سلمت "سرت" لحفتر.. لماذا انقلبت المدخلية السلفية على السراج؟

12

طباعة

مشاركة

عادت السلفية المدخلية المتنامية في عدد من الدول العربية إلى الواجهة، من البوابة الليبية هذه المرة، بعد مواجهتها اتهامات بالخيانة لتسهيلها دخول قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر إلى سرت، في خضم حرب يشنها على العاصمة طرابلس.

وأصبحت هذه المليشيا بمثابة جهاز أيديولوجي وسلاح قمعي بيد الأنظمة الدكتاتورية العسكرية، وعلا صيتها في خضم الانقلابات العسكرية العنيفة على الحركات الثورية الاحتجاجية التي اندلعت سنة 2011.

ووصفت حكومة الوفاق الوطني الليبية، انسحاب الكتيبة "604 مشاة" التي تتبع السلفية المدخلية من أماكنها بمدينة سرت، لصالح قوات حفتر، يوم 6 يناير/ كانون الثاني الجاري، بالخيانة للشعب الليبي وللحكومة المعترف بها دوليا، التي أبرمت تحالفا مع الكتيبة للدفاع عن سرت.

واتهام الخيانة الذي أطلقته حكومة فايز السراج، ضد السلفية المدخلية، ليس جديدا على القاموس المرتبط بهذه الجماعة التي تدين بالولاء الأيدلوجي الكامل للمملكة العربية السعودية، وهو ما أعاد للأذهان دورها المناصر للانقلاب العسكري في مصر برئاسة عبد الفتاح السيسي، ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي، ومواقف أخرى مشابهة جرت في تونس واليمن والجزائر.

والمدخلية تيار ديني مذهبي محافظ ينفر من الثورة والتغيير وينشد الاستقرار والحفاظ على الأمر الواقع، فهي تستند إلى معجم ديني هوياتي يمجد طاعة "ولي الأمر المتغلب بالقوة" كسلطة شرعية ما دامت توفر الاستقرار وتقيم الشعائر الدينية الإسلامية الظاهرة.

اعتراف بالخيانة

وسهل انسحاب الكتيبة 604 مشاة، دخول قوات حفتر وعناصر من المرتزقة الأجانب إلى قلب سرت، ما أدى إلى سقوطها خلال ساعات فقط، وأن انسحاب قوات الحماية التابعة لحكومة الوفاق، جاء نتيحة الخيانة والغدر، وحقنا لدماء المدنيين الذين سيكونون أهدافا سهلة إذا جرى أي اشتباك.

ورغم المقاومة الشرسة التي تشهدها العاصمة طرابلس، وغيرها من المدن الليبية التي تشهد مواجهات عسكرية بين طرفي النزاع، إلا أن سرت سلمت مفاتيحها لحفتر دون مقاومة تذكر، بعد خيانة الكتيبة السلفية وإعلان تأييدهم للواء المتقاعد في حملته ضد حكومة الوفاق.

وحسب شهادات لمقاتلين في "604 مشاة" التي تضم مقاتلي السلفية المدخلية في سرت، فإن الاتفاق بين حفتر وقيادات الكتيبة، لم يكن مفاجئا، رغم مشاركة الكتيبة في عمليات تأمين ومهام أخري عسكرية لصالح حكومة الوفاق في طرابلس وسرت وغيرهما.

ولعب الانتماء القبلي دورا كبيرا في انضمام المداخلة لحفتر باعتبار أن الجانبين ينتميان لقبيلة الفرحان صاحبة النفوذ الكبير في سرت ومصراتة، إلا أن الأهم من هذا كله هو التزام مقاتلي الكتيبة وقادتها، بالفتاوى التي يصدرها شيوخ سعوديون مقربون من نظام آل سعود، لدعم حفتر ضد قوات الوفاق.

ما سبق يؤكده مقطع فيديو، جرى تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، لأحد مسلحي الكتيبة (604 مشاة السلفية) يروي فيه قصة مساعدتها لقوات حفتر في دخول سرت.

وقال المسلح، خلال الفيديو: إنه كان في طليعة قوات "حفتر" التي اقتحمت سرت من مدخلها الشرقي، مؤكدا أن الكتيبة السلفية المدخلية، كانت في استقبال قوات "حفتر"، وفتحت لهم المعسكرات التابعة لهم فورا.

اللعب على الحبلين

وفقا لموقع "ميدل إيست آي"، فإن المداخلة يلعبون مع طرفي الصراع في ليبيا، حيث يحارب جانب منهم مع حكومة الوفاق، بينما الجانب الآخر حدد وجهته مع حفتر، وفي كلتا الحالتين فإن الطرفين لديهما ولاء تام للسعودية ومشايخها ومفتيها.

وحسب التحليل الذي كتبته الباحثة "فرانسيسكا مانوتشي"، فإن التيار المدخلي بدأ في السعودية، ونمت حركته في مصر ودول الخليج العربي، في تسعينيات القرن الماضي، كرد فعل على النشاط السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يبرر دعمهم للأنظمة الديكتاتورية، وتصديهم لكل الثورات العربية، وخاصة التي كان للإخوان ظهور كبير فيها.

ويؤكد "ميدل إيست آي"، أن المداخلة يدعمون انقلاب حفتر منذ 2014، عندما وقفوا ضد جماعة الإخوان المسلمين التي فازت في انتخابات مجلس النواب بعد الإطاحة بالقذافي، حيث ساندوا حملته على بني غازي، ثم جرى دمجهم بعد ذلك ضمن القوات العسكرية العاملة لصالح حفتر.


وتؤكد دراسة أعدها مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث، أن المداخلة هم مجرد أداة تستخدمهم الأجهزة الأمنية والمخابراتية السعودية والداعمة لها، لمراقبة وشيطنة التيارات الإسلامية.

وتشير إلى أن التيار المدخلي ينطلق من خلفية سلفية وهابية، ليكونوا رديفا للسلطة وموال لها، ضد المطالب الإصلاحية، ومن هنا جاءت فتاويهم لوجوب التعاون المفتوح مع الشرطة في كل شيء.

ووفق الدراسة فإن الربيع العربي كان سببا في حدوث صدمة عنيفة للفكر المدخلي، لذلك فإنه بعد مرحلة انحسار الثورات في مصر واليمن وليبيا، دخل المداخلة في تحالف مع قوى الثورة المضادة لإثبات نظريتهم في خطأ الثورات وإدانتها، وساعدوا على إسقاط الإسلاميين.

نعم للديكتاتورية

وبحسب بحث مطول نشرته وكالة "TRT"، التركية، فإن المدخلية تناهض الديمقراطية والعملية السياسية والنظام الحزبي والتداول السلمي للسلطة، وتحارب "الثورة" بوصفها تجسيدا للفتنة والفوضى، وتتعامل مع قوى التغيير السياسي في المجتمع كافة كجماعات من "المبتدعة"، وفرق من "الخوارج" المارقين.

فشرعية الحكم التي تحكم سلوك المداخلة تنص على أن "من اشتدت وطأته وجبت طاعته"، وشرعية السلطة تقوم على أن "سلطانا غشوما خير من فتنة تدوم".

ويؤكد البحث أن السلطات السعودية تبنت السلفية المدخلية، وأدخلتها في أجهزتها الإيديولوجية بعد حرب الخليج الثانية، وتنامت أدوارها وزاد نفوذها بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، إذ باتت السلفية المدخلية أحد أهم أركان الجهاز الإيديولوجي للدولة.

كما دعمت السعودية السلفية المدخلية في أرجاء العالمين العربي والإسلامي كافة، لمواجهة أطروحات التيارات الإسلامية السياسية، وقد مكّنت مقاربة الرعاية والولاء السلفية المدخلية من التموضع داخل المؤسسات التعليمية والإعلامية والمساجد والمؤسسات المعنية بالشؤون الدينية.

وحسب البحث فإنه أبرز دعاة السلفية المدخلية في مصر هم محمد سعيد رسلان، صاحب الفتوى الشهيرة لقوات السيسي بوجوب قتل المعارضين من أهالي كرداسة وغيرهم، وظهر أسامة القوصي، ومحمود لطفي عامر، وطلعت زهران، وغيرهم، في فتاوى الولاء للحكم العسكري والبراء من الإسلام السياسي.

ولم تقتصر حملة السلفية المدخلية على مناهضة جماعة الإخوان المسلمين، والتيار الجهادي، بل طالت حركات المقاومة الفلسطينية، لا سيما حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، التي نعتها رسلان بـ"خوارج العصر"، استنادا إلى فتوى ربيع المدخلي بأن "الإخوان المسلمين لم يتركوا أصلا من أصول الإسلام إلا نقضوه".

ويرصد البحث التطور الذي طرأ على التيار المدخلي وتجاوزه للدور الإيديولوجي إلى المجال العسكري، حيث شرعت السلفية المدخلية بتأسيس هياكل عسكرية ومليشيات مسلحة، في الدول التي تفتقر إلى وجود مؤسسة عسكرية فاعلة، مثل ليبيا واليمن ومن خلال هذه المليشيات يتم التحالف مع دكتاتوريات محلية ناشئة، بدعم من السعودية والإمارات ومصر.

عمائم للبيع

العنوان السابق كان مدخلا لتحقيق استقصائي موسع أعده موقع "ساسة بوست" عن انتشار المدخلية في الدول العربية، وكيف أنهم استخدموا الدين في دعم الحكام أيا كانت الجرائم التي يرتكبها هؤلاء الحكام ضد شعوبهم، وتحدث عن نشأتهم في السعودية، والدور الذي لعبوه في دعم حكام المملكة في شرعنة حرب الخليج الثانية عام 1990، ثم شرعنة الغزو الأمريكي للعراق بعد 14 عاما.

ويرصد التحقيق الاستقصائي خريطة التيار السلفي المدخلي في الوطن العربي، ونشاطه البارز بعد ظهور الربيع الثوري العربي، حيث اختلف دورهم الأيدلوجي من دولة لأخرى.

فبينما نصت أدبياتهم في شرحهم لأصول السنة على أن "المتغلب تجب طاعته حقنا للدماء، فإذا تغلب آخر وجبت طاعة المتغلب الجديد"، إلا أنهم انتهجوا سياسة الثورة المضادة ضد الأنظمة الجديدة الحاكمة في كل من اليمن ومصر وليبيا.

وحسب التحقيق نفسه، فإن الحركة المدخلية في اليمن التي يمثلها الشيخ الراحل مقبل الوادعي، ومن بعده يحيى الحجوري، ثم هاني بن بريك وأبو العباس عادل فارع، غيروا موقفهم من الطاعة العمياء لولي الأمر، كما كان الوضع في علاقة الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح بالشيخ الحجوري، إلى التمرد واستخدام العنف كوسيلة وحيدة للاحتجاج على السلطة الشرعية.

وهي الحالة التي تترجم العداء بين الرئيس هادي منصور والشيخ هاني بن بريك، بعد دعم الأخير للإمارات والسعودية على حساب الحكومة الشرعية.

كما تحدث التحقيق عن وضعهم في ليبيا، وانضمامهم لحفتر ضد حكومة السراج، ومساعدتهم له في بسط سيطرته على شرق ليبيا وجنوبها، وهو الإنجاز الذي يُنسب للمقاتلين السلفيين الذين اندمجوا فيما يعرف بـ«الجيش الوطني الليبي» التابع لحفتر.

وهذا الاندماج سمح لهم بمزيد من الانتشار في الأماكن التي سيطر عليها جغرافيا، وأيضا على الفرق العسكرية الضاربة في الأرض مثل "الكتيبة 210 مشاة" و"الكتيبة 302 صاعقة".