إيران تقود اجتماعات تنسيقية بين القوى الشيعية بالعراق ولبنان.. لماذا؟

يوسف العلي | منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في ظل التراجع الذي أصاب المحور الإيراني بالشرق الأوسط بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترعى طهران اجتماعات تنسيقية بين القوى الشيعية القريبة منها، لا سيما في العراق ولبنان، ما أثار تساؤلات عن دلالات ذلك، وانعكاساته المحتملة. 

وتعرض المحور الإيراني إلى هزات كبيرة بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا، وإضعاف قوة "حزب الله" اللبناني بضربات إسرائيلية أودت بحياة أبرز قادته وعلى رأسهم الأمين العام السابق حسن نصر الله، إضافة إلى استهداف إيران نفسها بهجوم إسرائيلي- أميركي في 13 يونيو/ حزيران 2025.

"معركة وجود"

وفي 8 أكتوبر 2025، كشف تقرير نشرته إذاعة "مونت كارلو" الفرنسية نقلا عن مصادر (لم تسمها) من التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وحزب "الدعوة" الشيعي بقيادة نوري المالكي، أن وفدين من "حركة أمل" و"حزب الله" اللبنانيين عقدا محادثات واسعة مع قيادات سياسية ودينية في بغداد.

ولفتت الإذاعة الفرنسية إلى أن "محادثات وفدي حركه أمل وحزب الله اللبناني جرت في سياق تنسيق شيعي - شيعي بين البلدين، بعد أن التقى الوفدان قيادات من الإطار الشيعي، الحاكم بالعراق، وزعامات فصائل شيعية عراقية".

وتابعت: "أجرى الوفدان (أمل، حزب الله) محادثات مع قيادات دينية شيعية في مدينة النجف جنوب العاصمة العراقية، وهي معقل المرجع الدين الشيعي الأعلى على السيستاني".

وبحسب التقرير، فإن "التنسيق أصبح ضروريا بين القوى الشيعية في لبنان والعراق بسبب أهمية الأحداث والتحديات الداخلية العراقية واللبنانية وأيضا الإقليمية".

وبيّنت الإذاعة الدولية أن “التنسيق الشيعي - الشيعي بين لبنان والعراق شهد طفرات وتطورات كبيرة في الفترة السابقة”.

وتحدثت عن أربعة تطورات مهمة فرضت وجود هذا التنسيق، الأول، التغيير في سوريا وسقوط حليف للقوى الشيعية في البلدين، وهو نظام بشار الأسد.

“التطور الثاني، حرب إسرائيل في غزة، حيث شاركت جبهتا لبنان والعراق بقوة في المواجهة مع الإسرائيليين”، وفق وصف التقرير.

أما الثالث، فهو وجود إدارة أميركية اتخذت مواقف متشددة من ملف نزع سلاح حزب الله والفصائل العراقية. والتطور الأخير هو حرب إسرائيل وإيران التي استمرت 12 يوما.

وأفادت الإذاعة نقلا عن مصدر في حزب الدعوة بزعامة نوري المالكي (لم تسمه) بأن مجموع هذه التطورات استدعت بناء نوع من التنسيق الإستراتيجي بين الأطراف الشيعية في البلدين، وأن القوى العراقية باتت معنية بصورة مصيرية بالملف اللبناني.

وزاد: “هناك قناعة لدى أطراف عديدة داخل الإطار الشيعي أن نزع سلاح حزب الله سيتبعه تطبيق نفس الخطوة تجاه الفصائل العراقية”.

كما أن "تحجيم التأثير السياسي الشيعي في لبنان الذي تسعى إليه أميركا وأيضا السعودية، سيعقبه تحجيم مماثل في العراق، لذلك بات الطرفان في خندق واحد ومعركة وجود واحدة".

وأكد التقرير أن “الحرس الثوري يقف وراء بلورة هذا التنسيق، لأن القيادة الإيرانية، تشعر بأن حزب الله بات الأضعف في محور المقاومة، بسبب التغييرات في سوريا والضغط العسكري الإسرائيلي والسياسي الأميركي على لبنان”.

ويرى أن "حركة قيادات الحرس الثوري الإيراني إلى الأراضي اللبنانية باتت خطرة جدا ومرصودة استخباراتيا من إسرائيل والولايات المتحدة، لذلك تعتقد طهران أن هذا التنسيق يمثل حلا لهذه المشكلة، ويمكن أن تذهب قيادات عراقية إلى حزب الله بدلا عنها".

"تنازلات للبقاء"

وعن دلالات هذا الاجتماع الثنائي الشيعي، علق المراقب للشأن العراقي، مهند الأعظمي أن "القوى الشيعية المدعومة إيرانيا في المنطقة تستشعر خطرا وجوديا، وأن طهران تحاول إيقاف تراجع محورها والحفاظ على ما تبقى منه على الأقل لعبور مرحلة الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب".

وأضاف الأعظمي لـ"الاستقلال" أن "إيران مستعدة أن يقدم حلفاؤها في لبنان والعراق تنازلات إلى الولايات المتحدة وربما حتى لإسرائيل من أجل إيقاف تراجع نفوذها والذي قد ينتهي بالإطاحة بنظام ولاية الفقيه نفسه".

واستدل الباحث على كلامه، بأن "إيران وراء طلب حزب الله اللبناني فتح صفحة جديدة مع السعودية، وموافقة الإطار التنسيقي الحاكم في العراق على مشاركة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بمؤتمر شرم الشيخ (بحضور ترامب لحل أزمة غزة) الذي وصفه زعيم التيار الصدري بأنه وصمة عار عليهم". 

وتوقع الأعظمي أن "زيارة السوداني إلى شرم الشيخ (13 أكتوبر) لحضور مؤتمر إيقاف الحرب في غزة، هدفها لقاء ترامب ومحاولة رسم صورة جديدة عن الشيعة في العراق وعدم احتسابهم جميعا على محور المقاومة، وربما هذه الخطوة كانت بدفع من إيران نفسها".

وكان الصدر قال على منصة "إكس" عقب ساعات قليلة على إعلان وصول السوداني إلى مصر، إنه "من المعيب على الأحزاب الشيعية الحاكمة وحلفائهم والتي تدعي نصرة المذهب، أن يحضر رئيس وزرائها اجتماعا من الاحتمال أن يحضره (النتن)"، في إشارة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وكانت مصادر عبرية تحدثت عن إمكانية حضور نتنياهو للقمة قبل أن ينفي مكتب الأخير ذلك. وتحدثت المصادر عن رفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وجود رئيس الوزراء الإسرائيلي وتهديده بالمغادرة، ما أدى إلى التراجع عن دعوته.

من جهته، حذر الناشط والباحث اللبناني في الشأن الشيعي، مصطفى فحص، من مخاطر الانغلاق والانعزال داخل المجتمعات الشيعية في العراق ولبنان، مؤكدا أن استمرار هذا النهج يهدد مستقبل الجماعة ومكاسبها.

وأوضح فحص خلال مقابلة نشرتها صحيفة "الشرق الأوسط" في 29 أغسطس/آب، أن "الحوار الداخلي الشيعي ليس مجرد نقاش بين أطراف متشابهة، بل ضرورة حيوية لمواجهة التحديات السياسية والاجتماعية والعقائدية التي تمر بها هذه المجتمعات". 

ورأى الكاتب اللبناني أن "التشدد والانكفاء على الذات يؤديان إلى فقدان الحيوية ويفرغ السردية الشيعية من محتواها"، داعيا إلى "فتح حوار جاد حول العلاقة بين العقيدة الدينية والعمل السياسي".

وأكد فحص "أهمية الانتقال من منطق الهوية المسلحة إلى منطق الدولة الجامعة"، مشيرا إلى أن "هذا التحول ضروري لضمان مستقبل أفضل للشيعة في كل من العراق ولبنان". 

وشدد على أن "رفض الحوار الداخلي ينذر بعواقب خطيرة، حيث قد يتحول الشيعة في العراق إلى جماعات متناحرة، وفي لبنان إلى جماعة منعزلة معرضة للانقسامات الداخلية".

ودعا إلى الاحتكام لمرجعية النجف وعقلائها لتجاوز معضلة السلاح وهواجس الوجود، عادّا أن "الخيار الوحيد أمام الجماعة الشيعية هو الانتقال من منطق الطائفة إلى منطق المواطنة الفاعلة في الدولة الحديثة".

"تحولات إستراتيجية"

ولم يكن التحرك الإيراني لتوحيد جهود الشيعة في لبنان والعراق هو الأول من نوعه، فقد أجرى الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، محادثات مع المسؤولين العراقيين واللبنانيين، خلال زيارة أجراها إلى بغداد وبيروت مطلع أغسطس 2025.

وكشفت وكالة "شفق نيوز" العراقية في 11 أغسطس، أن “الهدف من زيارة لاريجاني كان لملمة ما يعرف بمحور المقاومة في المنطقة وإعادة ترتيب أوراقه إلى جانب الدور السياسي للعراق في تهدئة الأوضاع بالمنطقة خلال المرحلة  المقبلة، لا سيما بعدما تضعضعت قيادة المحور”.

كما تكمن مهمته في "توظيف الأدوات وإعادة خطة توزيع المهام بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق ضمن الجدول المتفق عليه (نهاية سبتمبر/أيلول 2026)، وإيجاد صيغة رسمية وبروتوكولية لذلك".

ولفتت الوكالة في حينها أن لاريجاني ناقش في لقاءاته مع المسؤولين العراقيين، الملف السياسي وتشكيل الحكومة سريعا بعد الانتخابات البرلمانية في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، وبما يحقق الاستقرار الداخلي والمنطقة، إلى جانب أهمية تحقيق التوازن في العملية السياسية لأن الظرف الدولي يتطلب ذلك.

و"هذه الزيارة لم تكن عشوائية، بل جاءت في توقيت حسّاس يتزامن مع إعادة هيكلة الجهاز الأمني الإيراني عقب الهجمات الإسرائيلية في 13 يونيو 2025"، وفق ما يرى مركز الدراسات الإيرانية "إيرام".

وقال المركز في 21 أغسطس: إن "طهران تعد الحفاظ على المواقع السياسية للمليشيات التي تدعمها، وتمكينها من موقع أكثر مؤسسية داخل النظام، والحفاظ على روابطها مع طهران أولوية إستراتيجية". 

وأكد أن "مطالب واشنطن بتجريد هذه المجموعات من السلاح وتهديداتها بالعقوبات ليس مجرد تهديد أمني فحسب، بل محاولة لتقليص النفوذ الإيراني الإقليمي".

واستطرد: "لذلك تعمل إيران على منع راديكالية هذه المجموعات، وحمايتها من استهداف الولايات المتحدة وإسرائيل، بينما تهدف اتصالات لاريجاني إلى ضمان تنفيذ هذه الإستراتيجية بالتوافق مع بغداد".

أما في لبنان، فقد كانت قضية نزع سلاح حزب الله محور الاهتمام؛ إذ شكل قرار الحكومة اللبنانية الموافقة على خطة الطريق المدعومة أميركيا لتجميع كل الأسلحة تحت سلطة الدولة صدمة لطهران وحليفها ببيروت.

وردا على ذلك، وصف الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم هذه الخطوة بأنها "خدمة لمشروع إسرائيل"، وأكد أن الحزب لن يتخلى عن سلاحه ما لم تنسحب تل أبيب من لبنان وتتوقف عن الهجمات، مهددا ضمنيا بـ"صراع داخلي".

في المقابل، شدد الرئيس اللبناني جوزيف عون على أن مسألة نزع سلاح حزب الله شأن داخلي لا يحق لأي دولة التدخل فيه، فيما أكد رئيس الحكومة نواف سلام أنه “لا يمكن لأي مجموعة أن تمتلك السلاح خارج إطار الجيش”، وأن "التلميحات إلى الحرب الأهلية والتهديدات الضمنية غير مقبولة".

وخلص المركز إلى أن "زيارة لاريجاني للعراق ولبنان تعكس تحولات إستراتيجية في السياسة الإيرانية؛ إذ تسعى طهران لتقليص الانخراط العسكري المباشر لصالح تعزيز النفوذ السياسي والدبلوماسي، مع الحفاظ على حلفائها الإقليميين ضمن إطار أكثر براغماتية وتوازنا مع المخاطر الأمنية الإقليمية".