو حركة "حقوق" الذراع السياسي لـ"كتائب حزب الله" العراقية، إنها كانت قد حذرت في وقت سابق من وجود محاولات لتبرئة رافع الرفاعي ضمن "صفقة سياسية مشبوهة يجري تنفيذها على حساب دماء الشهداء".

وأعلن ضياء الناصري، عضو "ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، في 9 أكتوبر، تقديم شكوى قضائية لمحكمة استئناف ذي قار بحق مفتي الديار العراقي الرفاعي بتهمة التحريض على الطائفية والتسبب بأحداث عنف أدت إلى مقتل وإصابة العشرات.

وعلى الصعيد ذاته، ظهر النائب عن الإطار التنسيقي، مصطفى سند، بمقطع فيديو في 13 أكتوبر، ليعلن أن عائلة نائب رئيس الحشد الشعبي السابق، أبو مهدي المهندس، رفعت دعوى قضائية ضد الرفاعي بتهمة الإساءة للأخير، و"التحريض على القتل والفتنة".

في المقابل، رحبت شخصيات سياسية ودينية سنية بعودة الرفاعي، ومن أبرزهم المجمع الفقهي العراقي (أكبر مرجعية دينية للسنة) الذي أرسل وفدا للقاء الأخير والترحيب بعودته إلى بغداد، وبحث سبل تفعيل العمل المشترك في خدمة القضايا الشرعية والوطنية، وفق بيان المجمع في 9 أكتوبر.

"لا صفقة سياسية"

على الصعيد الرسمي، نفى مستشار الأمن القومي الأعرجي، أن تكون عودة الرفاعي إلى بغداد ضمن صفقة سياسية، مؤكدا شموله بقانون العفو العام الذي أقره البرلمان العراقي في 21 يناير 2025.

وقال الأعرجي خلال مقابلة تلفزيونية في 12 أكتوبر، إنه "لا توجد صفقة سياسية في قضية الرفاعي تتضمن عودته مقابل غلق ملفات معينة ضده، فهو لديه محامون راجعوا القضاء وتمت تبرئته من قبل القضاء العراقي"، مبينا أن "الرفاعي عاد بشكل طبيعي إلى بغداد وهو ليس سياسيا".

وأشار إلى أن "الاعتراض على عودة الرفاعي طبيعي ولكل شخص الحق في تقديم شكاوى إلى القضاء إذا كانت هناك جرائم"، مؤكدا أن "الحكومة لا تتدخل في قرارات القضاء".

وشدد الأعرجي على أن من واجب الحكومة "تفكيك أي كتلة ضد النظام السياسي وإعادتهم كمواطنين صالحين يعملون من أجل البلد وليس تركهم هنا وهناك بين الدول، وهذه الخطوات تقوم بها الحكومة الواثقة".

ونصح المسؤول العراقي "كل من يحاول كسب الأصوات الانتخابية من خلال الطائفية بالكف عن ذلك لأن الشعب العراقي لديه وعي ولن يصوت لذوي التصريحات الطائفية، وإنما على أساس طبيعة البرامج الانتخابية".

وتعليقا على خطوة الحكومة بإعادة الرفاعي، قال المحلل السياسي القريب من الإطار التنسيقي، حيدر الموسوي: إن "عودة الأخير المدان بتهم ثقيلة إلى العراق أثارت جدلا واسعا"، موضحا أن "طارق الهاشمي (نائب الرئيس الأسبق)، والمدان أيضا بتهم جسيمة، تم توجيه دعوة له للعودة".

وخاطب الموسوي الحكومة خلال مقابلة تلفزيونية في 9 أكتوبر، متسائلا: "ما الرسالة التي يريد إيصالها هذا الفاعل لجمهوره، خصوصا أن الشهر المقبل يشهد الانتخابات البرلمانية (11 نوفمبر)؟"، في إشارة ضمنية إلى أن الخطوة تحمل أبعادا سياسية ورسائل انتخابية واضحة.

وفي نهاية مايو، قال القيادي السني البارز، طارق الهاشمي خلال مقابلة تلفزيونية، إن التهم التي وُجهت إليه سابقا لم تعد قائمة، مؤكدا أن قضيته سياسية بحتة وليست جنائية، وأنه يتطلع للعودة إلى بغداد بعد توفير الحماية اللازمة وإعادة فتح ملفه أمام القضاء.

في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2011، أصدرت السلطات العراقية مذكرة قبض بحق الهاشمي، رغم أنه نائب رئيس الجمهورية، بعد اعتقال أفراد حمايته، وبثت اعترافات تلفزيونية لهم بأن الأخير كان يشرف على عمليات خطف وقتل وتفجير في بغداد، الأمر الذي رفضه وعده استهدافا سياسيا من رئيس الحكومة آنذاك نوري المالكي.

"مخاوف شيعية"

وبخصوص توقيت إعادة الرفاعي وما يمثله من رمزية دينية للمكون السني في العراق، قال الباحث في الشأن العراقي، حامد العبيدي، إن "عودة شخصية بثقل المفتي وكانت تصريحاته حادة ضد القوى المالية لإيران، واتهامهم بقتل العراقيين على أساس طائفي، لا شك أنها تحمل بعدا سياسيا".

وأوضح العبيدي لـ"الاستقلال" أن "الرفاعي شخصية ليست سياسية مثل الهاشمي، بالتالي عودته إلى العراق لن تحدث إرباكا على الانتخابات البرلمانية سواء على الجبهة السنية، أو القوى الشيعية، لكنها تحمل أبعادا أخرى تتعلق بالخارج".

ولفت إلى أن "التغييرات في المنطقة التي أدت إلى انحسار المحور الإيراني في المنطقة، أثارت مخاوف القوى الشيعية في العراق، من انتزاع الحكم عنها في ظل ما يحصل من إعادة تشكيل القوى في الشرق الأوسط، لذلك إعادة الرفاعي رسالة طمأنة للخارج، بأن الكل مرحب به، حتى من يعارضنا".

ولم يستبعد العبيدي أن "تكون إعادة الرفاعي هي باتفاق بين الإطار التنسيقي الشيعي وبضوء أخضر إيراني، وذلك في سبيل الحفاظ على الحاكمية الشيعية في العراق، وأن ما يحدث من هجوم عليه أو على الحكومة هو بمثابة تبادل أدوار لا أكثر".

ورأى الباحث أن "المرحلة المقبلة، وتحديدا بعد الانتخابات البرلمانية وتشكيل حكومة جديدة، من المتوقع أن تشهد عودة شخصيات سياسية أخرى مثل طارق الهاشمي، ومحافظ نينوى السابق أثيل النجيفي وآخرين، وذلك لاحتوائهم، وتبييض صورة النظام السياسي الحالي الذي يديره الشيعة".

تعرض النجيفي إلى الإقصاء بعد سحب الثقة منه في البرلمان العراقي على خلفية سقوط محافظة نينوى بيد تنظيم الدولة، التي تنفي تقصيره، وأكد أن نوري المالكي (رئيس الحكومة آنذاك) والقادة الأمنيين هم من تآمروا على المحافظة وسمحوا للتنظيم باجتياحها في 14 يونيو/حزيران 2014.

وبعد خروج النجيفي من منصبه، واستقراره خارج البلد عام 2014، صدر بحقه حكم غيابي بالسجن لمدة ثلاث سنوات من محكمة الرصافة في بغداد، ومنعه من السفر وحجز أمواله غير المنقولة إثر إدانته بـ"الفساد"، وقبلها صدرت بحقه مذكرة اعتقال بتهمة "التخابر" مع تركيا.

ردا على ذلك، قال النجيفي خلال منشور على "فيسبوك" في 25 يناير 2018، إن "القوى المتنفذة والمتطرفة في بغداد لم تفهم شيئا من درس داعش، ولم تتغير سياستها مع تغير الوجوه ولَم تكترث لآثار الاستفزاز الطائفي في بث التطرّف المقابل، بل استمرت في دعوتها القضائية إلى أقصى ما يمكنها من تجاوز على القانون".