بعد إلغاء القمة الروسية العربية.. لماذا قرر الشرع زيارة موسكو؟

"تحرك قيادة دمشق نحو موسكو ينطلق من مصالح دول"
يسرّع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع خطوات دمشق نحو إعادة تعريف العلاقة مع موسكو وفتح صفحة جديدة بين البلدين على قاعدة المصالح المشتركة وليس العداء.
فقد وصل الشرع في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2025 إلى موسكو والتقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأول مرة منذ الإطاحة في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 بالحليف السابق للكرملين رئيس النظام السوري البائد بشار الأسد وفراره إلى روسيا.

الشرع في روسيا
وقال الشرع الذي حظي بترحيب حار من بوتين أمام عدسات الكاميرا، "نحاول أن نعيد ونعرِّف بشكل جديد طبيعة هذه العلاقات، على أن يكون هناك استقلال للسيادة السورية وأيضا سلامة ووحدة الأراضي واستقرارها الأمني".
وأشار الشرع إلى وجود "روابط تاريخية" و"مصالح مشتركة" بين سوريا وورسيا، وقال “نحترم كل الاتفاقيات معها”. وأضاف أن "جزءا من الغذاء السوري معتمد على الإنتاج الروسي وكثيرا من محطات الطاقة معتمدة على الخبرات الروسية".
بدوره أعلن بوتين خلال استقباله الشرع في تصريحات بثّها التلفزيون الروسي الحكومي: “على مدى كل هذه العقود، كان يحرّكنا أمر واحد فقط: مصالح الشعب السوري الذي لدينا بالفعل علاقات عميقة جدا معه”.
وقال: إن أكثر من أربعة آلاف طالب سوري يدرسون حاليا في روسيا، مؤكدا أنه يأمل بأن يسهموا في مستقبل "الدولة السورية". وتابع بوتين "نحن سعداء جدا لرؤيتكم، أهلا وسهلا بكم".
وأوضح بوتين أن “روسيا وسوريا حافظتا على العلاقات الدبلوماسية لأكثر من 80 عامًا وخلال هذه الفترة، كانت ودية دائمًا”.
وأردف: "لم تكن لروسيا أي علاقة مع سوريا مرتبطة بظروفنا السياسية أو مصالحنا الخاصة، وطوال هذه العقود، كان هدفنا دائمًا هو مصلحة الشعب السوري".
وأكد بوتين أن اللجنة الحكومية بين روسيا وسوريا موجودة منذ عام 1993 واستأنفت عملها، معربًا عن شكره للشرع على استقباله الوفد الوزاري برئاسة ألكسندر نوفاك نائب رئيس الوزراء الروسي.
وأردف الرئيس الروسي: "تم تحديد العديد من المبادرات المثيرة للاهتمام والمفيدة هناك، ومن جانبنا مستعدون لبذل كل ما في وسعنا لتنفيذها، والاتفاق الذي تم التوصل إليه من خلال وزارة الخارجية لمواصلة الاتصالات والمشاورات المنتظمة".
وحضر اللقاء من الجانب الروسي وزير الخارجية سيرغي لافروف، وألكساندر نوفاك، ومستشار الكرملين للسياسات الخارجية يوري أوشاكوف.
وضم الوفد السوري كلا من وزير الخارجية أسعد حسن الشيباني ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة، ورئيس جهاز الاستخبارات حسين السلامة، والسكرتير العام للرئاسة ماهر الشرع.
وبعد الاجتماع الذي استمر بحسب وسائل إعلام روسية لأكثر من ساعتين ونصف الساعة، قالت موسكو: إنها على استعداد لمواصلة دورها في إنتاج النفط الخام السوري.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية تاس عن نوفاك قوله إن "شركات روسية تعمل في حقول النفط السورية منذ مدة طويلة"، مضيفا أن هناك حقولا جديدة "موسكو مستعدة للمشاركة فيها".
وجاءت زيارة الشرع عقب إعلان الكرملين في 9 أكتوبر 2025 تأجيل القمة الروسية - العربية الأولى التي كانت مقررة منتصف أكتوبر 2025 إلى موعد لاحق.
وهذه القمة، التي أُعلن عنها في أبريل/نيسان 2025 واستُعدّ لها لأشهر وكان من المقرر أن يشارك فيها القادة العرب، كانت تهدف إلى إظهار استمرار نفوذ موسكو في الشرق الأوسط رغم العقوبات الغربية.
لكنها تحولت إلى إحراج دبلوماسي للرئيس الروسي مع انتقال الأنظار نحو شرم الشيخ المصرية، حيث احتضنت مصر في 13 أكتوبر 2025 قمة بشأن إنهاء الحرب على قطاع غزة بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبمشاركة قادة من الشرق الأوسط وأوروبا، وبغياب روسي لافت.
ويبدو وفق الخبراء أن دمشق تريد تسريع إعادة تعريف العلاقة مع موسكو بعد عقد من الزمن أصبحت فيه روسيا مخترقة للسيادة السورية بعد أن استغلت حاجة بشار الأسد لها لمساندته في سحق الثورة.
وعقب انتصار الثورة السورية وهروب الأسد نحو موسكو ومنحه وعائلته اللجوء الإنساني هناك، بقيت العلاقة بين البلدين معلقة رغم وجود مصالح مشتركة.
وسارعت موسكو منذ البداية إلى فتح قنوات اتصال مع القيادة السورية الجديدة، حيث التقى الشرع في 29 يناير/كانون الثاني 2025 وفدا روسيا برئاسة ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية، وذلك في أول زيارة لدمشق منذ سقوط الأسد.
كما أجرى الشرع مع بوتين مكالمة هاتفية، في 12 فبراير/شباط 2025 في أول تواصل بينهما منذ سقوط الأسد.
وقال الكرملين في بيان حينها: إن بوتين تمنى للشرع النجاح في خوض المهمات التي تواجه القيادة الجديدة للبلاد، لصالح الشعب السوري "الذي تربطه بروسيا علاقات صداقة وتعاون مفيد متبادل على مر التاريخ".
وقد كان "التحول الدبلوماسي الدراماتيكي" في 31 يوليو/ تموز 2025، حينما زار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، موسكو والتقى بنظيره لافروف وكذلك بالرئيس بوتين.
كما بعث الشرع، برسائل سياسية إلى موسكو في 12 سبتمبر 2025 خلال مقابلة مع قناة "الإخبارية" الرسمية السورية بقوله: إن مفاوضات جرت مع روسيا بعد الدخول قوات الثورة إلى حماة خلال عملية "ردع العدوان" التي انطلقت لإسقاط الأسد.
وهو ما أدى لانسحاب قوات موسكو من المشهد العسكري بعد وصول فصائل المعارضة إلى حمص وضمن اتفاق جرى بيننا وبينهم، وفق ما قال الشرع.
وأردف الشرع قائلا: "الروس أعطوا التزامات معينة لسوريا الحالية ونحن أعطينا التزامات ونحن وفينا بها وهم وفوا بها حتى اللحظة".
ولفت إلى أن التواصل مع الروس وفتح العلاقات معهم بدأ بعد دخول فصائل الثورة إلى حلب في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 والسيطرة عليها.
وعد هذا التصريح من الشرع محاولة لتخفيف الغضب الشعبي من روسيا التي ولغت في دماء السوريين، وتمهيد الطريق لإمكانية حدوث توافقات معها على المستوى العسكري والاقتصادي بما يخدم مصالح البلدين.

"ليست للمسامحة"
وضمن هذا السياق، قال الباحث الأمني السوري في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” نوار شعبان: إن “زيارة الرئيس الشرع إلى موسكو لا تعني مسامحة روسيا على الجرائم التي ارتكبتها في سوريا إبان حكم بشار الأسد”.
واستدرك لـ "الاستقلال" أن "ما يجري حاليا هو إعادة تعريف للعلاقة بين البلدين بشكل يضمن السيادة السورية ولا يمس السيادة السورية".
وأضاف شعبان أن "إعادة تعريف العلاقة يجب أن يتضمن أيضا اعترافا روسيا بالجرائم التي ارتكبتها في سوريا سواء مباشرة أو عن طريق دعمها لنظام الأسد البائد وذلك حتى الوصول لمرحلة تعويض الشعب السوري".
ولفت إلى أن "دمشق مهتمة بالحديث مع موسكو عن الطاقة الغذائية والكهربائية والمحروقات التي كانت تقدمها روسيا لنظام الأسد البائد ومدى استمرارها أو زيادتها أو الدعم في المجال الطاقي".
ورأى شعبان أن “الوجود العسكري الروسي في سوريا محل بحث ونقاش بين دمشق وموسكو في هذه المرحلة”.
وقد جرى بحثه في جولات سابقة منها خلال زيارة وزير الخارجية السورية أسعد الشيباني إلى موسكو في أغسطس/آب 2025 والتي مهدت لزيارة الشرع.
وعن ملف تسليم روسيا لبشار الأسد المقيم لديها، قال: إن موسكو لم تسلم سابقا أي أحد منحته الحماية من القادة والزعماء الذين كانوا متحالفين معها، لأن هذا يمس بكبريائها.
وذهب شعبان للقول “زيارة الشرع تندرج تحت عنوان سوريا الجديدة التي تحاول تصفير العداوات والانفتاح على العالم بطريقة تحافظ على سيادتها”.
ويبقى لدى سوريا مطالب كثيرة تجاه روسيا من بينها استعادة مليارات الدولارات التي هربتها عائلة الأسد إلى موسكو خلال السنوات الماضية.
ويرى بعض الخبراء أن وضع العداوة جانبا يعود بالنفع على البلدين، فسوريا التي بدأت مرحلة بناء الدولة وإنعاش الاقتصاد تحتاج إلى علاقات إيجابية مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي ومنهم روسيا.
ويقول رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية العميد المتقاعد عبدالله الأسعد لـ "الاستقلال" "إن زيارة الرئيس أحمد الشرع ليست قرارا مفاجئا؛ لأن فتح الخطوط بين القيادة الجديدة وموسكو بدأ من بعد سقوط الأسد وحتى خلال عملية ردع العدوان.
وأضاف الأسعد: "لم ينته التنسيق بين موسكو والقيادة الجديدة في دمشق نظرا لكثير من الأمور؛ منها وجود السلاح الشرقي (الروسي) لدى الدولة السورية منذ عقود، إضافة إلى أن كثيرا من المفاتيح والملفات الموجودة في سوريا هي بيد روسيا وتتعلق بالطاقة والغذاء وغيره".
وقد يكون استئناف إمدادات روسيا التقليدية من الأسلحة والوقود والقمح بمثابة طوق نجاة لهذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 23 مليون نسمة, ويعاني 80 بالمئة من سكانه الفقر.
ولفت الأسعد إلى أنه "رغم أن روسيا ساندت بشار الأسد في قمع الثورة والحرب على الشعب، فإن الدول لديها مصالح تتصرف وفقا لها".
ولهذا فإن تحرك قيادة دمشق نحو موسكو ينطلق من مصالح دول، ويحمل في طياته ملفات عميقة ورئيسة ومهمة في هذه المرحلة من عمر الدولة السورية الجديدة من أجل بسط الاستقرار، وفق تقديره.
ويوضح أن الأمر يتعلق أيضا “بإعادة تسليح الجيش وأيضا الحصول على تأييد الحليف الروسي في مجلس الأمن كونه عضوا دائما يؤثر على القرارات المتعلقة بسوريا والتي يتطلب في بعض الأحيان رفعها داخل المجلس المذكور دون استخدام أي دولة للفيتو”.

"محاولة استباقية"
ويمكن لروسيا أيضا الضغط على إسرائيل التي انسحبت من اتفاق فضّ الاشتباك الموقع مع سوريا عام 1974 في اليوم التالي لسقوط الأسد، من أجل وقف الخروقات المتكررة التي تهدد استقرار البلاد ووحدة أراضيه.
فمنذ سقوط الأسد، ينفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي بصورة شبه يومية، توغلات برية داخل الأراضي السورية ويهاجم ويقصف مواقع تسفر في كثير من الأحيان عن خسائر مادية وبشرية.
علاوة على دعم إسرائيل نزعات انفصالية في الجنوب السوري وتحديدا في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية.
ويشير بعض الخبراء إلى أن نشر قوات روسية لحفظ السلام في الجولان وهو اقتراح قدمه بوتين عام 2013 قد يكون أحد خيارات دمشق راهنا لإحياء هذا الدور في ظل الخروقات الإسرائيلية الحالية، لا سيما في ظل العلاقة الجيدة بين موسكو وتل أبيب.
وهنا يشير الكاتب والصحفي درويش خليفة إلى أن “إلغاء القمة الروسية-العربية التي كانت مقررة في موسكو منتصف أكتوبر 2025 وبمشاركة سوريا، فرض على الرئيس الشرع أن يتحرك منفردا نحو الكرملين”.
وأردف في منشور على حسابه في فيسبوك: "طلب عقد لقاء ثنائي مع فلاديمير بوتين ليس خطوة بروتوكولية، بل محاولة استباقية لضبط المسار داخل سوريا، خصوصا في الجنوب حيث تتقاطع حسابات إسرائيل وروسيا وتركيا والولايات المتحدة".
وأضاف خليفة أنه “بالنسبة لتل أبيب، الوجود الروسي في الجنوب بعد انحسار النفوذ الإيراني يمثل صمام توازن مع الحضور التركي المتوسع شمالا”.
كما أنه يتيح لإسرائيل تفادي الضغوط الأميركية لسحب قواتها من المنطقة العازلة التي أنشأتها منذ إعادة توسيع نطاقها في الربيع الماضي، وفق تقديره.
وقال خليفة: “في المقابل، بوتين أمام فرصة نادرة لتعويض خسارته لأكبر حليف له في الشرق الأوسط بعد سقوط نظام الأسد”.
وأكد أن "استعادة موقعه في سوريا تمنحه بقاء مباشرا على المتوسط ونفوذا إقليميا لا يستطيع التخلي عنه في هذه اللحظة".
وأردف خليفة قائلا: “أما الرئيس الشرع، فلن يدخل موسكو بصفة المنتصر. فالهشاشة الداخلية تدفعه إلى تقديم نفسه كشريك يبحث عن تثبيت الاستقرار، لا فرض شروط”.
وهو يدرك أن امتناع روسيا عن لعب دور قوات فصل في الجنوب، سيدفع إسرائيل للتحرك نحو سيناريوهات بديلة، أبرزها الدفع باتجاه حكم ذاتي في السويداء، ما يفاقم هذا الخيار التشظي الداخلي، حيث يرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الضعف السوري مكسبا إستراتيجيا.
وختم خليفة بالقول: "الرسالة الأساسية هنا أن الجنوب السوري أصبح بوابة إعادة ترتيب النفوذ الدولي والإقليمي، وأن أي فراغ روسي ستملؤه تل أبيب بما يناسب أمنها، وليس بما يحفظ وحدة سوريا".
المصادر
- الشرع يلتقي بوتين ويشدد على نية بلاده إعادة تعريف العلاقات مع موسكو
- الشرع يؤكد احترامه للاتفاقيات مع روسيا.. وبوتين: علاقتنا قوية مع سوريا منذ 80 عاماً
- أحمد الشرع: إسرائيل "تفاجأت" بسقوط الأسد.. وتفاوضنا مع روسيا بمعركة "ردع العدوان"
- تأجيل القمة الروسية العربية في موسكو.. تقرير يسلّط الضوء على تراجع الدور الروسي في الشرق الأوسط