ظريف أم لافروف.. من يتحمل مسؤولية إدراج "آلية الزناد" بالاتفاق النووي؟

يوسف العلي | منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تصاعد الخلاف الدبلوماسي بين موسكو وطهران على خلفية تصريحات متبادلة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيره الإيراني السابق محمد جواد ظريف، بشأن "آلية الزناد" التي وُصفت بأنها "الفخ القانوني" في الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.

القضية التي بدت منسية منذ سنوات، عادت إلى الواجهة مع تصاعد الضغوط الغربية على إيران وإعادة تفعيل الآلية التي أعادت فرض العقوبات الأممية عليها.

وإعادة تفعيل الآلية فتحت باب التساؤلات حول الجهة التي تتحمّل المسؤولية عن إدراج هذا البند في الاتفاق من الأساس ودور روسيا بهذا الأمر.

"فخ العقوبات"

بدأ الجدل عندما صرّح لافروف، في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2025، بأن "آلية الزناد" كانت فخا قانونيا وقعت فيه طهران، معربا عن دهشته من موافقة إيران على إدراجها ضمن بنود الاتفاق النووي.

وقال لافروف إن هذه الآلية كانت "نتيجة مباشرة للتفاهم بين محمد جواد ظريف ووزير الخارجية الأميركي آنذاك جون كيري"، خلال المرحلة النهائية من المفاوضات، عادا أن البند صُمم لتسهيل إعادة فرض العقوبات على إيران.

في المقابل، ردّ ظريف، نائب الرئيس الإيراني السابق ووزير الخارجية الأسبق، مؤكدا أن تصريحات لافروف "غير صحيحة"، وأن المقترحات الروسية والفرنسية خلال المفاوضات كانت "ضد مصلحة إيران"، حسبما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا" في 17 أكتوبر.

وأضاف ظريف: "آلية الزناد لم تكن موضوع نقاش بيني وبين جون كيري. الروس والفرنسيون هم من قدموا اقتراحًا سيئًا للغاية، وتمكّنا بصعوبة من إلغائه".

في اليوم نفسه، رفض وزير الخارجية الإيراني الأسبق، علي أكبر صالحي، تصريحات ظريف، مؤيدا ما أدلى به لافروف بشأن "آلية الزناد"، مؤكّدا أن روسيا كانت قد اعترضت على إدراج هذه الآلية في الاتفاق النووي السابق (2015).

وأوضح صالحي، الذي كان رئيسًا لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، أثناء توقيع الاتفاق النووي السابق: "أتذكر أن السيد لافروف اعترض في أحد الاجتماعات وقال: هذا البند يسلب منّا حق النقض (الفيتو)".

وأضاف صالحي، في مقابلة مصوّرة نُشرت في 17 أكتوبر، قائلا: "الأميركيون أرادوا أن يتضمّن الاتفاق النووي بند آلية الزناد بحيث إذا رأوا أننا لم ننفّذ التزاماتنا لأي سبب، يبقى هناك سيف معلّق فوق رؤوسنا". 

وأكّد أن هذا الاقتراح كان فكرة أميركية ذكية، مضيفا: “سلب الأميركيون حقّ النقض من الدول الخمس، من خلال آلية الزناد”.

وفي 28 سبتمبر/ أيلول 2025، أعلنت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا (الترويكا الأوروبية) إعادة تفعيل عقوبات الأمم المتحدة على إيران، بعد انقضاء مهلة 30 يوما منحتها للأخيرة، وبررت هذا الإجراء بعدم وفاء طهران بالتزاماتها المتعلقة ببرنامجها النووي.

وطلبت دول الترويكا من إيران استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي، والسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى مواقعها النووية، وتسليم اليورانيوم المخصب إلى واشنطن، لكن طهران وافقت على الطلبين الأوليين ورفضت الأخير.

وتُعد "آلية الزناد" أحد أكثر البنود حساسية في الاتفاق النووي، إذ تتيح لأي طرف مشارك إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران إذا ما خالفت التزاماتها النووية، دون الحاجة إلى تصويت جديد في مجلس الأمن.

ويرى خبراء أن الآلية تمثل ثغرة قانونية ضمن الاتفاق، استخدمتها القوى الغربية في السنوات الأخيرة لتبرير إعادة فرض العقوبات بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018.

دور وظيفي

وعن الخلاف العلني النادر بين موسكو وطهران بشأن "آلية الزناد"، قال الكاتب والباحث المختص في الشؤون الإيرانية، مصطفى النعيمي: إن "إيران تماطل وتحرج حتى من يعمل على مساعدتها في مسألة التوصل لتفاهمات عبر المنظومة الدولية".

في حديث مع "الاستقلال" توقع النعيمي أن “تتخلى روسيا عن لعبها دور الوسيط إذا أصرت إيران على التنصل التدريجي من هذه التفاهمات، خصوصا أن موسكو غير متفرغة للأزمة الإيرانية على الإطلاق، كونها لديها أزمات مركبة مع الغرب تحاول الخروج منها بأقل الخسائر”.

وأشار إلى أن أولوية طهران تختلف عن أولوية موسكو، وبناء عليه “أعتقد أننا سنشهد مزيدا من التصريحات الروسية التي تشي بعدم الجدية والرضا في إكمال لعب دور الوسيط نظرا لعدم امتثال طهران للمسار التفاوضي المتعلق بالملف النووي، واستمرارها بالأنشطة المتعلقة به”.

ورأى النعيمي أن تبادل الاتهامات ما بين الجانبين الروسي والإيراني متعلق بحجم الضغوط الممارسة دوليا ضدهما، وأن هناك الكثير من الصفقات المعلقة بين موسكو وطهران، خاصة الطائرات المقاتلة التي كان يفترض أن تحصل عليها الأخيرة على مراحل.

كما أن إيران، بحسب الخبير، ما زالت تراهن على مسألة دعم روسيا بالمسيرات الانتحارية أحادية الاتجاه من طراز “شهر 136” مقابل تقديم المقاتلات الجوية لطهران، لكن موسكو أوقفت ذلك.

ولفت إلى أن خشية موسكو نابعة أيضا من أن يضغط عليها الغرب بزيادة الدعم المقدم لأوكرانيا في الحرب الدائرة معها منذ 21 فبراير/ شباط 2022.

وفسر النعيمي تصريحات ظريف بأنها تندرج ضمن نهج إيراني واحد، يسعى لاستثمار عامل الزمن.

فمن جهة يوجد مسار تصعيدي يقوده المرشد الأعلى علي خامنئي، وآخر دبلوماسي تفاوضي يقوده الرئيس مسعود بزشكيان، وبالتالي تحاول طهران من خلال هذين المسارين التشويش على المنظومة الدولية.

وأعرب الباحث عن اعتقاده بأن المسار الذي يقوده جواد ظريف لا يخرج عن نطاق إرادة المرشد على الإطلاق، وأنه دور وظيفي كلف بأدائه.

وذلك من أجل إثبات أن طهران لديها جدية في برنامجها النووي، وتحمّل الوكالة الدولية للطاقة الذرية مسؤولية تعثر هذا المسار.

هجوم داخلي

على صعيد الداخل الإيراني، سلط الإعلام المحلي الضوء على تصريحات ظريف، واتهمه بتوتير العلاقات مع روسيا، وذلك في وقت أجرى فيه أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني زيارة إلى موسكو في 16 أكتوبر استغرقت يوما واحدا، والتقى خلالها الرئيس فلاديمير بوتين. 

وعلق الكاتب محمد صفري خلال مقال نشرته صحيفة "سياست روز" الأصولية في 18 أكتوبر، أن اتهامات ظريف تتناقض مع تصريحات مسؤولين إيرانيين سابقين، وأن مواقف الأخير نفسه، التي تنفي وجود هذه الآلية سابقا، تثير تساؤلات عن دوافع تصريحاته وتأثيرها على التحالف الإيراني- الروسي.

ورأت صحيفة "جوان"، التابعة للحرس الثوري الإيراني، خلال تقرير في 17 أكتوبر، أن مثل هذا الجدل يهدد الوحدة الوطنية في وقت تحتاج فيه طهران لتوحيد الصفوف، وتعزيز تحالفاتها الإستراتيجية لمواجهة الضغوط الغربية المتصاعدة.

وقالت إن الرواية الحقيقية في الخلاف بين ظريف ولافروف لم تعد هي المسألة الأهم، مشيرة إلى أن إصرار الأخير ونفي الأول لا يُغيّران جوهر الأمر، وهو أنه يتعلق بمصالح وطنية تُبادَل كأضحية بين الغربيين ومحبي روسيا.

وفي السياق ذاته، نشرت وكالة "أنباء الطلبة" الإيرانية مقالا للكاتب مهدي علي في 18 أكتوبر، قال فيه إنه مع عودة الأنظار إلى بند آلية الزناد المثير للجدل؛ سقطت فضيحة الاتفاق النووي من على منبر الدبلوماسية الإيرانية، وبدلا من تحمّل المسؤولية، سلك ظريف مسار الإسقاط.

وشنت الوكالة هجوما حادا على ظريف، بالقول إنه وصف سابقا خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) بأنها "نصر دبلوماسي" وعملية "رابحة للجميع" قبل توقيعها، ولكن مع تفعيل آلية الزناد وانكشاف أخطاء فخامته تدريجيا، فتح فمه لانتقاد الروس.

ورأت أن خطاب ظريف يُظهر هروب "رئيس الدبلوماسية"، واصفة إياه بأنه "شخصٌ انغمس في فخّ خطة العمل الشاملة المشتركة ولم يقبل أي انتقاد لها، ومن ناحية أخرى، بدلًا من الاعتراف بالأخطاء، لجأ الآن إلى الإسقاط".

ووصفت ظريف، بأنه المثال الأمثل للسياسي ذي التوجه الغربي الذي أنكر سابقًا وجود "إعادة فرض عقوبات" في خطة العمل الشاملة المشتركة، وأنه يواجه الآن كشوفات من سيرغي لافروف تُظهر أنه لم يكن على دراية بآلية الزناد فحسب، بل إن هذه الحادثة كانت أيضا نتاجا لأفعاله.

وأشارت إلى أنه بغض النظر عن التفاصيل الدقيقة لقضية "سناب باك" (آلية الزناد) وسلوك روسيا وقت انضمامها إلى الاتفاق النووي، يجب ألا ننسى أن الجو السائد آنذاك كان قائمًا على التفاوض والمساومة، ومن الطبيعي أن الروس كانوا يبحثون أيضًا عن مصالحهم الخاصة.

وعن زيارة لاريجاني، رأت صحيفة "آرمان ملي" الإصلاحية، في 18 أكتوبر، أنها تهدف إلى تعزيز التحالف الإستراتيجي مع موسكو، ونقل رسالة من المرشد، في خطوة تهدف أيضا إلى فتح قنوات غير مباشرة للتواصل مع واشنطن عبر الوساطة الروسية، وذلك في سياق التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة.

وانتقد الكاتب بصحيفة "ستاره صبح" الإصلاحية، ید الله إسلامي، تحول إيران من طرف مفاوض إلى موضوع للمفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا؛ حيث تُستخدم كورقة في حسابات الآخرين.

وقال: "يتطلب الخروج من هذه الأزمة تحولاً من التفكير الأيديولوجي إلى أولوية المصلحة الوطنية لاستعادة المبادرة الدبلوماسية وإنهاء العزلة الدولية".

أما صحيفة "قدس" الأصولية، فقد نقلت عن الخبير في شؤون روسيا الأكاديمي، حميد حكيم، قوله: "إن طهران ترفض أن تكون مجرد ورقة في اللعبة الدولية، وتطالب بشراكة متوازنة تحفظ مصالحها الإستراتيجية وتعزز استقرار المنطقة".