لم تغلق منذ الطاعون الأسود.. هكذا أصبحت القدس بعد تفشي كورونا
للمرة الأولى منذ قرون، تسبب فيروس كورونا بإغلاق أزقة القدس المحتلة، التي تعتبر من أقدم المدن التاريخية والدينية في العالم الذي تفشى فيه الوباء القاتل.
ولم تغلق أزقة مدينة القدس المحتلة، منذ انتشار وباء الطاعون الأسود (عصف بالعالم خلال القرن الرابع عشر وتسبب في وفاة نحو 50 مليون أوروبي أي حوالي ثلث سكان القارة).
وقالت صحيفة واشنطن بوست في تقرير لمدير مكتبها في القدس، ستيف هندركس: إن انتشار جائحة فيروس كورونا الذي غزى العالم، لعب نفس دور وباء الطاعون الأسود منذ قرون، وقرر إغلاق المدينة التاريخية بمقدساتها.
وأضاف أن قوات الشرطة (الإسرائيلية) تعمل على إبعاد السكان والحجاج الذين يحجون إليها من كل بقاع العالم خاصة في أيام ما قبل عيد الفصح، المقدسة عند المسيحيين، وشهر رمضان المقدس عند المسلمين.
كنيسة القيامة
والتقى مدير مكتب واشنطن بوست في القدس بمقدسي يُدعى أديب جودة واقفا أمام أبواب كنيسة القيامة المغلقة. كانت الدموع تحاصره وهو ممسك بمفاتيح أبواب الكنيسة بعد أن قام بغلقها.
فما لبث أن سأله عن زمن آخر مرة أغلقت فيها الكنيسة التاريخية أبوابها وجاء الرد من جودة وهو مستند إلى الباب التاريخي المغلق، أن أبواب الكنيسة لم تغلق منذ انتشار وباء الطاعون الأسود في عام 1349.
وأشار هندركس إلى أن "القدس يتصارع عليها أرباب الأديان السماوية الثلاثة، المسلمين والمسيحيين واليهود، بحيث يزعم كل طرف أنه له الأحقية التاريخية والدينية والروحية في المدينة المقدسة".
وهذا الأمر أدى إلى جولات من الحروب على مر التاريخ سيبقى ذكرها أبديا في ذاكرة كل دين على حدة. ويتابع: أن "كل طرف يؤكد حربه الأبدية للحفاظ على المدينة ومقدساتها أو استردادها"، وفق تعبيره.
يروي الكاتب مشاهد جولته في المدينة بالقول: إن أزقتها الضيقة شديدة الانحدار، تكاد تكون خالية من المارة، إلا من دوريات الشرطة والقليل من سكان البلدة القديمة يتجولون في أحيائهم، بعيدا عن الأماكن التاريخية التي تعج بها القدس.
وتضم القدس كنيسة القيامة، التي بُنيت على موقع يزعم فيه المسيحيون أنه دُفن فيه المسيح ثم قام، والحائط الغربي، أقدس مكان للصلاة عند اليهود، والمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين عند المسلمين.
وينقل الكاتب شعور أهل القدس من مختلف الأديان، مؤكدا أنهم يشعرون أن السكون الناتج عن الإغلاق هو شر لا بد منه.
وفي حواره مع مدير مكتب واشنطن بوست في القدس قال جودة: إنه تلقى تعليمات من مسؤولي الصحة الإسرائيليين بضرورة إغلاق كافة الأماكن المقدسة للأديان الثلاثة إلى أجل غير مسمى.
إغلاق نادر
وأكد أن الحزن يخيم على الجميع هنا، لا فرق بين مسلم ومسيحي أو يهودي فيما يخص تلك الفاجعة، إلا أنهم لا يملكون سوى الصلاة والدعاء بالقضاء على هذا الوباء.
وتابع أنهم يأملون باستعادة أماكنهم المقدسة التي لا تهم فقط المقدسيين، على اختلاف أديانهم، وإنما هي مصدر الإلهام الروحي لكافة المؤمنين في العالم، مسلمين ومسيحيين ويهود.
وذكر أن أديب جودة، وهو مسلم ينحدر من عائلة ممتدة لقرون من الزمن مسؤولة عن مفاتيح كنيسة القيامة لأكثر من ثمانية قرون.
وقال: "استلزم القتال العنيف سابقا بين العائلات المسيحية على مفاتيح الكنيسة التاريخية، تسليم عهدتها إلى عائلتين غير مسيحيتين، واحدة لحمل المفتاح والأخرى تأتي كل صباح لفتح الأبواب، وكل مساء لغلقها".
ويؤكد الكاتب أن الأمور سارت على هذا المنوال بلا انقطاع سوى في مرات قليلة جدا تخلو فيها عن هذا النمط، من بينها في أسوأ أيام القتال في حربي 1948 و1967، ولمدة 48 ساعة في 2018 للاحتجاج على زيادة ضريبة الأملاك المقترحة على الكنائس.
لكن بحسب تاريخ عائلة جودة، لم تغلق الكنيسة أبوابها لأجل غير مسمى منذ جائحة الطاعون الأسود سوى بعد قدوم وباء كورونا في عام 2020.
قال جودة، وهو يقف في ساحة مزدحمة عادة: إلا أنها ساكنة و هادئة الآن باستثناء صوت الحمام،"سيُعاد فتح الأماكن المقدسة، هذا ما نعرفه" مُضيفا: "لقد ورثت المفتاح من والدي، وسأعطيه لأحد أبنائي، الحمد لله لدي ثلاثة".
يشير الكاتب إلى أن جودة نفسه جرى حظره من العبادة والصلاة في المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة الذي يتنازع على الأحقية فيه المسلمون واليهود.
وتجذب الساحة المحيطة بالمساجد عشرات الآلاف من المسلمين كل يوم جمعة، وكثيرا ما تكون نقطة اندلاع للمواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال.
من جهة أخرى يلحق إغلاق المدينة المقدسة الخسائر على التجار الذين يبيعون منتجاتهم إلى السياح داخلها، حيث أصابهم الإغلاق بحالة من الركود غير المسبوق.
ومن هؤلاء صبري زغير، الذي لم يأت إلى متجره للفواكه والخضروات سوى ثلاثة عملاء فقط، جميعهم من السكان المحليين، في وقت يمر فيه عادة الآلاف عبر الباب الأمامي.
يقول زغير: إن جده افتتح المتجر في عام 1948، ولم ير أيا من أفراد عائلته شيئا من هذا القبيل سابقا. ويضيف وهو يقف أمام صناديق من التمر: "لم نعانِ وقت الحروب مما نعانيه الآن، هذا المكان كان يعج بالسائحين حتى في تلك الأوقات".