ناشونال إنترست: هذه دواعي استمرار العقوبات الأميركية على إيران
نشرت مجلة ناشونال إنترست الأميركية تقريرا يتحدث عن المشاكل الحقيقية والافتراضية لمبيعات الأسلحة في منطقة الشرق الأوسط، وسط استمرار فرض العقوبات على إيران، وتصاعد التوترات والنزاعات العالمية.
وقال التقرير الذي أعده "بول بيلار" وهو زميل في مركز الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون: إن الأساليب والدوافع التي تؤدي لزيادة مبيعات الأسلحة في منطقة الشرق الأوسط ليست هي الأساس السليم الذي يمكن بناء السياسة الإقليمية عليه.
وأضاف أن الحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة على إيران هو إحدى الخطوات غير المنتهية التي تمارس من خلالها الضغط على طهران لمنع تصدير واستيراد الأسلحة من وإلى إيران.
ويبدو للعيان أن خطوة واشنطن ربما تكون سهلة، بحيث تجعل كل سياسي أميركي مشجعا لتلك الخطوات ومناديا بمثيلاتها بحجة منع تصدير الأسلحة إلى إيران، إلا أن إدارة البيت الأبيض لا تفصح عن خلفية أو سياق الحصار الذي تفرضه على طهران، وهو ما كانت ستلجأ إليه إذا كانت مهتمة حقا بالأسلحة وانعدام الأمن في المنطقة الأكثر اشتعالا.
وفي تقدير بيلار، لم يكن القصد من الحظر المفروض على إيران قط معالجة مشكلة زعزعة استقرار عمليات نقل الأسلحة التقليدية، فبدلا من ذلك، جرى فرض عقوبات اقتصادية أخرى، كوسيلة ضغط على طهران للتفاوض على تقييد برنامجها النووي.
ولكن إيران تفاوضت بالفعل سابقا وتوصلت مع الدول الغربية لاتفاق السلاح النووي، وأغلقت كافة مسارات احتمالية تطويره، في إطار الاتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2015.
وبمجرد أن تمتثل إيران بالكامل لالتزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، كان من المنطقي رفع الحظر على الأسلحة، إلى جانب العقوبات الأخرى التي لها نفس الغرض، إلا أن الولايات المتحدة طالبت بالتأجيل، ووافقت طهران، كواحدة من التنازلات التي قدمتها خلال المفاوضات، على استمرارها لمدة خمس سنوات لتنتهي في أكتوبر/تشرين الأول 2020.
في هذا السياق، تؤكد المجلة أن إيران تجاوزت بعض الحدود النووية في خطة العمل الشاملة المشتركة خلال العام 2019، لكنها فعلت ذلك فقط كرد فعل على انتهاكات إدارة دونالد ترامب للاتفاق.
ومع اعتزام طهران التحرك كضغط مضاد للحث على العودة إلى الامتثال الكامل خطة العمل المشتركة، سيكون تمديد حظر الأسلحة إلى أجل غير مسمى بمثابة ضربة أخرى ضد الخطة، من بين العديد من الجهود الأخرى التي تبذلها إدارة ترامب لتدمير الاتفاق تماما.
هذا الأمر سيعني، بحسب التقرير، إنهاء قيود خطة العمل الشاملة المشتركة على البرنامج النووي الإيراني، وبدء سباق تسلح نووي محتمل في منطقة الخليج، وزيادة عدد وقوة الأسلحة النووية، وليس التقليدية، باعتبارها مصدر القلق الأمني الرئيسي في الشرق الأوسط.
تأجيج التصادم
من جهة أخرى، أشارت ناشونال إنترست إلى إن تجارة الأسلحة التقليدية هي بالفعل عامل مزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط، ولكن هناك حاجة إلى نهج متعدد الأطراف يقوم بأكثر من الضغط على دولة إقليمية واحدة لمعالجة هذه المشكلة بشكل فعال.
علاوة على ذلك، فإن استهداف إيران وحدها سيؤجج التصادم بدلا من أن يعمل على تخفيف حدة التوتر الناجمة عنه.
وفقا للبيانات التي عمل على تجميعها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، زادت صادرات الأسلحة إلى الشرق الأوسط بنسبة 87 % على مدى السنوات الخمس الماضية وتمثل الآن أكثر من ثلث تجارة الأسلحة العالمية، لذا فمن الواضح أن هناك مشكلة على مستوى المنطقة تستحق المعالجة.
ويتابع: "من الثابت أن المملكة العربية السعودية استوردت أكبر عدد من الأسلحة بالمقارنة مع أي دولة بالعالم خلال 2014-2018، وزادت مشترياتها منها خلال تلك الفترة بنسبة 192 % مقارنة بالسنوات الخمس السابقة".
من الواضح أيضا من الطرف المستفيد، وهو الولايات المتحدة، أكبر بائع للأسلحة في العالم، بحيث تشير التقارير إلى أن أكثر من نصف صادراتها في 2014-2018 ذهبت إلى الشرق الأوسط، ومما يجذر ذكره أن السعودية تلقت 22 % من صادرات واشنطن العسكرية في جميع أنحاء العالم.
وتشير التقارير والبيانات إلى أن كلا الطرفين، السعودية والولايات المتحدة، مستمران في خطة تدفق الأسلحة إلى الشرق الأوسط.
وأظهرت البيانات التي جمعها المنتدى المعني بتجارة الأسلحة في أواخر عام 2019 أن مبيعاتها من أميركا في ذلك العام، زادت أكثر من الضعف مقارنة بعام 2018.
وخلال السنوات الخمس المقبلة، من المقرر أن تتلقى الرياض 98 طائرة مقاتلة أخرى و83 دبابة ودفاعيات وأنظمة صواريخ من الولايات المتحدة، كما وقعت إدارة ترامب والنظام السعودي خطابات نوايا (اتفاقات مبدئية) بقيمة 350 مليار دولار من الأسلحة تذهب إلى السعوديين على مدى السنوات العشر المقبلة.
وأكد التقرير أن هذه الصفقات توسع الفجوة العسكرية بين دول الخليج العربية وإيران، ولن يؤدي رفع حظر الأسلحة المعني حاليا إلى تغيير هذا الخلل.
زعزعة الاستقرار
لم تكن الجمهورية الإسلامية - على عكس النظام السابق لشاه إيران - منفقا كبيرا في سوق الأسلحة الدولية، بل إن استمرار العقوبات الاقتصادية الأخرى، وانخفاض عائدات النفط، والصرامة المالية العامة لطهران تجعل أي تغيير في هذا النمط غير مرجح.
حتى في عام 2017، قبل أن تعيد إدارة ترامب فرض العقوبات التي جرى تخفيفها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، قام المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بتقييم أن التكلفة العالية ستستمر في الحد من أي مشتريات إيرانية لأنظمة أسلحة متطورة.
يقول التقرير: "يجب قياس عمليات نقل الأسلحة كمشكلة في زعزعة الاستقرار الإقليمي ليس فقط في عدد عمليات النقل ولكن أيضا في استخداماتها".
وهنا تشير البيانات إلى أنه جرى استخدام أسلحة الولايات المتحدة في حملات القمع القاسية التي انتهكت حقوق الإنسان في مصر، وقد استخدمت في الاحتلال الإسرائيلي المسيء - والقاتل بشكل دوري للغاية - والاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية.
والأكثر وضوحا في السنوات الأخيرة، أن الأسلحة الأميركية المقدمة للسعودية ساعدت في تحويل اليمن إلى ما يوصف عادة بأنه أسوأ كارثة إنسانية من صنع الإنسان، حيث أدت حملة القصف إلى مقتل أو إصابة أكثر من 17000 مدني اعتبارا من مارس/آذار 2019.
ويشير التقرير إلى أن الأسلحة الأميركية المقدمة إلى "عرب الخليج" كانت مزعزعة للاستقرار بطرق أخرى، بحيث أعطت السعودية والإمارات العربية المتحدة أسلحة من صنع الولايات المتحدة للمليشيات لشراء نفوذ في اليمن.
وبحسب التقرير: "ذهبت بعض الأسلحة إلى السلفيين المتطرفين، بما في ذلك أولئك الذين لهم صلات بتنظيم القاعدة، بل إن بعضهم تمكنوا من الوصول إلى المتمردين الحوثيين الذين يفترض أن تكون الحرب التي تقودها السعودية ضدهم".
وكشفت مقالة متعمقة لصحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان "لماذا كانت القنابل المصنوعة في أميركا تقتل مدنيين في اليمن" أن المبيعات كانت مدفوعة أكثر بكثير من خلال إنشاء أعمال لشركة ريهانثون وغيرها من مقاولي الدفاع أكثر من أي فكرة عن جلب الأمن لهذا الجزء من الشرق الأوسط.
هذا الجزء من تجارة الأسلحة حرض إدارة ترامب على الكونجرس، حيث اعترض الرئيس في العام 2019 على قرار من الحزبين الجمهوري والديمقراطي - بعد ما فعلته العديد من الدول الأخرى بالفعل - كان من شأنه إنهاء الدعم الأميركي للحرب السعودية في اليمن.
كما تحايلت الإدارة على الكونجرس وأبطلت إجراءات الموافقة العادية لصفقة أسلحة بقيمة 8 مليارات دولار مع السعوديين بإعلانها خطوة طارئة.
وبحسب ما ورد كانت هذه المخالفة أحد مواضيع التحقيق من قبل المفتش العام بوزارة الخارجية، إلى جانب التحقيقات في استخدام مايك بومبيو (وزير الخارجية الأميركي) لأموال دافعي الضرائب لأغراض خاصة.
وأكد التقرير أنه يوجد بالفعل مشاكل كبيرة في جوانب تجارة الأسلحة في الشرق الأوسط، لكن المشاكل لن تحل بإخضاع كل شيء لهوس إيران.